الاصداراتالاقتصاد السياسيتقارير

مستقبل الاقتصاد السُّعودي في ظلِّ استهداف منشآت النفط

في منتصف أيلول/ سبتمبر 2019 تعرضت أكبر معامل تكرير النفط بالمملكة العربية لاعتداء عبر طائرات مسيرة، وقد تبنَّت جماعة الحوثيين باليمن هذا الهجوم، وترتب عليه أن تأثرت حركة إنتاج النفط وتصديره بنحو 50%[i]، ولم يكن هذا هو الاعتداء الوحيد الذي يستهدف قطاع النفط السعودي من الحوثيين، ففي أيار/ مايو 2014، تعرضت ناقلتي نفط سعوديتين لعمليات تخريب عبر طائرات مسيرة أيضًا ولكن على سواحل دولة الإمارات[ii]، وهو ما يعني أن الحرب بين التحالف الخليجي وجماعة الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران قد شهدت نقلة نوعية، لتصل إلى العمق الاستراتيجي للتحالف الخليجي وبخاصة السعودية.

ويبدو أن الخطوة الأخيرة التي نال فيها الصراع بين الحوثيين والسعودية معامل إنتاج وتكرير النفط بشركة أرامكو، له ما بعده، فإما أنه سيؤدي إلى التوصل لحل ينهي الحرب اليمنية ثم الوصول لتسوية سياسية، بصرف النظر عن حجم الربح والخسارة لكلا الطرفين، أو أن يؤدي إلى إشعال حرب كبيرة بالمنطقة، إذ ستتخذ جماعة الحوثيين المنشآت النفطية أهدافًا دائمةً لها، لتضرب الاقتصاد السعودي في مقتل، نظرًا لأن النفط هو عصب الاقتصاد السعودي.

وحسب البيانات السعودية فإن الإيرادات النفطية تمثل 792 مليار ريال (211.2 مليار دولار) في ميزانية  2019، أي نسبة 80% من الإيرادات الإجمالية المقدرة بقيمة 975 مليار ريال (260 ملليار دولار)[iii]، أي أن متوسط الإيرادات الشهرية للنفط السعودي خلال 2019 يجب أن تكون بحدود 17.5 مليار دولار، وكون الهجمات الحوثية تتسبب في تعطيل صادرات المملكة بنحو 50%، فمعنى ذلك أن الإيرادات خلال سبتمبر 2019 ستكون بحدود 8.5 مليار دولار، وسوف يتوقف هذا على سرعة تحرك الحكومة السعودية في إصلاح ما أتلفته هجمات الحوثيين بالمنشآت.

ويظهر أن الحرب التي شنها تحالف الخليج على اليمن في آذار/مارس 2015، تسببت بالفعل في مشكلات مالية للدول المشاركة في هذه الحرب، ومما زاد من تأثير هذه الحرب على دول الخليج من الناحية المالية، أنها أتت في توقيت خطأ حيث تزامنت مع أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، والتي بدأت منتصف عام 2014.

وبطبيعة الحال كانت السعودية واحدة من أكبر مستوردي الأسلحة على مستوى العالم، وكان ترتيبها حتى عام 2017 في المرتبة الرابعة، بعد أمريكا والصين والهند في الإنفاق على الدفاع، ولكن في عام 2018 قفزت السعودية للمرتبة الثالثة، وذلك وفقًا لتقرير منظمة استكهولوم للسلام في عام 2019[iv].

  • سيناريوهات أداء الاقتصاد السعودي

ثمة تصعيد محسوب بين السعودية وإيران، وإن كان الحوثيون هم الأداة الفاعلة في تحقيق الأضرار المتحققة بالسعودية وبخاصة في قطاعها النفطي، ولعل الرد السعودي خلال الأيام القليلة الماضية أتى متدرجًا من ضرب مواقع محسوبة على إيران في منطقة “البوكمال” في سورية، أو في اليمن بضرب مناطق الحوثيين في الحديدة[v].

وبطبيعة الحال فإن الاقتصاد السعودي، يشهد حالة من التراجع، وذلك وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فبعد أن حقق الناتج المحلي الإجمالي للسعودية معدل نمو 2.2% في عام 2018، تذهب تقديرات الصندوق إلى تراجع معدل النمو إلى 1.9%، وبلا شك أن هذا التقدير بالتراجع لم يأخذ في الحسبان ما شهدته تطورات الصراع بين أطراف الحرب اليمنية في أيلول/ سبتمبر 2019، إذ صدر تقدير الصندوق في تموز/ يوليو 2019.

وبعد أن أصبح قصف آبار النفط  السعودي هدفًا معتبرًا بالنسبة للحوثيين، فإن الأداء الاقتصادي للسعودية خلال المرحلة المقبلة سيكون في إطار السيناريوهات الآتية:

  • سيناريو التفاؤل

يعتمد هذا السيناريو على وصول الأطراف المتحاربة في اليمن، إلى تسوية سياسية، وإنهاء الحرب هناك، بصرف النظر عن مضمون هذا الاتفاق المحتمل، إلا أن التسوية لهذه الحرب سيكون لها تكلفتها على الاقتصاد السعودي، على الرغم من أنها ستؤمن للسعودية عصب اقتصادها وهو منشآت النفط وكل ما يتعلق به من إنتاج وتكرير ونقل.

ولكن ثمة تبعات سوف تستنزف الإيرادات النفطية في ظل هذا السيناريو، من خلال مساهمة السعودية ومعها الإمارات في مشروعات إعادة إعمار اليمن، حيث دمرت مشروعات البنية التحية بالكامل، فضلًا عن الرعاية الاجتماعية المتعلقة بأسر الشهداء داخل اليمن، أيًا كان انتماؤهم، وكذلك علاج للمصابين، وتأهيل المعاقين بسبب إصابات الحرب.

وقد ينتظر السعودية ما لا ترغبه، وهو أمر تحرك المجتمع المدني بدعاوى محاكمة السعودية والإمارات عن جرائم الحرب في اليمن، حتى ولو تضمن اتفاق التسوية بين أطراف الحرب التغاضي عن هذه المسألة، فقد لا تقبل المحاكم الأوروبية هذا الأمر، وتعمل على قبول الدعاوى القانونية المتعلقة بمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في اليمن، ومن بينهم السعودية.

هذا الأمر سيكون بابًا جديدًا، وعبئًا على الإيرادات النفطية السعودية، وفي العادة تكون التكاليف باهظة في حالة إدانة السعودية بارتكاب جرائم حرب في اليمن. ونحسب أنه في حالة الوصول لتسوية سياسية فيما يتعلق بحرب اليمن، أن تشمل تسوية العديد من الملفات العالقة، والتي تخص المنطقة، وتضم إيران والسعودية كأطراف متصارعة.

ومع كل متطلبات هذا السيناريو من التزامات مادية، إلا أن تدفقات الصادرات النفطية، من شأنها أن تؤمن أداء إيجابيًا للسعودية، وبخاصة أنها ستتخلص من أعباء الحرب المادية، التي لا تعرف لها نهاية، وكذلك يمكنها في الأجلين المتوسط والطويل أن تعيد حساباتها بشأن وضعها الاقتصادي، وترتيب التزاماتها المادية، وبخاصة تجاه المشروعات الكبرى في رؤية 2030، التي شرعت في بعضها بالفعل، وتستنزف جزءًا كبيرًا من الاستثمارات الحكومية، في صورة تنفيذ البنية الأساسية.

كما سيتيح هذا السيناريو للسعودية الباب للاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تعول عليها بشكل كبير في مشروعات رؤية 2030، كما سيسهل لها الخطوة المرتقبة بشأن خصخصة نسبة 5% من شركة أرامكو، التي أعيد الحديث بشأن تنفيذ هذا الطرح قريبًا.

  • سيناريو التشاؤم

ثمة بيئتين يمكن أن يتحقق فيهما سيناريو التشاؤم، الأول أن تظل حرب الأهداف بين الطرفين قائمة، بضرب منشآت استراتيجية ومنشآت داخل السعودية والإمارات، وكذلك في اليمن، أو مناطق النفوذ الإيراني في المنطقة، أما البيئة الثانية، فهي أن تشتعل حرب شاملة ومواجهة صريحة بين إيران والسعودية، وإن كانت حسابات السعودية وإيران، بل وأمريكا قد لا تفضل هذه البيئة لسيناريو التشاؤم.

وبالتالي فالاحتمال الأول لهذا السيناريو، إذا تم تنفيذه من قبل الطرفين، فمعنى ذلك أن الاقتصاد السعودي سوف يدخل في مأزق، يستنزف موارده على مدار السنوات القادمة، على الأقل في الأجلين القصير والمتوسط. وستكون تقديرات صندوق النقد الدولي عن معدلات النمو للاقتصاد السعودي عام 2020 محالة التحقيق، إذ أنها تحمل تقديرات إيجابية عند معدل نمو 3%، بل سيتراجع معدل النمو في الاقتصاد السعودي، ليشهد معدلات سالبة، كما أن معدلات البطالة ستكون في طريقها للزيادة، وكذك معدل هجرة العمالة الأجنبية من الأراضي السعودية سيكون متسارعًا، وليس بحدود 2 مليون عامل كما حدث خلال الفترة الماضية[vi]، حيث ستحرص العمالة الوافدة على سلامتها وأمنها، فضلًا عن أن المنشآت التي يعملون بها، سيكون قرارها التخلص منهم في ظل استمرار الحرب، واستهدافها المنشآت والإيرادات النفطية، التي تمثل عصب الاقتصاد السعودي.

وفي ظل هذا السيناريو أيضًا ستدوم أزمة التمويل في السعودية، وسيزيد التوجه للاقتراض من الخارج، وهو الوضع الذي سيتفاقم فيه الدين العام السعودي، الذي وصل في منتصف عام 2019 إلى 167 مليار دولار.

وعلى النقيض تماما فيما توقعناه في شأن الاستثمارات الأجنبية بسيناريو التفاؤل سوف تنصرف هذه الاستثمارات بالكلية عن السعودية، نظرًا لاعتبارات عدم الاستقرار السياسي والأمني، فضلًا عن أن مستقبل مشروعات رؤية 2030 سيكون غامضًا، ولن يكون هناك بديل لتوقف مشروعاتها.

كما أن الصفقة المرتقبة في أسواق المال الدولية، الخاصة ببيع حصة من شركة أرامكو، سوف تتأثر بشكل كبير، حيث سيكون هناك احتمال بتأجيلها، وفي حالة إصرار السعودية على المضي في طرح حصة أرامكو، فسيؤثر هذا على سعر الصفقة في الأسواق الدولية، ما لم تتدخل السعودية كمشترٍ عبر مواطنيها، والذين قيل عنهم مؤخرًا أن الحكومة السعودية ستجبرهم على الاكتتاب المنتظر لأرامكو[vii].

ختامًا: تؤكد حالة حرب التحالف الخليجي على اليمن، على عدة أمور مهمة، منها: العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، وتأثير كل منهما بشكل مباشر على الآخر، والأمر الآخر، إن قرار الحرب من قبل دول التحالف الخليجي، لم يكن محسوبًا بشكل دقيق، في إطار الصراعات الإقليمية، وأن تكلفتها عالية، وعلى متخذ القرار في دول التحالف أن يعيد حساباته السياسية والاقتصادية، واختيار أفضل الحلول لوقف نزيف الموارد، وكذلك وقف الخسائر الاقتصادية المتعددة، فيما يتعلق باقتصاديات الدول المشاركة، من تبديد الثروات، وتراجع معدلات النمو، وزيادة معدلات البطالة، وهجرة الاستثمارات.

وعلى ما يبدو أن دول منطقة الشرق الأوسط، لم تع الدرس من الحروب البينية التي شهدتها على العقود الخمسة الماضية، بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية، ومرورًا باحتلال العراق للكويت، واستدعاء القوات الأمريكية والغربية، ثم حرب احتلال العراق، ومؤخرًا الصراع الإيراني الخليجي في اليمن، وإن حملت رايته في اليمن جماعة الحوثيين.

وإذا استمرت هذه الحرب بنفس آلية استنزاف جماعة الحوثيين للاقتصاد السعودي، فيمكن القول أن الاقتصاد السعودي سوف يشهد أزمة حقيقية بعد ثلاث سنوات، إذ سيكون وقتها ثمة تراجع كبير في الإيرادات النفطية بسبب الحرب، كما ستضطر السعودية إلى سحب استثماراتها الخارجية عبر صندوقها السيادي والذي تأثرت موارده بصورة ملحوظة منذ أزمة انهيار أسعار النفط وبدء حرب اليمن، كما سيتفاقم الدين العام كما ذكرنا في السطور السابقة.

وفي كل أزمة هناك بلا شك مستفيدون منها، وكما يقول المثل العربي: “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فهذه الحرب تستفيد منها أمريكا والدول الغربية وروسيا بشكل كبير، لزيادة واردات السعودية والإمارات من الأسلحة، وعزم السعودية على إنشاء مفاعلات نووية[viii]، كما ذكر وزير النفط والطاقة الجديد، من أن خطته تتضمن إنشاء مفاعلين نووين.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019 

[i] رويترز، طائرات مسيرة حوثية تستهدف قلب صناعة النفط السعودية وتقارير عن تأثر الإنتاج، 14/9/2019.

[ii] رويترز، السعودية: محطتان لضخ النفط تعرضتا لهجوم قرب الرياض، 14/5/2019.

[iii] وزارة المالية السعودية، البيان المالي لميزانية 2019، ص 48.

[iv] رويترز، مركز: الإنفاق العسكري العالمي يرتفع في 2018 لأعلى مستوى منذ الحرب الباردة، 29/4/2019.

[v] رويترز، الحوثيون يتهمون التحالف بقيادة السعودية “بتصعيد خطير” في الحديدة، 20/9/2019.

[vi] روسيا اليوم، نحو مليوني عامل أجنبي غادروا السعودية، 20/9/2019.

[vii] أرياء السعودية “ضحايا” أرامكو: مضايقات وإكراه للمشاركة بالاكتتاب، 20/9/2019.

[viii]  الجزيرة نت، ماذا قال وزير النفط السعودي الجديد في أولى تصريحاته؟، 9/9/2019.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى