تمّ إنشاء اللواء الشيعي (فاطميون) في عام ٢٠١٣ من قبل حرس الثورة الإيراني الذي قام بتجنيد المهاجرين الأفغان لدعم بشار الأسد. مقابل المال سيقاتل هؤلاء ويموتون بأعدادٍ كبيرةٍ في حربٍ ليست حربهم.
حسين لا يفعل شيئًا سوى الجلوس في حديقةٍ في ضاحيةٍ فقيرةٍ في طهران ينتظر صديقه الذي وعده أن يلتقيه يومًا، يعيش حسين الأفغاني الجنسية بشكلٍ غير قانوني في إيران مثل مليون شخصٍ آخرين وفقًا لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في حديقة الصنوبر هذه يظلّ وحيدًا يحدّق بمجموعةٍ من الشباب الذين يستريحون في زقاقٍ قريبٍ، يُشير إليهم بإصبعه “هؤلاء بلطجية سيذهبون إلى سورية من أجل المال، هؤلاء يحاربون من أجل المال، يرتدون ثياب محاربين ويقولون أنّهم فاطميون”.
لواء فاطميون هو لواءٌ أنشأه الحرس الثوري الإيراني عام ٢٠١٣، يضمّ الشيعة الأفغان من (الهازار) الذين أوكلت لهم مهمة القتال لإنقاذ بشار الأسد. واشنطن أضافت هذا اللواء إلى لائحة العقوبات في كانون الثاني/يناير من هذا العام، كما اعتبرت منذ بداية نيسان/أبريل الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابية.
في ذروة الحرب في عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦ كان هؤلاء المرتزقة يحملون العلم الأصفر المزخرف بكلاشينكوف وأغصان، يبلغ عددهم حوالي ١٠٠٠٠ وفقًا لماتيو بوكستون وهو خبيرٌ في الصراع السوري.
يتذكر حسين بشكلٍ جيدٍ تلك الفترة والتي تبدو بعيدةً بالنسبة لشاب يبلغ من العمر ٢٣ عامًا، وصل إلى إيران بطريقةٍ غير قانونية، وطاردته السلطات مع من أتى معه في كل مكان. “كانوا يبحثون عن الأفغان حتى في المصانع، لقد دخلوا السجون ووعدوا القتلة والمجرمين بالحرية إن هم ذهبوا للقتال في سورية”، ويتابع حسين أنّه اعْتُقِل يومًا وقالت له الشرطة حينها أنّه إن ذهب إلى سورية فسيحصل على المال والأوراق الثبوتية والعمل ولكنه رفض كما قال.
يبرر حسين رفضه بأسباب تتعلق بعائلته: “إنْ متُّ هناك لن يبقى لأهلي أي شيء، وأخواتي لن يتبقى أمامهنّ سوى العمل بالدعارة”! تمّ بعدها إبعاد الشاب إلى أفغانستان بسبب رفضه لكنّه تمكن من الدخول إلى إيران مرّةً أخرى.
الحرس البرايتوري (الإمبراطوري):
ذهب الكثير إلى سورية بدلًا من أن يبقوا تحت الضغوط -على الأقل المالية-، كان هذا هو السبب الحقيقي وراء ذهابهم أكثر من القناعة الإيديولوجية.
طوّر النظام الإيراني روايةً سياسيّةً دينيةً لتبرير دعمه المكلف للغاية للدكتاتور الأسد، إذ ادّعى أنّ هدفه هو الدفاع عن “الأماكن المقدسة” عند الشيعة ولا سيما مقام /السيدة زينب _بنت علي_ بالقرب من دمشق.
المقاتلون الذين تمّ تجنيدهم من قبل الحرس الثوري هم الحرس الإمبراطوري الذين تولّوا تلك السياسة الاستراتيجية لإيران “المدافعون عن الأضرحة”، هم بذلك يضحّون بأنفسهم من أجل (مَوتى)، هذا إنْ صحّت روايتهم.
لا أحد ينخدع بادعاءاتٍ كهذه، كثيرٌ من الأفغان ممن يقع تحت الهدف الإيراني يرفضون ذلك “الذهاب إلى سورية؟ كنّا نعيش في أفغانستان وهاجرنا بسبب الحرب، إن كان علينا أن نقاتل سنفعل ذلك في أفغانستان وليس في سورية”. كان هذا كلام رجلٍ أفغاني عجوز افتتح مطعم شواء في (شاري ري) في مقاطعة طهران. كانت هذه المدينة سابقًا عاصمة الإمبراطورية وأصبحت اليوم منطقةً شعبيّةً بعيدةً في جنوب العاصمة الإيرانية.
على مقعدٍ قريبٍ يجلس شابّان لا يبدوان على إيمانهما بما تمّ الترويج له حتى وإنْ ذهبا إلى سورية مرتين في عام ٢٠١٦ “ذهبنا لزيارة السيدة زينب”. لن يقولا شيئًا عمّا فعلاه هناك، بالكاد تحدثا عن كيفية انتسابهما للواء (فاطميون)، أحدهما أشار يمينًا إلى مكانٍ قريب حيث ضريح شاه عبد العظيم سليل أحد _الأئمة_ عند الشيعة.
هناك يوجد مكتبٌ للتجنيد “في الضريح” كما يؤكد الشابّان، وفي نهاية الزقاق يوجد حسينية -مكان عبادة عند الشيعة-، تمّ وضع إعلانٍ كبيرٍ للواء (فاطميون)، الآن هذا المكان مغلقٌ، فإذا أردت أنْ تنتسب عليك الذهاب إلى مدينة باكداش الفقيرة جنوبي طهران، كما أوضح الشابان.
التزما الصمت عند سؤالهما عن باقي التفاصيل من قتالٍ ومعداتٍ وقيادة، أحدهما قال: إنّه حصل على بطاقةٍ تثبت إقامته الدائمة في إيران، وقال أنّه ذهب إلى سورية عدّة مراتٍ وأنّه سيعود في اليوم التالي، هذا كل ما قاله.
في المنتزه، يُشير حسين بسخريةٍ إلى مجموعةٍ من (فاطميون) يرتدُون ستراتٍ عسكرية وكوفية بيضاء وسوداء، أحدهم كان مسرورًا لأنه تحدّث إلينا بالإنكليزية مع لكنةٍ أمريكية قويّة، قال أنّه عمل مع القوات الأمريكية في أفغانستان.
هنا أثار تساؤلنا، كيف يعمل بعد ذلك مع الحرس الثوري؟ يردّ أنه ليس لديه معلومات. من يقدّم لنا تفاصيل يحدّثنا فقط عن أصدقاء أو أقارب انضمّوا إلى اللواء ولا يتحدّث أبدًا عن نفسه.
مع ذلك حصلنا على بعض المعلومات، من ينتسب يخضع في شهرين أو ثلاثة لدوراتٍ دينيةٍ وتدريبٍ على استخدام السلاح، ويكون تحت إمرةٍ مباشرةٍ من أفغاني آخر، أمّا الراتب فيتجاوز ثلاثة أضعاف ما يحصلون عليه من العمل في إيران في مواقع البناء وفي ظروف غايةً في الصعوبة، إنّهم يحصلون على ٢٠٠ يورو شهريًّا للموت في سورية.
يرى ماتيو بوكستون أنّ الإيرانيين “يستخدمون الأفغان كحشوة مدفع” وكذلك يلاحظ وجود تصاعدٍ في عملية تجنيد المرتزقة في الفترة الأخيرة.
تمّ رصد وحداتٍ ثقيلةٍ منذ عام ٢٠١٦ لدى لواء فاطميون، بما في ذلك عرباتٍ مدرّعةٍ من طراز t72) وt52 )الروسية الصنع.
وحسب متحدّثٍ باسم اللواء هناك حوالي ٢٠٠٠ قتيل من المرتزقة الأفغان سقطوا في سورية في العام الماضي فقط، وهو رقمٌ لا يأخذ بالحسبان عدد الجثث التي لم يتم سحبها من مكان المعارك أو تلك المفقودة منها.
كان ولدي انتحاريًّا:
تكرّم الجمهورية الإسلامية بعض الجثث التي أُعيدت إلى الوطن في (بهشي زهرا) المقبرة الكبيرة في طهران، الفاطميون لديهم مكانٌ فيها بين الصحفيين الذين لقَوا حتفهم في تحطّم الطائرة والنواب الذين قُتِلوا في هجومٍ على البرلمان من قبل تنظيم الدولة في حزيران/يونيو ٢٠١٧.
نحو خمسين مقبرةٍ تحمل نقوشًا “مُدافع عن الحرم” مثلًا وأيضًا صورةً للقتيل منسوخةً على الرخام الأسود مع آيةٍ من القرآن الكريم أو أبياتٍ من الشعر الفارسي الكلاسيكي، وكذلك اسم القتيل أو عبارة “شهيد غير معروف” أو”ابن روح الله _اسم الخميني_”، هذه الأخيرة يحملها بعض القتلى المرتزقة مجهولي الهوية.
تواريخ ميلادهم ومقتلهم تحكي قصّة المعارك العنيفة التي دارت رحاها في سورية، من بين من قُتِل علي رضا رحيمي الذي سقط في حمص تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٥، يبدو من خلال صورته أنّه طفل حيث لم يتجاوز الفتى ١٧ عامًا.
يوم الخميس تندفع العائلات نحو قبور موتاهم، في كثير من الأحيان يكون القتيل ولدًا أو أخًا، رجلٌ عجوزٌ يحمل تحت إبطه كرسيًّا قابلًا للطيّ ويرتدي (سوار كاميز _الزي الأفغاني التقليدي_)، يتحدّث الرجل عن طيب خاطرٍ عن ولده الذي لا يزال في حدادٍ عليه.
من المفارقة أن “شهيده” كما يقول الأب فتح أبواب إيران لوالديه “دعتنا السلطات إلى هنا، ومنحونا جواز سفر، ووعدونا بالسكن ولا نزال ننتظر”. ترك الابن خلفه ثلاثة أطفالٍ صغار، وهم الآن برعاية والده العجوز الذي يتقاضى ١٧٠ يورو لتلبية احتياجات العائلة.
يزداد الغضب عند العجوز رب العائلة “كان ولدي انتحاريًّا، أجبره الجيش السوري على ذلك وربطوا على جسده متفجرات” أعاد ذلك عدّة مراتٍ وبالعربية “entehari”.
هذه المعلومات فاجأت العديد من الخبراء، فيليب سميث المختص في الميليشيات الشيعية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قال أنّه لم يسبق أن سمع أنّ لواء فاطميون يروّج للتفجيرات الانتحارية، ويشكّ في أنّ أحدًا من عناصره ارتدى حزامًا ناسفًا.
وكذلك ماتيو بوكستون أكّد أنّه لم يسبق أن سمع بذلك لدى لواء فاطميون في سورية، لكن العجوز مقتنعٌ تمامًا بذلك ويقول أنّه شاهد جثة ابنه مقطّعة في الجنازة التي حضرها عددٌ كبير من الحرس الثوري.
“غادر من دون أن يقول أي شيء”:
سيّدةٌ عجوز مغطاةٌ بعباءةٍ ثخينةٍ سوداء (تشادور _وهو لباسٌ من حجابٍ طويل تلبسه المتدينات الإيرانيات_)، قامت بشطف قبر ابنها بالماء ونثرت عليه زهور البرتقال، إلى جانبها رجلٌ ذو لحيةٍ بيضاء وقبعة حمراء “يدعو” لولده محمد الذي قُتل في ٢٧أيار/مايو ٢٠١٧.
“آخر مرةٍ غادر فيها دون أن يقول أي شيء لأنني مصابٌ بمرضٍ في القلب ولا يريدني أن أقلق” وتابع العجوز أنّ ولده رأى السيدة في منامه “نحن شيعة ويجب أن ندافع عنها”. عرض العجوز صورًا عمّا قال عنه “أمجاد ابنه” بينما في مكان قريب تصدح الأغاني الشيعية عن الإمام /الحسين _الإمام الثالث عند الشيعة الاثني عشرية_.
“آخر مرةٍ غادر فيها دون أن يقول أي شيء لأنني مصابٌ بمرضٍ في القلب ولا يريدني أن أقلق” وتابع العجوز أنّ ولده رأى السيدة في منامه “نحن شيعة ويجب أن ندافع عنها”. عرض العجوز صورًا عمّا قال عنه “أمجاد ابنه” بينما في مكان قريب تصدح الأغاني الشيعية عن الإمام /الحسين _الإمام الثالث عند الشيعة الاثني عشرية_.
بيير آلونسو لصحيفة (ليبراسيون) ١٠نيسان/أبريل ٢٠١٩
رابط المقال
https://bit.ly/2UaL2XS