الانسحاب من سورية؛ إدارة ترمب تعود عن أخطائها
فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الجميع بإعلانه رحيل قواته عن سورية، واشنطن أضافت على الفور بعض الشروط القاسية لهذا الانسحاب، الأمر الذي كشف عن ارتباكٍ كبيرٍ يسود البيت الأبيض.
هل سيغادرون أم لا؟
منذ الإعلان المفاجئ لدونالد ترمب في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر الفائت عن انسحاب الولايات المتحدة من سورية، منذ ذلك الحين لا تزال الظروف في داخل البيت الأبيض متذبذبة.
في البداية كانت التقديرات تشير إلى ثلاثين يومًا لإكمال الانسحاب، ثمّ أربعة أشهرٍ بعد ذلك. بالنتيجة؛ هذا الانسحاب الذي دفع وزير الدفاع جيمس ماتيس للاستقالة يمكن أن يستغرق أشهرًا وربما سنوات.
في زيارة مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جون بولتون لإسرائيل في 6 كانون الثاني/يناير، أكد أن الانسحاب سيقابله عدة شروط بما في ذلك القضاء على آخر مقاتلي تنظيم الدولة، وكذلك التزام تركيا بعدم مهاجمة الميليشيات الكردية من YPG حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين الذين تعتبرهم أنقرة منظمةً إرهابية.
في هذا الصدد أوضح بولتون أنّ: “هناك أهداف نريد تحقيقها كشرطٍ لهذا الانسحاب، وبمجرّد الانتهاء من ذلك يمكننا أن نتحدث عن جدولٍ زمني”.
في مواجهة حالة الارتباك السائدة حاليًا والتي عادت إلى إدارته، أكّد دونالد ترمب أنّ نواياه في سورية لم تتغير: “سنغادر بوتيرةٍ مناسبةٍ بينما سنواصل محاربة تنظيم الدولة”.
وأكد الرئيس الأمريكي أنّ التنظيم قد تمت هزيمته بالفعل، هذه الحلقة بالذات توضح مدى عمق الفجوة داخل البيت الأبيض. في النهاية لم يُخفِ ترمب ميوله الانعزالية القوية ورغبته بفكّ ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.
حتى أنّه أوضح في الصيف الماضي أنّ قرار جورج دبليو بوش بالذهاب إلى الحرب في المنطقة كان “أسوأ خطأ” في تاريخ الولايات المتحدة.
بينما الآن -وهذه من أكبر المفارقات- يُحيط بترمب شخصياتٌ دعمت بشراسةٍ حربي العراق وأفغانستان، أهمّ هذه الشخصيات جون بولتون رمز صقور المحافظين الجُدد.
يعتقد جون بولتون -مثل وزير الخارجية مايك بومبيو- أنّ تدخل الولايات المتحدة في سورية يجب أن يخدم أيضًا مصلحة بلاده في مواجهة تأثير الخطر الإيراني.
حسب رؤية ترمب حتى وإن دافع عن خطّه الدبلوماسي القاسي تجاه إيران -سحب الاتفاق النووي وزيادة العقوبات المفروضة على إيران- لا يبدو أنه وضع مواجهة إيران في الحسبان، إذ ألمح خلال اجتماعٍ حكومي أنّ الإيرانيين يمكنهم أن “يفعلوا ما يشاؤون” في سورية، حيث “لم يبقَ سوى الرمال والموت”.
يُركّز ترمب حاليًّا وبشكلٍ كاملٍ على حملة إعادة انتخابه في عام 2020، ويرغب في المقام الأول أن يقدّم تعهداتٍ لقاعدته الشعبية مع الوفاء بوعوده بإعادة الشباب بسرعةٍ إلى الوطن من سورية ومن أفغانستان.
وعلى هذا مضى ترمب ليقرر ذلك ولكن دون تحذيرٍ لحلفائه وجنرالاته ومستشاريه، ودون تحضيرٍ أو تفكيرٍ شاملٍ في العواقب.
على الأرض في سورية، يُضيف التحوّل الأمريكي الجديد المزيد من اللبس بين شركاء وكذلك معارضي الولايات المتحدة.
أخذت القوى الموجودة شمال وشرق البلاد بعد أن أعلنت أمريكا نيتها الانسحاب قبل ثلاثة أسابيع، أخذت تُعيد إعادة ترتيب نفسها وفقًا لذلك. إنهم الآن في حالة إحراجٍ وقلق بالغ، حيث يُشكل الأكراد الجزء الأكبر من قوّات سورية الديمقراطية الذين تلقوا مساندةً كبيرةً من التحالف الدولي في الحرب ضدّ تنظيم الدولة.
واستفادوا بشكلٍ كبيرٍ من المساعدات المالية والعسكرية والسياسية التي قدمتها الولايات المتحدة لهم، هم الآن في حالة هلعٍ بعد قرار ترمب لأنه وضعهم أمام تركيا التي كانت تُعد لهجومٍ جدّي ضدّهم لتجنّب تشكيل كيانٍ كردي على حدودها الجنوبية.
نتيجةً لهذا القلق الكردي من إعلان الولايات المتحدة، فإنّ الأكراد ينتظرون “توضيحاتٍ” من الولايات المتحدة وفقًا لأحد المتحدثين باسمهم.
قال بدران جيا وهو أحد المسؤولين في قوات سورية الديمقراطية لوكالة (أسوشيتدبرس): “لم يتم إبلاغنا بالتغيرات بالموقف الأمريكي ونحن الآن في وضعٍ ضبابي”.
توازن:
أنقرة التي رحبت بإعلان ترمب بالانسحاب من سورية ردّت بقوة على الشروط الجديدة التي فرضتها واشنطن، والتي تجعل من انسحابها الفعال أمرًا مشكوكًا به. هذا بيانٌ “لا معنى له”، هكذا أدان المتحدث باسم الرئاسة التركية التصريحات التي طالب من خلالها جون بولتون تركيا ب “ضماناتٍ بعدم مهاجمة القوّات الكردية”.
جون بولتون وصل إلى تركيا في ٧ كانون الثاني/يناير برفقة رئيس الأركان الأمريكي الجنرال جوزيف دانفورد لإجراء محادثاتٍ مع الرئيس أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين حول شروط الانسحاب الأمريكي المحتمل والتي لا تزال حتى الآن غير واضحة المعالم. -ذكرت الصحف التركية أن الرئيس أردوغان رفض لقاء بولتون-.
باختصار، بالنسبة إلى ما هو من وزن 2000 جندي أمريكي على الأرض، فإنّ التوازن العسكري والسياسي الكامل في المنطقة يعتمد على وجود أو عدم وجود الولايات المتحدة الأمريكية فيها.
هلا قضماني وفريدريك أوتران لصحيفة (ليبراسيون) 7 كانون الثاني/يناير 2019
رابط المقال الأصلي من هنا
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية “
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018