قراءة في مشهد الجنوب السوري
معادلة الحسومات السياسية العسكرية
المحتويات
“قراءة في مشهد الجنوب السوري معادلة الحسومات السياسية العسكرية” 1
أولًا: مباحثات الجنوب السوري. 3
2- مباحثات عمّان واتفاق خفض التصعيد 4
ثالثًا: ديناميكيات الدفاع والهجوم لفصائل معارضة الجنوب. 9
رابعًا: خيارات مرتقبة للجنوب السوري. 10
مقدمة
بعد سيطرة النظام على آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة في جنوب دمشق والغوطة الشرقية أيار/مايو الماضي، عادت منطقة الجنوب لتتصدر واجهة المشهد السياسي والعسكري للنظام حيث باشر تحركاته العسكرية في 18-19حزيران/ يونيو- 2018 انطلاقًا من كتيبة الدفاع الجوي التابعة لبلدة مسيكة بريف درعا الشرقي وكتيبة الصواريخ قرب بلدة النعيمة، مستهدفًا بسلاح الطيران والمدفعية بلدات مسيكة ومنطقة اللجاة والغارية الشرقية.[1]
ويأتي تصعيد النظام في ظل استمرار المباحثات الدولية بين إسرائيل وأمريكا وروسيا والأردن للحفاظ على خفض التوتر في درعا، المنضوية تحت اتفاق خفض التصعيد في تموز/يوليو العام الماضي 2017. وعلى الرغم من عدم توقف المفاوضات إلا أنًّ تحرك النظام شكّل خرقًا أثار مخاوفَ عند الحاضنة الشعبية لفصائل الجنوب مفادها نية النظام تكرار سيناريوا مدينة حلب 2016 والغوطة الشرقية 2018 في حال اعتمد الخيار العسكري، وما يعزز هذا الطرح حدثان هامان الأول عسكري تمثل في إقدام النظام على إغلاق كامل الطرق والمعابر الواصلة بين مدينة درعا والسويداء[2]، وهي خطوة أقدم النظام عليها بعد استقدامه تعزيزات عسكرية ضخمة لريف السويداء الشمالي والشمالي الغربي.
الأمر الثاني سياسي تبلور في ظهور الأسد على “قناة العالم الإيرانية” حيث ألمح أن الخطوة القادمة بعد الغوطة قد تكون درعا لتعزيز مسار المصالحات أو الحسم العسكري، على حساب تقليله أهمية الضغوطات الروسية الأمريكية على من وصفهم بالإرهابين.[3]
من خلال هذا العرض بدا واضحًا أن المنطقة الجنوبية مُقبلة على مرحلة مصيرية، هي الأخطر منذ بدء انطلاق الثورة السورية 2011 وأمام مسارين متداخلين أصبح مصير درعا مرهون بإحداهما الحسم العسكري بتنفيذ قوات النظام أو الحل السياسي عبر مسار خفض التصعيد بدعم من القوة الفاعلة.
نستعرض في هذه الورقة أبرز محطات الجنوب السوري محاولين إزالة اللبس والغموض عن واقع ومستقبل الجنوب.
أولًا: مباحثات الجنوب السوري
1_ الجنوب منطقة آمنة عازلة
لم تكن فكرة المناطق العازلة أو الآمنة محط اهتمام دول الجوار مع سوريا إلا بعد تدفق اللاجئين السوريين إليها، وقد ولّد هروبهم باتجاه المناطق الحدودية الأردنية رغبة المعارضة السورية بالدرجة الأولى توفير حماية المدنيين من آلة النظام العسكرية. وفي 8/4/2013 كشف قائد عمليات المنطقة الجنوبية في الجيش الحر “ياسر العبود” نية الجيش الحر إقامة منطقة آمنة مع الأردن بهدف حماية المدنيين وإيقاف تدفقهم إليها.[4]
رغم التعاطي الإيجابي للأردن مع إنشاء منطقة عازلة لتكون جدارًا يحميها من خطر تدفق التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، إلا أنّ إبداء مخاوف المملكة لتحفظات وتعقيدات هذا الأمر تغّلب على تطبيقه، وقد عبّر رئيس الوزراء الأردني -سابقًا- “عبد الله النسور” أن عمّان لا تريد الانخراط في الملف السوري مع تأكيده بنفس الوقت على حماية حدود المملكة الشمالية مع جنوب سوريا[5] وهو ما زاد من ضبابية نهجها ومواقفها تجاه سوريا، وعلى الرغم من حساسية المشهد فقد كان لإدارة أوباما السابقة الكلمة الفصل في موضوع إنشاء المناطق العازلة أو الآمنة التي تركها معلّقة لـدونالد ترامب على حساب تحقيق إنجازات في محاربة الإرهاب وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران 2015.
2- مباحثات عمّان واتفاق خفض التصعيد
مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض مطلع 2017 تجدد طرح مصطلح المناطق الآمنة، الذي يحتاج إلى توفير قوات دولية تشرف على أمن وحماية هذه المناطق، ومع تكرار ترامب للعرض أكثر من مرة استشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن من شأن هذه المناطق أن تفضي في نهاية المطاف إلى سقوط منظومة الحكم في دمشق ، وهو أمر تسعى موسكو لمنعه منذ تدخلها في سوريا 2015 بهدف تمرير مشاريعها في بسط الوصاية والنفوذ في مياه البحر المتوسط، فلجأ بوتين إلى مقايضة فكرة ترامب بمصطلح خفض التصعيد تبلور إلى اتفاق بين روسيا وإيران وتركيا ضمن مسار آستانة أيار/مايو 2017 وضم محافظة إدلب وأجزاء متفرقة من أرياف اللاذقية وحماه وحلب وريف حمص الشمالي وفي الجنوب الغوطة الشرقية6، وقد سمح الاتفاق لروسيا امتلاكلها زمام الأمور بجغرافية سوريا وإبعاد أي خطر عن النظام السوري عبر موافقة الأمم المتحدة المشاركة بصفقة مراقب للاتفاق دون تدخلها بشكل مباشر في سير المباحثات .
وبعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ تم الكشف عن مباحثات ثلاثية سرية في عمّان لتحييد منطقة درعا عن الأعمال العسكرية، وفي 11/11/2017 أعلنت عمّان عن اتفاق “أمريكي روسي أردني” مفاده إنشاء منطقة خفض توتر مؤقتة بجنوب سوريا تنهي أي حل عسكري لمستقبل سوريا.[6]
3- درعا ضمن دائرة الحدث الدولي
لم تكن مباحثات عمّان السرية وليدة الصدفة وبمعزل عن مسار المفاوضات في آستانة وجنيف فالاتفاق الذي جاء خارج سياق المباحثات السورية شكّل الأولوية الأولى لروسيا وأمريكا لدرء المخاوف الإسرائيلية-الأردنية من استمرار تدفق المليشيات والتنظيمات التي تهدد الأمن القومي لكلا البلدين، وقد أكدت صحيفة تايمز البريطانية نية إسرائيل إنشاء منطقة عازلة تمتد على بعد 30 كم إلى الشرق من الجولان المحتل متجاوزة مدينة درعا وصولًا إلى مدينة السويداء.[7]
في المقابل تسعى المملكة الأردنية تعزيز أمنها القومي في جبهتها الشمالية مع جنوب سوريا؛ فلم تعد سياسة الوسادة الأمنية طوال سبع سنوات مضت كافية لدرء خطر التنظيمات التي تعتبرها إرهابية، سيما بعد تمدد تنظيم الدولة الإسلامية شرق محافظة السويداء وعمق البادية السورية وشنه عمليات باتجاه مخيم الركبان الحدودي بات يُشكل مصدر التهديد الأول لها، وعليه لم تنقطع المملكة يومًا عن مسار المباحثات بهدف التوصل إلى تسوية سياسية وتعدى الأمر إلى انخراطها في الأعمال العسكرية التي استهدفت بسلاح الطيران لأكثر من مرة تجمعات تنظيم الدولة في الجنوب السوري.
يُضاف لها اهتمام الأردن بإعادة فتح معبر نصيب الحدودي الذي كلّفها خسائر اقتصادية كبيرة منذ وقوعه تحت سيطرة المعارضة 2015.[8]
كما شكل الموقع الجغرافي لدرعا كمنطقة حدودية بين دولتين إسرائيل والأردن نقطة فارقة بالنسبة للنظام السوري، فبعد إعلانه بسط السيطرة على كامل محيط العاصمة دمشق[9] بما فيها المناطق البعيدة كالقلمون الشرقي ومخيم اليرموك فبراير/ شباط 2018 توجهت أنظاره نحو فتح الطرقات الرئيسية مع العاصمة دمشق طريق حمص الشام وحلب الشام والشام درعا ودمشق عمّان وصولاُ إلى إعادة السيطرة على المناطق الحدودية مع الأردن والوصول لمعبر نصيب لإعادة تفعيل خط الاقتصاد والتبادل التجاري مع سوريا لبنان سوريا العراق وسوريا الأردن.
بعد احتفال النظام بتفريغ محيط العاصمة من تواجد المسلحين، تحوّلت درعا إلى حلقة إشكالية دولية أربكت حسابات محور النظام روسيا إيران وبين أمريكا إسرائيل الأردن وارتفعت وتيرة التوترات بعد تأكيد إسرائيل نيتها طرد إيران من كامل الجغرافية السورية وليس فقط في أماكن تواجدها في الجنوب السوري، حيث وفي نيسان/إبريل 2018 تعرض النظام لسلسلة غارات إسرائيلية كانت الأعنف في تاريخ العلاقة بين البلدين تركزت معظمها على مواقع عسكرية ومطارات ومواقع استخباراتية ومنصات صواريخ وأنظمة دفاعية و لوجستية جنوب وشمال وغرب سوريا قالت إسرائيل أنها تابعة لإيران[10].
لكن الغارات المتزايدة على مواقع إيرانية في سوريا، لم تمنع النظام من مزاولة التضييق على فصائل المعارضة في الجنوب متجاوزًا حليفه الإيراني الذي أعلن عن عدم رغبته المشاركة في أي معركة عسكرية إن حصلت في الجنوب.[11]
وقد بدا موقف إيران استجابة لتخفيف حدة العداء الدولي ضدها، سيما بعد إعلان روسيا توصلها لاتفاق مع إسرائيل يُفضي إلى السماح لقوات النظام استعادة الحدود الجنوبية مع إسرائيل مقابل خروج للقوات الإيرانية على لسان رئيس مجلس الأمن الدولي السفير فاسيلي نيبيزيا.[12]
وما يعزز طرح الاستجابة الإيرانية للغرب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي[13] الذي قد يعقد الوضع الاقتصادي الإيراني أكثر في حال استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على شخصيات إيرانية وشركات أوروبية مستثمرة داخلها.
يُضاف إلى هذا تغير ملموس بعلاقة إيران مع روسيا خلال الفترة الماضية خاصة بعد ظهور سياسية طمأنة إسرائيل في ميدان حماية أمنها الإقليمي وخوفًا من خسارتها النهائية لها تسعى لاستمالة روسيا والاستناد عليها للحصول على صفقات اقتصادية تعوضها عن خسارتها جراء دعمها للنظام منذ 2011 لكن هذا لا ينفي أن لدى إيران أوراق ضغط كثيرة قد تفعلها ضد الغرب من خلال أذرعها الممتدة من الخليج لشمال افريقيا.
ثانيًا: سباق على الجنوب
في ظل استمرار الترتيبات الدولية للحدود الجنوبية السورية، أقدم النظام على سلسة من التحركات العسكرية التي كانت كفيلة إلى جانب التحركات السياسية؛ أن تعكس سباق السيطرة على الجنوب إما بالحل العسكري أو السياسي، وقد تفسر تحركات النظام سياسيًا اعتماده على حليفه الروسي الذي مهد له فتح بوابة الجنوب بالضغط على بلدات ريف درعا محجة إبطع داعل وتخييرهم بين الرضوخ لمسار المصالحات أو الحسم العسكري[14] وهي خطوة تُترجم تجاوز النظام حليفه الإيراني على حساب الدعم المقدم له من روسيا التي أعربت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف عن ضرورة تواجد قوات النظام على الحدود الجنوبية مع إسرائيل.[15]
1_الحل العسكري
مهّد النظام دخوله بوابة الجنوب من جهة السويداء، وبعد استقدامه تعزيزات من الفرقة التاسعة وقوات خاصة من اللواء 62 أحرز تقدمًا في باديتها على حساب تنظيم الدولة وسيطر على عدة مناطق في شمالها وغربها[16] إلا أنّ الهدف البعيد للمعركة كان اقترابه من ريف درعا الشرقي بعد تقليص مناطق مساحة تنظيم الدولة.
وألقى عبر طائراته منشورات ورقية على بلدات متفرقة في الجنوب دعا الأهالي والفصائل للمصالحة وإلقاء السلاح[17] وهي سياسة لطالما اتبعها النظام في حلب وحمص وإدلب والغوطة بغية الضغط على الحاضنة الشعبية.
كما استأنف النظام قصف ريف درعا بالبراميل المتفجرة، بعد غيابها عن أجواء المدينة لشهر كامل؛ الأمر الذي عكس مؤشرات معركة عسكرية يُحضر لها النظام إن حصلت فهي للسيطرة على مواقع استراتيجية منها:
تل الحارة ويتمتع بأهمية استراتيجية حيث يتوسط منطقة الجولان ويرتبط بالعديد من القرى المجاورة ويمتد من وادي الأردن غربًا والعلان شرقًا ووادي اليرموك من الجنوب، ويقع شمال غرب مدينة الحارة وغرب مدينة الصنمين، أجزاؤه الشمالية عبارة عن غابة حرجية وهو أعلى منطقة في المحافظة في حال سيطر النظام عليه يعني سقوط ريف القنيطرة وباقي مناطق ريف درعا الشمالي.
بصر الحرير وهي إحدى مدن حوران وتابعة إداريًا لمحافظة درعا وتقع البلدة على الطرف الجنوبي لهضبة اللجاة، يخترق البلدة طريق عام يربط بين الشيخ مسكين وإزرع والسويداء، سيطرة النظام عليها تعني فتح طريق بين مدينة إزرع وصولًا إلى السويداء وعزلها عن منطقة اللجاة.
منطقة غرز وهي قريبة من درعا المدينة وهي هدف هام للنظام، فالسيطرة عليها تعني تقدمه باتجاه معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
2_الحل السياسي
لا ينفصل تكتيك النظام عن نطاق المباحثات الجارية على مستوى رؤساء ووزراء الدول الضامنة لمناطق خفض التصعيد من طرف. وأمريكا والأردن من طرف آخر، إلا أنًّ الغموض لا يزال سيد الموقف أمام تزايد تصعيد النظام الذي اعتبرته أمريكا محاولات استفزازية وأقدمت على تهديده أكثر من مرة باتخاذ اجراءات قاسية ردًا على الانتهاكات عبر بيان صادر عن الخارجية الأمريكية.[18]
ومع أن أمريكا حذرت النظام من استئناف الأعمال العسكرية جنوب غرب البلاد، إلا أنها لم تُقدم موقفًا واضحًا على أقله لفصائل المعارضة التي لا تزال تُحافظ على مبادئ اتفاق خفض التصعيد، ومازالت تنتظر موقفًا أمريكيًا حازمًا يكبح تمدد النظام باتجاه الحدود، حساسية المشهد المعقد دفع واشطن إلى إرسال رسالة تطمين لقادة الجنوب تحثّهم على ضبط النفس وعدم استفزاز النظام معتبرةً أي حركات استباقية من شأنها تقويض جهود الولايات المتحدة في عملية السلام للجنوب السوري.[19]
عقب الرسالة دعت الأمم المتحدة جميع الأطراف في الجنوب السوري إلى وقف فوري للتصعيد و حثت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي روسيا لممارسة نفوذها على النظام ليتوقف عن انتهاك اتفاق خفض التصعيد محملةً إياها المسؤولية في حال استمرار الأعمال العسكرية.[20]
وكما ذكرنا فإن جهود الولايات المتحدة وروسيا تنصب على التباحث المشترك وبقنوات مفتوحة “ثنائية وثلاثية ورباعية “على أمل الوصول إلى ترتيبات تعزز الاتفاق “الروسي الأمريكي الأردني”، فالدول الراعية للاتفاق ترى أنه لا يزال الوقت متاحًا لحل تفاوضي من شأنه تفادي هجوم عسكري يدمر المنطقة، وبالاعتماد على اتفاق خفض التصعيد يمكن بالحد الأدنى لكل الأطراف احترام خطوط التماس في المناطق الحدودية مع إسرائيل والأردن، للانتقال بالتدريج إلى ترتيب تفاهمات ما بعد وقف النار.
ثالثًا: ديناميكيات الدفاع والهجوم لفصائل معارضة الجنوب
1_ رص الصفوف والتوحد
على وقع تحركات النظام أعلنت جميع فصائل الجنوب الاستنفار فأقدمت على عدة مستويات قسمت المحافظة إلى غرف عمليات وأرسلت رسائل لأبناء السويداء دعتهم ألا يكونوا وسيلة لتحقيق أهداف النظام.[21]بالمقابل اتخذ رجال الكرامة في السويداء موقف الحياد عبر بيان صادر عن الجناح الإعلامي.[22]
وأعلنت كافة فصائل الجيش الحر بالقنيطرة تشكيل غرفة عمليات عسكرية موحدة تحت اسم النصر المبين، لمواجهة قوات النظام[23] وأكدت في بيان على التزامها بثوابت الثورة ومحاربة النظام بكل الأساليب المتاحة .
2_الحرب النفسية
لأول مرة اتبعت الفصائل تكتيك الحرب النفسية لكن بمنحى إيجابي مغاير تماماً عن أسلوب ونهج النظام، أرسلت فصائل الجنوب مناشير تم إسقاطها بطائرة مسيرة على مناطق النظام تحث الأهالي عدم الانجرار وراء سياسية النظام وتدعوهم الالتحاق بركب الثورة .
استفادت معارضة الجنوب من كم التجارب الممارسة على السوريين في إطار سياسية الحرب النفسية المدرجة كأداة حرب لدى النظام ، فحذر قائد أسود السنة أبو عمر زغلول من آلة النظام الإعلامية متوعدًا بتحويل المنطقة مقبرةً لقواته[24] لكنّ النظام رفع من وتيرة قصفه مستخدمًا صواريخ “سكود” والقنابل العنقودية
وبمفارقة عن مصطلح الحرب النفسية المتبعة لدى النظام السوري اعتاد ممارسة التضليل وبث الشائعات طيلة سنوات الصراع وخصص بذلك وسائل إعلامه المسموعة والمرئية مستهدفاً المدنيين لإسكاتهم عن الظلم وقبول الواقع الحالي مقابل حصولهم على سلامة العيش اليومي. أما على أصحاب الكلمة والرأي استخدم كامل الأدوات في سياق الحرب النفسية باعتبارهم الأخطر عليه من أي شريحة أخرى فهي التي تسعى دائماً لكشف الحقيقة وتتّبنى قضايا الحريات والعدالة الاجتماعية ومشاريع التنمية والاقتصاد وهي مجالات عمل النظام على استبدالها واستعاض عنها بترسيخ الجهل والفساد لإبعاد الحقيقة واتهام كل من يدعم المعارضة بالتطرف و الإرهاب.
3_تكتيك حرب الشوارع
تُحاول فصائل الجنوب تطبيق أسلوب تكتيك حرب الشوارع والكر والفر، حيث تصدت لجميع محاولات تسلل النظام من عدة محاور -حتى لحظة كتابة البحث هذه المادة- ومنعت قواته التقدم في الجبهات الغربية والشرقية لريفي درعا والقنيطرة، وشكلت غرفة عمليات مركز وُزعت على 6 غرف عمليات في مناطق مختلفة بهدف التنسيق والعمل الجماعي لصد النظام، تزامنت تحركات الفصائل مع كشف صحيفة آكي الإيطالية امتلاك فصائل الجنوب لسلاح التاو المتطور الذي يبلغ مداها نحو 8كم قادمة من الحدود مع الأردن.[25] وإذا ما ثبت امتلاك الفصائل لهذا السلاح فمن شأنه أن يُغير كامل مجريات المعركة عسكريًا، وسياسيًا وهو ما يُدللُ على تنسيق كامل مع الأردن التي أعربت عن استقبالها ممثلين عن فصائل الجنوب ودعتهم لضبط النفس وعدم الانجرار وراء تصعيد النظام.[26]
وتتركز بدرعا كبرى الفصائل المعارضة أبرزها الفصائل المنضوية بغرفة عمليات البنيان المرصوص وتتوزع على بقية المناطق فصائل أحرار الشام جيش السنة وجيش الثورة فوج المدفعية لواء الكرامة جيش العشائر وتحالف بركان الحارة وهيئة تحرير الشام وفرقة أسود الجولان.
رابعًا: خيارات مرتقبة للجنوب السوري
بناء على ما سبق ورغم تعقيدات المشهد للجنوب السوري، إلا أنَّه بدا واضحًا أنّ المنطقة على أبواب حسم قريب ومرحلة جديدة يتم التجهيز لها لتحقيق استقرار دائم للمناطق الحدودية مع سوريا بالمدى البعيد، بما فيها ضمان أمن إسرائيل في مرتفعان الجولان، والأردن في جبهته الشمالية ومع دخول الطيران الروسي على خط العمليات[27] كأول مشاركة روسية بسلاح الطيران منذ التزامها باتفاق خفض التصعيد 7مايو/أيار 2017 يمكن الإشارة إلى ما يأتي:-
1_ إن مشاركة روسيا في ساحة العمليات في درعا سببها عدم تحقق نتائج فعلية بالمفاوضات مع الجانب الأمريكي حول استمرار وقف النار، وقد يعود سبب الخلاف حول مستقبل تواجد القوات الأمريكية في قاعدة التنف الحدودية أو رفض الأخير الانسحاب مقابل انسحاب كامل للقوات الإيرانية.
وقد بررت وزارة الدفاع الروسية تدخلها سماء درعا بأن عناصر تحرير الشام[28] هاجموا مواقع لقوات النظام بمناطق خفض التصعيد في خطوة جاءت بعد تحميل مندوبة الأمم المتحدة نيكي هيلي مسؤولية روسيا التصعيد في الجنوب السوري، وهذا من شأنه أن يعزز استمرار دعم روسيا عمليات النظام لتقطيع أوصال محافظة درعا والتفرد بها على غرار ملفات الغوطة وحلب.
2_ سيناريو آخر يُفضي إلى تحالف ثلاثي روسي أمريكي إسرائيلي مبني على التزام روسيا ضمان انسحاب القوات الإيرانية من الحدود السورية الإسرائيلية في الجنوب مقابل ضمان روسيا حماية منطقة خفض التصعيد بعد إنهاء المعارضة بالحسم العسكري ومصالحات وتهجير.
وما يعزز الفرض تبليغ واشنطن معارضة الجنوب بعدم حصولهم على دعم عسكري أو لوجستي خلال تصديهم لقوات النظام[29] وقد يسقط هذا الطرح حال تقديم الدعم للمعارضة من بعض الجهات والدول سرًا.
خاتمة
علاوةً على ما تم ذكره في هذه الورقة نستطيع أن نستشرف ما يلي
1_ موضوع حسم ملف الجنوب رهن نضوج التفاهمات الدولية بين دول أمريكا- اسرائيل-روسيا-إيران في صفقة كبرى قد تمتد لتشمل فيما بعد ملف الشمال السوري بجزئية حل معضلة مدينة إدلب.
2_ مرحلة التصعيد الاسرائيلي على إيران التي سبقت العمليات العسكرية في درعا دخلت ضمن نطاق صفقة الجنوب، فعدم الرد الإيراني على الغارات الاسرائيلية وتوقفها بشكل مفاجئ عزز قبول التزام إيران بالابتعاد عن مناطق النفوذ الاسرائيلي في هضبة الجولان ومنطقة فك الاشتباك لحدود 1974 مقابل ضمان نفوذ إيراني في دمشق ، وقد أشارت العديد من التقارير عن انسحابات إيرانية في الجنوب السوري.
3_ الانخراط الفعلي لروسيا في سير العمليات العسكرية في درعا ما كان ليكن لولا ضوء أخضر اسرائيلي نتج عن تقدم في المباحثات الروسية الاسرائيلية الأمريكية من شأنه أن يسمح لروسيا تعزيز الوصاية على النظام السوري في سوريا وإجباره على تطبيق كل الاملاءات الغربية، لذا فإن استمرارها مسك زمام الأمور في منطقة الجنوب قد يحقق لها على صعيد عسكري نجاح في إعادة النظام السوري إلى مناطق الحدود باتباع طرق التفاوض مع الفصائل والمصالحات والتصعيد العسكري، مقابل تعهد روسي بإبعاد إيران عن الشريط الحدودي مع اسرائيلي وهو ما أشرنا ذكره أعلاه برضا وقبول وإيراني مسبق، سياسياً ستسارع روسيا في استثمار نجاحها العسكري في الجنوب، بتعزيز موقفها للحل السياسي واعتماد الدستور بشكله الحالي مع الحفاظ على الشكل الرمزي لمؤسسات الدولة.
دولياً قد تحصل موسكو على اعتراف واشطن بمصالح روسيا في مياه المتوسط وانفتاح نوعي في الملفات المتنازع عليها أوكرانيا ومناطق القوقاز والدرع الصاروخي.
4_ اسرائيل تُعتبر المشارك الفعلي بمعارك الجنوب على خلاف سياسة عدم الظهور السابقة، عززت خطوطها الحمر بنبرة تهديد واضحة ومباشرة، في عدم السماح لتواجد إيراني في المناطق القريبة من مرتفعات الجولان، فهي تنظر للجنوب من منظور جيواستراتيجي بالحفاظ على أمنها القومي وهو ما حصلت عليه على مدار أربعة عقود منذ توقيع اتفاقية الاشتباك 1974 وإذا ما نجحت بحسم عسكري للجنوب، فهو سيكون ثمرة المباحثات بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنامين نتنياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان مع الرئيس الروسي فلادييمر بوتين ووزير دفاعه سيرغي شيوغو، وما يقوي هذا الاعتبار إبداء اسرائيل موافقتها عقب المحادثات على عودة النظام السوري على حساب انحسار القوات الإيرانية، وهو مؤشر يقود من جهة استمرار اعتمادها على النظام السوري كحليف استراتيجي في مناطق الحدود رغم كل التحولات التي طرأت على شكل الدولة السورية، ومن جهة ثانية وضوح أكثر لمعالم الصفقة الكبرى التي تديرها اسرائيل على حساب فصائل المعارضة والمدنيين.
5_ في حال تصعيد العمليات العسكرية في درعا ستزداد مخاوف الأردن من موجات نزوح جديدة في مناطقه الحدودية وقد يقود لتصعيد الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن داخلياً، خارجياً تصاعد التوتر في الجنوب سيضعف الأمن القومي للمملكة وبالأخص إذا ازداد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية بفعل استفادته من عوامل الفوضى وانشغال النظام بوضع كامل ثقله العسكري في الجنوب، ومنه قد تمارس المملكة دوراً إنسانياً بتقديم بعض المعونات وتفعيل أكثر لمنظمات المجتمع المدني، وسياسياً تكثيف الاتصالات والمباحثات مع أمريكا وروسيا واسرائيل لإيقاف التصعيد عبر التقدم في المباحثات، وإيجاد حل يضمن حماية حدود وأمن المملكة الدولي بضمانة روسيا الفاعل والمؤثر الأكبر في ملف الجنوب.
6_ موضوع الحسم العسكري السياسي لجنوب سوريا وعلى رغم من عدم نفي صفقات كبرى إلا أن عامل الضبط والسيطرة غائب على جميع الأطراف، فلا يمكن السيطرة الكاملة على جزئيات الأحداث والتحكم بمتغيراتها وهو العامل الخفي الذي قد يفرض على الجميع تغير كل المعادلات لحظة إدراكهم فقدانهم السيطرة والتحكم، يبقى خيار الفصائل المعارضة التي تنخرط بمعركة وجود أو فناء على اعتبار أن خسارتها الجنوب يعني انحسارها في إدلب التي ستكون الوجهة التالية لروسيا بعد طي ملف درعا.
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية “
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018
النظام يبدأ قصفًا جويًا على ريف درعا الشرقي، عنب بلدي، نشر بتاريخ 19/6/2018.
قوات النظام تُغلق الطرق بين درعا والسويداء وتمنع مرور المواد الغذائية، وكالة سمارت للأنباء، نشر بتاريخ 20/6/2018
مقابلة بشار الأسد مع قناة العالم الإيرانية، youtube، 13/6/2018
قتلى بالعشرات وارتفاع المواجهات في سوريا، الجزيرة، نشر بتاريخ 8/4/2013.
الأردن يدرس إقامة منطقة آمنة في درعا.
اتفاق أمريكي روسي أردني لخفض التصعيد جنوب سوريا، الجزيرة، نشر بتاريخ 11/11/2017.
إسرائيل تسعى إلى منطقة عازلة في سوريا ضد حزب الله، THE TIMES ، نشر بتاريخ يوليو، 2017.
إغلاق معبر نصيب السوري الأردني يضر بُمصدري المنطقة، الجزيرة، نشر بتاريخ 23/4/2015.
بعد الغوطة والقلمون الشرقي ريف دمشق كاملًا بقبضة النظام، العربي الجديد، نشر بتاريخ 25/ابريل/2018.
ليلة القصف على سوريا ماهي الأهداف التي تم قصفها، سكاي نيوز، نشر بتاريخ 10 مايو 2018 .
سفير إيران يطمئن الأردن لا تواجد لإيران في جنوب سوريا، عربي 21 نشر بتاريخ 23/مايو/2018.
روسا تؤكد الاتفاق مع اسرائيل بشأن الحدود الجنوبية السورية، الوطن، نشر بتاريخ 2/6/2018.
ترامب ينسحب رسميًا من الاتفاق النووي، العربية نت، نشر بتاريخ، 8/مايو/2018.
روسيا تفتح ملف الجنوب من بلدة محجة، عنب بلدي، نشر بتاريخ 15/5/2018.
روسيا لا نريد إلا قوات النظام السوري على الحدود مع الأردن واسرائيل، القدس العربي، نشر بتاريخ 28/مايو/2018.
مواقع تنظيم الدولة تتهاوى في بادية السويداء أمام الجيش السوري، شبكة السويداء 24 ، نشر بتاريخ 24/6/2018.
مناشير النظام لا تغادر سماء درعا انضموا للمصالحة، عنب بلدي، نشر بتاريخ 20/5/2018 .
تهديد أمريكي لنظام الأسد، شبكة شام، نشر بتاريخ 15/حزيران/2015.
رسالة أمريكية للمعارضة في الجنوب السوري، عربي 21 نشر بتاريخ 22/يونيو/2018.
الأمم المتحدة وواشنطن تدعوان لوقف التصعيد في الجنوب السوري، العربي الجديد، نشر بتاريخ 23 يونيو 2018.
رسالة من فصائل درعا لأبناء الجنوب ، عنب بلدي، نشر بتاريخ 19/6/2018 .
رجال الكرامة في السويداء تتخذ موقف الحياد، شبكة شام، نشر بتاريخ 21/6/2018.
فصائل الثورة بريف القنيطرة تتوحد في غرفة عمليات لصد هجوم النظام، قناة الجسر، نشر بتاريخ 21/6/2018 .
الجيش الحر في درعا يستعرض قواته وعتاده العسكري، شبكة abas نشر بتاريخ 24/6/2018 .
صواريخ التاو بحوزة فصائل الجنوب، آكي الإيطالية، نشر بتاريخ 20/6/2018.
استنفار بالجنوب السوري والأردن يدعو الفصائل لضبط النفس، عربي 21 نشر بتاريخ 22/6/2018.
.. روسيا تتدخل في درعا وواشنطن ترسل خطابها الثاني لـ”الجنوبية”، زمان الوصل، نشر بتاريخ 24/6/2018.
هكذا برَّرت روسيا تصعيد “نظام الأسد” على الجنوب السوري، شبكة الدرر الشامية، نشر بتاريخ 23/6/2028.
واشنطن تبلغ المعارضة: لا تتوقعوا منا دعمًا عسكريًا جنوب سوريا، مدار اليوم، نشر بتاريخ 24/6/2018.