يبدو أنّ النظام الإيراني محاصرٌ في فخٍّ، فمن جهةٍ هو مهددٌ بالعقوبات بعد تنديد الولايات المتحدة بالصفقة النووية، ومن جهةٍ ثانية ترتفع حدّة عِداء المعارضة الإيرانية لهذا النظام، فضلًا عن الثورة الشعبية المرتبطة بالصعوبات الاقتصادية.
كَتبَ حميد آصفي المحلل المقرب من النظام الإيراني في ٩ تموز/يوليو تحت عنوان: “إن خطّة العمل المشترك(JCPOA) _الاتفاق النووي الإيراني_ قد ماتت”، وكتب أيضًا: “يبحث الرئيس الفرنسي في منتصف الطريق لإحياء الخطة، ولكن الاتفاق مات قبل أن تتمكن فرنسا من إعادته إلى الحياة”.
حتى عام ٢٠١٥ كان النظام الإيراني يخضع لعقوباتٍ دوليةٍ مختلفة، ولكن مع(JCPOAالاتفاق النووي) حاول إنشاء حمايةٍ تسمح له ببيع النفط فبفضل 150 مليار دولار تم رفع الحظر عنها، تمكن من مواصلة سياسته في التدخل في دول الإقليم وخلق “محور المقاومة”.
علاوةً على ذلك ووفقًا لمزاعم إيران الرسمية فقد تسمح لها تلك الملايين أيضًا بتحسين أنظمة الصواريخ الباليستية التي تهدف إلى الوصول إلى أوربا.
كلّ ذلك يتحقق على حساب الشعب الإيراني الذي وصل به الفقر إلى مستوياتٍ قياسية، فقد أثّر هذا الحال على أكثر من ثلثي السكان.
تمّ الخروج من الاتفاق النووي كما أرادت الولايات المتحدة منذ عام، هذا الخروج الذي اعتبره بعض حلفاء واشنطن في المنطقة همًّا كبيرًا أسفر عن فرض عقوباتٍ جديدةٍ على بيع النفط الذي كان قد حصل على حمايةٍ سابقًا في عام 2015.
بهذا المعنى فإنّ الاتفاق النووي قد مات بالنسبة لإيران، لأنّ سياسة الملاءَمة المزعومة لم تعد على رأس العلاقات بين طهران والغرب.
تهديدٌ متعدّدٌ من طهران:
إن النظام الحاكم في إيران، وفقًا لزعيمه آية الله علي خامنئي، كان محبوسًا مثل قطّ حوصر في فخّ ثلاثي الزوايا.
أحد هذه الزوايا هي نقطة التحوّل في السياسة الدولية من حالة الرضا إلى حالة التشدّد، أما الزاوية الثانية ستكون تشكيل مقاومةٍ منظّمة (مجاهدي خلق _منافقين حسب تسمية النظام ) تبقى الزاوية الثالثة وهي الحركة الثورية الشعبية التي تعبّر عن السخط العام.
هذا هو الفخ الذي وقع فيه القط الإيراني، لذلك يحاول الآن أن يلتقط أنفاسًا لحياةٍ جديدة، ذلك عبر إلغاء العمل بالاتفاق النووي.
فقد عمل النظام على تجاوز الخطوط الحمراء للحدّ من تخصيب اليورانيوم، كانت النسبة المئوية المسموح بها ٣.٦٧٪، كان الهدف من ذلك إجبار أوربا، وفرنسا على وجه الخصوص، على مطالبة الولايات المتحدة بفتح ثغرةٍ في العقوبات النفطية.
ما يبدو الأمر عليه هو التزام فرنسا سياسة الرضا بما يكفي إلى درجة إعادة النظام إلى طاولة المفاوضات.
في أعقاب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو ٢٠١٨، اتّخذت فرنسا مبادرةً لمنع حدوث أزمةٍ مفتوحةٍ في ظلّ التوتر الشديد في المنطقة.
كان ذلك عندما سافر وزير أوربا والشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لوريان إلى طهران في ٤ و ٥ آذار/مارس ٢٠١٨، لإقناع النظام الإيراني بالتفاوض بشأن برنامجها النووي وتدخلاتها في المنطقة خاصةً في سوية.
كان الجانب الفرنسي بذلك سيتمكن من إحياء المفاوضات ودفع ترمب للرجوع عن قراره.
لكن النظام الإيراني لا يمكنه الرجوع عن هذين الخطّين الأحمرين الوجوديين بالنسبة له لأنهما يرسمان تدخله الإقليمي وبرنامجه للأسلحة الباليستية والنووية.
لذلك من السذاجة للغاية الاعتقاد أنّه من خلال تخفيف العقوبات فإنّ نظام المرشد الأعلى سينضمّ إلى مجتمع الأمم المتحضّرة.
إن إسقاط طائرةٍ أمريكيةٍ بدون طيار، وكذلك مهاجمة ناقلات النفط في الفجيرة وبحر العرب ليست مسائل إظهار إيران لقوّتها، بل هي سلوكيات قطّ محاصرٍ يسعى للخروج من الفخ الذي وقع فيه.
جيش الجياع والعاطلين عن العمل:
هذا القط يمكن ألا يخاف من العقوبات أو من تغيير سياسة الرضا، ولكن لا يمكنه ألا يخاف من جيش العاطلين عن العمل الذي يشكّل أكثر من ثلثي السكان.
هذا الوضع ناتجٌ عن التدخل في سورية والمنطقة وبسبب الفساد الذي وصل إلى مستوياتٍ فلكية وصولًا إلى الارتفاع الكبير بالأسعار.
لذلك يتحوّل السخط العام وبسرعةٍ إلى قنبلةٍ موقوتةٍ من المحتمل أن يكون انتشار وحدات المقاومة في الداخل، حسب وزير الاستخبارات الإيراني، المفجّر لهذه القنبلة التي تهدّد القط الأسود للنظام.
نادر نوري_دبلوماسي إيراني سابق مقيم في باريس والأمين العام لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط_ لصحيفة لا تروبين ١٢تموز/يوليو ٢٠١٩
الرابط الأصلي
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019