الاصداراتتقاريرمتفرقات 1

تقرير حول: "اتحاد المغرب العربي "الواقع والتحديات

اتحاد المغرب العربي (1)
 
 
المقدمة:
تعتبر التكتلات الإقليمية سمة العلاقات الدولية في العقود الأخيرة، حيث لا نكاد نجد قارة أو إقليما يضم دولا متجانسة ولها نقاط مشتركة إلا ودخلت في تكتل تحمي فيه مصالحها وتطور مواردها لخدمة مستقبل شعوبها. فبالاتحاد والاندماج تستطيع الدول تحقيق الكثير من الامتيازات لم تكن لتحققها منفردة، فلا يمكن تصور دول كبلجيكا وهولندا والبرتغال. بالقوة والحصانة التي يتمتعون بها اليوم خارج الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
لقد كانت فكرة إنشاء “اتحاد المغرب العربي” واعدة بمستقبل مشرق لشعوب المنطقة تنسي سنوات من النكسات التي عاشتها الدول العربية بصفة عامة ودول المنطقة خاصة، اتحاد تذوب فيه الخلافات والمشاكل العالقة لصالح اندماج اقتصادي وتحالف سياسي يعزز الانسجام الشعبي والثقافي والتاريخ المشترك لشعوب المنطقة، لكن هذا الاتحاد ستعترضه مشاكل عديدة منذ تأسيسه سنة 1989 إلى يومنا هذا.
سيكون التقرير التالي مناسبة لإبراز أهم الإشكالات التي حالت دون تفعيل “اتحاد المغرب العربي”، وكيف فشل الاتحاد في تحقيق الاندماج المنشود رغم توفر جميع مقومات النجاح، وذلك بالإجابة على مجموعة من التساؤلات أبرزها:
السياق التاريخي وملابسات إنشاء اتحاد المغرب العربي؟
نقاط القوة ونقاط الضعف في مشروع الاتحاد؟
الواقع والتحديات التي تهدد مستقبل الاتحاد؟
 

  • “اتحاد المغرب العربي” التاريخ والنشأة:

أسست الدول المغاربية سنة 1989 اتحادا سمي ب”اتحاد المغرب العربي”، حيث كانت الرغبة في إنشاء هذا التكتل قبل ذلك التاريخ في محطات كثيرة بالنظر إلى ما يجمع دول المنطقة من تاريخ مشترك ووحدة الدين واللغة والأرض وكذلك المصير، فما يجمع هذه الدول أكثر مما يفرقها رغم ما خلفه الاستعمار الأجنبي من آثار سيئة وعوامل التفرقة ساهمت في تأخير هذا الاتحاد لسنوات بعد الاستقلال.
أعلن زعماء كل من دول المغرب والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا في السابع عشر من فبراير عام 1989 عن تشكيل “اتحاد المغرب العربي” في مدينة مراكش المغربية، وذلك بهدف توثيق أواصر الأخوة التي تربط بين دول الاتحاد بعضهم ببعض وبين شعوبهم، وتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعات هذه الدول والدفاع عن حقوقها وصيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل بالتدريج على تحقيق حرية تنقل الأشخاص والخدمات والسلع ورؤوس الأموال[1].
رغم تفاوت دول الاتحاد من حيث الوزن الاقتصادي والسياسي والجغرافي، إلا أن سمة التكامل كانت هي الرهان الذي ارتكز عليه زعماء الدول من خلال هذا الاتحاد من أجل تحقيق اكتفاء ذاتي لدوله، على غرار ما تقوم به اتحادات مجاورة خاصة تجربة “الاتحاد الأوروبي” التي استطاعت تحقيق تكامل اقتصادي وتوافق سياسي كبيرين. فدول “الاتحاد المغرب العربي” طالما شكلت عبر التاريخ دولة واحدة متحدة من “تونس” إلى “نواكشوط”، كما خاضت حروبا تحررية مشتركة ضد الاحتلال الأجنبي الذي كان أول من وضع حدودا سياسية تفصل بين هذه الدول.
إن “اتحاد المغرب العربي” جاء في إطار السياق التاريخي المشترك ووحدة الإقليم الجغرافي والدين وتمازج الدماء المغاربية أثناء الكفاح التحريري، والرغبة المشتركة في توظيف تلك العوامل لتحقيق مصير كامل دول المنطقة أساسه التضامن والتكامل ورفع تحديات التنمية، كل ذلك وسط بيئة دولية أصبحت تشهد تكاثر ظاهرة التكتلات الجهوية وتأثيرها في العلاقات الدولية وكافة المجالات[2]. فبداية التأسيس لهذا التكتل في شمال إفريقيا لم تكن في أول الأمر لها صبغة رسمية، بل كانت رغبة بعض الشباب المثقف الحالم بوحدة واندماج مغاربي كفيل بمواجهة التحديات المشتركة.
لقد كان تواجد مستعمر مشترك في كل من الجزائر والمغرب وتونس عاملا مؤثرا وحاسما في خلق شعور بالتضامن والتعاون بين النخب الوطنية لمواجهة فرنسا، حيث انضمت كل من ليبيا وموريتانيا لمشاريع بناء وحدة مغاربية في سبعينيات القرن الماضي. وتحولت باريس في عشرينيات القرن الماضي إلى مركز التقاء الطلبة الجزائريين والمغاربة والتونسيين الذين تكتلوا في منظمات ذات توجه مغاربي، وتم إنشاء جمعية لها بعد مغاربي سنة 1925 تحت اسم “نجمة شمال إفريقيا” برئاسة الجزائري “مصالي الحاج”، هدف الجمعية كان تنظيم المقاومة من أجل استقلال دول شمال إفريقيا الثلاث. غير أن فكرة المغرب العربي الموحد ستكون جمعية “الطلبة المسلمين الشماليين الإفريقيين” والتي أسست سنة 1927 أول من سيدعو إليها، حيث اقترحت توحيد البرامج التعليمية من أجل الحفاظ على الهوية المغاربية وترسيخ روابط الوحدة الوطنية في شمال إفريقيا[3].
إن إنشاء اتحاد المغرب العربي والتوقيع على اتفاقية تؤشر على بداية التعاون الرسمي لدوله؛ هي ثمرة وتجسيد لواقع كانت تعيشه شعوب المنطقة بشكل فعلي من إيواء ودعم لأعضاء المقاومة وجيوش التحرير لدول المنطقة، وكذلك التبادل التجاري ومرور القوافل والأفراد قبل الاستعمار حيث لم تكن هناك حدود سياسية تفصل بين دول المنطقة. فقرار الاتحاد هو مطلب شعبي قبل أن يكون قرارا سياسيا، غير أن القرار بإنشاء الاتحاد اعتبر خطوة شجاعة بالنظر إلى المشاكل التي ستعرفها دول المنطقة بعد خروج الاستعمار وما خلف وراءه من مشاكل ساهمت في تأخير هذا الاتفاق.
لقد كانت قمة “زرالدة” بالجزائر لرؤساء الدول المغاربيين في يونيو 1988 إثر انتهاء القمة الاستثنائية للجامعة العربية، بداية لمسلسل الاتحاد المغاربي حيث صادق رؤساء الدول الخمس على خلق لجنة للتفكير من أجل صياغة اتفاقية متعددة الأطراف تأسس “لاتحاد المغرب العربي”. حيث فسر مسؤولون في السياسة الخارجية في دول الاتحاد عن سبب خلقه في نقاط ثلاث[4]:
 
أولا: المسؤولون الجزائريون والتونسيون والمغاربة، يحرصون على أن إنشاء هذا الاتحاد الجهوي استجابة للتحديات التي تفرضها المجموعة الأوروبية الموسعة نحو البحر الأبيض المتوسط سنة 1986، والتهديد الذي سيحدثه خلق سوق أوروبية مشتركة على اقتصاديات دول المغرب العربي.
 
ثانيا: المتغيرات على الصعيد الدولي والتوجه نحو خلق فضاءات اقتصادية جهوية –كالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.- وحسب الطرح المغربي فذلك يستوجب إحداث فضاء اقتصادي يمكنه مواجهة تحديات اقتصاد معولم باستمرار، أصبح الانعزال فيه يساوي التهميش.
 
ثالثا: بالنسبة للعقيد الراحل “معمر القدافي” والرئيس المخلوع “زين العابدين بن علي”، فقد اعتبرا أن الاندماج الجهوي في سياق وحدوي عربي استجابة لطموحات الشعوب المغاربية التي تطمح إلى وحدة عربية بشكل تدريجي يبدأ من المنظمات الجهوية، كمجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون العربي.
يمكن القول أن إنشاء “اتحاد المغرب العربي” كان لبنة أساسية في إطار العمل العربي المشترك، غير أن هذا الاتحاد كان فرصة لتعزيز موقع بعض حكام المنطقة في مناصبهم كالرئيس التونسي الذي كان قد أتى إلى الحكم بعد انقلابه على الرئيس “بورقيبة”، والعقيد “معمر القذافي” الذي جاء إثر انقلاب عسكري، حيث كان خلق هذا الكيان مناسبة لتعزيز الأطروحات التي برروا بها وصولهم إلى الحكم من قبيل الوحدة العربية والتقدم الاقتصادي لشعوب المنطقة عن طريق الاتحاد. لكن وبعد مرور سنين طويلة على هذا الاتفاق، فإنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه المنشودة بسبب العديد من المشاكل التي تتخبط فيها دوله رغم توفر جميع مقومات نجاحه.

  • دول المغرب العربي ومقومات النهضة:

إن المتمعن في الخريطة الجغرافية لدول المغرب العربي سيجد تكاملا وتناسقا طبيعيين، وذلك لما تزخر به هذه الدول من موارد طبيعية مختلفة ومتنوعة، وحدود مشتركة برية وبحرية تساعد على حركية وتنقل الأفراد والبضائع بكل سهولة من موريتانيا إلى تونس أو العكس، كما أن وحدة اللغة والدين والثقافة تشكل عاملا إيجابيا إضافيا. فدول الإتحاد تتمتع باقتصاديات متنوعة حيث تعتمد كل من تونس والمغرب بشكل كبير على الفلاحة وأنشطة متنوعة بينما ليبيا والجزائر فتعتمدان على إنتاج الغاز والنفط وتتوفر موريتانيا على مخزون كبير من ثروات معدنية وطبيعية، ناهيك عن اليد العاملة المؤهلة المتوفرة في دول المنطقة الأمر الذي يوحي بتكامل اقتصادي يحقق اكتفاء ذاتيا لدول المغرب العربي ويجعل منه اتحادا قويا ومنافسا لباقي التكتلات الإقليمية المجاورة.
 
تبلغ مساحة “اتحاد المغرب العربي” حوالي 5.782.140 كلم مربع، وتشكل هذه المساحة حولي 42% من مساحة الدول العربية مجتمعة تتركز 41% منها في الجزائر، ويصل طول الشريط الساحلي لدول الاتحاد 6505 كلم، ويصل تعداد سكانه حوالي 80 مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2000 حيث يعيش 78% من سكانه مناصفة في الجزائر والمغرب، وتبلغ نسبة المساحة الصالحة للزراعة من مساحة الاتحاد إلى ما يقارب 3.7% تقع 43% من هذه الأراضي في المملكة المغربية، كما يبلغ مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول ‘اتحاد المغرب العربي” 389.6 مليار دولار أمريكي وهو ما يعادل حوالي 32% من إجمالي الناتج المحلي للدول العربية، ويصل معدل النمو السكاني لدول الإتحاد المغاربي إلى 1.7%[5].
إذا كان الاقتصاد يعتمد في أساسه على الفلاحة والصناعة فمقومات اقتصاد قوي لدول الاتحاد مجتمعة تعد بمستقبل زاهر إن أحسنت الاستغلال، وسنستعرض هنا بعض من المميزات الاقتصادية والموارد الطبيعية التي تتمتع بها كل دولة على حدا:
 

  • موريتانيا: تتميز دولة موريتانيا بتنوع وتعدد ثرواتها الطبيعية خصوصا المعادن من حديد ونحاس، وكذلك مخزون مهم من الفوسفات. غير أن الاقتصاد الموريتاني يبقى الأضعف أمام باقي اقتصاديات دول الاتحاد، حيث تحتاج موريتانيا إلى دعم شركائها والاستفادة من خبراتهم في المجال الاقتصادي، وقد استشعرت موريتانيا ضعف اقتصادها وقامت بإصلاحات جذرية أهمها نهج سياسة الخصخصة وخفض العبء عن ميزانية الدولة[6].

 

  • تونس: رغم أنها لا تتوفر على ثروات طبيعية من معادن وموارد طاقية، إلا أن تونس استطاعت تطوير بنياتها التحتية واستغلال مواردها البشرية والجغرافية لخدمة اقتصادها الوطني، حيث تعتمد تونس على السياحة كأول مساهم في الاقتصاد الوطني ثم الفلاحة والنسيج والخدمات، ويعتبر الاقتصاد التونسي من الاقتصاديات الأكثر تنافسية في القارة الإفريقية وعلى الصعيد العربي رغم قلة الموارد الطبيعية[7].

بعد ثورة 2011 والتي كان العامل الاقتصادي حاسما في إشعالها بسبب ارتفاع البطالة وسوء توزيع الثروة؛ وتونس تتخبط في العديد من المشاكل الاقتصادية، خصوصا بعد ضرب القطاع الأكثر حيوية وهو القطاع السياحي من خلال العمليات “الإرهابية” التي عرفتها تونس، وكذلك عدم الاستقرار السياسي الذي ساهم في فقدان المستثمرين الأجانب الثقة في الاقتصاد التونسي.
 

  • ليبيا: تعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم وهو عماد اقتصادها حيث احتلت الرتبة الثامنة عشر عالميا سنة 2009، حيث يساهم قطاع الصناعة ب67.4% وقطاع الخدمات ب31.7% والفلاحة بنسبة 0.9% ومن أهم زبائنها “إيطاليا وألمانيا وفرنسا والصين”، وأهم مزوديها “الصين وإيطاليا وتركيا وتونس وفرنسا”.[8] غير أن الاقتصاد الليبي بدأ يعرف بعض التنوع وذلك بعد رفع الحصار عنها سنة 2000، إلا أن ما تعيشه ليبيا من حرب منذ الإطاحة بالعقيد “معمر القدافي” أدخل الاقتصاد الليبي في حالة من التدهور والركود، خصوصا بعد استهداف مصافي النفط من طرف الجماعات المتناحرة وتهريب كميات كبيرة لبيعها في السوق السوداء، ناهيك عن انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية الأمر الذي انعكس سلبا على الاقتصاد الليبي، وأدخل ليبيا في قائمة الدول الفاشلة.

 

  • الجزائر: من أغنى دول الاتحاد باعتبارها من أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي والتي تشكل 95% من إجمالي صادراتها و60% من عائداتها، غير أن التركيز على تصدير المحروقات قد يشكل خطرا على الاقتصاد الجزائري الذي لا يعتمد التنوع في الموارد خصوصا في حال انخفاض أسعار المحروقات على الصعيد العالمي[9].

 

  • المغرب: يعتبر المغرب من أقوى الاقتصادات في دول اتحاد المغرب العربي، فرغم أن المغرب دولة فلاحية بامتياز حيث يشغل القطاع 40% من السكان النشيطين، إلا أن اقتصاده يعتمد التنوع والانفتاح كما أن الاقتصاد المغربي اقتصاد خدماتي بنسبة مساهمة تصل إلى 54.9% من الناتج الإجمالي في السنوات الأخيرة، كذلك يتوفر المغرب على مجموعة من الموارد الطبيعية باعتباره أول بلد مصدر “للفوسفاط” في العالم، وإطلالة المغرب على واجهتين بحريتين جعلت منه أول مصدر عربي للأسماك والثامن عشر عالميا، بالإضافة إلى مساهمة السياحة والتحويلات المالية للمهاجرين، غير أن الجديد في الاقتصاد المغربي هو التوجه الصناعي كإنتاج السيارات والنسيج والصناعات الغذائية؛ حيث وصلت مساهمة القطاع الصناعي إلى نسبة 35% من الناتج الداخلي الخام وتشغيل 20% من السكان النشيطين[10]. لكن الاقتصاد المغربي يواجه تحديات كبيرة أهمها تأثر الأنشطة الزراعية بعوامل مناخية كالجفاف، وكذلك تأثير تقلبات أسعار المحروقات عالميا على الاقتصاد المغربي خصوصا على القطاع الصناعي.               

رغم ما يوحي به تنوع اقتصاديات الدول المغاربية من حاجة كل دولة إلى أخرى، إلا أن التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية بينها تبقى دون المستوى المطلوب، وذلك لتداخل المشاكل السياسية بين دول الاتحاد في المجال الاقتصادي وعدم استثمار التقارب الجغرافي، بإنشاء بنية تحتية تسهل تنقل البضائع والأشخاص على غرار “الاتحاد الأوروبي”؛ لذلك فالتغلب على المشاكل السياسية هو مدخل للتعاون وتحقيق الاندماج الاقتصادي.

  • تحديات الوحدة ومعيقاتها:

هناك من حكم على “اتحاد المغرب العربي” أنه ولد ميتا، وذلك بالنظر إلى المشاكل السياسية الكبيرة العالقة بين دوله والتي شكلت عائقا أمام الاندماج الكلي وتحقيق أهداف الاتحاد. فاختلاف الأنظمة السياسية والنزاعات الحدودية الموروثة عن الاستعمار بين دول الاتحاد ورغبة كل دولة في الريادة والزعامة على الصعيد الإقليمي، كانت من بين العوامل المؤثرة سلبا على سير الاتحاد نحو أهدافه المنشودة، وتبقى مشكلة “الصحراء المغربية” أكبر عقبة تواجه تفعيل مشروع “اتحاد المغرب العربي” منذ تاريخ إعلانه.
إن من بين الأهداف التي وضعها “اتحاد المغرب العربي” التقارب والتعاون الدبلوماسي بين الدول الأعضاء. حيث يهتم مجلس وزراء الخارجية بالتنسيق في مجال العلاقات بين دول الاتحاد، ومحاولة تقريب وجهات النظر المتباينة جراء النزاعات الجهوية أو الأزمات العربية. غير أن التعاون الدبلوماسي المغاربي يكتفي بالبيانات المعلنة بعد كل قمة لرؤساء الدول، وتكرار الخطاب المألوف لدى الدبلوماسية العربية ولا يخرج بأي موقف مشترك بخصوص النزاعات الجهوية. ف”اتحاد المغرب العربي” لم يكن ممكنا إلا بعد التصالح الجزائري-المغربي سنة 1986، حيث رافق إنشاء الاتحاد تنازلات من الفاعلين الرئيسيين في المنطقة وذلك بقبول الجزائر بغياب “جبهة البوليساريو” وتفادي معاهدة الإنشاء الإشارة الصريحة إلى النزاع في الصحراء، وتنصيص المعاهدة باقتراح من تونس على “مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية” لدول الاتحاد، كما يشير الفصل 15 من المعاهدة التزام الأطراف: “بعدم السماح في ترابها لأي نشاط سياسي، أو الانضمام إلى أي تحالف عسكري أو سياسي موجه ضد استقلال تراب الدول الأخرى الأعضاء”[11].
لقد خلّف الاستعمار الأجنبي لدول “المغرب العربي” مشاكل حدودية خطيرة كادت أن تعصف بالسلم والأمن في المنطقة، حيث عرفت جميع دول الاتحاد نزاعات حدودية: بين كل من تونس-ليبيا وتونس-الجزائر وليبيا-الجزائر والمغرب-موريتانيا، غير أن تلك النزاعات كانت تجد لها حلا دبلوماسيا وسلميا في غالب الأحيان. يبقى الصراع الحدودي بين المغرب والجزائر هو الأخطر بين النزاعات السابقة الذكر، والذي أدى إلى نشوب حرب بين البلدين سنة 1963، حيث يعود أصل النزاع إلى اقتطاع فرنسا أراض مغربية وضمها إلى الجزائر إبان فترة الاستعمار، وبعد استقلال المغرب وتأخير مسألة تسوية الحدود إلى ما بعد استقلال الجزائر تشبثت هذه الأخيرة بمبدأ “الحدود الموروثة عن الاستعمار” وهو المبدأ الذي تبنته منظمة “الوحدة الإفريقية” بعد تحركات دبلوماسية جزائرية مكثفة، فإشكالية الحدود الجزائرية-المغربية لازالت عالقة إلى يومنا هذا كما أنها مغلقة بين الدولتين.
إن العلاقات المغربية الجزائرية تعد من بين العلاقات البينية الأكثر توترا على الصعيد العربي، بالنظر إلى العنف والحدة التي تتميز بها وارتباطها بأطراف متعددة ومختلفة سياسيا واقتصاديا. حيث أن المشكلات المحورية في العلاقات الثنائية بين الدولتين –كما سبقت الإشارة- تبقى هي الحدود البرية بينهما و”ملف الصحراء”، فالوضع العام للعلاقات المغربية الجزائرية حبيس التناقض في وجهات النظر إزاء قضية الصحراء؛ بسبب عوامل تاريخية وجغرافية وإيديولوجية وأخرى دولية. كل تلك الإشكالات ألقت بظلالها على المنطقة وحالت دون تفعيل “اتحاد المغرب العربي”[12].
لقد حالت المشاكل العالقة بين دول “اتحاد المغرب العربي” دون تحقيق الأهداف المسطرة والاندماج كلي، حيث كان من الأولى طرح حلول لتلك الإشكالات وليس القفز عليها بإنشاء اتحاد غير مكتمل الأركان. كما أن عدم مساندة دول الاتحاد لبعضها في الأزمات التي تتعرض لها كان يعطي إشارات إلى عدم صلابته وقدرته على مواجهة التحديات التي تتربص به، وذلك من قبيل الحصار الذي فرض على ليبيا إثر ما يعرف ب”حادثة لوكربي”[13] وعدم قدرة دول الاتحاد على كسر هذا الحصار ومساعدة ليبيا للخروج من أزمتها ولو بالطرق الدبلوماسية، الأمر الذي أعطى انطباعا عند الليبيين بالعزلة رغم أنهم وسط اتحاد المفروض فيه أن يفك عنهم ذلك الحصار ولو بشكل رمزي.
 

  • واقع الاتحاد ورهان المستقبل:

استبشرت دول “اتحاد المغرب العربي” خيرا بعد رفع الحصار الذي كان مفروضا على ليبيا، حيث كانت كل الفرص متاحة من أجل استثمار ذلك الحدث وإعادة إحياء حلم الاتحاد، غير أن عقلية أنظمة هذه المنظمة الجهوية لم تتغير وحب الزعامة لم ينجلي من مخيلتها. كما أن الأحداث الأخيرة التي عرفتها دول الاتحاد والمتمثلة في “ثورات الربيع العربي”، ساهمت في توسيع الهوة بين دوله خصوصا من الناحية الأمنية؛ حيث أن كل دولة تحاول تأمين حدودها من تسلل “عناصر متطرفة”، كذلك غياب حكومة في ليبيا وغيرها من مترتبات ثورتي تونس وليبيا؛ كل تلك الأمور أرجعت الاتحاد إلى نقطة الصفر.
يعيش “اتحاد المغرب العربي” حالة من الجمود والسكون ككيان رغم ما تعرفه دوله من حركية وتغيير، فمشكل “الصحراء المغربية” لازال قائما بين الجزائر والمغرب، زيادة على ذلك انهيار الدولة في ليبيا وما تعيشه من حالة حرب يؤثر بشكل مباشر على دول الاتحاد بالنظر إلى الحدود المشتركة مع كل من تونس والجزائر والمركز الجغرافي لليبيا في قلب الاتحاد، حيث قام المغرب باحتضان مفاوضات الفرقاء الليبيين في ما عرف باتفاق “الصخيرات” برعاية أممية، إلا أن مسلسل السلام لا زال طويلا، وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على أي محاولة لإحياء “اتحاد المغرب العربي”.
لقد قام الرئيس التونسي السابق “منصف المرزوقي” بجولة مغاربية في فبراير 2014، حيث قام بدعوة كل من المغرب والجزائر وموريتانيا إلى تفعيل “اتحاد المغرب العربي”، والذي يعتقد أنه معطل بسبب النزاع الجزائري-المغربي حول “قضية الصحراء” والاستقطاب الإقليمي بين الدولتين –كما أسلفنا الذكر-. وتحاول تونس أن تحيي دماء مشروع التكامل المغاربي، من خلال تجاوز الإشكالات السابقة والعمل على توظيف “قوتها المعيارية” المتمثلة في ديمقراطيتها الناشئة، من أجل تعزيز التعاون البيني والاندماج بين دول “اتحاد المغرب العربي”[14].
رغم الطموح الكبير الذي كان يحمله مشروع الاندماج المغاربي، إلا أن الواقع أثبت فشله من جميع النواحي كما تدل جميع المؤشرات الاقتصادية والسياسية والأمنية، كما لا يمكن نفي العوامل الخارجية في إفشال هذا الاتحاد منها عدم رغبة الدول الكبرى في رؤية مجموعة من الدول العربية متحدة ومستقلة في قرارها، فالمغرب حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وشريك اقتصادي للاتحاد الأوروبي الذي منحه “الوضع المتقدم”، والجزائر حليف استراتيجي لروسيا تاريخيا حيث تلعب هذه العوامل بشكل سلبي وبطريقة غير مباشرة في قبر مشروع الاتحاد. كذلك الاتحاد الأوروبي وهو أكبر وأقرب تجمع اقتصادي قريب من دول “اتحاد المغرب العربي” لن يرضى بوجود تجمع متجانس ومتحد ومستقل ومنافس له، وهو ما يفسر المبادرة التي قام بها الرئيس الفرنسي السابق “نيكولا ساركوزي” والمتمثلة في الاتحاد من أجل المتوسط” والتي أراد أن يجمع فيها دول جنوب وشمال حوض البحر الأبيض المتوسط، غير أن هذه المبادرة هي الأخرى لم تلق النجاح.
 
الخاتمة:
ختاما يمكننا القول أن مستقبل “اتحاد المغرب العربي” يبقى غامضا في ظل تخندق السياسيين في حسابات ضيقة، وكذلك ما عرفته المنطقة في السنوات الأخيرة من تدهور أمني لا يساعد على أي تقارب أو اندماج كلي لدول الاتحاد. إلا أن ما تزخر به المنطقة من مقومات واختلاف في الموارد يكمل بعضها بعضا، مؤشر يدعونا إلى التفاؤل فيما يمكن أن تحمله السنوات القادمة؛ إذا تغيرت عقليات السياسيين التي تفوت فرصا كبيرة على شعوب المنطقة من أجل التقدم والازدهار الاقتصادي والتنموي، فالموقع “الجيوبوليتكي” الذي يشغله “اتحاد المغرب العربي” كواجهة إفريقية تطل على أوروبا وامتداد للشرق الأوسط ستجعل منه أقوى التكتلات العالمية إن تم تفعيله واستغلاله في الاتجاه الصحيح.
 
  لائحة المراجع:
كتب:

  • ميغيل هيرناندو دي لارامندي، “السياسة الخارجية للمغرب”، ترجمة عبد العالي بروكي، منشورات الزمن، النجاح الجديدة-الدار البيضاء، طبعة أولى 2005.

الدوريات:

  • الغوث ولد الطالب، مقال بعنوان: “الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لسياسات الخصخصة في موريتانيا” مجلة فكر العلوم الاقتصادية والقانونية والسياسية العدد الأول 2008 المغرب. من ص 71 إلى ص 107.
  • محمد حمشي، “أي تأثير للتحولات الإقليمية على المغرب العربي؟”، ملحق مجلة السياسة الدولية عدد يوليو 2014، من ص 23 إلى ص 28.
  • مروان قبلان، “المغرب والجزائر الجوار الصعب”، مجلة سياسات عربية، عدد 12 يناير 2015، من ص 41 إلى ص 54.

الجرائد:

  • جريدة العلم المغربية، عدد 20974 بتاريخ 21/02/2008.

التقارير:

  • دول المغرب العربي. معلومات أساسية. من إعداد: قسم البحوث والدراسات على موقع الجزيرة نت، بتاريخ 3/10/2004، aljazeera.net/specialfiles

المواقع الالكترونية:
http://www.aljazeera.net/specialfiles
http://www.lemoci.com/fiche-pays/tunisie/.
www.maghrebarabe.org/ar/
http://www.agadiragreement.org
http://www.aljazeera.net/news/ebusiness.
www.diplomatie.gouv.fr.
 
 
 
 
 
[1] – أنظر معاهدة إنشاء الإتحاد، على موقع اتحاد المغرب العربي: www.maghrebarabe.org/ar/.
[2] – حوار صحفي لأمين عام اتحاد المغرب العربي “الحبيب بن يحيى” مع جريدة العلم المغربية، عدد 20974بتاريخ 21/02/2008.
[3] – ميغيل هيرناندو دي لارامندي، “السياسة الخارجية للمغرب”، ترجمة عبد العالي بروكي، منشورات الزمن، النجاح الجديدة-الدار البيضاء، طبعة أولى 2005 ص 269 و 270.
[4] – ميغيل هيرناندو دي لارامندي، “السياسة الخارجية للمغرب”، مرجع سبق ذكره ص 277.
[5] – دول المغرب العربي.. معلومات أساسية. من إعداد: قسم البحوث والدراسات على موقع الجزيرة نت، بتاريخ 3/10/2004،  www.aljazeera.net/specialfiles.
[6] – من أجل المزيد من المعلومات عن الاقتصاد الموريتاني أنظر: مقال ل الغوث ولد الطالب، بعنوان: “الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لسياسات الخصخصة في موريتانيا” مجلة فكر العلوم الاقتصادية والقانونية والسياسية العدد الأول 2008 المغرب من ص 71 إلى ص 104.
[7] – Pour plus d’information sur l’économie Tunisienne : Tunisie/ Données Générales sur http://www.lemoci.com/fiche-pays/tunisie/.
[8] – présentation de la Lybie. www.diplomatie.gouv.fr.
[9] – الجزائر تجرب وصفة جديدة للاقتصاد والمستقبل غامض، مقال إخباري منشور على موقع الجزيرة أخبار الاقتصاد، بتاريخ 6/6/2016 http://www.aljazeera.net/news/ebusiness.
[10] – معطيات عامة حول الاقتصاد المغربي تجدونها على الصفحة الالكترونية: http://www.agadiragreement.org.
[11] – ميغيل هيرناندو دي لارامندي، “السياسة الخارجية للمغرب”، مرجع سبق ذكره ص 283و284.
[12] – مروان قبلان، “المغرب والجزائر الجوار الصعب”، مجلة سياسات عربية، عدد 12 يناير 2015، من ص 41 إلى ص 54، ص 42.
[13] – للمزيد حول قضية “لوكربي” أنظر ملف خاص حول القضية منشور على موقع الجزيرة بعنوان: “قضية لوكربي..الربح والخسارة”، آخر تحديث بتاريخ 21/2/2012، http://www.aljazeera.net/specialfiles.
[14] – محمد حمشي، “أي تأثير للتحولات الإقليمية على المغرب العربي؟”، ملحق مجلة السياسة الدولية عدد يوليو 2014، من ص 23إلى ص 28، ص 27.
 
لتحميل التقرير من هنا
 
 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى