بانوراما (في أحداث كانون١ /ديسمبر 2021مِـ).
لبنان: ٤ كانون١ /ديسمبر ٢٠٢١
تسبّبتْ تعليقاتٌ لوزيرِ الإعلام اللبناني المستقيل جورج قرداحي انحاز فيها “للحوثيين”، إلى دخول بلادِه أزمة مع دولٍ خليجية على رأسها المملكة العربية السعودية، الأمرُ الذي زادَ تمزقَ البلاد مع تفاقمِ حالةِ الاستقطاب الداخليّ، ورفعَ معدّلَ الاضطرابِ الاقتصاديّ الكارثيّ أصلًا؛ إذ أنّ ٢٦٪ من تحويلاتِ المغتربين إلى لبنان تأتي من دولِ الخليج العربيّ، و٣٦٪ من السياح القادمين إلى بيروت يأتون من شبهِ الجزيرة، ناهيك عن صادراتٍ لبنانيةٍ عدّة تضرّرت جرّاء الردّ الخليجيّ.
عليهِ قامت فرنسا -كَدولةٍ ترعى استمرار العمليّة السياسيّة اللبنانيّة- بخطوةٍ تجاه الأزمة، حيثُ أوصى ماكرون حكومةَ ميقاتي بإقالةِ قرداحي وإنهاء التوتّر، والعودة بالعلاقات إلى الحدّ الأدنى الذي كانت عليهِ قبل الحادثة، زارَ بعدها الرئيس الفرنسي المملكة العربية السعوديّة ٤ كانون١ /ديسمبر ٢٠٢١، حاملًا في جعبته سلّة أهداف، مِنها إيصال رسالةٍ إلى الرياض أنّه بمقدورهِ السيطرةَ على الوضع في لبنان، وكذلك خلقُ بعض التوازن لزيارته دولة قطر التي كانت الأكثر فعاليةً وأهميّةً خلال جولته الخليجية.
يريدُ ماكرون تعزيزَ موقعِ بلادهِ في الخليجِ العربيّ، عبر عقدِ صفقاتٍ عسكرية وتجاريةٍ مع دولهِ، كذلك يسعى إلى طمأنةِ المملكة العربية السعودية من تبنّيه نهج “الإسلاموفوبيا” في فرنسا، وبزيارتهِ الرياض وَعواصم خليجية أخرى، يوحي أن باريس يمكنُها ملأ فراغٍ تُخليه واشنطن في تلك المناطق، وبِذلك كلّه يكسب نقاطًا ترفعُ شعبيته في حملتهِ للانتخابات الرئاسية القادمة.
بالعودة إلى لبنان، الذي لم تقدّم حكومته الجديدة باضطرابها الإداري أيّ خطةٍ إنقاذ، لذلك ستبقى أوضاع البلاد على المدى القريب في حالةِ ثبات، أما على المدى البعيد لن تكون هناك حروبٌ داخلية تحاول فيها الطوائف التمدّد على حساب بعضها، بل ستسعى كلّ طائفة لِحماية نفسها ضمن منطقتها، عدا مليشيا “حزب الله”، التي تحاولُ السيطرة على العاصمة، وشريط الساحل مع ما تبقى من الدولة اللبنانية.
أوكرانيا: ٧ كانون١ /ديسمبر ٢٠٢١
ينظرُ الاتحاد الأوروبي عمومًا، ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) خصوصًا بعين القلقِ إلى النشاطِ العسكريّ والأمنيّ الروسيّ في البلقان وشرق أوروبا، خاصّةً بعد وصول الحشودِ الروسية على الحدود الأوكرانية مستوى لم تصله أبدًا منذ عام ٢٠١٣، وما تلاه عام ٢٠١٤ من خطواتِ بوتين بغزو وضمّ القرم إلى الاتحاد الروسيّ، ثمّ دعمه انفصاليين في منطقةِ دونباس شرق أوكرانيا.
الولايات المتحدة التي تريد إضعافَ أوروبا بإعادةِ القدراتِ الروسية إلى العمق الأوروبيّ، عقدَ رئيسها جون بايدن لقاءً مغلقًا عبر الفيديو ٧ كانون ١/ديسمبر مع نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين، وجّهت خلالهُ موسكو رسائلها لواشنطن من حشدها قواتها على الحدود الأوكرانية، ورسائلَ أخرى لأوروبا أن بحر البلطيق أصبحَ تحتَ السلطةِ الروسية.
تسعى روسيا مِن وجودها العسكري في مناطق شرق أوروبا إلى تحقيقِ تموضع روسيّ وسط أوروبا، ذلك أن الانتشار الروسيّ بصفتهِ الهجومية على الحدود الأوكرانية يعني وقوع بولندا تحتَ سلطة الرماياتِ الروسية المباشرة، وقتها سينتقلُ خطّ الدّفاع الأوروبيّ إلى الدنمارك، أي سينتهي الوضع الذي احتفظت به أوروبا منذُ نهاية الحرب الباردة.
في الوقت الحالي، ليسَ لدى روسيا القدرة على ضمٍّ كاملٍ لأوكرانيا، ولا تسعى لإنهاءِ وجودِ أوكرانيا من الخارطة الدولية، لكن إذا ما استمرتْ أوروبا في الحشد لدفعِ موسكو للتراجع وراء حدودِ القرم، سيغامرُ بوتين باجتياحٍ جزئيّ لأوكرانيا.
أفغانستان: ١٧ كانون١ /ديسمبر ٢٠٢١
تعيشُ أفغانستان حالةً عسرةً اقتصاديًّا، في ظلّ عدمِ حصول موظفي القطاع العام على رواتبهم، وخسارةِ العملة المحليّةِ أكثر من خُمس قيمتها، وندرةِ ضرورات الحياةِ اليوميّة من دواءٍ وغذاء، وإن توفّرت فلا يمكن لكثيرٍ من العائلات الوصول إليها، بالإضافة إلى خطرِ إغلاقِ العديدِ من المشروعات التعليمية والصحية، ليس بأمرِ سلطاتِ طالبان، بل بسببِ استنفاذ الأموال.
في هذا الوضعِ الاقتصاديّ السيء، جاء إعلانُ وزارة ماليةِ حكومة طالبان ١٧ كانون١ /ديسمبر ٢٠٢١، إعدادَ أولِ ميزانية للدولةِ بعد سيطرة الحركة على حكم البلاد، بدون تفاصيلَ عن قيمةِ وحجم المشروع، ما يُعتَبرُ منطقيًّا بعد تجفيفِ معظم المساعداتِ الخارجيةِ التي كانت تحصل عليها أفغانستان، إذ كانت تُغطّي أكثر من ثلثي الميزانيةِ الوطنية.
فوقَ ذلك، لا يوجدُ في افغانستان موارد طبيعيّة يمكن تطويرها واستثمارها فورًا، ما يضعُ حكومة طالبان أمام خَيارٍ وحيد، هو توسيع مواردها المالية من مصادر أخرى، أسرعها مساعدات دولية يصعبُ تأمينها في الوقت الحاليّ لأسباب يتعلق معظمها بالاعترافِ الدوليّ بشرعية الحركة:
- عدم قدرةِ طالبان على تحقيقِ توازن مناسب، وإنشاء هيكل حكمٍ إداريّ مقبول يضمنُ مصالح جميع الأطراف الداخليّة.
- أصبحتْ أفغانستان، وبسببِ الحروب، من أفقر بلاد العالم، ما يُهدّد الأساس المجتمعيّ لحكم طالبان.
- عدم قدرةِ طالبان -حتى الآن- مواجهة منظماتٍ مصنّفة إرهابية، وضبابية التزامها العمليّ بالتخلّصَ منها، الأمر الذي يُربك استقرار حكم الحركة، وتطوير النظام الاقتصاديّ مستقبلًا.
- لا يوجدُ على المدى القريب أيّ مؤشرٍ لاستعداد طالبان تغيير أنفسهم، لضمانِ دفع المجتمع الدوليّ رفعَ العقوبات عنهم.
- أفغانستان موقعٌ استراتيجيّ حساس، من يُسيطر عليها يُهدّد مصالح دولٍ مثل روسيا، ويقطع طرقًا هامة باتجاه مناطق حيويةٍ في العالم، لذلك يوجد مصلحةٌ لدولٍ عُظمى في بقاء أفغانستان ضمنَ حالة فوضى.
عليهِ، إذا ما استمرّ وضع أفغانستان على ما هو عليه، ستنزلقُ البلاد المفلسة إلى صراعٍ أشدّ من سابقه.
اليمن: ٢١ كانون١ /ديسمبر ٢٠٢١
ادّعى نظامُ طهران موتَ القياديّ في “فيلق القدس” حسن إيرلو، جرّاءَ “إصابتهِ بفيروس كورونا”، الثلاثاء ٢١ كانون١ /ديسمبر ٢٠٢١، بعدَ نشرِ موقع كيهان الإيرانيّ خبرَ مقتلهِ جرّاءَ غارةٍ للتحالفِ العربيّ بقيادةِ المملكةِ العربيةِ السعودية، وهو السببُ الثابتُ لموتِه، خاصّةً بعد تخبّطِ طهران باتّهامِ الرياض رفضَ نقلِ من وصفته “سفيرها في اليمن” إلى طهران للعلاج، رغم وجودِ وسائل صحيةٍ للقياداتِ الإيرانيّةِ في صنعاء توازي ما هو موجودٌ في إيران.
تعتمدُ إيران في نشرِ الفوضى على أذرُعها الخارجيةِ أو إرسالِ مرتزقة مِن عناصر طائفية تتبع ” الحرس الثوري” كما في سورية والعراق، واليمن عبرَ دعمِ ذراعها الطائفي مليشيا “الحوثي” بالسلاحِ والذخيرةِ والخبراءِ والعسكريين، لإطالةِ أمدِ الأزمةِ اليمنية، وبالتالي دمارٌ أكبر للبلادِ والسكان.
من العسكريين الذين أرسلهم خامنئي إلى اليمن، إيرلو الذي قادَ عملياتٍ عسكريةٍ، وتولّى منصبَ الحاكمِ الفعليّ عند “الحوثيين”، وكان ذراع نظام الملالي في توطيدِ سيطرةِ الانقلاب المسلّح على المؤسّسات الشرعيّةِ في العاصمة اليمنية صنعاء، حيثُ وصلَ اليمن على متنِ طائرةٍ تابعةٍ للأممِ المتحدة بصفةِ جريحٍ حوثيّ، رغمَ نفي مكتبِ مبعوثِ الأمم المتحدة هذه المعلومة، ولكن هذا ليس كل شيء عنهُ، فمن هو حسن إيرلو القيادي الذي وُصِف “سليماني اليمن”؟:
- ينتمي لِعائلةٍ جميع أفرادها في الحرسِ الثوريّ، أحدُ أشقائه حسين إيرلو من أبرزِ مؤسّسي الحرسِ الثوري، قُتِل وشقيقٌ آخر له عام ١٩٨٦ أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
- اتّخذ حسن إيرلو اسمًا حركيًّا له، هو عبد الرضا شهلائي، المتّهم بالمشاركة في التخطيط لاغتيال الحريري ٢٠٠٤، وهجوم “حزب الله” على بيروت ٢٠٠٨، ومحاولة اغتيال السفير السعودي السابق لدى واشنطن عادل الجبير ٢٠١١.
- كان خبيرًا لدى الحرس الثوري في شؤون شبه الجزيرة العربية، وشغل منصب نائب المساعد الخاص لوزير الخارجية لشؤون اليمن (٢٠١٥-٢٠٢٠).
يزداد الآن تشتّت نفوذ نظام إيران في مناطق عربية مختلفة، بدأ فعليًّا بمقتل كلّ من قاسم سليماني في بغداد، وحسن إيرلو في صنعاء.