الاصداراتالدراسات الاستراتيجية

معركة الحُديدة اليمنّية (دوافع السيطرة – وخيارات الحسم)

 

أفرزت الحرب الداخلية في اليمن تحولات ذات أبعاد دولية من خلال ارتفاع حدة التنافس مؤخراً على زعامة النفوذ في مياه البحر الأحمر، وتُعتبر محافظة الحديدة وميناءها القريب من مضيق باب المندب أحد أهم الموانئ اليمنية، لتمثيله الشريان الأساسي ورئة اليمن في معظم وارداته إلى جانب أهميته الجيوسياسية والجيواقتصادية، الأمر الذي قاده للدخول في حروب الموانئ البحرية الدولية عبر وكيلين داخلّين “جماعة أنصار الله الحوثي وحكومة اليمن الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي”.

تُناقش هذه الورقة مسار معركة الحديدة ودوافع الأطراف المتصارعة في السيطرة على المحافظة والميناء، وسيناريوهات تقرير المصير بنظرة استشرافية مستقبلية. 

مدخل:

صبيحة الثاني عشر يونيو/حزيران 2018م، أعلنت الحكومة الشرعية اليمنيّة المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي عن أكبر عملية عسكرية لها ضد جماعة أنصار الله الحوثي في محافظة الحديدة المتوسطة بين محافظات الشمال اليمني من الجهة الغربية للبلاد، بزعم أن الحوثي أصبح يمثل خطراً على أمن ووحدة اليمن، ومصدراً لتهديد أمن الملاحة الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر، وذلك بعدما عزز وجوده داخل الحديدة منذ 2014م، وحولها لقاعدة تهديد لمناطق الشرعية على طول الشريط الساحلي الغربي.

 وبعد أيام من إعلان المعركة تحت مسمى “النصر الذهبي” حققت قوات الشرعية تقدماً واسعاً وسيطرة على مناطق واسعة من الشريط الساحلي، وأعلنت في 17 يونيو/ حزيران 2019م، سيطرتها على مطار الحديدة، لكن بعد وصولها لمشارف مدينة الحديدة أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية “أنور قرقاش” في الأول من يوليو/تموز-2018م، أنَّ بلاده أوقفت العمليات العسكرية في الحديدة من أجل إفساح المجال أمام جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن “مارتن غريفيت” بهدف تحييد الميناء عن الأعمال العسكرية وتسليمه بالطُرق الدبلوماسية للأمم المتحدة دون شروط[1].

وحسب رواية الحكومة الشرعية فإن قرار وقف المعارك جاء استجابة للضغوط الدولية لتجنُب أكبر كارثة إنسانية في اليمن، إضافة إلى وجود عدد كبير من الألغام زرعها الحوثيون ضمن استراتيجية دفاعية تهدف لإعاقة أي تقدم لقوات الشرعية باتجاه المحافظة، وكانت قد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن دولة الإمارات أوقفت المعركة لأنها اصطدمت بفشل المدة المقررة من قبلها في تحرير الحديدة عندما فُرض عليها الخوض في حرب المدن، مضيفةً أن التحالف وهو الظهير لقوات الشرعية تجاهل كل التحذيرات السابقة في الكارثة المحتملة في اليمن والتي باتت تُهدد 600 ألف مدني.

يُضاف لها الخشية من تهديد الحرب لخطوط الإمداد والإغاثة الإنسانية التي تصل عبر ميناء الحديدة إلى نحو 8 مليون يمني. فيما ذكر مصدر عسكري من داخل اليمن -رفض الكشف عن اسمه- أن سبب إيقاف المعركة من قبل إمارة أبو ظبي يعود إلى رغبة الأخيرة نقل العمليات إلى خارج المدينة في محاولة لتأمين الطريق الساحلي، وفك الحصار المفروض على قوات التحالف المتواجدة داخل مدينة الحديدة. وعلى الرغم من تضارب روايات وقف العمليات، إلا أنها وكما رشح من جانب آخر جاءت بهدف تفعيل جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيت والذي فشل في أربع جولات سابقة في التوصل لأي حل يقضي إلى تنفيذ مقترح عبد الملك الحوثي في: “رقابة الأمم المتحدة على ميناء الحديدة مع بقاء مليشيات الحوثي في المدينة والميناء، شريطة وقف العمليات العسكرية للقوات الحكومية والتحالف العربي وفتح مطار صنعاء”[2].

ومع استمرار انخفاض وتيرة المعارك في محافظة الحديدة استطاع المبعوث الأممي التحضير لعقد جولة جديدة من مباحثات جنيف عُقدت في 9- سبتمبر/ أيلول- 2018م، إلا أنها فشلت قبل أن تنعقد بعد غياب وفد الحوثي عن المباحثات، تجددت على إثرها العمليات العسكرية من قبل قوات الشرعية كرد اعتبار على تعنت الحوثي، وعاد سيناريو الحسم العسكري إلى الواجهة من جديد بعد تكثيف طيران التحالف غاراته على منطقة “كيلو 16 والمطاحن القريبة من ميناء الحديدة بهدف قطع كامل الإمدادات عن الحوثي، وتُعتبر منطقة كيلو 16 المدخل الشرقي للحديدة وخط ربط بين مدينة صنعاء والحديدة، وفي حال سيطر التحالف عليها يكون قد قطع آخر طريق إمداد لقوات الحوثي الممتد بين الحديدة وصنعاء.

وبعد فشل جولة جنيف الأخيرة وعودة الأعمال العسكرية إلى صدارة المشهد اليمني، عاد الغموض ليلف مصير المحافظة، ولعّل غياب نية دولية في حسم المعركة لإحدى طرفي الصراع، هو السبب الجوهري في استمرار حالة التشظي، وإن كان ثمَّة غاية من احتواء الصراع فتكمن في الأهمية الجيوسياسية التي يتمتع بها الميناء والذي فتح شهية الأطراف الفاعلة على خوض تحدي حروب الموانئ وبسط النفوذ والسيطرة.

أولاً: الأهمية الجيوسياسية للحُديدة

تُمثل الحُديدة أهمية كبرى لطرفي الصراع في اليمن انطلاقاً من مُحدد تاريخي اتسمت به المحافظة عبر تاريخها، حيث استخدمت بوابة للحملات الاستعمارية الإنجليزية والبرتغالية للعبور نحو صنعاء، واتخذها العثمانيون قاعدة عسكرية في 1848م، وقصفها البريطانيون مرتين في الحرب العالمية الأولى 1914-1918م، ثم استولى عليها حاكم عسير الإمام يحيى حميد الدين عام 1925م، عقبها تخلي السعودية عنها بعد احتلالها في 1934م بموجب اتفاقية الطائف في العام ذاته، وفي عام 1962م اتخذها المصريون معبراً إلى صنعاء خلال فترة الرئيس جمال عبد الناصر لتغدو المحافظة بؤرة صراع دولي منذ ذلك الحين.

وفي ظرف تاريخي مشابه سيطرت جماعة أنصار الله الحوثي على المحافظة في عام 2014م، وسخّرت ميناءها كمورد اقتصادي هام، وممراً لتهريب الأسلحة وجعلت من المحافظة خطَ دفاع ثانٍ عن كامل المناطق التي تسيطر عليها في العمق الشمالي لليمن، وتُفَسر خطوة الحوثي في محاولة لتقويض حركة الملاحة البحرية فالحديدة مطلة على البحر الأحمر بين خطي طول 42-43، وبين خطي عرض 14-16 شمال خط الاستواء وتبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 226 كيلو متر، وتبلغ مساحتها حوالي 117145 كيلو متر مربع متوزعة على ستة وعشرين مديرية وهي ذات كثافة سكانية عالية تُقدر وفقاً لإحصائية 2014م،ـ بـ 2.157.552 نسمة[3]، أما الميناء فهو أكبر موانئ اليمن بعد ميناء عدن، يقع في منتصف الساحل اليمني يمر من خلاله أكثر من 70 % من المساعدات الإنسانية[4].

ثانياً: دوافع السيطرة في أجندة أطراف الصراع

 نظراً لأهمية الحديدة الجيواقتصادية فإن دوافع السيطرة لجماعة أنصار الله الحوثي تنطلق أولاً من محددات اقتصادية بالسيطرة على كامل الإيرادات الجمركية إلى جانب الضرائب والمخالفات التي يفرضها على كامل البضائع التجارية، وهي إجراءات دعمت موقف الحوثي في معركة الحديدة في تأمين خزينة الحرب الاقتصادية، وبدافع أمني -وحسب رواية الشرعية هنا- فإن الحوثي يستغل ميناء الحديدة لتأمين السلاح عبر تهريبه من إيران إلى اليمن، ورغم أن الحوثي أنكر ذلك فلا يزال التحالف يُقدم أدلة للمجتمع الدولي تكشف عن الطُرق التي تبدأ بانطلاق الأسلحة وصولاً إلى نقطة وصوله عبر ميناء الحديدة، وفي مقابلة للمتحدث الرسمي باسم التحالف العقيد تركي المالكي مع قناة CNN الأمريكية، كشف عن وصول صواريخ لجماعة أنصار الله الحوثي عبر الضاحية الجنوبية في لبنان تم نقلها عبر سوريا إلى إيران ومن ثم إرسالها عبر البحر الأحمر إلى اليمن[5]، ومع تواتر الكثير من التقارير التي تدين الحوثي فإن لغة الإنكار التي يعتنقها تبدو منطقية بالنسبة له كونه طرف أساسي في الصراع إلا أن ذات اللغة تدينه في ساحة الميدان، فإيران التي تُعد الداعم الخفي تُقدم له كامل الإمداد البري والبحري في إطار دائرة الحروب الكبرى بين إيران والسعودية حيث أعلنت الأخيرة انخراطها في صراع اليمن بشكل مباشر منذ إعلانها عاصفة الحزم في 2015م، ومنذ ذلك الحين أصبح فرز أطراف الصراع ضمن محورين: “السعودية والإمارات كظهير داعم لحكومة اليمن الشرعية، وإيران الظهير الداعم لجماعة أنصار الله الحوثي”، ليعود اليمن من جديد ساحة صراع دولي ضابطها المجتمع الدولي الغربي.

وقد تعكس أهداف الحوثي في بسط سيطرته على الحديدة ومينائها، دوافع التحالف في تحريرها من قبضته لقطع آخر منفذ بحري دولي عليه، وتقليص طرق إمداده بين صنعاء والحديدة، مع العلم أن المحافظة لم تكن هدفاً في استراتيجية التحالف إلا بعد التهديد الذي أظهره الحوثي في استهدافه لأكثر من مرة ناقلات نفطية وسفن سعودية وأخرى دولية بهجمات صاروخية أمام سواحل البحر الأحمر[6]، فالحوثي يدُرك حجم التهديد الذي يمكنه إحداثه تجاه أمن وسلامة الملاحة البحرية العربية والدولية، حيث استطاع على مدار ثلاث سنوات من عمر الصراع أن يجعل من الساحل الغربي نقطة انطلاق لصواريخه لتهديد أي سفينة عابرة عبر المضائق بما فيها سفن المساعدات الإنسانية المرسلة لتفادي أزمة المحاصرين.

ولعل جملة الأخطار هذه هي التي دفعت الحكومة اليمنية أن تطالب الأمم المتحدة في وضع الميناء تحت إشرافها وممارسة دور الرقابة على قوافل المساعدات الإنسانية بعيداً عن تهديدات الحوثيين، ما دفع الأمم المتحدة أكثر من مرة إلى تقديم مبادرة تدعو الحوثيين إلى تحييد الميناء ووضعه تحت تصرفها[7]، بيد أن كل المبادرات رفضها الحوثي فيما يبدو أنه نية للحوثي في فرض شروطه لضمان نصيبه من التسوية السياسية وبقاء قواته داخل المدينة بعد تسليمه الميناء وتقاسمه وارادته وفتح مطار صنعاء، وهي المطالب التي لطالما رفضها عبد ربه منصور هادي.

علاوة على أهداف الشرعية اليمنية فإن لتحالف الإمارات السعودية أهدافاً خاصة به من جراء دعمهما لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقد ترتبط بشكل مباشر بمصالح أمنهم القومي من جهة وضع قدم لهما في الساحل الغربي لليمن، ومن جهة أخرى متعلقة بحدة التنافس على بسط النفوذ في البحر الأحمر، سيما بعد تنامي دور إيران في زعزعة أمن المنطقة من الخليج العربي إلى خليج العقبة، وإظهار نيتها في توسعة نفوذها البحري إلى جانب قوتها النووية في خليج عدن والمحيط الهادي وقبالة السواحل اليمنية[8]، ولعل أهم أسباب تزعم الإمارات مشهد معركة الحديدة محاولتها استثمار العداء الإيراني السعودي لصالحها أكثر من السعودية، فإمارة أبو ظبي كانت قد وضعت الحديدة ضمن استراتيجيتها لتضمه إلى ما لها من نفوذ على مينائي “المكلا والشحر بحضرموت والمخا الذي حولته إلى ثكنة عسكرية”[9]، وإذا ما نجحت في السيطرة عليه تكون قد جردت الحوثي آخر أوراقه وقد تجبره على المجيئ لطاولة المفاوضات من دون أي شروط، ومن منحى دولي تكون قد قطعت شوطاً أمام الدول المتنازعة على بسط نفوذها في منطقة الشرق الأوسط براً وبحراً، لكن هذا لا ينفي نكسات التحالف والخسارات التي مُني بها بعد تدخل الأمم المتحدة في تجميد المعركة ووضع فيتو على حسم المعركة عسكرياً، إضافة إلى عدم مراعاة الجانب الإنساني في معايير الصراع ما يعني أن كل الأطراف بدأت تُستنزف وتستاء من جمود الوضع الحالي، ولأنَّ الإمارات تعتقد بأن الحوثي لن يُقدم أي تنازلات في المسار السياسي، قُوبلت باتهام بأنها من يقف وراء إفشال الجولة الأخيرة من جنيف لتُعيد تفعيل خيار الحسم العسكري للحديدة، وما يعزز هذا الطرح اعتقادها السائد أن الحوثي لن يتنازل إلا بالقوة العسكرية، بالمقابل الحوثي يعلم تماماً أن انسحابه من الحديدة يعني خساراته مستقبلاً لكل مناطقه الخلفية في شمال اليمن ولجوئه إلى الجبال الشرقية المحاذية للمحافظة.

وإلى جانب دوافع طرفي الصراع لا يُخفى طموح التحالف الغربي في تحقيق مصالحه يمنياً، وقد تُستشف من محاولته ضبط إيقاع الحرب واحتوائه لها ومنعه تفجير الأزمة الإنسانية وممارسته ضغوطاً على كل اللاعبين عبر مبعوثه مارتن غريفيت، وقد يُفهم من ذلك الرغبة في السيطرة على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر عبر وكلاء وأذرع في المنطقة، وهي أمور من شأنها أن تولد رغبة دولية في استمرار تمزيق اليمن ومنعه من إنشاء دولة قوية موحدة، لذا نرى بأن الأطراف الخفية في الحرب تقوم على تغذية طرفي الصراع وتغض الطرف عن حالات الفقر والمجاعة في معظم مدن اليمن، وتُكرس فرضية التقسيم، بغية تمرير مشاريع دولية قد تتضح أكثر حيال نضوج أي تسوية سياسية في المدى البعيد.

ثالثاً: اليمن هدف جيواقتصادي للإمارات (خطة البدائل)

تُتَّهم الإمارات بأنها تسعى من خلال دخولها المباشر في حرب اليمن إلى السيطرة على ثرواته وفرض الوصاية على القرار السياسي فيه وبسط النفوذ على موانئ الساحل الغربي لأبعاد اقتصادية وجيواستراتيجية. فهي تسعى للحفاظ على مركزية موانئ دبي العالمية منعاً لظهور أي منافس لها في المنطقة يُهدد نموذجها الاقتصادي المبني على الاستثمار في إدارة وإنشاء الموانئ والمطارات وتجارة العبور والعقارات الضخمة، ويعتبر ميناء “جبل علي” أحد أهم الموانئ الاستراتيجية للإمارات لوقوعه على مفترق طُرق التجارة العالمية ولربطه أكثر من 140 ميناء في أنحاء العالم[10]، ولعل لجوء الإمارات في السنوات الأخيرة لاتباع استراتيجية إيجاد البدائل في اليمن وليبيا تعكس دلالات خشيتها من تصاعد دول منافسة على موانئها في دبي، وما يعزز هذه الخشية قيام الإمارات بمحاولة إفشال مشروع “جوادر الباكستاني” الذي أُعلن عنه في 2013م عُرف بمشروع دبي الجديدة بشراكة مع الصين يقضي بإيصال البضائع الصينية إلى كافة دول العالم، حيث تنبع أهميته أنه قريب من ميناء “سينجانج الصناعي” شرق الصين، وعليه فإن خط التجارة الصينية سيعبر براً من باكستان عبر طُرق تصل حتى جوادر ومنه إلى مناطق الخليج ودول الشرق[11]، فيما تُمثل ليبيا خطراً اقتصادياً ثانياً على الإمارات والتي تُعد منافساً قوياً لها نظراً لموقع ليبيا الجغرافي على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وبوابة لإفريقيا كعمق استراتيجي في جنوب الصحراء، واحتوائها موانئ على البحر المتوسط كميناء خميس ومصراته، وبنغازي وطبرق، فأي استقرار مستقبلي لليبيا من شأنه أن يطور عمل الموانئ لتُوصل بدورها البضائع العالمية إلى عمق جنوب إفريقيا، ما يدفع باتجاه ظهورها كقوة تجارية منافسة للإمارات التي تعمل بدورها على  تغذية الصراع الليبي بُغية عدم وصوله لحالة الاستقرار.

يُضاف لذلك لجوء الإمارات إلى تفعيل خطة البدائل في الساحل الغربي لليمن نظراً لأهمية الموانئ اليمينة التي تُشكل أكبر وأهم الموانئ في القرن الإفريقي كميناء “عدن والمكلا والحديدة والمخا” ومن شأن السيطرة الإماراتية عليهم التحكم في التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب، إضافة إلى حجزها مكاناً في التجارة الإفريقية كهدف استراتيجي يمنحها قوة في إزالة أحد المنافسين عن شركة دبي العالمية. وفعلياً انضمت الإمارات إلى مظلة التحالف العربي الذي أنشأته السعودية في 2015م لاستعادة الشرعية في اليمن، وهي تعلم أن درء خطر إيران عن حدودها الجنوبية هو ما يهم الأسرة الحاكمة في الرياض على المدى البعيد والمتوسط، كما تعلم الإمارات حجم ثقلها لدى صناع القرار عند آل سعود، لذا فإن السعودية صرفت النظر عن أهداف الإمارات الخاصة في جنوب اليمن لعدة اعتبارات:

– حاجتها للإمارات في التأثير على المواقف الأمريكية.

– اهتمام السعودية بترتيب البيت الداخلي دفعها للاستناد على الدور الإماراتي في اليمن.

– تغلغل نفوذ أبو ظبي في مجلس التعاون الخليجي وتأثيره على المواقف السعودية الخارجية[12].

 دفع ذلك استثمار الإمارات حاجة السعودية لها فانحرفت عن مسار أهداف التحالف لتحقيق أجنداتها الخاصة عبر السيطرة على المواقع الحيوية في جنوب اليمن والموانئ البحرية، فاستحوذت على ميناء البريقة في عدن في آب/أغسطس 2015م،وفي إبريل/نيسان 2016م ووضعت يدها على ميناء الضبة في حضرموت، ونجحت في السيطرة على إدارة مضيق باب المندب بعد السيطرة على ميناء المخأ في يناير/ كانون الثاني 2017م، وميناء بلحاف في شبوة مع بداية شهر أغسطس/آب 2017م، بالإضافة إلى إنشاء قاعدتين عسكريتين في جزيرتي “ميون تعز، وأرخبيل في جزر سقطرى” في مايو/أيار 2017م.

 وبناء على جملة المكاسب فلم يبقى أمام الإمارات إلا مينائي الحديدة ورأس عيسى المُطلين على البحر الأحمر في الساحل الغربي وعليهما تسعى الإمارات لمعركة الحسم العسكري بهدف السيطرة على موانئ الساحل الغربي لليمن للحفاظ على مكانة ميناء دبي وفق معادلة فرض النفوذ على موانئ البحر الأحمر إلى جانب تقديم نفسها كقوة إقليمية حامية للمصالح الدولية في المحيط الهندي وخليج عدن، فيما يأتي موضوع دحر الحوثيين كتفصيل بسيط داخل دائرة المصالح الجيواقتصادية الكبرى بالنسبة للإمارات والتي من شأنها تحقيق الآتي:

1_ تعزيز نفوذها الجيوسياسي لما بعد بحر العرب وخليج السويس حتى خليج عدن وغرب المحيط الهندي.

2_ تسويق نفسها عالمياً كقوة صاعدة في محاربة الإرهاب وإبعاد كل الشبهات عنها في تعاملها مع بعض التنظيمات الإرهابية.

3_ التحكم في قطاعات النفط البحرية المتواجدة قبالة الساحل الغربي لليمن المطل عل البحر الأحمر وأخرى في خليج عدن.

4_ ترويج ودعم نظام فيدرالي يمني للاستفادة من الموارد اليمينة التي تقع تحت نفوذها على المدى البعيد

رابعاً: سيناريوهات معركة الحديدة

يمكن الاستدلال على المسارات المتوقعة في معركة الحديدة ومستقبلها من محدد رئيسي متعلق بالاستراتيجيات العسكرية المتبعة لأطراف الصراع، فمحور التحالف يعتمد إلى جانب سلاح الطيران على قوات أرضية قامت الإمارات بجمعهم تحت شرعيتها، وهي قوات ألوية العمالقة وعددها سبعة شُكلت بدعم من التحالف، وقوات المقاومة الوطنية التي تضم عناصر من قوات الحرس الجمهوري وكانت تتبع سابقاً للرئيس علي عبد الله صالح، وقوات التهامة الموالية للرئيس عبده ربه منصور هادي، بالإضافة إلى تجنيد التحالف قوات من القاعدة[13] حيث اعتبر الكشف عن هذه القوات بمثابة فضيحة كونها على النقيض مما تظهره الإمارات من سعيها في محاربة ما يسمى الإرهاب.

 ويتّبع التحالف استراتيجية إزالة المعوقات من أمامه الممثلة بمعوقات إنسانية وعسكرية وأمنية، ثم الانقضاض وتشتيت قوة الحوثي من محور مديرية “ميدي” الواقعة بمنطقة حجة المطلة على البحر الأحمر ومحور “المخاء” وهي إحدى مدن محافظة تعز الواقعة على البحر الأحمر ويعتمد عليها الحوثي في دفاعه عن الحديدة، وعليه فإن التحالف يعتمد على قوة إسناد أرضي في اقتحام مدينة الحديدة من المحاور الشرقية والجنوبية، فيما يتخذ الحوثي خطة دفاعية قائمة على إعاقة تقدم قوات الشرعية بضرب خطوطه الخلفية، وتأمين طرق إمداد بديلة لقواته ورفدها بمورد اقتصادي بديل عن الميناء عبر فرض الضرائب، والاستمرار في تصدير التهديدات والأخطاء في مياه بحر الأحمر وزرع الألغام.

وبناء على المعطيات فإن خيار استمرار الحرب يتصدر أولى السيناريوهات لعدة اعتبارات:

1_إسقاط الحديدة عسكرياً بيد التحالف

أصبح هذا الخيار أولوية متقدمة لدى قوات التحالف بعد فشل محادثات جنيف الأخيرة، كما تم ذكره في مقدمة البحث، عقبها مغادرة المبعوث الأممي في 17-ديسمبر/ أيلول- 2018م من صنعاء وإعلانه فشل محادثاته مع قيادات الحوثي، في خطوة تزامنت مع تحركات قوات الشرعية تجاه منطقة كيلو 16 وإعلانهم على لسان قائد التحالف عن عودة الأعمال العسكرية لاستعادة كامل الحديدة[14].

وإذا ما استمر التحالف في خيار الحرب، فهو لن يكون إلا بضوء أخضر دولي بعد اتخاذ اجراءات احترازية للعامل الإنساني كإنشاء موانئ مؤقتة تكون بديلة عن ميناء الحديدة لتفادي خطر المجاعة والكوارث الإنسانية واستمرار وصول المساعدات عبر البحر، لكن هذا لا ينفي احتمال حدوث أكبر كارثة إنسانية في اليمن يتحمل تبعيتها التحالف في حال صمود الحوثي في خطته الدفاعية ودعمه إقليماً وإيرانياً، وعليه فإن هذا السيناريو سيكون الأخطر لاحتمالية إطالة أمد المعركة أولاً وتجميد المسار السياسي ثانياً. وفي حال نجاح التحالف في نزع الحديدة من قبضة الحوثي فمن شأن هذا الحدث أن يغير موازين الصراع كاملاً في اليمن لتتجه الأنظار نحو تحرير العاصمة صنعاء.

2- العودة للتسوية السياسية

وهو خيار يأتي في المرحلة الثانية في حال عاد المجتمع الدولي لممارسة الضغوطات على طرفي الصراع لتفادي احتمال تطور الحرب إلى إقليمية تُفقدها السيطرة على ضبط حركة الملاحة البحرية، ويتطلب هذا السيناريو ظهور توافق بين جميع الأطراف في وضع الميناء تحت إشراف دولي، إلا أن هذا الخيار ما زال يُواجه صعوبات في ظل إصرار التحالف على انسحاب الحوثيين من المدينة.

خاتمة:

وفقَ المعطيات أعلاه، فإن مصير مدينة الحديدة وميناؤها مرهونين بموضوع التوازنات والمصالح الكبرى لقوى الصراع، كما أن مسألة تحديد مصير المحافظة لم يعد شأناً داخلياً يمنياً بل تعدى إلى دول إقليمية متجهةَ أنظارها نحو بسط النفوذ في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي أفرز تعقيدات على الحديدة انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية وقربها من مضيق باب المندب الذي لاقى اهتمام دولي منذ أن استعمل كورقة ضغط في وجه اسرائيل في حرب 1973م، حيث أغلقت الحكومة اليمينة حينها المضيق أمام حركة التجارة الدولية بين قناة السويس ومضيق إيلات الاسرائيلي.

وعليه فإن ما بعد الحديدة هو الأهم بالنسبة لطرفي الصراع الأساسين، مقارنة مع وضع اليمن الغارق في الرمال المتحركة منذ سنوات، فقد تفرض المعركة على جميع الأطراف خيارات أهمها استغلالهم للحظة إمداد طوق النجاة لهما عوضاً عن الدخول في أتون حروب إقليمية طويلة الأمد لا يُحمد عقباها.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018

 

[1] https://bit.ly/2QkFQQx

محمد الطاهر، نون بوست، العمليات العسكرية في الحديدة، ن بتاريخ-2-يوليو/تموز-2018م، شوهد بـ 15 – سبتمبر /أيلول 2018م

[2] https://bit.ly/2N5zVRC

المهرة بوست، صنعاء، شروط الحوثين لتسليم ميناء الحديدة، ن بتاريخ- 17- يونيو/حزيران- 2018م، شوهد بـ 15- سبتمبر/ أيلول-2018م

[3] https://bit.ly/2MyMEHd

المركز الوطني للمعلومات، نبذة تعريفية عن محافظة الحديدة، شوهد بتاريخ- 15 سبتمبر/أيلول – 2018م، شوهد بـ 16- سبتمبر/أيلول 2018م

[4] https://bbc.in/2Mw8lrn

BBC، ميناء الحديدة معركة الفصل، ن- بتاريخ 2-يوينو/حزيران 2018م، شوهد بـ 16- سبتمبر/ أيلول 2018م

[5] https://bit.ly/2pSAKi5

عربي سبوتنيك، التحالف العربي يكشف موقع تهريب الصواريخ إلى أنصار الله، ن- بتاريخ 29/3/2018- 2018م، شوهد بـ 16- سبتمبر/ أيلول 2018م

[6] https://bit.ly/2MwliS1

رويترز، الحوثيون يصيبون سفينة سعودية قبالة سواحل اليمن، ن بتاريخ – 25-تموز/يوليو-2018م شوهد بـ 16- سبتمبر/ أيلول 2018م

[7] https://bit.ly/2OumiYY

RT بالعربي، مبعوث الأمم المتحدة يقترح على الحوثيين وضع الميناء تحت إشراف دولي، ن – بتاريخ- 5-حزيران/يونيو- 2018م، شوهد بـ 17- سبتمبر/ أيلول 2018م

[8] https://bit.ly/2NK0JX3

وكالة تسنيم الإيرانية، إيران قد تحتاج إلى إنشاء قواعد بحرية قبالة السواحل اليمنية والسورية، ن- بتاريخ- 26/11/2016م، شوهد بـ 17- سبتمبر/ أيلول 2018م

[9] https://bit.ly/2MzqyEI

مونيكا بولليغر، نون بوست، أطماع الإمارات في اليمن، ن بتاريخ، 15 يناير/كانون الثاني 2018م ، شوهد بـ 17- سبتمبر/ أيلول 2018م

[10] https://bit.ly/2QXc5Wz

موانئ دبي العالمية، لمحة عن موانئ دبي العالمية، شوهد بـ 25- سبتمبر/ أيلول 2018م

[11] https://bit.ly/2mMgiBd

العدسة الإخبارية، ميناء جوادر الباكستاني مشروع صيني يهدد بزوال موانئ دبي خلال 10 سنوات، ن- بتاريخ 21- نوفمبر/ تشرين الثاني 2017م، شوهد بـ 25- سبتمبر/ أيلول 2018م

[12] https://bit.ly/2zrmSRT

يمن مونيتور، الإمارات تستخدم التحالف لتحقيق أهداف أخرى في اليمن، ن- بتاريخ 23- سبتمبر/ أيلول 2018م، شوهد بـ 25-سبتمبر/ أيلول 2018م

[13] https://bit.ly/2NQG040

العربي الجديد، اندبندنت: الإمارات تجند مقاتلين من القاعدة بصفوف التحالف في اليمن، ن- بتاريخ- 17 أغسطس/ آب 2018م، شوهد بـ 18- سبتمبر/ أيلول 2018م

[14] https://bit.ly/2pkAKHG

اليمن المصدر أون لاين، قائد التحالف في الساحل الغربي يعلن بدء عمليات عسكرية لاستعادة الحديدة، ن- بتاريخ 17- أيلول/ ديسمبر 2018م، شوهد بـ 18- أيلول/سبتمبر 2018م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى