بعد حريق نوتردام حاول إيمانويل ماكرون أن يُقنع البابا فرانسوا بالقدوم إلى باريس بأسرع وقتٍ ممكن.
يحلم الرئيس بمعجزةٍ خارقة، إذ أنّه يوم الثلاثاء وبعد يومٍ واحدٍ من حريق نوتردام أخذ زمام المبادرة بدعوة البابا.
في نهاية محادثةٍ معه دعاه ماكرون إلى المجيء إلى فرنسا، بعد هذه الدعوة بيومين قال الرئيس الفرنسي أمام رجال الإطفاء الذين دعاهم لشكرهم في الإليزيه “سيأتي في الوقت المناسب”.
قال هذه العبارة دون أن يُشير إلى أنّ كلّ الجهود المبذولة للتعجيل على الأقل بقدوم رئيس الكنيسة الكاثوليكية لا تزال حتى الآن دون جدوى.
من جانبه قال مصدرٌ في الفاتيكان أنّ جزءًا من حاشية البابا فرانسوا نصحوه أن يذهب إلى باريس “يعتقد البعض أن البابا كان ينبغي أن يستفيد من هذه المأساة من أجل الاقتراب من الكاثوليك الفرنسيين المحبطين من إدارته لقضية الكاردينال بارباران” _الكاردينال بارباران، أعلى مسؤول في الكنيسة الفرنسية يُحاكم بسبب تستره على قساوسةٍ متّهمين باعتداءاتٍ جنسية على أطفال_.
لكن من الواضح أنّ الفاتيكان وصل أخيرًا إلى قرارٍ بعدم جدوى تلك الزيارة حاليًّا. استمرت مع ذلك محاولات ماكرون.
بعدها بأيامٍ تمّ تسليم دعوة الرئيس ولكن هذه المرّة على شكل رسالةٍ من رئيس الدبلوماسية الفرنسي جان إيف لودريان الذي كان يزور روما لإجراء محادثاتٍ مع السلطات الإيطالية.
خلال زيارته منح وسام شرفٍ لصديق طفولته الأب جان لاندوسي الذي أصبح رئيس قسم الفرنكوفونية في دبلوماسية الفاتيكان، وكذلك المترجم الشخصي للبابا في محادثاته مع الرؤساء الفرنسيين.
البابا حساسٌ جدًّا من كلمات ماكرون:
التقى وزير الخارجية أيضًا مع الكاردينال بيترو بارولين أمين سر الفاتيكان ومع بول ريتشارد غالاغر وزير الخارجية البابوية وكذلك أندريا ريكاردي زعيم المجتمع العلماني (سانت إيجيديو) _سانت إيجيديو أحد الأذرع الديبلوماسية الموازية للفاتيكان_.
ولم يفُت لودريان أيضًا، وهو الناشط السابق في شباب العمل المسيحي، حضور قدّاس عيد الفصح في ساحة القدّيس بطرس.
قال فينسنت نيمون نائب الأمين العام لمؤتمر أساقفة فرنسا أنّ المشكلة هي أن البابا حساسٌ جدًّا لما يقوله الرئيس ماكرون.
من خطابه في برناردان، إلى زيارته للفاتيكان في حزيران/يونيو الماضي وقبوله لقب شريعة القديس لاتيران _الذي سبق أن رفضه هولاند في وقته_، وكذلك خطابه مساء الإثنين في فناء نوتردام، كل ذلك يحمل دلالاتٍ ليست قليلةً أبدًا.
هو أيضًا جدول أعمال البابا المزدحم، ولِمَ لا يكون وبشكلٍ أوضحٍ عدم اهتمام البابا فرانسوا بالدول الغربية الكبرى هو الذي ساعد بتأجيل زيارته إلى فرنسا.
هل غيّر حريق نوتردام الوضع؟ لا يزال الأسقف أوليفييه ريبادو دوماس المتحدّث باسم مؤتمر الأساقفة متشكّكًا فيما يخص زيارة البابا فرانسوا “يجب وضع الأمور في سياقها الصحيح، لن تكون نوتردام مبرّرًا لزيارة الأب القدّيس”.
الزيارة تبدو مستحيلةً في المستقبل القريب:
تبدو هذه الزيارة بكلّ الأحوال مستحيلةً في القريب القادم، بالرغم من جهوده انتهى الأمر بإيمانويل ماكرون بمأزقٍ ديبلوماسي مثل ما حصل مع فرانسوا هولاند وقت رئاسته.
في السنوات الخمس الماضية نجح نيكولا هولوت الذي كان آنذاك مبعوثًا ل(COP21) _مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي ٢٠١٥_ نجح في إحضار البابا إلى فرنسا، لكن كانت قضية تسمية السفير الجديد في الفاتيكان لوران ستيفانيني محل شجبٍ كونه مثلي الجنس، منذ ذلك الحين خفّت وتيرة العلاقات الديبلوماسية كثيرًا.
شكاوى باعتداءاتٍ جنسيةٍ تلاحق سفير الفاتيكان في فرنسا:
الملف الأسود الذي يسمّم العلاقة من جديد هو ملف الشكاوى المرفوعة في باريس ضدّ الأسقف فنتورا سفير الفاتيكان في فرنسا بتهمة الاعتداء الجنسي.
في هذه القضية أوضح مصدرٌ في الفاتيكان أنه “من الواضح أنّ البابا لن يمكنه الذهاب إلى فرنسا طالما لم تتم تسوية مسألة السفير البابوي”.
تردّدت وزارة الخارجية الفرنسية كثيرًا في مطالبة الفاتيكان برفع الحصانة الدبلوماسية عن السفير ولكنها أخيرًا قرّرت إحالة الطلب إلى المدّعي العام.
بعدها ذهب جان إيف لودريان المقرّب من مجمع تيزي المسكوني إلى روما ليوجه لمحاوريه ما فحواه أنّ الحصانة لا يجب أن تمنع الأسقف فنتورا من الإدلاء بشهادته، وفي النهاية تم القبول بمبدأ المواجهة مع الضحايا، الأمر الذي كان يُفترض أن يحدث لاحقًا.
وفقًا لمصدر كنسي، في حال توجيه الاتهام للكنسية وبالتالي رفع الحصانة يمكن وقتها تعيين سفيرٍ بابوي جديد وبسرعةٍ كبيرة ٍ قبل الصيف.
من هنا يؤكد فينسنت نيمون “حقيقة أنّ السفير البابوي يقبل المثول أمام العدالة ستهدّئ الأوضاع، الأفق بين باريس وروما يمكن أن يسطع من جديد”
وقتها وكما يقول مصدرٌ في الفاتيكان “سفيرٌ بابوي جديد من شأنه أن يجعل البابا يوافق على الذهاب إلى فرنسا”.
فرانسوا كليمنصو وفيرجيني ريڤا (لو جورنال دو ديمانش) ٢١نيسان/أبريل ٢٠١٩
رابط المقال الأصلي من هنا
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019