بدأت الأطراف المعنية في أزمة الصحراء الغربية تعقد اجتماعاتها في جنيف مطلع كانون الثاني/ ديسمبر 2018.
عودةً إلى تاريخ هذا الصراع الطويل الذي ابتُليت به المنطقة مدّةً طويلةً من الزمن، بدأت الأطراف ذات الصلة بهذه القضية في جنيف أول اجتماعاتها الرئيسية. فهل سينجح المعنيون بمسألة الصحراء الغربية -المغرب وموريتانيا وجبهة البوليساريو والجزائر- في الخروج من شبح نزاعٍ ظل يغوص لأكثر من أربعة عقودٍ في رمال الصحراء؟
تمّ تكليف الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر وسيطًا أمميًّا فيما يخص ملف الصحراء الغربية، حيث نجح الرجل في جمع أطراف الأزمة حول طاولةٍ واحدةٍ فيما كان هذا أمرًا صعب المنال في الماضي.
أصل النزاع (1975-1976):
للوصول بسرعةٍ إلى بداية النزاع يتعيّن أولًا أن نعود إلى التاريخ الاستعماري للمنطقة، إذ في بداية القرن العشرين تقاسمت فرنسا وإسبانيا المغرب، ثمّ ما لبث أن تعثّر تقاسمهما لهذه السلطنة القديمة.
فرنسا جعلت القسم الأكبر في البلاد “تحت الوصاية”، أمّا إسبانيا فاحتلت الريف والمنطقة الشمالية -بدون طنجة التي أصبحت منطقةً دولية- وتتمركز كذلك إسبانيا في الجنوب حيث إقليم الصحراء الغربية وصولًا إلى سواحل المحيط الأطلسي في شريطٍ طويلٍ من أراضي المغرب، في الصحراء الغربية لا نرى سوى تلالًا وكثبانًا رملية، لكن مساحتها (266000 كم مربع) تعادل تقريبًا مساحة المملكة المتحدة.
في منتصف سبعينيات القرن الماضي قرّرت إسبانيا ترك المنطقة بعد معاناةٍ سياسيةٍ داخلية، إلى من يجب أن يعود إقليم ما كان يُسمّى وقتها “الصحراء الإسبانية”؟
موريتانيا طالبت بالجزء الجنوبي الصغير، بينما حسب تقديرات المغرب يجب أن تعود هذه المنطقة بأكملها للسيادة المغربية، وذلك باسم الولاءات القديمة لزعماء القبائل البدوية في الصحراء تجاه سلاطينهم، أما بالنسبة لسكان البلاد الصحراويين فلا يتفقون أبدًا مع هذه الرؤية للأمور.
جبهة البوليساريو -وهي صيغة مختصرة في الإسبانية تعني الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب- تنوي هذه الجبهة التوصل مع الأمم المتحدة لاستفتاء “تقرير المصير” الذي قد يؤدي إلى “الاستقلال” في نهاية المطاف.
تصرّف المغرب أسرع من غيره، ففي 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1975 وبينما كان الجيش الإسباني لا يزال موجودًا في الإقليم، أطلق الملك المغربي الراحل الحسن الثاني المسيرة الخضراء، وهي عمليةٌ دعائيةٌ وطنيةٌ ضخمة، كانت هذه المسيرة وقتها نجاحًا شعبيًّا لا يمكن إنكاره، إذ تجاوز نحو 350 ألف مغربي أعزل من بينهم نساء وأطفالٌ وشيوخ نقطة الحدود إلى الإقليم المتنازع عليه.
في مثل هذا الواقع لم تستطع إسبانيا مجابهة حشد المدنيين هذا، عندها انسحبت واستسلمت لمطالب الرباط وحليفه نواكشوط؛ الثلث الجنوبي من الإقليم سيذهب إلى موريتانيا والثلثين الشماليين للمغرب.
الحرب (نهاية 1975-1991):
جبهة البوليساريو رفضت ذلك واعتبرته انقلابًا، وبدأت فورًا الأعمال القتالية وأعلنت قيام “الجمهورية الغربية الصحراوية” وهي دولةٌ غير معترفٍ بها دوليًّا، كما أعلنت الجبهة سيادتها على الإقليم بأكمله.
بدأت الحرب بالفعل، فرّ عشرات الآلاف من الصحراويين بسبب العمليات العسكرية والقصف ولجأوا إلى مخيماتٍ حول تندوف في جنوبي غربي الجزائر، تمّ جدولة الصراع على أنه سيدوم طويلًا، هنا لا تزال الأحداث تدور في السبعينات من القرن العشرين حيث الحرب الباردة وحيث كانت قضية الصحراء الغربية من أكثر قضايا القارة الأفريقية تعقيدًا.
جبهة البوليساريو تمّ دعمها وتسليحها من الجزائر وستساندها ليبيا كذلك، تجدر الإشارة إلى قرب البلدين -الجزائر وليبيا- من المعسكر السوفييتي، من جانبه المغرب -وبالنتيجة حليفته موريتانيا- تدعمه الولايات المتحدة.
في عام 1979 كسبت جبهة البوليساريو جولةً هامّةً بعد خوضها حرب الكمائن وبعد تغيير النظام في موريتانيا، عندها خرجت نواكشوط من اللعبة وتخلّت عن حصّتها في الصحراء وانسحبت إلى ما وراء الحدود.
عزّز المغرب موقفه في عام 1980 للقتال ضدّ العدو المتقدّم، في هذا العام تمّ تشييد جدارٍ هائلٍ يصل إلى 2700 كم ويخضع إلى حراسةٍ مشدّدةٍ من قبل جنود المغرب وبتكنولوجية متطورة قدّمتها لها الولايات المتحدة الأمريكية.
تمّ إثرها رسم الحدود الطويلة في منتصف الإقليم، 80% من الجانب الغربي تسيطر عليه الرباط، وال20% المتبقية تسيطر عليها جبهة البوليساريو.
الحرب على الجبهة الدبلوماسية في الأمم المتحدة وأوروبا وأفريقيا لا تقل ضراوةً عمّا كانت عليه سابقًا العمليات العسكرية، إذ أنّه في عام 1980 نجحت الجزائر في إدخال “الجمهورية العربية الصحراوية” إلى منظمة الوحدة الأفريقية -هي الآن منظمة الاتحاد الأفريقي-، بعد عامين من هذا التاريخ يغادر المغرب المنظمة احتجاجًا.
الجمود منذ عام 1991 حتى يومنا هذا:
في عام 1991 وفي مناخ نهاية الحرب الباردة تمكنت الأمم المتحدة أخيرًا من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي قبله المتحاربون، وأرسلت بعثة مينورسو التي كانت مهمتها ترتكز على إحلال السلام والعمل على تنظيم استفتاء شعبي ل “تقرير المصير” الذي كان مقرّرًا عام 1992 ولا يزال عالقًا على أسئلة من يجب أن يشارك في التصويت، وأصلًا ماذا يجب أن يكون سؤال الاستفتاء.
للخروج من مخاطر التصويت في الاستفتاء حاول المغرب لمدة عشر سنواتٍ تعزيز الحكم الذاتي للإقليم مع الإبقاء عليه تحت السيادة المغربية، وجبهة البوليساريو لا توافق على كلّ ما يجري.
الآن مضى ربع قرنٍ منذ أن اتهم كل طرفٍ الآخر بإعاقة العملية ولا شيء يتقدم إلى الأمام.
بطبيعة الحال، وراء الأسئلة القانونية السابقة الطرح هناك أسئلةٌ أكثر حيويةً تقف وراء كل هذا الركود، إذ يوجد بشكلٍ واضحٍ مصالح اقتصادية في أصل هذا النزاع، فإقليم الصحراء الغربية رملي ذو مساحةٍ شاسعة، لكنه أيضًا إقليمٌ هامٌّ بالرواسب الفوسفاتية، ويمتلك سواحل يقال أنها الأكثر ثراءً بالثروة السمكية في العالم.
خلف دعم الجزائر لجبهة البوليساريو هناك طموح جزائري حول إمكانية وصوله إلى سواحل المحيط الأطلسي. وأخيرًا لا يجب أن نتجاهل الحساسيات القومية، فقد تمّ كتابة الكثير حول هذا الموضوع منذ عام 1975.
كانت المسيرة الخضراء عملية تواصلٍ كبيرةٍ وناجحةٍ للحسن الثاني، حيث تمّ إيصال رسالةٍ مفادها أنّ حقيقة السيادة المغربية على الصحراء الغربية هو موضوع توافقٍ في الآراء يجمع بين جميع الحساسيات القومية تقريبًا، وأنّ المشكلة الوحيدة تكمنُ في الجانب الآخر من الحدود، والجزائريون يتفقون كذلك مع هذا الطرح.
منذ ذلك الوقت والإيماءات تتوالى الواحد تلو الآخر، ففي محاولةٍ منه لإثبات حُسن النيّة أعاد المغرب انضمامه إلى منظمة الاتحاد الإفريقي عام 2017.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قال الملك المغربي محمد السادس أنّه مستعد للتحرك بشكلٍ إيجابي لحل هذه الأزمة، أمّا الجزائر من جهتها فقد أشارت إلى أنّ هذه التصريحات المغربية ليست إلا حركاتٍ إعلامية.
وبينما الجميع ينتظر معجزةً تخرج أخيرًا من مفاوضات جنيف، يبقى إقليم الصحراء الغربية واحدًا من آخر البلدان المقسمة في العالم، ويبقى معظم سكانها يعيشون منذ أربعة عقودٍ في المنفى ضمن مخيماتٍ مؤقتة.
فرانسوا راينير لمجلة لوبس الفرنسية 5 كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٨
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية “
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018