السُّودان يحاول التقارب مع إسرائيل
يسعى السودان _الدولة الواقعة شرق أفريقيا_ بكل الوسائل إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه منذ عام ١٩٩٣، ومن أفضل هذه الوسائل هو العمل على التقارب مع إسرائيل.
تمّ التخطيط لاجتماع الجانب السوداني مع الإسرائيليين على هامش زيارةٍ إلى أوغندا وبسريّةٍ شديدةٍ، لدرجة أنّ أصحاب القرار في الحكومة السودانية لم يكن لديهم أيّ صلةٍ بما حصل.
من خلال الإعلان عن تطبيع العلاقات بين بلديهما، سعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح برهان إلى الوصول إلى هذه التقارب ببراعة والذي بدأ بتكتّمٍ شديدٍ منذ عدّة سنوات.
قبل أن يُطلق على هذا الحدث أنّه ضربةٌ سياسيّةٌ قويّة أو خطوةٌ تاريخيّةٌ يجب أن تُسمّى مبادرة لها تداعياتٌ محتملةٌ متعدّدةٌ، بل هي الخطر المحدق الذي قد يعود بما لا يُحمدُ على السلطة التنفيذية السودانية.
كان السودان، الدولة العضو في جامعة الدول العربية، مُعادٍ منذ استقلاله لإسرائيل، بل وكان موضع خلافٍ حتى فيما يخصّ وجودها كدولة، وبقي لفترةٍ طويلةٍ حليفًا لإيران تحت تأثير مسؤوليه الإسلاميين الذين كانوا قد استولوا على السلطة عام ١٩٨٩ وعلى رأسهم عمر البشير.
كما أيّد السودان حماس مما جعل إسرائيل تتهمه بأنّه يسمح للأسلحة الإيرانية بالوصول إلى الحركة في قطاع غزّة عن طريق الأراضي السودانية، ذلك إلى درجةٍ جعله مرارًا وتكرارًا هدفًا لعملياتٍ معاديةٍ “لتحييد القوافل التي تمر عبر أراضيه” (١١٩ قتيلًا جراء ضربات جويةٍ إسرائيليةٍ على السودان في عام ٢٠٠٩).
تَسارُع مفاجئ:
حدث تآكلٌ بطيءٌ لمثل هذه التحالفات منذ عدّة سنواتٍ ثمّ شهدت تسارعًا مفاجئًا مع سقوط عمر البشير في نيسان/أبريل ٢٠١٩، وظلّ الأخير معاديًا لأي شكلٍ من أشكال التقارب مع الدولة العبرية على الرغم من أنّه انفصل عن إيران في عام ٢٠١٦.
تقع السلطة الانتقالية السودانية الجديدة تحديدًا في منطقة النفوذ مع البلدان التي لها أولوياتٌ أخرى غير معاداة إسرائيل، أو مع دولٍ أخرى قريبةٍ من حكومات تلك البلدان: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكذلك مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
كلّ هذه الدول مجتمعة تدفع بمصالحها في أفريقيا إلى الأمام، والسودان ليس قضيةً رمزيةً أو منعزلةً، بل هو جزءٌ مهمٌ جدًا في لعبة إقليمية.
بالنسبة للسودان فهو يسعى وبالمطلق إلى الحصول على ضماناتٍ لاستمرار هذا التحالف وكسب راحةٍ مستقبلية، أما إسرائيل من جانبها فتتمثل الفكرة من وراء هذا التقارب في إرضاء جزءٍ من الرأي العام الداخلي.
وهذا هو الحال تمامًا بالنسبة لإدارة ترمب التي تدفع باتجاه التقارب السوداني الإسرائيلي باعتباره مرساة لخطتها في الشرق الأوسط، وذلك من خلال إعادة عضوٍ في الجامعة العربية كان معاديًا لإسرائيل إلى صفّها.
بالإضافة إلى ذلك نظرت الأوساط المسيحية الإنجيلية الأمريكية إلى السودان لعقودٍ من الزمن كنقطةٍ محوريةٍ لعملهم، وبالتالي يمكن اعتبار السياسة السودانية قضيّةً هامة جدًا في السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية.
لا تزال البلاد مدرجة في القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب:
باختصار، يبدو أن مجموعة المصالح المشتركة قد تشكّلت لإتمام تحالفٍ كهذا، بالنسبة للسودان فهو يحتاج من جهته إلى إنهاء العقوبات الأمريكية التي _لو تمّ رفع بعضها_ لا تزال تعرقل احتمال استرداد الاقتصاد السوداني لعافيته.
بدأت العقوبات الأمريكية على الخرطوم عام ١٩٩٣ قبل إضافة تدابير أخرى في نفس المجال على مرّ السنين، ذلك بعد اتّهام السودان في الهجمات التي شنّها تنظيم القاعدة في كينيا وتنزانيا في عام ١٩٩٨، وضدّ المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن في اليمن عام ٢٠٠٠.
لذلك لا تزال البلاد موضوعة في القائمة الأمريكية السوداء للدول الداعمة للإرهاب.
وعليه ولكي يخرج من هذه الهاوية، يجب على السودان أن يحصل على إعادة جدولة ديونه الخارجية من أجل السماح بحصوله على تمويلٍ جديد.
حتى وإن لم يكن ما سبق هو الشرط الوحيد لتحقيق هذا الهدف، فيجب أولًا إزالة اسم الخرطوم من القائمة الأمريكية السوداء لكي تتمكن واشنطن من التصويت في هذا الاتجاه لصالح السودان في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وفقًا لكليمنت ديشاييس المتخصص في الشؤون السودانية في مجموعة (نوريا) التحليلية فإن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك “محظورٌ سياسيًّا، وليس لديه المال للوفاء بوعوده وخاصةً مع استمرار العقوبات”.
دفع الفاتورة:
وفقًا لآخر المعلومات فقد شهدت المفاوضات الخاصة برفع العقوبات تقدمًا ملحوظًا في الأسابيع الأخيرة، الأمر إذًا يتعلّق بحسم القضية بشكلٍ نهائي، وذلك من خلال التعويض الذي سيتمّ دفعه لأسر ضحايا الهجمات، فقد عبّر مصدرٌ مطلعٌ على هذا الموضوع أنّه: “تمّ التوصل إلى اتفاقٍ بشأن مبلغ التعويض بين الجانبين الأمريكي والسوداني”.
ولكن السودان ليس لديه المال ليدفع مبالغ التعويضات، وبالتالي فإنّ دول الخليج هي من يجب عليها أن توفّر كامل المستحقات، أي أنّها هي من ستدفع الفاتورة.
في المرحلة التالية سيتعين على مجلس الشيوخ الأمريكي فحص الملف والنظر فيه، ولديه مدّة ٤٥ يومًا لإنجاز هذه الدراسة حيث التصويت، وبعد ذلك موافقة الرئيس لتأكيد قراره النهائي.
في نفس المجال وحسب مصدرٍ مطّلعٍ في ملف العقوبات فإنّ دونالد ترمب “ملتزم للغاية وبطريقةٍ إيجابية بهذه المسألة” سواءً كان ذلك من أجل الأغراض السياسية الداخلية أو لدعم خطّة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتي تصب هي أيضًا في مجرى السياسة الداخلية لدونالد ترمب.
اعترف مصدرٌ مقرّبٌ جدًا من رئيس الوزراء نتنياهو الذي صادف وجوده في كامبالا “بالدهشة” عندما سمع الإعلان عن “التقارب السوداني الإسرائيلي”:
بالطبع فهناك عيبٌ ما في منطق هذا الاعتراف، ولكن ما يدعو فعلًا للدهشة أنّ الرجل الذي مثّل هذا التقارب الذي تمّت الإشادة به من قبل واشنطن ليس رئيس الوزراء السوداني الذي من المفترض أنّه يُدير المرحلة الانتقالية، بل الجنرال عبد الفتاح برهان رئيس المجلس السيادي السوداني.
اعتمدت الطريقة التي تمّ بها الانتقال السوداني على القوّات المسلحة، ومن الناحية التخطيطية يمثل المجلس السيادي البلاد دون سلطة تنفيذية حقيقية، ذلك على الرغم من أن أفراده من القوات المسلحة يمارسون أيضًا نفوذًا داخل الحكومة التي يرأسها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
هذا الفصل بين السلطات يترك مجالًا واسعًا لسيطرة الغموض على الموقف، لذلك يفتح طريقًا خطيرًا يودي في نهايته بالبلاد إلى عدم الاستقرار.
فوق ذلك، اعترف مصدرٌ مقربٌ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي صادف وجوده في كامبالا “بالدهشة” عندما سمع الإعلان عن “التقارب” السوداني – الإسرائيلي.
نتيجة لكلّ ذلك، يظهر عبد الفتاح برهان كشخصيةٍ سودانيةٍ بارزةٍ، فقد تمت دعوته إلى واشنطن التي بمثل هذه التصرفات تخاطر بإضعاف سلطة رئيس الوزراء السوداني الهشة أساسًا.
جان فيليب ريمي لصحيفة لوموند ٥ شباط/فبراير ٢٠٢٠
الرابط الأصلي من هنا
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2020