مقدمة:
تأتي محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة بعد سنوات طويلة من حكم مدني مُنتخب في تركيا، حيث كان لحزب العدالة والتنمية ورئيسه السابق ” رجب طيب أردوغان – الرئيس التركي الحالي” الدور الأكبر في إرساء هذا الحكم المدني المنتخب، والذي نقل تركيا نقلات نوعية ليجعلها في مصاف الدول الصاعدة المؤثرة عالمياً وإقليمياً، وكانت أبرز النجاحات في الميادين الاقتصادية والصناعية، حيث انتقلت تركيا إلى المرتبة الاقتصادية 16 عالمياً بعد أن كانت في المرتبة 111.
تأتي هذه المحاولة أيضاً لإجهاض تجربة ديمقراطية متميزة، حيث غدا النموذج التركي أيقونة تتطلّع إليها شعوب المنطقة بعد عمليات إجهاض الربيع العربي بالثورات المضادة، خاصّة مع المواقف التركية المنسجمة مع المبادئ الأخلاقية في الانحياز لخيارات الشعوب في المنطقة، على العكس من الديمقراطيات الغربية والأمريكية التي تورطت بدعم الدكتاتوريات والانقلابات العسكرية خلال عشرات السنين في المنطقة.
وباستثناء النظامين السوري والمصري، أعلنت معظم الدول والفعاليات السياسية وبشكل رسمي عن دعم الحكومة المنتخبة والشرعية الدستورية في وجه الانقلاب العسكري، وذلك بدرجات لفظية متفاوتة بين دعم الحكومة الشرعية المنتخبة والديمقراطية في البلاد، إلى حديث عام عن دعم أمن تركيا واستقرار شعبها. مع ذلك، لا يمكن الحكم على المواقف الحقيقية لهذه الدول من خلال ما تعلنه رسمياً فقط – خاصّة مع تأخّر معظم الدول في تبيان مواقفها إلى ما بعد ظهور فشل الانقلاب- فلا بدّ من تمحيص الخلفيات الجيوسياسية، وملاحظة “زلات اللسان”، وما تنطق به الألسنة غير الرسمية من المحللين والمسؤولين الاستخباراتيين وصُنّاع القرار السّابقين، إضافة إلى الصّحافة التي تعكس المزاج الحقيقي، وخاصّة عندما تُركّز على نفس المعاني.
أولاً: الموقف الأمريكي:
اتّسم الموقف الأمريكي الرسمي بالغموض والتذبذب، فتراوح بين وصف الانقلاب بالانتفاضة التركية مع موقف رمادي معلن، ثمّ تحوّل لاحقاً إلى موقف داعم بشكل مطلق للحكومة المدنية المنتخبة. ففي المرحلة الأولى للانقلاب، صرح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع لافروف وزير الخارجية الروسي في موسكو بأنّه ” يتمنّى السلام والاستقرار في تركيا”[1]، دون أي ذكر أو إدانة للمحاولة الانقلابية، إلا أنّه وبعد ساعات من فشل العملية الانتخابية، توالت بيانات الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض، مؤكدة على أنّ “الولايات المتحدة تدعم بشكل مطلق الحكومة التركية المدنية المنتخبة ديمقراطياً ومؤسساتها الديمقراطية”[2].
لاحقاً، كان لافتاً ظهور وثائق منسوبة للسفارة الأمريكية في أنقرة تحذر فيها رعاياها، مستخدمة عبارة Turkish uprising) – انتفاضة تركية)[3]، بعيداً عن وصفه بالانقلاب، أو على الأقلّ بوصف محايد كالاضطرابات الأمنية، في الوقت الذي أكّدت فيه صحيفة الواشنطن بوست تريّث البيت الأبيض في إعلانه دعم الحكومة المنتخبة[4].
وممّا زاد من توتّر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة بعيد فشل الانقلاب، اتهام السلطات التركية لفتح الله غولن الذي يتزعم حركة “الخدمة” بتدبير الانقلاب، ومطالبتهم السلطات الأمريكية بتسليمه، وازداد التوتر بعد أن ردّ الأمريكيون بطلبهم لأدلة تدين “غولن”، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدرم” يتسائل غاضباً تحت قبة البرلمان التركي عن الأدلة التي سمحت للولايات المتحدة باستهداف بن لادن بعد عملية 11 أيلول واعتقال الكثيرين في غوانتانامو دون أدلة. والجدير بالذكر أنّ “غولن” يقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ أكثر من 17 عاماً، ويتوقع أن يبقى مثار جدل، وسبباً لتوتّر العلاقات مع الولايات المتحدة في حال رفضها تسليمه لتركيا.
علاوة على ذلك، فقد ألمح العديد من المحللين، وحتى بعض المسؤولين الأتراك[5] لعلاقة الولايات المتحدة بالانقلاب، واستدلّ المحللون بتاريخ الانقلابات في تركيا، حيث تم تدبير انقلاب 1980 بقيادة الجنرال “كنعان إفرن” بدعم مباشر من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي أي أي”[6]، و كما أنّ أحد نواب الكونغرس الأميركي شجّع الجيش التركي على عملية الانقلاب الأخيرة قبل ستة أشهر[7]، واعداً بأنّ الإدارة الأميركية والكونغرس سوف يباركان مثل هذا الانقلاب لو وقع في تركيا ضد أردوغان، كما أنّ صحفياً أمريكياً كان قد نشر تقريراً قبل حوالي شهر ونصف في مجلة بعنوان: الانقلاب العسكري القادم في تركيا[8]، رغم أنّ كل ذلك لا يشكل أدلة كافية على تورط أمريكي في دعم مثل هذا الانقلاب، إلا أنّها مؤشرات كافية لإثارة الكثير من التساؤلات عن دور أمريكي ما، على الأقل في التحريض عن بعد، أو التلميح بالتأييد.
كل ذلك دفع بالخارجية الأمريكية لنفي التهم والتأكيد على أنّ ” أي اتهامات بتورط الولايات المتحدة بمحاولة الانقلاب تضر بالعلاقات الأمريكية التركية”[9]، وعلاوة على تأخّر الدّعم الأمريكي الخجول للحكومة التركية، أظهر الأمريكيون حرصاً زائداً على مصير الانقلابيين من خلال التأكيد على ضرورة التزام الحكومة التركية بالقانون وحقوق الانسان والديمقراطية، وخاصّة بعد تصريحات الرئيس التركي حول استعداده لتوقيع قانون الإعدام ليشمل الانقلابيين إذا صادق البرلمان عليه، وذلك بعد مطالبات شعبية بإيقاع حكم الإعدام بالمتورطين بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.
وفي ذات السياق، تحدثت تقارير عن علاقة تربط الانقلابيين بضباط أمريكيين في قاعدة انجرليك[10]، كما بدا واضحاً من عموم ما ينشر في الصحافة الأمريكية أنّ هناك حنقاً واحتقاناُ واضحين ضدّ شخص أردوغان والحكومة التركية، وكأنّ هناك نوعاً من التّحسُّر على عدم نجاح الانقلاب، حيث كالت الصحافة الاتهامات لأردوغان بالدكتاتورية[11] وباستغلال الفرصة لتصفية خصومه في الوقت الذي لم تظهر إدانات واضحة للمحاولة الانقلابية على نظام منتخب ديمقراطياً، في تحيّز واضح ضد تركيا، وفي استمرار لازدواجية المعايير التي تنتهجها ثقافة المجتمع الأمريكي، وبلغت ببعض الصحف المرموقة كصحيفة “نيويورك تايمز” أن تكتب بشكل عنصري مهين عن مؤيدي الرئيس التركي واصفة إياهم بالأغنام[12]، الإهانة استدعت ردّاً مباشراً من رأس الدبلوماسية التركية (وزير الخارجية التركية) مولود جاويش أوغلو، حيث ردّ بالقول” تأسف النيويورك تايمز كثيراً لأنّ محاولة الانقلاب الدموية لم تنجح، آسفون!، لكنّ الشعب التركي العظيم سوف يستمر بتخييب آمالكم!”[13].
لاحقاً، تكشّفت مزيد من الحقائق التي تشير إلى تورط أمريكي مباشر بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، حيث أكّدت التحقيقات تورط قائد قاعدة انجرليك الجنرال “بكير أرجان فان” في هذا الانقلاب، وأنه بعد فشل الانقلاب طلب اللجوء السياسي إلى أمريكا، وأن السلطات الأمريكية رفضت ذلك، كما أنّ القاعدة الجوية إنجرليك أطلقت ليلة الانقلاب طائرتين لتزويد الطائرات من طراز ف16 بالوقود في الساعات الأولى للانقلاب، حيث شاركت هذه الطائرات في الانقلاب الفاشل، وهذا أمر يرى مختصون بأنه لا يتم بغير علم الضباط الأمريكيين في القاعدة، وأن قائد هذه القاعدة التركي “فان” لا يتحمل المسؤولية وحده، بدليل أن السلطات التركية أمرت بوقف حركة الطيران في القاعدة، وقطعت عنها التيار الكهربائي، ولم تكتف باعتقال قائد القاعدة، بل تابعت ذلك بتفتيش القاعدة، وإجراء تحقيقات أخرى فيها.
اعتراف مهم من ضباط آخرين أتى في ذات السياق، وهو قائد اللواء 39 آليات، اللواء حسن بولاط الذي قال:” اجتمعنا سرّاً مع عسكريين من وزارة الدفاع الأمريكية في قاعدة إنجرليك 12 مرة، وكان هناك مخططات لتفجيرات في مدن إقليم الأناضول أثناء الانقلاب”. أمّا قائد منطقة “هاتاي” فقد اعترف “بأنّ الانقلاب كان يعدّ له منذ ثلاثة أشهر في قاعدة إنجرليك بحضور ضباط أمريكيين جاؤوا خصوصاً من واشنطن، وأن المواقف الإيرانية من الانقلاب أخذت بالحسبان”[14].
مؤخراً، أجرى الرئيس الأمريكي أوباما اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي كرر خلاله “إدانته لمحاولة الأسبوع الماضي للانقلاب على حكومة منتخبة ديمقراطيا في تركيا، ودعا لإجراء التحقيق ومقاضاة مرتكبي الانقلاب بالوسائل التي تعزز ثقة الشعب في المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون، كما أكد الرئيس أوباما على استعداد الولايات المتحدة لتقديم المساعدة في التحقيقات التي تجريها السلطات التركية بشأن محاولة الانقلاب”[15].
وسط كل هذه الشكوك والشبهات حول الموقف الأمريكي، وأخذاً بعين الاعتبار للدّور التاريخي لوكالة الاستخبارات الأمريكية “سي أي أي ” في دعم انقلاب الجنرال كنعان أفرين في 1980، وفي دعم انقلابات كثيرة في المنطقة العربية، فإنّه من غير المستبعد اثبات دور أمريكي في دعم المحاولة الانقلابية، ممّا قد يؤثر سلباً على العلاقات الثنائية، وما تصريحات الخارجية الأمريكية حول أنّ الاتهامات بدعم الانقلاب تضر بالعلاقات الثنائية، ثم تبعتها التصريحات التي تتحدث عن دعم للحكومة المنتخبة مع التّعهّد بالتعاون في التحقيقات إلا محاولة لاستخدام سياسة العصا والجزرة[16] مع الأتراك لحثّهم على التعتيم على التورط الأمريكي المحتمل، في مقابل صفقة لتحسين العلاقات الثنائية، قد يكون تسليم فتح الله غولن فيها ككبش فداء أمريكي، وكحل وسط يرضي الطّرفين.
تقييم الموقف الأمريكي:
“أمريكا هي البلد الوحيد الذي لا تحدث فيه انقلابات عسكرية، وذلك لعدم وجود سفارة لأمريكا فيها!”، مقولة شهيرة تعكس اعتقاد العديد من الكتّاب والمحللين بعد تقارير كثيرة عن دور أمريكي في معظم الانقلابات في الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وغيرها من المناطق.
ولا يُستبعد الدور الأمريكي في دعم المحاولة الفاشلة الأخيرة وفق المعطيات التي ذكرناها، لكنّ سوء التخطيط للانقلاب (وهو الأمر الذي أشار له كثير من المحللين كما صرح به جون كيري)، واستخدام وسائل اتصالات بدائية[17]، يعيد الشك لموضوع الدعم الأمريكي للانقلاب، لأنّ الانقلاب لو كان مدعوماً بقوة من الولايات المتحدة، لكانت خطته أكثر إحكاماً.
قد يكون الدعم الأمريكي للمحاولة الفاشلة لا يهدف إلى إنجاحها بالضرورة، بقدر ما يهدف إلى إرباك الحكومة التركية، ووقف صعودها، وإشغالها بملفات داخلية معقّدة، مع تعميق الشرخ المجتمعي الحادث بسبب الانقلاب، وخاصّة في حال لجوء الحكومة لإجراءات متشددة بحق قطاعات واسعة من المجتمع، وهو ما لوحظ مؤخراً، حيث بدأت الحكومة بحملة تطهير واسعة للكيان الموازي (حركة الخدمة بقيادة غولن) في قطاعات التّعليم والقضاء فضلاً عن الجيش والشرطة، الأمر قد يدفع باتجاه شرخ مجتمعي، ومزيد من اعتماد المعارضين للحكومة على القوى الخارجية، الأمر الذي يمكن أن يخلق بؤرة استنزاف داخلية إلى جانب القضية الكردية، يمكن أن تؤثّر سلباً على الهوية الوطنية، والتماسك المجتمعي التركي على المدى البعيد، لتوقف الصعود التركي في النتيجة.
ثانياً -الموقف الإسرائيلي:
انتظرت إسرائيل أكثر من 14 ساعة لتعلن رسمياً أنّها ” تحترم العملية الديمقراطية في تركيا، وتأمل في استمرار عملية المصالحة معها”، ولكنّ محللين إسرائيليين أكّدوا أنّ انتظار مرور 14 ساعة إلى حين اتضاح الصورة الإجمالية لمآلات الانقلاب لأنّ الرأي العام الإسرائيلي يُفضّل سقوط أردوغان، واعتلاء الجيش للسلطة لأنه ذو ميول غربية وعلمانية، وصولا إلى أن يعتلي “سيسي جديد” الحكم في تركيا، فالسيسي يحبه الإسرائيليون، ومعه يعرفون كيف يتعاونون[18]. الأمر الذي أكّده وزير الداخلية الإسرائيلي الأسبق عوزي برعام بقوله: “لم يكن على سبيل الصدفة أن كانت إسرائيل آخر الدول التي أعلنت تضامنها مع الديموقراطية التركية، فالقيادة الإسرائيلية كانت معنية بنجاح الانقلاب لأنها تعتقد أنه يخدم مصالحها[19]“. ومن المعروف عن المسؤولين الإسرائيليين صراحتهم في تحديد الأعداء والأصدقاء.
ثالثاً -المواقف الأوربية:
أعلنت معظم الدول الأوربية متأخرة أيضاً عن دعمها للحكومة الشرعية المنتخبة، ووقوفها ضدّ الانقلاب، ويمكن ملاحظة الدعم الرخو للحكومة التركية في مقابل التشديد على ضرورة التزام تركيا باتّفاقية حقوق الانسان الأوربية[20]، بما في ذلك حظر تطبيق حكم الإعدام على منفّذي الانقلاب، وكان لافتاً أنّ السفارة الفرنسية في أنقرة قد أغلقت أبوابها قبيل حدوث الانقلاب بناء على معلومات أمنية تزامناً مع احتفالات اليوم الوطني لفرنسا[21].
وقد صرّح وزير الخارجية الفرنسي بـ” أن محاولة الانقلاب الفاشل لا تعطي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (شيكا على بياض) لإجراء عمليات تطهير في تركيا”[22]، وأثار الوزير الفرنسي مسألة الالتزام بالقيم الأخلاقية انطلاقاً من موضوع حكم الإعدام، والذي يبدو أنّه سيأخذ جدلاً واسعاً إن تمّ إقراره. تزامن تركيز الأوربيين على حقوق الانسان مع هجوم إعلامي على شخص أردوغان واتهامه بالدكتاتورية، وبشكل مشابه للإعلام الأمريكي والبريطاني.
تنظر أنقرة إلى المواقف الأوربية على أنها مواقف باردة ومتأخرة تجاه جريمة الانقلاب، مع حرص على سلامة الانقلابيين، حيث صرّح رئيس الوزراء التركي بقوة مخاطباً الأوربيين” نحن دفعنا أكثر من 200 شهيد، وأنتم التزمتم الصمت في الساعات الأولى من الانقلاب، نحن نقدر موقفكم الرافض للانقلاب لكننا لن نقبل منكم كلمة (لكن)”[23].
بناء على ما تم ذكره، فإنّ المواقف الأوربية الرافضة للانقلاب متأخراً، تُركز -وبشكل مشابه للموقف الأمريكي- على ردّات فعل الحكومة المتوقعة في التطهير من الانقلابيين بشكل أكبر من التركيز على تجريم فعل الانقلاب نفسه، ممّا يعتبر في نظر أنقرة محاولة للابتزاز تحت ستار الحفاظ على حقوق الإنسان، فيما تطلق الحكومات الأوربية والأمريكية يدها في الاعتقال وأحكام الطوارئ في بلادها عند حدوث أحداث أقل شأناً، الأمر الذي أشار له رئيس الوزراء التركي عندما حاول مشابهة حادثة الانقلاب الفاشلة بحوادث الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة 2001، حينما أطلقت الحكومة الأمريكية يدها لشن الحروب على أفغانستان والعراق ولتكثيف الاعتقالات بناء على خطورة الهجمات.
رابعاً – المواقف العربية:
باستثناء النظامين المصري والسوري، أدانت معظم الحكومات العربية المحاولة الانقلابية رسمياً مع وجود التفاوت في توقيت الإدانة ومدى قوتها اللفظية، بما في ذلك الإمارات، والعراق، والجزائر، والتي عادة ما تحسب على المحور المضاد للديمقراطية والربيع العربي، ولكن يجب التنويه هنا بأنّ المواقف الرسمية المعلنة محكومة بالظروف والمصالح الجيوسياسية، وموازين القوى، ولا تعبّر حقيقة عن المواقف الحقيقية بالضرورة.
- موقف النظام المصري:
كان موقف وسائل الإعلام المصرية المختلفة واضحاً في تأييد الانقلاب، وصدرت الصحف المصرية الرسمية[24] بعناوين توحي بنجاح الانقلاب، وعرقلت مصر إصدار موقف لمجلس الأمن يدين محاولة الانقلاب، واعتبر متحدث باسم الحكومة التركية ذلك “أمراً طبيعياً”[25]، في إشارة إلى تأييد الحكومة المصرية للانقلاب. على العكس من ذلك، أدانت جماعة الإخوان المسلمين المعارضة، وأحزاب الوسط والوطن -المعارِضة- الانقلاب بشدة، مؤكدين على دعم الحكومة المنتخبة.
- موقف قطر:
سارعت قطر لإدانة الانقلاب، مؤكدة على تضامن قطر مع الحكومة التركية في كل الإجراءات التي يمكن أن تتخذها، في إشارة إلى عملية التطهير التي تقوم بها الحكومة التركية في مؤسسات الدولة المختلفة[26]، وما قد يؤدي له ذلك من استخدام لعقوبة الإعدام، وذلك بعكس المواقف الغربية المتأخرة الباردة من الانقلاب، والتي تشدد على تخفيف إجراءات الحكومة ضد الانقلابيين، الأمر الذي جعل المتحدث باسم الخارجية التركية يثني على الموقفين القطري والسعودي[27] بعد محاولات تشكيك ايرانية، الجدير بالذكر، أنّ العلاقات التركية القطرية جيدة جداً، وبينهما تعاون في مختلف المجالات، ولهما وجهات نظر مشتركة فيما يتعلق بقضايا المنطقة، بما فيها الملفات السورية والفلسطينية والمصرية، ومؤخراً، عقدت الدولتان اتفاقاً ينص على إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر[28].
ج) الموقف السعودي:
سارعت السعودية لدعم الحكومة، حيث أفاد مصدر بوزارة الخارجية بقوله إنّ “المملكة العربية السعودية تابعت بقلقٍ بالغٍ تطورات الأوضاع في جمهورية تركيا الشقيقة، والتي من شأنها زعزعة أمنها واستقرارها والمساس برخاء شعبها الشقيق”. وعبر المصدر عن “ترحيب المملكة بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية، وفق إرادة الشعب التركي”. وعبَّر المصدر عن “حرص المملكة على أمن واستقرار وازدهار جمهورية تركيا الشقيقة”.
وقد أثنى المتحدث باسم الخارجية التركية على الموقفين السعودي والقطري وذلك في معرض ردّه على مزاعم وزير الخارجية الإيراني، والذي اتّهم كلاً من قطر والسعودية بالضّلوع في تدبير الانقلاب، والجدير بالذكر أنّه ومنذ قدوم الملك سلمان إلى السلطة في السعودية، تمت تنحية العديد من الخلافات بين البلدين في الملف المصري والسوري، وشهدت العلاقات السعودية التركية تحسناً مُطّرداً، ووقّع البلدان اتفاقيات للتعاون العسكري والدفاعي، ولهما رؤية مشتركة في الملف السوري.
مؤخّراً، قررت السّعودية استثمار ما يقارب 550 مليون دولار في الأسواق التركية، من أجل دعمه بعد الهزّة التي أحدثها الانقلاب الفاشل[29]. مع ذلك، فإنّ معلومات وتقارير تشير إلى تورّط الأمير محمد بن سلمان بشكل شخصي في دعم الانقلاب من خلال علاقته الخاصّة مع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، المصادر أشارت إلى أنّ محمد بن سلمان يهدف من خلال ذلك إلى رفع أسهمه عند الأمريكان والإسرائيليين ليتفوق على محمد بن نايف، وكان من الملاحظ التغطية الإعلامية الدّاعمة للانقلاب من قناة العربية المحسوبة على بعض الأجنحة السعودية، ممّا قد يشير إلى صحّة التسريبات.
د) المواقف السورية:
أظهر النظام السوري تأييداً واضحاً للانقلاب، وذلك من خلال إعلامه وفرح مؤيده، على العكس من ذلك، أصدرت مختلف فصائل المعارضة السياسية والعسكرية البيانات التي تؤيد الحكومة التركية، وهي ردّات فعل طبيعية تتفق مع مواقف هذه الأطراف.
ه) الموقف الإماراتي:
رغم الموقف الرسمي الإماراتي الذي أعرب عن ارتياحه لعودة الأمور لنصابها في تركيا، فإنّ تقارير شبه مؤكّدة تحدثت عن “تورط إماراتي مباشر” في دعم المحاولة الانقلابية. من الناحية الرسمية أعربت دولة الإمارات العربية المتحدة، عن ترحيبها بعودة الأمور إلى مسارها الشرعي في تركيا، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها البلاد، وبحسب وكالة الأنباء الإمارتية، أجرى وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، اتصالًا هاتفيًا اليوم بنظيره التركي مولود جاوويش أوغلو، أعرب فيه عن حرص بلاده على “أمن واستقرار تركيا”.
وكانت العلاقات التركية الإماراتية قد شهدت تحسناً طفيفاً بعد توتر طويل نتج عن الخلافات حول معظم ملفات المنطقة، حيث تُفرط الإمارات في معاداة الإخوان المسلمين، وكل تيارات الإسلام السياسي التي يعتبر حزب العدالة قريباً منها، وكان الخلاف حول دعم الانقلاب المصري من أبرز الخلافات بين الطرفين.
ومن الناحية الإعلامية، اتّهم العديد من المحللين والنشطاء الإعلام الإماراتي بتأييد الحركة الانقلابية ونشر الأكاذيب حول نجاحها[30]، كما غرّد ضاحي خلفان، رئيس شرطي دبي السابق بالهجوم على أردوغان والإخوان والحكومة التركية كعادته.
النشاط الإعلامي الهائل الدّاعم للانقلاب في وسائل الإعلام المدعومة من الإمارات، إضافة إلى التقارير المتعددة المصادر التي تؤكّد التورط الإماراتي تؤكد أنّ الموقف الرسمي الإماراتي متناقض تماماً مع الموقف الحقيقي الدّاعم للانقلاب، بل والمتورط في تمويله والتخطيط له، في تكرار للمحاولة الإماراتية السابقة في العام 2014، حيث كشفت الاستخبارات التركية وقتها عن تورط شركة نفط إماراتية كبرى في عملية تمويل مخطط للإطاحة بحكومة أردوغان، ثم أعلنت الصحف التركية حصولها على فضائح جنسية تورط فيها مسئولين كبار في دولة الإمارات العربية المتحدة، على رأسهم ضاحي خلفان بيد أنّ الإمارات عرضت تعويض تركيا ب10 مليارات دولار، مقابل وقف التسريبات الخاصة بالمخطط الإماراتي، ووقف نشر صور المسؤولين الإماراتيين المتورطين بالفضيحة الجنسية[31].
وأكّدت المصادر المُطّلعة المختلفة أنّ بن زايد طلب وساطة قطرية لالتماس العفو والصفح من أردوغان، بما في ذلك مصادر تركية مقربة من الحزب الحاكم[32].
ويُعدّ التّورط الإماراتي الأخير استمراراً للسياسة الإماراتية المعادية لخيارات الشعوب بعد الربيع العربي، وخاصّة ذات العلاقة بأيّ نوع من الإسلام السياسي أو التّدين الفطري، فقد دعمت الإمارات الانقلاب في مصر بكلّ قوة، وجال محمد بن زايد العالم لإقناع كل الدول بأنّ ما حدث في مصر لم يكن انقلاباً عسكرياً، كما دعمت الإمارات الجنرال الليبي خليفة حفتر ضدّ الحكومة الشرعية الليبية.
ولا يبدو أنّ هناك إمكانية لإحداث تغيير في هذا التّوجه الإماراتي المدعوم بقوة الإمارات المالية والاقتصادية، خاصّة مع إصرار محمد بن زايد على تسويق نفسه على أنّه الرجل الذي يمكن الاعتماد عليه في المنطقة لدى الأمريكان[33] بدلاً من القطريين والسعوديين، واستعداده لبذل كلّ شيء في سبيل ذلك، وخاصّة أنّ التورط الإماراتي السابق في دعم محاولة انقلابية في تركيا في 2014 لم يردع الاماراتيين عن تكرار محاولاتهم، ممّا يفتح باب التكهنات واسعاً حول كيفية خروج الإماراتيين من هذه الورطة ومستقبل علاقاتهم مع تركيا، ومدى نجاح الوساطة القطرية والأثمان التي يمكن أن يدفعها الإماراتيون في سبيل ذلك، وإمكانية أن يكون ثمن الاعتذار في القطاع الاقتصادي التركي، خاصّة بعد الهزّة الشّديدة التي تعرّض لها بعد محاولة الانقلاب.
الجدير بالذكر، بأنّ محمد بن زايد ولي العهد الإماراتي يستعين بالمسؤول الأمني الفلسطيني السابق ” محمد دحلان” كمستشار أمني، والأخير كان قد شنّ حملات واسعة على الحكومة التركية مُتّهماً إياها بدعم تنظيم داعش في المحافل الأمنية العالمية، وقد وردت أنباء تتحدث عن أنّ الإمارات قد طردت دحلان مؤخراً بعد انكشاف خيوط تورطه بدعم المحاولة الانقلابية في تركية إلى جانب الإمارات[34]، ويبدو أنّ تسريب مثل هذه الأنباء -إن صح- يأتي في سياق التّراجع الإماراتي بعد فشل الانقلاب، كمحاولة للتلويح بصفقة تتضمن إبعاد دحلان، وبشكل مُتّسق مع المحاولة الإمارتية للاعتذار من خلال الوساطة القطرية.
و) المواقف الفلسطينية:
هنأ وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، في اتصال هاتفي مع نظيره التركي بـ”انتصار الديمقراطية وهزيمة الانقلابيين ومحاولتهم البائسة في إحداث انقلاب، وزعزعة الاستقرار في الجمهورية التركية الصديقة” بحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا). على الرغم من ذلك فإن الموقف الرسمي الفلسطيني لا يختلف عن المواقف العربية المعادية لتركيا بقيادتها الحالية والتي تنطلق في عدائها من دعم النظام التركي بشكل أو بآخر لحركة المقاومة الإسلامية – حماس وإيواء عدد من قياداتها. والمتابع للكثير من قيادات السلطة وأفرادها وإعلامها يجد بأن الاحتفاء كان واضحاً لهذه المحاولة الانقلابية في بداية الأمر، وهو ما تغير بطبيعة الحال بعد فشل المحاولة وأصبحت اللغة السائدة هي اللغة الدبلوماسية.
أما حركة المقاومة الإسلامية – حماس فقد هنأت الشعب التركي و”قيادته” بفشل محاولة الانقلاب العسكري التي وصفتها بـ”الآثمة” للانقضاض على الخيار الديمقراطي[35]. وهو ما يعكس حقيقة موقفها الذي يرى في النظام الحاكم في تركيا حليفاً قوياً في هذه المرحلة وداعماً متاحاً لمواقف الحركة ومؤوياً لعدد كبير من عناصرها وقياداتها بعد خروجهم من سوريا.
ز) الموقف الأردني:
التزم الموقف الرسمي الأردني الصمت حيال محاولة الانقلاب، وذلك على العكس من الأحزاب الأردنية المحسوبة على خط الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، والتي أدانت الانقلاب بقوة.
حيث نشرت صحيفة “الرأي” الأردنية الحكومية على صفحتها الأولى عنوانا مفاده “انقلاب عسكري في تركيا ..الجيش يعلن السيطرة وأردوغان لا يعترف”، ونقلت الصحيفة عن الحكومة الأردنية تأكيدها أهمية أمن واستقرار تركيا، وأنها تتابع أحوال مواطنيها ولم تشر إلى إدانة الحكومة لمحاولة الانقلاب العسكري[36].
في حين أدان حزب جبهة العمل الإسلامي الأردنيّ (الذراع السياسيّ لجماعة الإخوان المُسلمين الأم)، المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، ويعتبر الأردن من الدول ذات الحساسية الكبيرة تجاه الإسلام السياسي، ومؤخراً كان من الواضح وجود تنسيق عال بين الأردن والإمارات ومصر في الملف السوري تحديداً، والذي بدوره أدّى إلى تنسيق مع روسيا، ونتج عن ذلك تهدئة للجبهة الجنوبية في سورية، على عكس الجبهة الشمالية، حيث لا يزال كل من تركيا والسعودية وقطر يدعمون فصائل المعارضة في معاركهم ضد النظام السوري.
وكان لافتاً فيما بعد، إغلاق الأردن لمدرسة تابعة لفتح الله غولن بطلب من السفارة التركية[37].
ح) مواقف دول المغرب العربي:
بشكل مشابه للمشرق، كانت مواقف الحركات والأحزاب (خاصة الإسلامية منها) متقدمة في دعم الحكومة التركية على مواقف الحكومات، كحركة النهضة التونسية، وحركة مجتمع السلم الجزائرية، وحزب العدالة والتنمية المغربي، الحكومات أدانت الانقلاب بدورها، وبشكل متفاوت، حيث كان الموقف المغربي أقواها، كما ورد لاحقاً أنّ المغرب بدأت بإغلاق مدارس تابعة لفتح الله غولان.
الموقف المغربي كان سبّاقاً في إدانة محاولة الانقلاب، وحملت برقية رئيس الوزراء المغربي، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبارات واضحة في تأييد الحكومة التركية والشعب التركي في الحفاظ على الديمقراطية[38]، ويعتبر حزب العدالة والتنمية المغربي ذو أصول محافظة إسلامية، ويبدو أنّه يحاول استلهام روح تجربة حزب العدالة والتنمية التركي، وقد حاز على غالبية برلمانية تؤهله تشكيل الحكومة في العام 2011، وتمّ تشكيلها، ورغم أنّه من المُرجّح أنّ الملك يلعب دوراً كبيراً في رسم استراتيجيات وسياسات المغرب، إلا أنّ تطبيق الملكية الدستورية النسبي يسمح بتأثير معقول للحكومة التي شكّلها حزب العدالة والتنمية المغاربي، الذي يستلهم التجربة التركية.
علاوة على ذلك، فإنّ سياسة المحاور تجعل الموقفين المتعاكسين لكل من المغرب والجزائر مبررين، فتقف الجزائر (التي أجهض جنرالاتها التجربة الديمقراطية مبكراً في التسعينيات) بقوة مع المحور المضاد للثورات العربية، وهي تدعم سياسياً النظام السوري، وانقلاب السيسي في مصر، ومؤخراً، وبعد زيارة السيسي للجزائر، وفيما بدا أنّه أثر للخلاف المتجدد بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية، صعّد الإعلام المغربي من لهجته ضدّ نظام السيسي في مصر، ووصفه بقائد الانقلاب[39].
وبناء على فهم طبيعة المحاور بين الجزائر والمغرب، فإنّ مواقف كل من المغرب والجزائر يتّسقان مع طبيعة التموقع الجيوسياسي لكل منهما.
خامساً – الموقف الإيراني:
رغم الإدانة الإيرانية الرسمية للانقلاب، مع دعمها للحكومة المنتخبة، إلا أنّ التصريحات الإيرانية الداعمة للحكومة التركية لم تخلُ من التلميحات الهادفة لتحقيق استثمار سياسي إيراني، حيث أكّد مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنّ «رجب طيب أردوغان وبشار الأسد رئيسان شرعيان وصلا سدة الحكم بالسبل الديمقراطية وبأصوات الشعب»[40]، في محاولة لتمرير شرعية الدعم الإيراني للنظام السوري.
أمّا وزير الخارجية الإيراني، فقد ألمح إلى دور سعودي قطري في حدوث الانقلاب في تركيا، والتي بدت كمحاولة لدقّ الأسافين بين هذه الدول وتركيا في ظروف حرجة، الأمر الذي استدعى ردّاً واضحاً من الخارجية التركية، يثني على السعودية وقطر[41]، حيث مثّل هذا تأكيداً تركياً واضحاً على متانة العلاقة مع كل من قطر والسعودية، ورفضاً للمحاولات الإيرانية للإساءة بين تركيا وهاتين الدولتين.
سادساً _ الموقف الروسي:
يشابه الموقف الروسي المواقف الأمريكية والأوربية، فرغم إدانة الانقلاب الرسمية، يُحمّل بعض المسؤولين الروس أردوغان المسؤولية عما وصلت له البلاد، حيث صرّح “أليكسي بوشكوف”، رئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية بأنّ ” تركيا تمر بمرحلة معقّدة بسبب سياسات أردوغان، إن كان فيما يخص علاقاته مع دول الجوار، أو سياساته المتناقضة في الشرق الأوسط، فضلا عن عودة الموضوع الكردي إلى الواجهة، وبالإضافة إلى هذا كله، هناك تصاعد الأعمال الإرهابية التي ينفذها (داعش) على الأراضي التركية». ويرى البرلماني الروسي أن سلطات أردوغان بعد فشل محاولة الانقلاب، ستتعزز وأن “كل العسكريين غير الموالين له تم اعتقالهم أو إبعادهم من صفوف القوات المسلحة” مؤكدًا أنه “لا حاجة لدى السلطات التركية لعملية تطهير في صفوف القوات المسلحة، لأن تلك العملية جرت من تلقاء ذاتها، عندما فرزت محاولة الانقلاب المعارضين، والضباط الموالين لأردوغان” وتعتبر مثل هذه التصريحات ممثلة للرأي الرسمي الروسي الذي يتميز بنظام أحادي صارم يحكمه بوتين.
ومن الجدير بالذكر، أنّ العلاقات الروسية التركية قد تحسنت بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية، حيث عبّر الرئيس التركي عن أسفه لأهالي الطيار، فيما سارعت روسيا للحفاظ على السّوق التركية الاستهلاكية الكبيرة للغاز الطبيعي الذي تصدره روسيا لها، بعد تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية، والتي يمكن أن تفتح باب توريد الغاز الإسرائيلي إلى السوق التركية، ومنه حتّى إلى أوربا.
ويبدو أنّ الموقف الروسي يأخذ بالاعتبار المصالح الاقتصادية الكبيرة بين الطرفين، ولكنّه يأخذ بالاعتبار أيضاً الإرث التاريخي في الصراع بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية، بوجود قيادة تركية تسعى لاستلهام عظمتها في الماضي، فضلاً عن الخلاف الحادّ في الملف السوري، والذي أدّى إلى أزمة إسقاط الطائرة الروسية[42].
خاتمة:
من الملاحظ أنّ المواقف الدولية المتنوعة من محاولة الانقلاب الفاشلة قد تأثّرت بشكل واضح بعلاقة هذه الدول مع تركيا، وتاريخ هذه العلاقة، وعلاقة تركيا مع الدول – ككل العلاقات الدولية _ كانت محكومة بجملة من المصالح الاقتصادية، والمواقف السياسية، والخلفيات الدينية والتّاريخية والأيديولوجية، الأمر الذي انعكس ذلك بشكل واضح على مواقف الدّول من الانقلاب، وكانت مواقف هذه الدول مُتوقعة ومُتسقة مع علاقتها مع الحكومة التركية.
وكان ملاحظاً أيضاً تقّدم الشعوب والأحزاب ذات الشعبية في المنطقة العربية على الأنظمة الرسمية في الوقوف ضدّ الانقلاب، والذي شكّل بارقة أمل لأنصار الربيع العربي بعد جمود طويل.
ويمكننا القول بأن المواقف الرسمية العربية في مجملها جاءت معبرة عن حالة من الفرح وتمني نجاح الانقلاب، بل إن بعض القنوات التابعة لبعض الأنظمة قد أخذت على عاتقها تحليل أسباب فشل الانقلاب لأخذ الدروس والعبر وهو ما يعكس حالة متقدمة من العداء لأي نظام ديمقراطي يمثل نموذجاً يحتذى لحالة الديمقراطية التي أنتجت تقدماً على جميع المستويات الاقتصادية والعلمية والحضارية. هذا الموقف جاء متسقاً تماماً مع الموقف الإسرائيلي الذي عبَّر إعلامه بوضوح عن خيبة أمله الكبيرة من فشل الانقلاب. وبذلك نجد توافقاً تاماً بين الدول العربية ذات الأنظمة الشمولية والأنظمة الانقلابية وإٍسرائيل وأمريكا وروسيا وإيران في خيبة أملهم من فشل الانقلاب سواءً كانت أهدافهم متفقة أم مختلفة فإن الهدف كان واضحاً وهو التخلص من تركيا ذات موقع مؤثر في المنطقة. بينما كانت الشعوب العربية بأحزابها المقهورة وقواها الحيَّة حاضرة بقوة في تأييد الموقف التركي ضد الانقلاب الذي يريد العودة بالبلاد إلى زمن التخلف السياسي والحضاري الشامل كما هي حال أغلب البلاد العربية.
[1] جون كيرى: أتمنى السلام والاستقرار لتركيا.
[2] انظر “ملف شامل.. إدانات دولية وعربية وحزبية لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا” صحيفة “ Daily Sabah” التركية.
[3] أنظر تقرير الجزيرة: هل علمت واشنطن مسبقا بمحاولة الانقلاب في تركيا؟، كما يرى المحلل التركي عبد الله غل أنّ السفارة الأمريكية كانت تتوقع الانقلاب، ولذلك أعدّت بياناً تسميه بالانتفاضة، أنظر: غول للعمق المغربي: السفارة الأمريكية بتركيا توقعت الانقلاب قبل حدوثه.
[4] ولفتت الصحيفة إلى أن البيت الأبيض انتظر ساعات قبل أن يصدر بيانا قويا يعارض العملية الانقلابية في تركيا – المرجع السابق.
[5] ذكرت وسائل إعلامية تركية محلية اتهام وزير العدل التركي للولايات المتحدة بشكل مباشر بتدبير الانقلاب، أنظر: Bu darbenin” arkasında Amerika vardır.”
[6] في عام 1980 قاد الجنرال كنعان إفرن انقلابا عسكريا ضد الحكومة الديمقراطية التركية. وكان الرئيس الأميركي جيمي كارتر في حفل موسيقي بهيج حينما جاءه اتصال من ضابط ارتباط لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) يقول: “لقد فَعلَها غلماننا”!! وقد اعترف مدير مكتب السي آي أي في أنقرة آنذاك بول هنزي بأن وكالته كانت تقف وراء الانقلاب. وهكذا ابتهجت واشنطن بسيطرة ثلة من الجنرالات المرتبطين بأجهزتها السرية على أزمَّة الأمور في تركيا، وانفتح باب من الاضطراب الاجتماعي والعنف السياسي والجدْب الاقتصادي في تركيا أعواما مديدة، أنظر مقالة الأستاذ محمد المختار الشنقيطي: الرِّدَّة الثورية في مصر وعِبْرةُ الانقلابات التركية.
[7] أنظر مقالة محمد زاهد غل في الجزيرة: تركيا.. انقلاب تمرد أم مغامرة جنونية؟
[8] Turkey’s Next Military Coup.
How Empowering the Generals Could Backfire
By Gonul Tol
[9] أنظر تصريح ناثان تانك الناطق باسم الخارجية الأمريكية بالعربية هنا.
[10] الضابط التركي الذي يرأس قاعدة انجرليك التركية كان قد طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة وقوبل طلبه بالرفض بحسب William Daroff
[11] حملت الصحف الأميركية والبريطانية بشدة خلال اليومين الماضيين على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد أن نجح في دحر المحاولة الانقلابية التي استهدفت نظام حكمه الجمعة الماضي.
ولعل اللافت في الأمر أن تلك الصحف تحدثت في إجماع نادر وكأنها صادرة تحت إشراف رئيس تحرير واحد، عن أن أردوغان سيستغل هذا النصر الذي أحرزه في تكريس انفراده بالسلطة وقهر مناوئيه وكبت الحريات وتكميم الأفواه. ولم تشذ عن هذه القاعدة حتى الصحف التي عُرفت برزانتها في تناول الأحداث تعليقا وتحليلا، للمزيد، يُنظر في: كيف ينظر الإعلام الغربي لانقلاب تركيا الفاشل؟
[12] The Erdogan supporters are sheep, and they will follow whatever he says.
[13] NYT regrets much that the bloody coup attemp failed. Sorry but Great Turkish Nation will continue disappointing you, Mevlüt Çavuşoğlu.
[14] المعلومات السابقة كشف عنها المحلل التركي محمد زاهد غل، والذي يعتبر مقرباً من حزب العدالة الحاكم، ويضيف غل بأنّ ايران ربّما كانت على علم بالأمر، وبأنّ هذا ” يفتح الباب على معرفة علم روسيا به، حيث إن وزير الخارجية الأمريكي كيري كان يجتمع يوم الجمعة 15يوليو/تموز 2016 بالرئيس الروسي بوتين، بادعاء بحث المسألة السورية، فوجود كيري في تلك الليلة في موسكو يجب ألا يؤخذ صدفة، وقد غادر موسكو بعد أن تأكد لهما فشل المحاولة الانقلابية، وأن أردوغان قد تجاوز هذا الخطر في هذه المحاولة”، فيما يرى محللون آخرون أنّ غل يتسرع بنسج خيوط اللعبة وفقاً لنظرية المؤامرة بشكل مبالغ فيه، أنظر مقالة محمد زاهد غل: مواقف غربية مريبة حول الانقلاب في تركيا.
[15] تصريحات للخارجية الأمريكية هنا.
[16] يضيف بعض المحللين لهذه السياسة، بعض التلميحات الأمريكية كتصريحات كيري التي توحي بإمكانية طرد تركيا من حلف الناتو، ينظر إلى المقالة بالإنكليزية: جون كيري يهدد تركيا بالطرد من النّاتو – John Kerry Threatens Turkey With NATO Expulsion
[17] استخدم الانقلابيون تطبيق ” الواتس أب”، الذي لا يعتبر تطبيقاً آمناً، وبالفعل، رصدت الاستخبارات العامة التركية محادثات للضباط مبكراً، الأمر الذي دفع برئيس الاستخبارات هاكان فيدان لزيارة رئاسة الأركان في الساعة الرابعة والنصف لتحذير رئيس الأركان من المحاولة الانقلابية، يُنظر: “العربي الجديد” ينشر محادثات “واتساب” بين الانقلابيين بتركيا وكذلك: الجزيرة تنشر تفاصيل انكشاف خطة الانقلاب الفاشل بتركيا.
[18] إسرائيل كانت تأمل ظهور “سيسي” جديد في تركيا.
[19] وزير إسرائيلي أسبق يكشف لماذا أملوا بـ”سيسي جديد بتركيا“
[20] وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يدعون تركيا إلى الالتزام بحظر تنفيذ عقوبة الإعدام.
[21] فرنسا تغلق مقرين دبلوماسيين في تركيا.
[22] باريس تحذر أنقرة من عمليات التطهير.
[23] يلدريم يوجه رسائل شديدة اللهجة للأوربيون والأمريكان ويؤكد على قيمة الإسلام في تركيا.
[24] الصحف المصرية صبيحة انقلاب تركيا الفاشل ( صور ).
[25] أنقرة: تجنب مصر اتخاذ موقف ضد محاولة الانقلاب أمر طبيعي.
[26] قطر تدين محاولة الانقلاب في تركيا.
[27] الخارجية التركية: قطر والسعودية الصديقتان والشقيقتان أبديتا موقفاً واضحاً ضد محاولة الانقلاب.
[28] قاعدة عسكرية تركية في قطر بالإضافة إلى “الأمريكية”.
[29] حالة الطوارئ والوضع الاقتصادي في تركيا.
[30] هل كان إعلام الإمارات “الراعي الرسمي” لانقلاب تركيا الفاشل؟
[31] الامارات ودحلان والمحاولة الانقلابية في تركيا.
[32] أكّد الكاتب التركي إسماعيل ياشا أنّ ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد يطلب وساطة قطر خوفا من غضب أنقرة بعد فشل محاولة الإنقلاب، أنظر: أنظر: الإمارات وراء انقلاب تركيا الفاشل وبن زايد يطلب وساطة قطريّة لطلب الصفح والعفو من أردوغان.
[33] محمد بن زايد متوسّلاً الامريكان: “نحن الأفضل!
[34] أنباء غير مؤكّدة..الإمارات تضحّي برأس دحلان وتطرده بعد فشل انقلاب تركيا.
[35] حماس تهنئ تركيا بفشل محاولة الانقلاب العسكري – وكالة الأناضول.
[36] إسلاميو الأردن يدينون الانقلاب والحكومة تلتزم الصمت.
[37] الأردن يغلق مدرسة تابعة لـ”غولن” بطلب من السفارة التركية.
[38] وثيقة تهنئة حزب العدالة والتنمية المغاربي.
[39] قال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية المغربية إن تنسيقا مصريا جزائريا لدعم جبهة البوليساريو، التي تنازع المغرب على إقليم الصحراء، وهجوم الإعلام المصري المستمر على الرباط، سببا تغيير خطاب التلفزيون المغربي (الرسمي) تجاه القيادة المصرية الحالية، أنظر: الخارجية المغربية: هذه أسباب الأزمة مع مصر.
[40] الموقف الإيراني من الانقلاب الفاشل في تركيا.
[41] الخارجية التركية: ادعاءات إيران حول عدم انزعاج السعودية وقطر من محاولة الانقلاب غير صحيحة.
[42] الجدير بالذكر بأنّ الطيارين الذين أسقطا الطائرة الروسية تمّ اعتقالهما مع الانقلابيين، حيث تمّ اعتبارهما من التنظيم الموازي.