تقدير موقف

التحديات الأمنية في مواجهة بقايا النظام المخلوع في سوريا

إعداد: برق للسياسات

المقدمة

بعد سقوط نظام الأسد وتولي الدولة السورية الجديدة إدارة البلاد، برزت تحديات أمنية حادة تهدد استقرارها، تأتي هذه التحديات من بقايا النظام المخلوع والخلايا التخريبية، التي تسعى إلى استعادة نفوذها وزعزعة الأمن، هذه الأطراف تعتمد على شبكاتها السابقة والدعم الخارجي لتقويض جهود الدولة في ترسيخ سيطرتها وإعادة بناء المؤسسات الأمنية.

الوضع الأمني الراهن في سوريا

ينقسم المشهد الأمني في سورية بحسب التأثير فيه إلى ثلاثة مسارات

أولاً: بقايا النظام المخلوع

ينتشر عناصر النظام المخلوع في عدة مناطق داخل سوريا وخارجها، مستغلين الشبكات الاجتماعية والاقتصادية التي شكلها النظام خلال سنوات حكمه، يتمركز هؤلاء العناصر في المناطق الحدودية وعلى جبال الساحل السوري، حيث يسهل لهم التهرب من الرقابة الأمنية، كما تقوم بقايا النظام بتنسيق أنشطة تهدف إلى زعزعة الأمن، مثل تنظيم احتجاجات مدفوعة، أو نشر شائعات لإضعاف ثقة المواطنين بالحكومة الجديدة.

تمامًا هذا ما حدث عدة مرات في مناطق من محافظة اللاذقية، كان آخرها اختطاف ضابط من بقايا جيش النظام يدعى “بسام حسام الدين” مجموعة من عناصر الأمن العام في ريف جبلة وتهديده يقتلهم، غير أن الأمن العام تمكن من تحرير المختطفين قبل أن يُقدم الضابط على قتل نفسه.

ثانيًا: الخلايا التخريبية

تضم هذه الخلايا مزيجًا من مجموعات إجرامية، وعناصر متطرفين، وشخصيات موالية للنظام المخلوع، تعتمد في عملها على تنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات تستهدف مسؤولين حكوميين وشخصيات مؤثرة في الدولة الجديدة بالإضافة لمهاجمة مقرات مراكز دينية، عدا عن دمشق وحلب تتركز هذه الهجمات في المناطق التي يسكنها مزيج من مكونات المجتمع السوري كاللاذقية وحماة وطرطوس والسويداء، حيث تستغل ضعف البنية الأمنية بهدف إعادة تشكيل نفوذها ضمن مجموعات منظمة لها قدرة على إرباك المشهد السياسي والضغط عليه.

مدينة حلب شهدت عدة حوادث من هذا النوع منذ يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر حتى منتصف شهر كانون الثاني/ يناير، إحداها كانت قتل معتقل سابق تم تحريره من سجن صيدنايا يوم سقوط النظام، عدا عن عمليات خطف وسرقة وترويج للمخدرات، معظمها لها هدف مشترك، سبق ذِكره.

ثالثًا: الدعم الخارجي

تلقت بقايا النظام والخلايا التخريبية دعمًا لوجستيًّا وماليًّا من قوى إقليمية ودولية، تسعى إلى استخدام هذه الأطراف كأداة ضغط على الدولة السورية الجديدة، يتمثل هذا الدعم بتوفير ملاذ آمن لبعض القيادات الإجرامية، وتمويل العمليات التخريبية التي تسعى لإثارة الفوضى عبر شبكات دولية.

إحدى هذه الخلايا تم تفكيكها مؤخرًا، عندما كشف الضابط السابق في جيش النظام “صالح منصور” عن طلبه “الحماية من فرنسا” لـ “الطائفة العلوية”، حيث اعتقلته قوات الأمن العام التابعة للإدارة السورية الجديدة وأنهت تهديد خليته بالكامل.

الأهداف الاستراتيجية لبقايا النظام والخلايا التخريبية:

  • إضعاف الدولة الجديدة: من خلال ضرب استقرارها الأمني والسياسي.
  • إعادة ترتيب القوى الميدانية: لتسهيل عودة النظام المخلوع أو تحقيق مكاسب سياسية.
  • إثارة النزاعات الداخلية: عبر استغلال التوترات الاجتماعية والطائفية.

تحديات الحكومة الجديدة:

الدولة السورية الجديدة تواجه تحديات كبيرة في بناء منظومة أمنية فعّالة بسبب تشتت القوى الأمنية القديمة وغياب التجربة المؤسسية، كما توجد فجوة بين المؤسسات الأمنية الوليدة والمجتمع المحلي، مما يعوق التعاون الفعّال بين الطرفين لمواجهة التهديدات الأمنية في المرحلة الحالية.

خاصرة الأمن الرخوة في المشهد السوري

المناطق الشرقية والشمالية: تشهد تحديات أمنية متزايدة بسبب وجود خلايا نائمة كانت تتبع للنظام المخلوع أو تنظيمات متطرفة، إضافة إلى التوترات العرقية والطائفية التي يتم استغلالها لإضعاف الدولة.

المناطق الحدودية: تُعدّ أكثر عرضة للتسلل وتهريب الأسلحة، مما يجعلها مركزًا لنشاط بقايا النظام والخلايا التخريبية.

المراكز الحضرية: تُستهدف بشكل خاص من خلال عمليات تخريبية تهدف إلى إظهار عجز الدولة عن توفير الأمن للسكان.

استراتيجية الاستجابة المقترحة

أولاً: تعزيز البنية الأمنية

الإسراع بتأسيس جهاز استخباراتي متخصص يتمتع بقدرات تحليلية وميدانية عالية، مع التركيز على مراقبة الأنشطة المشبوهة وتفكيك الشبكات التخريبية، بالإضافة لتدريب كوادر أمنية جديدة تمتلك خبرة في مواجهة التهديدات غير التقليدية.

ثانيًا: بناء شراكة مجتمعية

إطلاق حملات توعية للمجتمع المحلي حول دور المواطنين في تعزيز الأمن والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، والسعي إلى إشراك المجتمعات المحلية والقبائل في جهود حفظ الأمن.

ثالثًا: التعاون الإقليمي والدولي

التنسيق مع الدول المجاورة لتعقب تحركات بقايا النظام والخلايا التخريبية، بالإضافة لاستخدام الأدوات الدبلوماسية للضغط على الدول التي تدعم هذه الأطراف.

رابعًا: برامج الاحتواء

تقديم مبادرات للعفو المشروط عن العناصر غير المتورطين في جرائم كبرى، بهدف تقليل أعداد الأفراد المنخرطين في الأنشطة التخريبية، وأيضًا توفير برامج إعادة تأهيل تركز على دمج الأفراد المستفيدين من العفو في المجتمع.

السيناريوهات

سيناريو الاحتواء التدريجي: نجاح الدولة السورية في تطوير أجهزتها الأمنية وإعادة بناء الثقة مع المجتمع سيؤدي إلى تقليص الأنشطة التخريبية واستعادة الاستقرار تدريجيًا.

سيناريو الفوضى المستمرة: إذا استمر الدعم الخارجي والمشكلات الداخلية، قد تواجه الدولة السورية صعوبات في السيطرة على الأوضاع الأمنية، ما قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى.

سيناريو التصعيد الإقليمي: في حال تصاعد التوترات بين القوى الإقليمية، قد يتم توظيف بقايا النظام والخلايا التخريبية كأداة لزعزعة الدولة السورية.

الخاتمة

تُعد مواجهة بقايا النظام السابق والخلايا التخريبية تحديًّا محوريًّا للدولة السورية الجديدة، الاستجابة الفعالة تتطلب استراتيجية شاملة تدمج بين تطوير القدرات الأمنية، إشراك المجتمع المحلي، والتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين. نجاح هذه الجهود سيحدد قدرة الدولة السورية الجديدة على ترسيخ استقرارها وبناء مستقبل آمن ومستقر لمواطنيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى