قراءة في كتاب: رؤية سياسية وقانونية سورية – خيارات وحاجات المرحلة الانتقالية
أتى كتيب رؤية سياسية وقانونية سورية ([i])، الصادر عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في مرحلة حرجة من مسيرة التفاوض القائمة بين الهيئة العليا للتفاوض والنظام وبرعاية دولية أممية، كورقة عمل منهجية اعتمدت القراءة التحليلية لمتطلبات المرحلة، آخذة على عاتقها ضرورة طرح المضامين والتوصيفات الممكنة القانونية والسياسية لمتطلبات المرحلة الانتقالية من وجهة نظر سياسية قانونية.
اختتم السيد ستيفان دي مستورا، المبعوث الأممي لسوريا، نهاية الجولة الثانية من المفاوضات بمجموعة من الأسئلة قُدمت لوفدي المعارضة والنظام، وذلك بغية الوصول إلى نقاط تفاهم مشتركة للمرحلة الانتقالية. في مرحلة لاحقة تم تداول هذه الأسئلة على نطاق واسع من المكونات السورية لإشراكها في صناعة تلك الملامح الأولية لنقاط التفاهم الضرورية للمرحلة الانتقالية. هنا يأتي كتاب مركز حرمون والأجوبة المقدمة على أسئلة السيد دي مستورا وطريقة تحليلها سواء بمقدمة تستهدف إمكانية إيجاد حل سياسي من عدمه، والغرض المحدد من تجاهل عدد من الأسئلة التي قام المركز بإضافتها والإجابة عليها، ذات دلالة وثيقة على معرفة القائمين على إعداد الدراسة بشكل دقيق بمجريات الحدث السوري عامة والتفاوضي خاصة، وبالهدف المنظور للمسألة السورية من خلال الحل السياسي. فحتى وإن كان الحل السياسي قليل الاحتمال حسب ما قدمت له الدراسة وفق معطيات المصالح الإقليمية والدولية في المسألة السورية، فقد أقرت الدراسة قرارات مجلس الأمن والدول الراعية لهذا الشأن بغية التأكيد على أن المسألة السورية باتت مسألة دولية تستلزم، ضرورة، اضطلاع الشأن الدولي بالحل فيها وفقاً لمرجعياته القانونية والحقوقية والإنسانية المنوط بها حقن دماء الشعوب وحق تقرير مصيرها.
إن الأجوبة المطروحة على أسئلة السيد ستيفان دي مستورا قدمت جملة من المحددات السياسية والقانونية المهمة في سياق العملية التفاوضية وماهية سبيليها إن تمت، وهنا من غير المفيد إعادة تكرارها في هذه القراءة إنما يمكن التأكيد على نقاط محددة بدقة وفق خطها العام ومفاهيمها المحددة منهجياً بشكل واضح وعلمي مثل:
- تعريف وتحديد مهام هيئة الحكم الانتقالي السياسية والقانونية بالاعتماد على نص قرار جنيف رقم 2218 لشهر حزيران عام 2012، والذي ضمنه قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015، كمرجعية قانونية لأي حل للمسألة السورية توافق عليه طرفا التفاوض و ضمنت الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضرورة تنفيذه.
- تضمين الدراسة مجمل القرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة السورية ما يعطيها القوة القانونية والمرجعية الشاملة، وتفتح الباب أمام المهتمين بالشأن العام من جانبه القانوني بمراجعة تلك القرارات ودراستها جملة واحدة، سواء بتتاليها الزمني أو بمضامينها الدقيقة ومقارنتها مع مقتضيات القانون الدولي، بغية تشكيل ضمانة قانونية صلبة لعدم التأويل أو التسويف المعطل.
- ابتعدت الدراسة عن الإغراق في التفصيلات في المهمات المقترحة للكثير من الهيئات المنوط بها العمل في المرحلة الانتقالية، مقدمة عليها الأوليات الضرورية الضامنة لنجاح العمل التفاوضي ضمن خط عام مفهومي ومحدد لحاجيات المرحلة الانتقالية ومتطلباتها السياسية الملحة.
- قدمت الدراسة حلولاً تقنية للكثير من الإشكاليات التي يمكن أن تعترض سير العملية التفاوضية، وذلك بالاعتماد على ذهنية علمية ديناميكية في التحليل واستخلاص النتائج، و على “حسن نوايا” طرفي التفاوض في نجاح العملية التفاوضية، كما ورد في نقاش أعداد ومعايير انتقاء أسماء الهيئة الحاكمة في الصفحة 17 من الكتاب([ii])، أو في الاقتراحات المتعلقة بالمرجعية الدستورية في الصفحة 51 من الكتاب([iii]).
- أضافت الدراسة جملة من الأسئلة كان قد أغفلها السيد دي مستورا، ربما عن حسن نية بالتوافق المراد كونها تعتبر أسئلة إشكالية، أو لغاية في نفس يعقوب مفادها تمييع المسألة التفاوضية حتى تنضج شروط الأرض العسكرية كما يُخطط ويبيت لها لليوم، لتؤكد الدراسة على جدية مسعاها النظري والبحثي للوصول لشروط العمل السياسي الصحيح و الممنهج، وبنوايا سلمية متكاملة غايتها المصلحة الوطنية العامة.
وعلى الرغم مما تقدم أعلاه، إلا أنه من الممكن تقديم بعض الملاحظات النقدية والتي يمكن أن تكون ذات فائدة في المشاركة في تدقيق بعض التفصيلات منهجياً وعلمياً، سواء كانت بالسياق المفهومي العام أو التفصيلي التقني، مع بقاء التأكيد على أهمية وشمولية الدراسة المقدمة في الكتاب وعدم التقليل من شأنه جملة وتفصيلاً، وهنا يمكن طرح النقاط الآتية:
- إن مصطلح الانتقالي الوارد في مسميات الدراسة للهيئات الضرورية للعمل في المرحلة الانتقالية من قبيل: المجلس العسكري الأمني الانتقالي، مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، المجلس الدستوري الأعلى الانتقالي ([iv])……، مصطلح محدد وظيفياً ومرحلياً وهو مهم جداً من حيث المعيارية والمضمون بما يتعلق بمرحلة انتقالية فقط، لكن مرافقته لمصطلح الأعلى كان غير موفقاً، فحيث أريد للمصطلح ” الأعلى” أن يأخذ صفة الحاكم بصلاحيات كاملة كما ورد في نص قرار جنيف ذو الصلة، إلا أنه أشار من جانب آخر إلى تعدد الهيئات والمرجعيات الموجودة في هذا السياق والمتشكلة خلال الخمس سنوات السابقة خاصة في جانب قوى الثورة. فإن كان لابد لهذه الدلالة أن تكون موجودة، فهي فقط فيما يتعلق بالمجلس العسكري الأمني. وذلك كونها الحالة المبدئية
اللازمة لتجاوز حالتي النظام والمعارضة من جانب، ومن جانب آخر استقرار الحالة العسكرية والأمنية هي الشرط اللازم والضروري لعمل أي جهة أو هيئة أخرى سياسية كانت أو مدنية أو إدارية، ومن دونها ستتعرض كل العملية السياسية لاحتمال الانهدام والابتعاد عن مسارها الوطني العام. بينما يمكن تسمية باقي الجهات والهيئات بمسمياتها الوظيفية المنوط بها للعمل على المساحة المدنية والسياسية والإدارية من قبيل: المجلس الدستوري السوري الانتقالي، ومجلس القضاء السوري الانتقالي، والمجالس المحلية الإدارية الانتقالية دون إرفاقها بكلمة الأعلى، وذلك على خلفية المنظور المتساوي للمواطن السوري حسب ما طرحته الدراسة ذاتها وحسب ما يمكن أن تطرحه أي هيئة سورية وطنية تلتزم بالخط الوطني معارضة كانت أم صاحبة سلطة.
- ورد بالصفحة 26 من الكتاب، وكإجابة عن علاقة الحكم بمؤسسات الدولة القائمة: (( وتمارس الهيئة بعض صلاحيات التشريع الضرورية لعملها خلال المرحلة الانتقالية، كجزء من صلاحيتها، وتحت رقابة المجلس الدستوري الأعلى الذي ستشكله…))([v])، وهنا لا يمكن لأي هيئة انتقالية أن تمارس أي دور تشريعي من حيث سن قوانين أو ما شابه إلا تحت مسمى انتقالي محدد، ومفروض بضرورات المرحلة وينتهي العمل به بنهايتها وفقط، بحيث تضمن عدم سنها لأية تشريعات يمكن أن تستمر لما بعدها من جانب، ومن جانب أخر هي حكم انتقالي محدد وظيفياً لتجهيز كل بنى الدولة والمجتمع لسن تشريعاته وعقده الاجتماعي في مرحلة الاستقرار التالية. كما ولا يمكن لهيئة الحكم تشكيل المجلس الدستوري الأعلى المنوط به وضع دستور للبلاد، بل هو أول مؤسسة منتخبة للسوريين بكافة شرائحهم وأحزابهم ومنظماتهم، على هيئة الحكم الانتقالي ومجلسها الأمني والعسكري الأعلى ضمان شفافية انتخابه، حتى وإن استعانت برقابة دولية بهذا الشأن. عندها يمكن لهذا المجلس أن يمارس دوره الوظيفي في الرقابة على ما يمكن أن تشرعه انتقالياً هيئة الحكم الانتقالي.
- أغفلت الإجابة عن السؤال الرابع والعشرين المتعلق بدور الرقابة أهمية ذكر وتفعيل ومصونية حرية الاعتصام والتظاهر الشعبي في المرحلة الانتقالية وفي كل زمن، بحيث تكون أداة رقابية شعبية عريضة وواسعة لعموم السوريون، وذلك إضافة لما طرحته الدراسة من أسس رقابية مهمة، فالشعب بعمومه هو صاحب الدور الرقابي المسؤول والأوسع، فحرية التظاهر والاعتصام السلميين مصانة بكافة المراحل والأزمنة على أي دستور صيانتها بقوانين ملزمة وصريحة، كما وأن الشعب السوري، والذي أناطت له الدراسة نفسها حقه بالمكافئة بعد طول صبره السنين السابقة في الصفحة 50.
- شملت الصفحة 45 مجمل القرارات الدولية المتعلقة بالمسألة السورية، وهذا عمل مهم جداً وضروري قانونياً وسياسياً، إلا أنه من الضروري بمكان الاستفادة من بعض الجهود الفكرية والنظرية لمرجعيات سورية وطنية عملت خلال الفترة الماضية في سياق المصلحة الوطنية، وفي مسميات المرحلة الانتقالية ذاتها من قبيل: وثيقة العهد الوطني([vi]) الصادرة عن مؤتمر القاهرة عام 2012، وكتاب خطة التحول الديموقراطي في سوريا([vii]) الصادر عن المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع بيت الخبرة السوري عام 2013 .
- حددت المواد الواجب تعديلها أو تغيرها في دستور عام 2012([viii]) في حال تم اعتماده للمرحلة الانتقالية، وهي معظم المواد المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية وذلك في الصفحة 64، وهذا مهم جدا لكن ثمة ضرورة لتعديل كل المواد المتعلقة بحصانة رؤساء الأجهزة الأمنية أيضاً دستورياً أو ما أتى منه بقوانين مفردة بالأساس، وأرى، واتساقا مع كتاب خطة التحول الديموقراطي المشار له سابقاً، ترجيح الأخذ بدستور 1950 في المرحلة الانتقالية مع القليل من التعديلات الطفيفة، كونه الدستور الأول الذي أسس للجمهورية الأولى بحلة وطنية دون إعطاء أي صلاحيات مطلقة أو مهيمنة لنظام الحكم.
- بالنسبة لإلغاء العديد من المراسيم والقوانين الصادرة عن النظام في الصفحة 65 ([ix])، فان قانون الطوارئ هو قانون مرحلي تتخذه الدولة في حالات الدفاع عن النفس وفي الكوارث الطبيعية، هذا القانون بالذات خلاف غيره يجب إيقاف العمل به لا إلغائه والتأكيد على تغيير مضامينه وآليات عمله في المرحلة ما بعد الانتقالية وذلك بمرجعية دستورية واضحة تشريعياً في أثناء إعداد الدستور. فمع أن النظام قد أوقف العمل به شكلياً في المرحلة السابقة مستبدلاً به قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن الحالة السورية تعقدت أكثر ودخلت في مسار الدمار الكلي والتهجير الممنهج. وبالتالي لم تكن الإشكالية بقانون الطوارئ بقدر المدة الزمنية المعمول فيه لعقود، والذهنية الأمنية العسكرية الحاكمة من خلاله تكريساً للسلطة، والتحديد الدقيق لضرورات العمل به في الكوارث والحرب الخارجية وعلى عاتق من تقوم الحاجة لإعلان حالة الطوارئ؟ هذه الأسئلة هي بالضرورة الممكن أن تغير فحواه من قانون هيمنة عسكرية على المجتمع إلى قانون محدد وظيفياً للمصلحة الوطنية وفقط.
- في مسألة الأعداد المتعلقة بنسبة أعضاء هيئة الحكم الانتقالي الواردة في الصفحات 18و 24، وحيث أنه قد وفقت الدراسة بموضوع التنويه إلى أن من يمثل المؤسسات القائمة حالياً بمرجعياتهم السلطوية للنظام حصراً، إلا أن الدراسة لم تنوه إلى ضرورة التدقيق في مسميات المجتمع المدني المتشكل خلال السنوات الخمسة السابقة والتي أكدت الكثير من التقارير الدولية والدراسات المحلية على غرضيتها المشبوهة في التشكيل أو قدرتها على العمل في بيئة الحرب وظروف عدم الاستقرار، كما أن مسمى منظمات المجتمع المدني بالأساس هي مسميات عارضة لم ترتق إليه غالبيتها لا من حيث المحتوى ولا من حيث البيئة المجتمعية التي لم تتعاون معها للآن كما يجب. كما ويمكن الإشارة بوضوح إلى أن الطرف الروسي يسعى جاهداً لإقحام العديد من تلك المسميات لتثقيل كفة النظام على كفة المعارضة وذلك بحكم رعايتها المادية والسياسية لتلك المنظمات، والتي امتلكت القدرة على العمل على مساحة الأرض السورية الخاضعة لسيطرة النظام علناً بمسميات “المعارضة الوطنية الشريفة الداخلية” وما أنتجته من مسميات مدنية بذات الشخوص لغرض في نفس يعقوب بات واضحاً بحكم المرحلة الحالية (وأيضاً يمكن تدقيق هذه المؤسسات والمنظمات في أماكن أخرى ودراسات أخرى و بالتفصيل)، فليس بعيداً عن التدقيق الخلاف الحاصل حول المجلس الاستشاري النسوي الذي استعان به دي مستورا مستبعداً كل الفعاليات النسوية السورية الأخرى التي شاركت بفعالية ووطنية في مجرى الثورة السورية، وغيره الكثير من المسميات لا تتسع الدراسة هذه لها.
إن أي ملمح لحل المسألة السورية هو ملمح معقد ومتداخل، و لربما لا تكفي دراسة واحدة أو بحث واحد في الإلمام بمقتضياته، لا لتعقيد المسألة السورية من حيث الطبيعة وفقط، بل لكم التداخلات الدولية والإقليمية فيه ولكثرة المطامع السياسية والعسكرية دولياً وإقليمياً في سوريا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من هنا كان كتاب مركز حرمون للدراسات من الدراسات المهمة والناجزة في هذا السياق وما تقديمنا لهذه النقاط إلا ضمن سياق طرح ما قد يكون غائباً عنها مرة، أو إقراراً بأهمية جوانب أخرى يمكن العمل عليها حوارياً بذات المعنى السوري المعلن وضمن سياق ذات الرؤية والهدف المرجو، ويبقى السؤال المحوري للإجابة عنه مبدئياً: هل هناك حل سياسي لسوريا وما هي مقومات وجوده وإمكانيته؟.
للتحميل من هنا
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات 2016
المراجع:
[i]– رؤية سياسية وقانونية سورية- خيارات وحاجات المرحلة الانتقالية (الإجابة عن أسئلة السيد
دي ميستورا و أسئلة أخرى)- مركز حرمون للدراسات المعاصرة- حزيران/ 2016.
[ii]– رؤية سياسية وقانونية سورية، المرجع رقم 1 –ص 17.
-[iii] رؤية سياسية وقانونية سورية، المرجع رقم 1، ص 51.
[iv]– رؤية سياسية وقانونية سورية، المرجع رقم 1، ص 14.
-[v] رؤية سياسية وقانونية سورية، المرجع رقم 1، ص 26.
[vi]– وثيقة “العهد الوطني” الصادرة عن مؤتمر المعارضة السورية – في القاهرة- تموز/2012.
[vii] – خطة التحول الديموقراطي في سوريا- بيت الخبرة السوري و المركز السوري للدراسات
الاسترتيجية- أب/2013.
[viii]– دستور الجمهورية العربية السورية – 2012.