اتفاقيات العراق وتركيا والدور الإقليمي القادم لأنقرة.
إعداد مجموعة القارات الثلاث بالتعاون مع برق للسياسات والاستشارات
مقدمة:
شهدت الأشهر الأخيرة عدة اجتماعات عراقية تركية على أعلى المستويات بينها قمة رئاسية في نيسان/ أبريل الماضي تم تتويجها بأكثر من 24 اتفاقية مشتركة، شملت الاقتصاد والتجارة والطاقة والمياه والثقافة والسياحة والنقل والزراعة والتعليم والشباب والرياضة والضمان الاجتماعي، وتم تشكيل لجان عليا خاصة بكل اتفاقية من هذه الاتفاقيات للإشراف على سرعة تنفيذها وإزالة العراقيل المتعلقة بها.
هذه الاتفاقيات تم النظر إليها بين المراقبين على أنها اتفاقيات ثنائية تستند إلى الاحتياجات الذاتية للعراق وتركيا، كما تم إهمال البعد الإقليمي لها في الصحافة الدولية.
بعض المقاربات اختارت النظر إلى هذه الاتفاقيات باعتبارها محاطة بالكثير من العراقيل كما حصل سابقًا للعراق مع تركيا، وتمت الإشارة إلى أن تنفيذها يحتاج تجاوز الكثير من التحديات، بما فيها التحديات المتعلقة بتجاذبات الداخل العراقي، وكذلك القوى الدولية الفاعلة في العراق – بشكل خاص الولايات المتحدة وإيران -.
واستندت لغة التشكيك هذه إلى طبيعة الدور الأمريكي والإيراني في العراق، والخلافات الكثيرة بخصوص نشاطات تركية في المنطقة، والتي تشكل أحد أسباب توقع فشل هذه الاتفاقيات، يضاف إليها حالة الضعف الداخلي في العراق.
إهمال البعد الإقليمي لهذه الاتفاقيات يساهم في إخراجها من بيئتها الرئيسية التي ساهمت في سرعة توقيعها، ويضعها في صيغة بيئة محدودة بهواجس أنقرة الأمنية وهواجس العراق المائية وهذه مقاربة غير موضوعية؛ لأنها تخرج هذه الاتفاقيات من سياقها الإقليمي الصحيح إلى سياق ثنائي محدود، لا يستحق تشكيل أكثر من ١٧ لجنة عليا إضافة ألى مجلس التخطيط الاستراتيجي الأعلى الذي يمثل أهم الوزارات السيادية في العراق و تركيا.
كما أن العراق قام مؤخرًا بتأجيل إعلان موعد انسحاب القوات الامريكية من العراق بسبب عقدة الفراغ الأمريكي في المنطقة والتوازن المستهدف حاليًّا من الجانب العراقي تجاه إيران، مع التعقيدات الأمنية والعسكرية في المنطقة وتداعيات مابعد غزة.
الاتفاقيات الموقعة بين تركيا والعراق:
- اتفاق الإطار الإستراتيجي بين جمهورية العراق وبين الجمهورية التركية.
- مذكرة اتفاق إطاري للتعاون في مجال المياه بين جمهورية العراق وبين الجمهورية التركية.
- مذكرة تفاهم مشروع طريق التنمية، بين وزارة النقل العراقية وبين وزارة النقل والبنى التحتية التركية.
- مذكرة تفاهم لتشكيل لجنة تجارية اقتصادية مشتركة (JETCO) بين وزارتي التجارة العراقية والتركية.
- اتفاقية تشجيع وحماية وتبادل الاستثمارات، بين الهيئة الوطنية للاستثمار العراقية، وبين وزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية.
- مذكرة تفاهم بين اتحاد الغرف التجارية العراقية وبين مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي.
- مذكرة تفاهم للتعاون الفني والعلمي والاقتصادي في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بين وزارة الصناعة العراقية وبين وزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية.
- مذكرة تفاهم في مجال التدريب العسكري، بين وزارتي الدفاع العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم بشأن التدريب والتعاون في مجال الصحة العسكرية، بين وزارتي الدفاع العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم للتعاون الإستراتيجي بين هيئة التصنيع الحربي العراقية وبين سكرتارية الصناعات الدفاعية التركية.
- مذكرة تفاهم للتعاون الأمني، بين وزارتي الداخلية العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم بين معهد الخدمة الخارجية العراقي وبين معهد الدراسات الإستراتيجية التركي، وبين وزارتي الخارجية العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الشباب والرياضة، بين وزارتي الشباب والرياضة العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم للتعاون في مجال العلوم الصحية والطبية، بين وزارتي الصحة العراقية والتركية.
- خطة مجموعة العمل الزراعية للفترة 2024-2025، بين وزارتي الزراعة العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم بشأن البحث العلمي والتكنولوجي، بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية ومجلس البحث العلمي والتكنولوجي التركي.
- مذكرة تفاهم للتعاون في المجال التربوي، بين وزارتي التربية العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم في مجال التعاون السياحي، بين وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية وبين وزارة السياحة التركية.
- مذكرة تفاهم في مجال التشغيل والضمان الاجتماعي، بين وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية العراقية والتركية.
- مذكرة تفاهم في مجال الشأن الاجتماعي والأسرة، بين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية وبين وزارة الأسرة والخدمات التركية.
- مذكرة تفاهم بشأن الوثائق والأرشيف الحكومي، بين وزارة الثقافة العراقية وبين الأرشيف الحكومي التركي.
- مذكرة تفاهم في مجال أمن المنتجات والحواجز الفنية أمام التجارة، بين وزارة التخطيط العراقية وبين وزارة التجارة التركية.
- مذكرة تفاهم في الشؤون الدينية، بين ديوان الوقف السني العراقي وبين رئاسة الشؤون الدينية التركية.
- مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال التدريب القضائي للطلاب والقضاة والمساعدين والمدعين العامين، بين المعهد القضائي العراقي وبين أكاديمية العدالة التركية.
- مذكرة تفاهم في مجال الكهرباء، بين وزارة الكهرباء العراقية وبين وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية.
- مذكرة تفاهم في مجال الإعلام والاتصالات بين هيئة الإعلام والاتصالات العراقية وبين رئاسة الاتصالات التركية.
البيئة السياسية والأمنية الإقليمية التي ساهمت في هذه الاتفاقيات:
المحدد الإقليمي:
انطلقت تركيا في هذه الاتفاقيات من مساعيها لملء الفراغ الأمريكي في المنطقة في حال حصول أي انسحاب امريكي، وهذا ما تم تنسيقه مع الولايات المتحدة من جهة والعراق ودول الخليج وإقليم كردستان من جهة أخرى؛ حتى لا تخرج إيران على التوازن المعتمد في المنطقة ولكي لا تعمل على التوسع في مناطق النفوذ الأمريكي بعد انسحاب الولايات المتحدة أو تراجع دورها لاهتمامها بمناطق أخرى.
هذا البعد الموازن لإيران في العراق تمت الإشارة إليه مرارًا في دراسات مركز سيتا ومراكز أخرى قريبة للخارجية التركية، وممن تبناه برهان دوران الذي أصبح حاليًّا من نواب وزير الخارجية التركي.
يضاف للمحدد الإقليمي أيضًا دور العراق في الأمن الغذائي وأمن الطاقة وأمن الطرق الدولية بين القارات الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا) وهو يشكل اهتمامًا عالي المستوى حاليًّا لدول الخليج ضمن التهديدات الحالية إقليميًّا ودوليًّا.
لذلك جاءت اتفاقية مشروع طريقة التنمية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر بعد قمة الرئيس أردوغان في العراق، تحت هدف تحويل العراق إلى مركز لتجارة الترانزيت بين آسيا وأوروبا عبر ربط ميناء الفاو جنوب العراق – الغني بالنفط – مع تركيا في الشمال التي تشكل بوابة مهمة لأوروبا وبديلًا أرخص من خط الرجاء الصالح وقناة السويس، أو على الأقل خط احتياط في حال تهديد الطرق الأخرى كما يحصل حاليًّا، ويعتبر هذا المشروع أيضًا منفصلاً عن الطموحات الإقليمية للقوى الخارجية.
المشكلة حاليًّا في إمكانية تأمين مبلغ 17 مليار دولار لصالح المشروع والبيئة الأمنية الهشّة في العراق، لكن يتم العمل على إقناع أوروبا من العراق لتمويله باعتبارها الوجهة النهائية، وكذلك إقناع الولايات المتحدة باعتبارها مستفيدة من إبعاد إيران عن المشروع، وكذلك استهداف المشروع حاضنة شيعية أفقرتها إيران رغم أنها تتبع إديولوجيًّا لإيران، وهذا يساهم في شرخ شيعي عربي تجاه إيران بما يخدم المشروع الخليجي ومشروع إبعاد الشيعة العرب عن إيران حسب بعض الرغبات الأمريكية رغم التشكيك فيها.
المحدد التركي:
تدرك تركيا أهمية دورها في ملء الفراغ الأمريكي في المنطقة ودورها في التوازن مع إيران (اللاعب الإقليمي غير المنضبط) وكذلك دورها في التوازن بين الأهداف الغربية الإستراتيجية في المنطقة (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفاؤهم) والأهداف الشرقية (الصين وروسيا وحلفاؤهما).
كما تدرك تركيا أهمية العراق في هذه المشاريع لكافة الدول الفاعلة في المنطقة، لذلك يتم توظيف دورها الإقليمي لمصلحة الاقتصاد والأمن التركي، من خلال:
- إعادة إحياء اتفاقية الأمن مع صدام حسين (٣٠ كم في الحدود العراقية التركية) حيث ساهمت الاتفاقيات الأخيرة في ضمان حرية العمل العسكري التركي في هذه المنطقة لعشر سنوات قابلة للتمديد، وهذا يحول مشروع تركيا للممر الآمن في الحدود العراقية التركية وامتدادها في سوريا إلى مشروع قابل للتنفيذ خلال الفترة القادمة، ويضمن سيطرة تركيا على خط ام فور من النقطة الأولى في اليعربية في الحدود العراقية حتى إدلب، كما يضمن قطع طريق التواصل بين حزب العمال الكردستاني وقسد، ويساهم في الضغط على الأمريكان والروس والنظام للموافقة على ممر ٣٠ كم في مناطق سيطرة قسد.
- المساهمة التركية الفاعلة في دعم الثقافات المهدَّدة في العراق بسبب المشاريع الإيرانية (ذات الصبغة المذهبية) ولذلك تم إدراج مشاريع تتعلق بالتعاون الثقافي والديني بين العراق وتركيا.
- المساهمة في عودة خط النفط العراقي إلى البحر المتوسط في تركيا (ميناء جيهان) وتعطيل المشروع الإيراني باتجاه المتوسط في سوريا، وكذلك يضمن إمكانية حصول الشركات التركية المساهمة في مشاريع البنية التحتية في العراق على تعويضاتهم المالية من بيع النفط.
- المساهمة في تحجيم المشروع الإيراني الذي عمل على ضرب الشيعة العراقيين بتركيا عبر دعم الحشد العراقي لحزب العمال الكردستاني في سنجار والموصل، حيث تجذب المشاريع التركية شركات شيعية عراقية لتطوير البنية التحتية الزراعية والمائية في المناطق الشيعية حول دجلة والفرات وميناء الفاو والبصرة، وهذا يصحح البيئة الأمنية المعادية لتركيا في هذه الأوساط الشيعية.
- المساهمة في توفير حلول مهمة لمشكلات الاقتصاد التركي وخاصة مع السياسة الاقتصادية المتشددة حاليًّا في تركيا؛ حيث يحتاج الفريق الاقتصادي لحوامل سياسية لإنقاذ مشروعه لتصحيح الاقتصاد التركي، ويتم العمل على تكرار النموذج الاقتصادي الذي تم اعتماده مع العراق عام ٢٠٠٥ -٢٠٠٧ حيث ساهم هذا النموذج في تحسين أوضاع الكثير من الشركات التركية التي أفلست في الأزمة الاقتصادية في تركيا عام ٢٠٠٢.
المحدد العراقي:
تستند هذه الاتفاقيات ألى مخاوف عراقية مهمة من انهيار الأمن الغذائي في العراق نتيجة التصحر وتدمير البيئة المائية، سواء كان ذلك بسبب تراجع الموارد المائية القادمة من تركيا أو بسبب سوء إدارة الموارد المائية رغم القروض التي حصلت عليها العراق من تركيا عام ٢٠١٠ لتنظيم هذه الموارد؛ حيث خضعت للفساد ولم تحقق أي نتيجة.
ولذلك تحتاج الحكومة العراقية حاليًّا إلى شركات وخبرات تركية لتنظيم هذه الموارد، والتي يمكن عبرها ضمان موافقة الخليج على قروض للعراق بشرط تسليم المشاريع للشركات التركية.
كما أن فشل تجارب العراق الاقتصادية مع إيران وافتقار المناطق الشيعية قبل المناطق غير الشيعية والمظاهرات التي انطلقت فيها خلال العامين الأخيرين شكل عاملًا محفِّزًا للعراق في هذه الاتفاقيات، وساهم في عدم تعطيل إيران هذه الاتفاقيات لاحقًا؛ بسبب الضغوط من التيار الشيعي العراقي على إيران واظهارهم المظاهرات الشيعية باعتبارها مرحلة أولى قد تؤدي إلى ثورة تمرد شيعية ضد إيران في العراق.
الخلاصة:
يغلب البعد الإقليمي هذه المرة على الاتفاقيات العراقية مع تركيا؛ لأن التوجهات الإقليمية جاءت متناغمة مع التوجهات التركية والعراقية لإدراك كل هذه الأطراف خطورة التهديدات على طرق التجارة الدولية وخطوط نقل الطاقة، وخوف دول المنطقة من الوقوع تحت مطحنة التنافس الغربي والشرقي على خطوط الإمداد الدولية، ولذلك تدخل هذه التوجهات ضمن سياق تحسين إمكانية تنفيذ هذه الاتفاقيات وعدم تعطيلها كما حصل في اتفاقيات أخرى.