الاصداراتالدراسات الاستراتيجيةترجمات

ما مدى خطورة التهديد الروسي لإسرائيل في سوريا؟

رؤية تاريخية

ملخص:

تؤكد النظرة التاريخية العميقة إلى أن الاتحاد السوفييتي، وبعد ذلك روسيا، لم ينجحا في تقديم المظلة الاستراتيجية اللازمة للأنظمة العربية الراديكالية المتحالفة معها خلال حروبها ضد إسرائيل، وعانت تلك الأنظمة المتسلحة بالقوة الروسية من الهزائم المشينة على يد الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من البيئة الاستراتيجية العالمية –اليوم- التي تفتقد للحماس الأيديولوجي الذي كان سائدًا إبان عهد الحرب الباردة؛ فمن المثير للاهتمام مقارنة السلوك الإقليمي السوفييتي آنذاك مع التحديات الحالية التي تواجه روسيا في سوريا، كالتحدي الإسرائيلي–الإيراني والمواجهة المباشرة بينهما التي تهدد بالإضرار بالمصالح الروسية.

في 10 فبراير/شباط 2018، ضربت إسرائيل قاعدة T-4 بالقرب من حمص في سوريا. وذلك بعد أن قامت طائرة بدون طيار إيرانية محملة بالمتفجرات بالدخول إلى المجال الجوي الإسرائيلي، حين قصدت مهاجمة هدف إسرائيلي. العملية تصاعدت لاحقًا بسرعة عندما أُسقِطت طائرة F-16 إسرائيلية بدفاعات سوريا المضادة للطائرات، تبعتها هجمات انتقامية إسرائيلية ضربت أكثر من عشرة أهداف للدفاع الجوي في سوريا، بما في ذلك أربع مواقع عسكرية إيرانية.

لاحقًا أشار بيان وزارة الدفاع الروسية والولايات المتحدة الأمريكية إلى مسؤولية إسرائيل عن هجومٍ ثانٍ على قاعدة للطائرات بدون طيار الإيرانية في ذات المطار، في 9 أبريل/ نيسان 2018 ، دعا الرئيس بوتين رئيس الوزراء نتنياهو وحثه على منع إسرائيل عن اتخاذ إجراءات عسكرية أحادية في سوريا. رد نتنياهو بأن إسرائيل لن تسمح لإيران بتثبيت تواجدها العسكري في سوريا. فيما وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ضرب قاعدة T-4 في سوريا باعتباره “تطوراً خطيراً للغاية”.

بعد الضربات التي قادتها الولايات المتحدة ضد المنشآت الكيميائية السورية في 14 أبريل/ نيسان 2018 كعقوبة لنظام الأسد على الهجوم الكيميائي على حي دوما بدمشق في 7 أبريل/ نيسان 2018، اعتبر خبراء غربيون بأن الرئيس بوتين قد يحد من عمليات إسرائيل في سوريا رداً على العملية الغربية، وذلك من خلال الحد من استخدام إسرائيل للأجواء السورية لمهاجمة أهداف إيرانية.

من جانب آخر، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: إن روسيا لم تقرر بعد ما إذا كانت ستقوم بتوصيل أنظمة صواريخ S-300 المتقدمة إلى سوريا، لكن مسؤولين روس رفيعي المستوى أبلغوا صحيفة (the Kommersant) أن روسيا من المتوقع أن تزود الأسد بالدفاعات المضادة للطائرات من طراز S-300. في وقت قريب، وقد حذر المسؤولون الروس أنه إذا هاجمت إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي الجديدة هذه، فإنها سوف تعاني من “عواقب كارثية”[1].

وفي رد فعل سريع، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان: إن إسرائيل قد تهاجم أنظمة S-300 الروسية الصنع المضادة للطائرات في سوريا إذا تم استخدامها ضد إسرائيل: “ما هو مهم بالنسبة لنا هو أن أنظمة الدفاع التي ينقلها الروس إلى سوريا لا تستخدم ضدنا. وإذا تم استخدامها ضدنا، فسوف نتصرف”[2].

في الواقع، نُشرت أنظمة الدفاع الجوي الروسية في سوريا لسنوات. بل إن الدفاعات الجوية السورية التي قامت إسرائيل بقصفها عدة مرات هي روسية الصنع. في الآونة الأخيرة -وبعد إسقاط طائرة (F-16) في فبراير/شباط- كشفت صحيفة “The Wall Street” أن الجيش الإسرائيلي استهدف في سوريا نظام دفاع جوي متقدم روسي الصنع بعد أن قامت إيران بنشره في قاعدة T-4 في سوريا في وقت سابق من هذا الشهر. بالإضافة إلى ذلك، نشرت روسيا أنظمة S-400 الخاصة بها لحماية جنودها المنتشرين في اللاذقية.

في إسرائيل والغرب، هناك نقاش جدِّي حول مدى خطورة التهديد الروسي لإسرائيل، بعد عدة سنوات من التنسيق المثمر بين الدولتين في الساحة السورية، وماذا ستكون العواقب الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل.

  1. الحملة العسكرية على سيناء (1956):

تراجعت العلاقات السوفييتية مع إسرائيل منذ إعلان استقلال إسرائيل في عام 1948. ففي الخمسينات من القرن الماضي أصبح الاتحاد السوفييتي حليفًا لمصر وسوريا، في سياق الهزيمة الأنجلو-فرنسية في السويس، ثم الصراع العربي الإسرائيلي.
وخلال محادثات سرية أجراها الرئيس جمال عبد الناصر مع السوفييت في سبتمبر 1955 اشترت مصر كمية ضخمة من الأسلحة السوفيتية عبر تشيكوسلوفاكيا، وهو حدث نظر إليه الغرب باعتباره زيادة كبيرة لتأثير الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط.

كانت إسرائيل، التي عانت منذ 1954 من موجة من الغارات ضد المدنيين انطلاقًا من مصر، من قبل الفدائيين الفلسطينيين، إضافة إلى منع المرور الحر عبر قناة السويس، كما كان ميناء إيلات الجنوبي على البحر الأحمر مسدودًا بسبب إغلاق مصر لمضيق تيران، ولذلك قررت إسرائيل مهاجمة مصر قبل أن تستكمل مصر الحصول على الترسانة السوفيتية الجديدة كاملةً، وهاجم جيش الدفاع الإسرائيلي شبه جزيرة سيناء في غضون أسبوع، في حملة وضعت أيضا لخدمة مصالح الحلفاء بريطانيا وفرنسا، وجاء ذلك بعد قرار جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس.

خلال الحرب، هدد رئيس الوزراء السوفيتي نيكولاي بولغانين بالتدخل إلى الجانب المصري وإطلاقه
الصواريخ الباليستية على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. واتهم بولجانين بن غوريون بدعم  الاستعمار الأوروبي، واستدعى الاتحاد السوفياتي سفيره من إسرائيل[3]، التهديد السوفيتي بإرسال قوات إلى مصر لمحاربة الحلفاء؛ قاد الرئيس الأمريكي آيزنهاور للخوف من أن هذا قد يكون بداية لحرب عالمية.

تحت الضغط الأمريكي، قررت إسرائيل الانسحاب من سيناء في مارس 1957، كما فعلت المملكة المتحدة وفرنسا. وعلى الرغم من ذلك، حققت إسرائيل أهدافًا استراتيجية مهمة: كحرية الملاحة عبر قناة السويس ومضيق تيران إلى إفريقيا وآسيا، ووجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في سيناء، والهدوء الذي دام 11 عامًا بعد وقف الأنشطة الإرهابية على حدودها الجنوبية.

لقد اعتبر الاتحاد السوفييتي الهجوم على مصر خلال حملة سيناء بمثابة تهديد مباشر لمصالحه الخاصة. لاحقا بقيت سياسة الاتحاد السوفيتي دون تغيير واستمرت على أساس اهتمامها بدعم الدول العربية. وقد أسست صفقة الأسلحة المصرية-التشيكية لأن يكون الاتحاد السوفييتي المورد الرئيسي للأسلحة في الشرق الأوسط للعقود القادمة[4]

عملية الماس، في منتصف الستينيات، تم استخدام المقاتلة السوفياتية ميج- 21 على نطاق واسع في صراعات الشرق الأوسط من القوات الجوية المصرية والسورية والعراقية، وخاصة ضد القوات الجوية الإسرائيلية (IAF). في أقل من عام من الحرب العربية الإسرائيلية التالية، وفي 16 أغسطس/ آب 1966 ، قام الموساد الإسرائيلي بتجنيد طيار في سلاح الجو العراقي، حيث قام بالهرب إلى إسرائيل مع طائرة ميج-21. وبعد حصول إسرائيل على الطائرة تمكنت من تحديد نقاط ضعفها، ساهمت تلك المعرفة بنجاح كبير لسلاح الجوي الإسرائيلي خلال حروب عام 1967 و1973.كما ساهمت تلك العملية بتوسيع العلاقات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية حين قبلت إسرائيل بتقديم الطائرة للولايات المتحدة التي عملت استدراج المعلومات التكنولوجية من الطائرة[5].

  1. حرب الأيام الستة لعام (1967):

في أوائل نوفمبر/ تشرين ثاني 1966، وقعت سوريا اتفاقية دفاع متبادل مع مصر. وقبل عدة أشهر من حرب الأيام الستة يونيو/ حزيران 1967، بدأ السوفييت السير في مسار أكثر مجابهةً ضد إسرائيل على أمل ضمان دعم وبقاء النظام السوري الجديد المؤيد للسوفيات. وفي هذا الإطار، شجع السوفييت الوحدة بين الحليف المصري ناصر والقيادة السورية، آملين في الحصول على مزيد من السيطرة ضد المتعصبين السوريون. فشل السوفييت في التنبؤ بنتائج هذه السياسة. عندما فقدوا السيطرة على الوضع، كانوا مترددين في وضع جهدهم واستثمار كل نفوذهم في محاولة كبح جماح ناصر[6].

طوال الفترة من أبريل/ نيسان إلى مايو/أيار 1967. شكك الكرملين بأن إسرائيل كانت تخطط لعدوان ضد سوريا وبينما كان السوفييت مصممين على إنقاذ النظام اليساري الراديكالي الجديد في دمشق. الحكومة السوفييتية أبلغت سوريا ومصر أن إسرائيل قد حشدت قواتها المسلحة على الحدود مع سوريا وبالتالي توجيه عبد الناصر من أجل مساعدة سوريا من خلال تركيز قواته المسلحة على حدود مصر مع إسرائيل. حتى أن موسكو وافقت على طرد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من المواقع القريبة على الحدود الإسرائيلية المصرية، وتركيز القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة[7].

وقد جادل بعض الباحثين بأن موسكو حرضت على الحرب من أجل زيادة الاعتماد العربي على المساعدات السوفييتية، وكذلك لتوحيد القوى التقدمية في الشرق الأوسط ومواصلة تعزيز موقفها في المنطقة[8].

في حين يؤكد علماء آخرون أنه كان هناك صراع على السلطة بين أعضاء القيادة الجماعية، التي أسقطت نيكيتا خروشوف في أكتوبر/ تشرين أول 1964. ووفقًا لهذا الرأي، كانت حرب الأيام الستة مؤامرة تهدف إلى التعجيل بنزاع مسلح في الشرق الأوسط لتحسين الموقف المحلي من الحزب الاشتراكي للحزب الشيوعي السوفيتي (CPSU) ليونيد بريجنيف ووزير الدفاع مارشال أندريه غريشكو.

لم تشجع القيادة السوفييتية العليا كبار الضباط المصريين والسوريين فقط على شن حرب ضد إسرائيل، بل وأقنعت القيادة السياسية بدعم تصورها لهذه الحرب والعمل ضمن التصميم الذي وضعته لها، كما اتخذت خطوات عملية لمساعدة سوريا من أجل وقف تقدم القوات الإسرائيلية إلى الأراضي السورية، كما عملت في اتجاه إنهاء الحرب بواسطة عملية إنزال بحري، وتعزيزات محمولة جواً ودعم جوي لعمليات برية. ومع ذلك، تم إجهاض العمليات العسكرية خوفًا من الانتقام الأمريكي وبسبب الشقاق داخل الاتحاد السوفييتي. وعليه قررت موسكو حينها اتباع سياسة تهدف إلى وقف الهجوم من خلال الجهود الدبلوماسية وضمان بقاء نظام عبد الناصر[9].

في النهاية، كانت الحرب العربية الإسرائيلية في حزيران 1967 بمثابة هزيمة مذلة للعرب ونكسة كبرى للهيبة السوفيتية.

  1. فترة ما بين الحروب:

إن فشل موسكو في إنقاذ الموالين الذين قامت بتسليحهم ومساعدتهم قد أزعج حلفاءها الآخرين في أنحاء العالم العربي وفي مناطق أخرى من العالم، ومن أجل محاولتها استرداد سمعتها صارت موسكو مضطرة لمضاعفة دعمها لحلفائها، ولكن عمل السوفييت هذه المرة على السيطرة المباشرة على أجهزتهم، في الجيش المصري تم تعزيز المكانة السوفييتية بشكل كبير وتضاعف عدد المستشارين، كما وصلت وحدات ميدانية لتباشر سلطتها على والقواعد الجوية التي أصبحت سوفييتية بكل شيء ما عدا الاسم، وبذلك تم إطلاق الوجود الاستراتيجي السوفييتي في شرق البحر المتوسط إلى حد وصل ذروته خلال تلك المرحلة التاريخية، والتي يبدو أن الرئيس بوتين حاليًا يسعى لاستعادتها[10].

خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل (1967-1970) ، قامت إسرائيل بغارات قصفت خلالها نحو 100 هدف موجودة في عمق الأراضي المصرية. الاتحاد السوفييتي قام ببنائها لسلاح الجو المصري ضمن مستويات غير مسبوقة في الشرق الأوسط منذ حرب الأيام الستة عام 1967، خلال ذلك تم تدمير معظم القوات الجوية المصرية على الأرض. بعد ذلك وعلى الرغم من جهود إعادة التسلح ووجود أكثر من  20،000 مستشار عسكري، بما في ذلك الطيارين الروس الذين يحلقون من المطارات المصرية، مع كل ذلك كان المصريون في وضع لا يسمح لهم بفتح جبهة.

في الثلاثين من تموز (يوليو) 1970 ، قررت “IAF” القوات الجوية الإسرائيلية تحدي الطيارين السوفييت في معركة جوية أطلق عليها اسم “ريمون 20″، باختيار أكثر طيارين مقاتلين مهرة للمشاركة في القتال الذي خُطط له. خلال الاشتباكات التي امتدت لثلاث دقائق، خضع السوفييت لهيمنة نظرائهم الإسرائيليين المحنكين، مما أسفر عن إسقاط خمس طائرات من طراز ميغ -20 بالطائرات الإسرائيلية من طراز F-4 Phantoms و Mirage III. كان القادة العسكريون المصريون راضين لسماع نتيجة المعركة؛ لأن السوفييت كانوا منذ فترة طويلة ينتقدون خسائر مصر الجوية في المعارك مع إسرائيل وينسبون ذلك إلى قلة مهارة الطيارين المصريين. كانت تلك المعركة واحدة من المشاركات السوفييتية الأخيرة في حرب الاستنزاف ويعتقد أنها ساهمت في إنهائها[11].

بحلول عام 1971، لم يكن المصريون في وضع يسمح لهم بمواجهة سلاح الجو الإسرائيلي فوق سيناء. لذلك سمح رئيس الوزراء السوفييتي بريجنيف بنشر قوة عمل استطلاعية في مصر لأربع طائرات من طراز MiG-25 Foxbat -وهي أحدث طائرة سرية سوفيتية- لاستكشاف الدفاعات الإسرائيلية في سيناء. جرت أول مهمة استطلاع ميدانية في 10 أكتوبر/ تشرين أول 1971 ، وفشل اعتراض الطائرات الإسرائيلية من طراز F-4 Phantoms لهذه الطائرات. وقد أدى ذلك إلى عدد متزايد من التحليق في سيناء وإلى اعتراضات فاشلة ونيران صواريخ غير مجدية. مع هذا فقد أُحبط الرئيس المصري أنور السادات لأنه اعتقد أن السوفييت كانوا يدربون طياريهم من خلال تلك الطلعات ولم يعرضوا ذلك النوع من الطائرات للبيع للمصريين. بعد قمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي  وافق بريجنيف ونيكسون على الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط، حينها عاد كل المستشارين السوفييت إلى بلادهم تسبقهم خطة للحرب ولكن دون مساعدتهم[12]. كانت هذه أول انتكاسة خطيرة للاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة.

  1. حرب (1973):

في البداية، بدا أنه وبسبب عنصر المفاجأة، فإن مصر وسوريا ستخرج منتصرة من الصراع. ومع تسلحهم بالأسلحة السوفياتية الحديثة، فإن البلدين كانا يأملان في الثأر من هزيمتهما في حرب 1967. يجب التأكيد على أن إسرائيل دخلت حرب يوم الغفران في حالة إنكار، إنكار ورفض الاعتراف بأن نشر صواريخ أرض-جو السوفيتية غرب القناة قد حيدت الكثير من إمكانات سلاح الجو الإسرائيلي في حالة الحرب[13].

لكن الهجمات المضادة الإسرائيلية قلبت الأمر، وتم طرد السوريين من مرتفعات الجولان المهمة استراتيجيًا، في حين حاصر الجيش الإسرائيلي آلاف الجنود المصريين الذين عادوا عبر صحراء سيناء. وعندما أصبح من الواضح أن إسرائيل لن تتخلى عن حصارها للقوات المصرية (عدا الغذاء والدواء)، هدد السوفييت باتخاذ إجراء أحادي لإنقاذهم.  ما دفع القوات العسكرية الأمريكية إلى رفع حالة التأهب إلى الدرجة الثالثة (المرحلة الخامسة هي إطلاق الهجمات النووية). تراجع السوفييت عن تهديدهم لكن الضرر الذي لحق بالعلاقات بين البلدين كان خطيرًا وطويل الأمد. في نهاية المطاف، القوات الإسرائيلية انسحبت من بعض مواقعها في كل من سيناء والأراضي السورية، بينما وعدت مصر بالتخلي عن استخدام القوة في تعاملاتها مع إسرائيل[14] .

ووفقا لأوراق وكالة المخابرات المركزية التي رفعت عنها السرية حديثا، فإن الولايات المتحدة وضعت في حالة تأهب قصوى في أكتوبر 1973 لأنها: “اكتشفت المخابرات الأمريكية سفينة سوفييتية متوجهة إلى مصر تعتقد أنها كانت تحمل أسلحة نووية بالإضافة إلى ذلك، اكتشفت الولايات المتحدة سفينتين برمائيتين سوفيتيتين تقتربان من مصر”. تم إلغاء التنبيه الثالث الذي تم تنفيذه في 24 أكتوبر/ تشرين أول 1973 ، في اليوم التالي بعد تفرق السفن السوفييتية بالقرب من مصر[15] .

كان الاختراق والتأثير العسكري السوفييتي في سوريا ساحقًا. حيث عمل المستشارون والخبراء السوفييت في سوريا بعد حرب الأيام الستة على جميع المستويات تقريبا: من التشاور إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان، لمساعدة القادة السوريين على مستوى الكتيبة في القوات البرية وفي وحدات متوازية في الجو وفي القوة البحرية. ركزوا أولا على المساعدة في استيعاب الأسلحة والمعدات الجديدة التي يوفرها الاتحاد السوفياتي، وفي تدريب الأفراد، والصيانة المستمرة، وإعداد القوات للقتال وفق مبادئ العقيدة السوفييتية القتالية وفي التخطيط لعمليات دفاعية وهجومية. كان طاقم المستشارين والخبراء السوفييت على دراية بكل ما كان يحدث في الجيش السوري، على جميع المستويات من اتخاذ القرار حتى الإجراءات الميدانية المتخذة[16].

زار وفد سوري رفيع المستوى بقيادة وزير الدفاع مصطفى طلاس موسكو في يوليو عام 1973 للقاء وزير الدفاع المارشال جريشكو  وموظفيه، ليقدموا لهم النقاط الرئيسية في سوريا لخطة العمليات للحرب القادمة من أجل تحرير مرتفعات الجولان. غريكو رفض مناقشة الخطة، مدعيًا أن الاتحاد السوفياتي لا يريد التدخل في الصراع العربي الإسرائيلي بهذه الطريقة، ولكنه وعد بمساعدة السوريين من الناحية الأخلاقية والمادية وفقا للمعايير المتفق عليها من قبل القيادة السياسية.

قبل بضعة أشهر من اندلاع الحرب، تم إرسال الفرق السورية إلى الاتحاد السوفييتي. للتدريب على استخدام صواريخ SA-6 أرض- جو لتشكيل التقسيمات الجوية الجديدة. وذكر تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن سوريا أنه خلال الحرب في عام 1973، أشرف المستشارون السوفييت على تشغيل القوات البرية- السورية وكانوا موجودين في مقار مختلفة. ووفقاً لشهادة أحد مستشاري أحد أسراب القصف (MiG MF 21) المتمركزة في القاعدة الجوية السورية في دامير، فقد ساعد المستشارون في التخطيط للغارة الجوية الأولى.

 في حين شارك الضباط السوفييت في القتال على الجانب السوري، جنبا إلى جنب مع قادة الألوية والكتائب، وكذلك في رئاسة الأركان، وساعدت قواتهم في إصلاح الدبابات والمعدات التي تضررت، وجمع الطائرات التي وصلت عن طريق الجو ونقل الدبابات من الموانئ إلى المراكز الأمامية. ورافق المستشارون كتائب الدبابات خلال المعارك ولكن صدرت تعليمات بعدم عبور الحدود الدولية (أي حدود عام 1967). ودفع بعض المستشارون حياتهم من أجل المساعدة وقتل على الأقل اثنان برتبة كولونيل[17].

ومع ذلك، يبدو أن القيادة السورية (وكذلك المصرية) لم تكن تود تدخل السوفيات على الجبهة ولك تكن تأخذ بالنصائح التي قدمها الروس. بحسب المصادر السوفييتية، لم تكن القيادة المصرية والسورية مستعدة للاستماع إلى المستشارين لأنهم أرادوا شن الحرب حسب فهمهم الخاص. وليس مما تعلموه منهم. في إحدى المرات، أثناء عرض صورة الوضع العسكري في الحرب على المكتب السياسي في الكرملين، فيما يتعلق بتوازن القوى في مرتفعات الجولان ومساهمة الأسلحة السوفيتية في نجاحات المصريين والسوريين في تلك المرحلة من الحرب، سُئِل رئيس الأركان السوفيتي الجنرال فيكتور كوليكوف، لماذا المستشارون السوفييت لا يصححون للسوريين أخطاءهم في إدارة الحرب؟ فأجاب: “إنهم لا يستمعون إلينا … يتظاهرون بأن لهم استراتيجيتهم الخاصة بهم”[18].

على النقيض من سلاح الجو الإسرائيلي (IAF) والقوات البرية الإسرائيلية (ILF)، لم تكن البحرية الإسرائيلية (IN) تعمل بشكل جيد خلال حرب 1967. فالهجمات المختلطة البحرية والكوماندوز على الموانئ السورية والمصرية حققت القليل. لكن القوات البحرية الإسرائيلية (IN) أخذت حقنها خلال حرب يوم الغفران، حين دمرت عملياً الأساطيل المصرية والسورية: 44 سفينة دمرت أو أسِرَت من القوات البحرية، بينما لم تخسر البحرية الإسرائيلية أية سفن، على الرغم من إطلاق ستين صاروخًا بحريًا تجاهها في مسارح المعارك البحرية[19].

كانت هذه الصدامات هي الأولى في تاريخ البحرية حيث أطلق الجانبان الصواريخ البحرية تجاه سفنهم، وعلى الرغم من أن الصواريخ السوفيتية SS-N-23 Styx التي تم تزويدها للبحرية العربية كان لديها ضعف مدى صاروخ غابريل الإسرائيلي، فقد طور الإسرائيليون أيضا تدابير مضادة إلكترونية تمكنت من تحويل اتجاه الصواريخ القادمة. بعد هذه المعارك لم تغادر الأساطيل العربية مرة أخرى من موانئها لبقية الحرب[20]. ومن خلال كسب القوات الإسرائيلية للمعارك مع الزوارق الحربية السورية والمصرية، كسب الإسرائيليون القيادة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط[21].

كانت البحرية الإسرائيلية قد صادفت أيضا السفن السوفييتية التي راقبت السفن في رحلات جوية بعيدة المدى قبل الوصول إلى هدفها. بعد ستة أيام من الحرب، أغارت قوارب إسرائيلية حين أطلقت صواريخها على ميناء طرطوس السوري وأغرقت دون قصد سفينة شحن تجارية إليا ميتشنيكوف، التي جلبت إمدادات الحرب إلى سوريا. بعد هذه الحادثة قامت السفن البحرية بمرافقة السفن التجارية السوفيتية إلى المرافئ السورية. وقال قائد البحرية الإسرائيلية، الأدميرال بيني تليم في مقابلة أجريت معه بعد عام من الحرب، إنه إذا ما تصرفت السفن الحربية الروسية بشكل عدائي، فإنه كان يعتزم مواجهتها بشكل مباشر. كان النجاح الساحق للقوارب الصاروخية الإسرائيلية قبالة اللاذقية والإسكندرية ضد قوارب الصواريخ السوفياتية عاملًا مقلقا للسرب السوفييتي في البحر المتوسط الذي كان يتخلف عن حاملات الطائرات الأمريكية للأسطول السادس، التي يمكن أن تصل طائراتها إلى الجزء الجنوبي من الأراضي السوفييتية[22].

بعد الحرب وتحول السادات إلى الولايات المتحدة، ضعفت العلاقة بين مصر والاتحاد السوفييتي. ومع ذلك استمر البلدان في الحفاظ على العلاقات بشكل ضعيف، لكن الاتحاد السوفيتي تحول اهتمامه الآن إلى سوريا، التي أصبحت موطئ قدم السوفييت الرئيسي في الشرق الأوسط[23].

عملية (Opera): بناءً على القلق المتزايد بشأن برنامج العراق لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية، في 7 يونيو/حزيران 1981، دمَّر سلاح الجو الإسرائيلي مفاعل (أوزيراك) في مهمة أطلق عليها اسم عملية أوبرا. ومرة أخرى، تم إثبات قدرة إسرائيل على القيام من جانب واحد وبصورة وقائية ضد تهديد لأمنها القومي. وتمكن الطيارون الإسرائيليون من إكمال الغارة في وضح النهار، بدون إعادة التزود بالوقود، وتسللوا إلى واحدة من أكثر المناطق الجوية تحصينا في العراق، بما في ذلك الدفاعات بصواريخ SAM-6 المحمولة المضادة للطائرات. ومن اللافت للنظر -بعد مرور 26 سنة-  ستستخدم إسرائيل نموذج المهمة هذا مرة أخرى أثناء عملية البستان، الهجوم الوقائي في 6 سبتمبر/ أيلول 2007 ضد مفاعل نووي سوري بنته كوريا الشمالية في منطقة دير الزور[24] .

عملية (Mole Cricket 19): كانت هذه العملية بمثابة تحذير لحملات الدفاع الجوي للعدو (SEAD) التي أطلقتها القوات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف السورية في 9 يونيو/حزيران 1982، حيث وفي بداية حرب لبنان عام 1982. تصاعدت حدة التوتر بين إسرائيل وسوريا حول لبنان في أوائل الثمانينيات وبلغت ذروتها في سوريا بنشر بطاريات SAM في وادي البقاع. في 6 يونيو/حزيران 1982، قامت إسرائيل بغزو لبنان، وفي اليوم الثالث من الحرب، مع وقوع اشتباكات بين جيش الدفاع الإسرائيلي والجيش السوري، أطلقت إسرائيل العملية. استمرت المعركة حوالي ساعتين وتضمنت تكتيكات وتقنيات مبتكرة. وبحلول نهاية اليوم، قام سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير 29 من أصل 30 بطارية من طراز SAM تم نشرها في سوريا على مقربة من وادي البقاع في لبنان وأسقطت ما بين 82-86 طائرة مع أقل خسائر ممكنة[25].

كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تمكنت فيها القوات الجوية الغربية من تدمير شبكة صواريخ أرض-جو (SAM) مبنية من قبل السوفييت بدون استخدام القوات البرية. كما أصبحت واحدة من أكبر المعارك الجوية منذ الحرب العالمية الثانية.

ووفقًا لما قاله الميجور جنرال (احتياطًا) ديفيد إيفري، وهو قائد سابق في سلاح الجو  الإسرائيلي، فقد أخبره جنرال (تشيكي) كبير أنه عندما كان في كلية الدفاع الوطني في موسكو عام 1982: “علم أن هذه الضربة ضد بطاريات صواريخ أرض جو [SAM] كانت حافزًا للشفافية [زيادة الشفافية الحكومية] في الاتحاد السوفيتي. والتأكيد بأن النظرية الاستراتيجية التي مفادها أن الغرب يفتقر إلى القدرة على الصمود أمام نظام SAM، هي نظرية مشكوك فيها، كما هو الحال في قطاع الدفاع بشكل خاص.” وحتى يومنا هذا، تظل تفاصيل عملية Mole Cricket 19 سرية[26].

  1. حرب الاستقلال الإسرائيلية عام (1948):

من المفارقات أن قصة الانتصار السوفياتي الناجحة الوحيدة في المنطقة هي دعمها المبكر لإسرائيل في تحقيقها استقلالها. ففي عام 1947، أعلن الممثل السوفييتي في الأمم المتحدة أندريه جروميكو، دعم بلاده لقرار التقسيم وبعد موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، دعمت روسيا قبول إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة. في 17 مايو/ أيار 1948 ، وبعد ثلاثة أيام من إعلان الاستقلال، اعترف الاتحاد السوفيتي بدولة إسرائيل. بعد ذلك تم إرسال شحنات الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا  في محاولة من الاتحاد السوفييتي لجذب إسرائيل إلى الكتلة الشرقية والحد من نفوذ بريطانيا في المنطقة. كما كان السوفييت يأملون في أن تقبل إسرائيل هذا النهج في ضوء دور الاتحاد السوفييتي في هزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية[27].

من الحلقات المهمة للغاية في تاريخ حرب الاستقلال ما ذكره رﺋﻴﺲ اﻟﻮزراء داﻓﻴﺪ ﺑﻦ ﻏﻮرﻳﻮن ذات ﻣﺮّة أﻧﻪ ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬ اﳌﺴﺎﻋﺪة، ﲤﻜﻦ ﺟﻴش اﻟﺪﻓﺎع اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﻮز ﰲ اﳊﺮب. حي استجاب الاتحاد السوفييتي لنداء إسرائيل بعد الحظر المفروض على الأسلحة الذي أقرته الولايات المتحدة على إسرائيل حينها. وكجزء من هذه الصفقة، زودت تشيكوسلوفاكيا حوالي 50.000 بندقية (بقيت قيد الاستخدام في جيش الدفاع الإسرائيلي لنحو 30 عامًا) ، وحوالي 6000 بندقية آلية ونحو 90 مليون رصاصة، والأهم من ذلك توفير 25 طائرة مقاتلة من طراز Messerschmitt وترتيبها للتدريب – على الأراضي التشيكبة وفي المرافق العسكرية التشيكية – من الطيارين والفنيين الإسرائيليين الذين سوف يطيرون عليها والتدرب على صيانتها. استمرت المساعدات للقوات الجوية في التدفق خلال النصف الثاني من عام 1948 – عندما كان يتألف السلاح الإسرائيلي من 56 طائرة مقاتلة [28]Spitfire.

مما أثار استياء السوفييت،  اختيار حزب ماباي الحاكم بزعامة دافيد بن غوريون أن يفتح العلاقات علانية مع الغرب، وهو ما يمكن رؤيته من خلال الدعم العلني للحرب الكورية كواحدة من بين أمثلة عديدة. ووفقا للباحث الإسرائيلي بيساك مالوفاني، كانت القيادة السوفييتية مقتنعة بأن الجيوش المصرية والسورية حققت نجاحات في المرحلة الأولى من حرب يوم الغفران 1973 بسبب المساعدة الواسعة التي تلقوها من مستشاريها السوفييت. وهو ما جعلهم يرون أنفسهم شركاء في النجاحات العربية في حربي 1967 و 1973 وأكدوا نجاح الأسلحة السوفيتية المقدمة لحلفائهم العرب[29].

  1. حول الوضع الحالي في سوريا:

من الصعب تقييم ما إذا كانت القيادة الروسية الحالية تأخذ بعين الاعتبار الخلفية التاريخية للتدخلات العسكرية للاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط دعماً لحلفائها العرب. ومن المؤكد أن سوريا هي الحليف الأهم لروسيا في المنطقة. حيث استثمرت فيها روسيا بقوة عسكريا وماليا وسياسيا منذ الخمسينات؛ لأنها الدولة الوحيدة التي سمحت لها بالوصول الدائم إلى منشآتها البحرية، مما سمح بوجود عسكري بحري في شرق البحر المتوسط. ومنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا قدمت روسيا لنظام الأسد الدعم السياسي والعسكري لبقائه، بل وأكثر من ذلك منذ تدخلها العسكري المباشر في سبتمبر 2015.

كانت إيران وشريكها حزب الله والميليشيات الشيعية الخاضعة لسيطرتها حلفاء ضروريين على الأرض للاستفادة من القدرات الجوية والقدرات الاستخباراتية الروسية الهائلة والتي ضمنت بقاء نظام الأسد واستقراره في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، فإن طموحات إيران وسعيها للهيمنة على سوريا، جعل وجودها العسكري والاقتصادي والسياسي الساحق في سوريا واستراتيجيتها العدوانية تجاه إسرائيل، تتعارض مع الخطة الروسية لإيجاد حل سياسي دولي.

ووفقا لفيدور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة “روسيا في السياسة العالمية”، ورئيس هيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع، يتعين على موسكو أن تحسب بعناية الإيجابيات والسلبيات في تطوير شراكتها الاستراتيجية مع طهران، والتي تحمل العبء الرئيسي لدعم نظام الأسد. إن المحادثات بين الروس والإيرانيين مثيرة للاهتمام على الدوام على الرغم من أنها ليست سهلة أبداً، لأن البلدين لديهما رؤيتهما الاستراتيجية الخاصة، المتجذرة في الماضي. فمصالح روسيا وإيران بعيدة عن أن تكون هي نفسها[30].

على النقيض من الخطاب الروسي الخطير حتى نهاية أبريل، فإنه منذ بداية شهر مايو هناك تغيير مذهل في سلوك روسيا تجاه الضربات الإسرائيلية ضد المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا. حيث تمت دعوة رئيس الوزراء نتنياهو لحضور حدث وطني روسي كبير، جنبا إلى جنب مع الرئيس بوتين والرئيس الصربي ألكسندر فوسيك ، وهو جزء من احتفالات يوم النصر في 9 مايو ، وهي المرة الأولى التي ينضم فيها الزعماء الأجانب إلى الحدث في موسكو.

وخلال اجتماعه مع الرئيس بوتين في موسكو، شدد رئيس الوزراء نتنياهو على: “واجب إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ضد العدوان الإيراني ، من الأراضي السورية … كجزء من استراتيجية إيران لتدمير دولة إسرائيل”[31].

في الليلة التي سبقت الزيارة والليلة بعد عودته من موسكو، شن سلاح الجو الإسرائيلي أقوى الهجمات الجوية ضد الأهداف الإيرانية على الأراضي السورية. في حين كان رد الفعل الروسي على الضربات هو الصمت. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحفيين: “موسكو قلقة بشأن التوترات المتزايدة ونأمل في أن تتحلى جميع الأطراف بضبط النفس وأن تلجأ فقط إلى الوسائل السياسية والدبلوماسية لحل كل المشاكل القائمة.” وقال وزير الخارجية لافروف إن الروس يؤكدون على الحاجة إلى تجنب أي تحركات عسكرية متبادلة. وقال لافروف إن كلا من إيران وإسرائيل “أكدوا لنا أنه لا توجد مثل هذه النوايا. ومع ذلك، فإن مثل هذه الحوادث تحدث”[32].

يبدو أن روسيا لم تقم بتفعيل أنظمة الدفاع الجوي المتطورة الخاصة بها داخل سوريا خلال الغارات الجوية الإسرائيلية. ووفقًا لوزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس فإن فشل موسكو في المشاركة أو حتى إصدار بيان قوي لانتقاد إسرائيل كان “رسالة ضمنية إلى الإيرانيين بأن روسيا ليست في جيبهم” في سوريا[33].

وعلى الرغم من المعلومات القديمة التي تفيد بأن روسيا من المتوقع أن تزود الأسد بنظم دفاعية مضادة للطائرات من طراز S-300 ، فقد أعلن فلاديمير كوجين أحد مساعدي الرئيس بوتين أنه لا توجد أي محادثات حول تزويد سوريا بالنظام المتقدم ولا يعتقد أنها بحاجة إليها. وتشير تعليقات كوتشين التي أدلى بها بعد محادثات نتنياهو مع موسكو بوتين، إلى أن جهود الضغط التي يبذلها الزعيم الإسرائيلي -في الوقت الراهن- دفعت بالروس إلى تأجيل الأمر[34].

كما يمكن الافتراض أيضًا أن الروس يدركون أنه -كما في الماضي- يمكن للخبراء الإسرائيليين إيجاد حلول تكنولوجية لأنظمة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة واستخدامها في حالة الاحتياجات الاستراتيجية.

 لقد احترمت إسرائيل تدخل روسيا في سوريا من أجل تحقيق الاستقرار في البلد الذي مزقته الحرب الأهلية. ومع هذا فإن تعزيز الوجود الإيراني في سوريا، على الحدود الشمالية لإسرائيل، بمساعدة حزب الله والميليشيات الشيعية التابعة له، هو الخط الأحمر الذي لن تقبل إسرائيل تجاوزه.

لذا يجب على روسيا أن تقرر ما إذا كانت تريد الدفاع عن القاعدة الإيرانية نفسها في سوريا -وربما تدفع الثمن- كما فعلت في الماضي بالتحالف مع المتطرفين العرب أو البقاء على الحياد في مواجهة قرار إسرائيل بعدم السماح بمثل هذا الوضع.

على الأقل كان التحالف مع الحكومات العربية اليسارية الراديكالية لديه بعض الأهداف الأيديولوجية المشتركة قديمًا. أما بالنسبة لإيران فماذا ستكون نتيجة التحالف مع نظام ثيوقراطي إسلامي لديه ميل إلى التبشير والتوسع، بما في ذلك التوسع في مناطق تجاه آسيا الوسطى؟

التقى الرئيس بوتين بالرئيس السوري بشار الأسد في مدينة سوتشي بجنوب روسيا يوم 17 مايو/ أيار. وقال للأسد إن التسوية السياسية في سوريا يجب أن تشجع الدول الأجنبية على سحب قواتها من سوريا. وقال مبعوث بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف إن الزعيم الروسي كان يشير إلى القوات الإيرانية.

وبدا أن طهران ترفض تلك الفكرة قائلة إن قواتها ستبقى في سوريا وتواصل محاربة “الإرهاب” بناء على طلب الحكومة السورية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي إنه لا يمكن لأحد أن يجبر طهران على فعل أي شيء لا ترغب في فعله. وقال “إن وجودنا في سوريا يستند إلى طلب من الحكومة السورية وسوف تواصل إيران دعمها طالما أن الحكومة السورية تريده”[35].

بعد عدة أيام، في 23 مايو/أيار 2018 ، كان ألكسندر لافرينتيف في دمشق لمقابلة الأسد وغيره من كبار المسؤولين السوريين. كما حضر الاجتماع وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونائبه فيصل مقداد ومستشارة الأسد الكبيرة بثينة شعبان. ونقل لافرنتييف تهاني بوتين إلى الأسد بشأن استعادة العاصمة وقال للصحفيين إن انسحاب القوات الأجنبية يجب أن يتم “ككل” ويشمل الإيرانيين والميليشيا اللبنانية الحليفة “حزب الله”. لكن فيصل مقداد رد قائلاً إن هؤلاء المقاتلين كانوا في سوريا لمحاربة الإرهاب. وقال: “هذا الموضوع ليس موضوعًا حتى على جدول الأعمال للمناقشة”[36].

مما لا شك فيه أن الرئيس بوتين قد فهم خلال اجتماعاته المتكررة مع نتنياهو أن إسرائيل لن تتراجع في مواجهة التهديد الاستراتيجي الإيراني. ويبدو أن القيادة الروسية تتفهم أيضا القيود السياسية والقيود العسكرية في مواجهة التصميم الإسرائيلي على الدفاع عن أهم مصالحها الاستراتيجية الحيوية، كما فعلت في الماضي عندما واجهت تهديدات كبيرة من جيرانها. يجب على روسيا أيضا أن تأخذ بعين الاعتبار أن أي صدام عسكري مع إسرائيل يمثل خطر حدوث صراع مباشر مع الإدارة الأمريكية الحالية، التي من الطبيعي أن تدعم إسرائيل في مواجهة هذا التحدي.

سوف يكون الوقت كفيلًا بتوضيح طبيعة التغيرات في الاستراتيجية الروسية في سوريا، ومقدار التوازن الذي سوف تقوم به روسيا بين مصالحها الاستراتيجية التي حققتها في سوريا وبين حاجتها إلى التحالف مع إيران، وطبيعة القيود التي سوف تفرضها تجاه التصميم الإسرائيلي على الدفاع عن مصالحها الحيوية تجاه التهديدات الإيرانية، وهل ستستطيع روسيا إقناع إيران بالانسحاب أو تقليل وجودها العسكري في سوريا.

* إيلي كرمون:  باحث أول، في  المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب (ICT)، ومعهد السياسات الاستراتيجية (IDC) ، هرتسليا – إسرائيل،  وهو حاصل على درجة البكالوريوس. في اللغة الإنجليزية والثقافة الفرنسية من الجامعة العبرية في القدس (1964)، وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه. في العلوم السياسية من جامعة حيفا (1996). خدم كمستشار لوزارة الدفاع الإسرائيلية ومنتدى مراقبة معاداة السامية التابع لأمانة الحكومة الإسرائيلية.

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018

[1] Anna Ahronheim, “Russia to Move Air Defenses to Syria ‘Soon,’ Warns Israel Against Attack,” Jerusalem Post, April 23, 2018.

[2] “We May Hit Russian Systems in Syria, Israel Says After Threats of ‘Catastrophic Consequences’,” Haaretz, April 26, 2018.

[3] “Exchange of Letters- Bulganin- Ben-Gurion- 5 and 8 November 1956.” Israel’s Foreign Policy – Historical Documents, Israeli MFA, Vols. 1-2: 1947-1974.

[4] Micky Aharonson, “Relations between Israel and the USSR/Russia,” The Jerusalem Institute for Strategic Studies (JISS), May
1, 2018, URL: http://jiss.org.il/en/aharonson-relations-israel-ussr-russia/

[5]  Tom Cooper, “In 1966, Israeli Intelligence Convinced an Iraqi Pilot to Defect with His MiG-21 Fighter,” The National Interest, August 28, 2016.

[6] “Soviet Policy and the 1967 Arab-Israeli War,” CIA Intelligence Report, June 2017, URL:

Caesar 50

[7]  Uri Bar-Noi, “The Soviet Union and The Six-Day War: Revelations from The Polish Archives,” Cold War International History
Project, Wilson Center, July 7, 2011, URL:
https://www.wilsoncenter.org/publication/the-soviet-union-and-the-six-day-war-revelations-the-polish-archives

[8] Ibid.

[9] Ibid.

[10] Gideon Remez, “How the Six-Day War became the Soviet-Israeli War,” History News Network, George Washington University, September 4, 2017. URL:. https://historynewsnetwork.org/article/165616

[11]  “Operation Rimon 20,” WikiVisually, URL: https://wikivisually.com/wiki/Operation_Rimon_20.

[12] “Foxbats Over the Sinai,” Tails Through Time, November 12, 2010, URL:
http://www.tailsthroughtime.com/2010/11/foxbats-over-sinai.html

[13] Moshe Arens, “Going to War in Denial: A Look Back at Yom Kippur.” Haaretz, October 2, 2012.

[14] “Cold War 1973. The Yom Kippur War brings United States and USSR to brink of conflict,” This Day In History: Oct 06, URL:
https://www.history.com/this-day-in-history/the-yom-kippur-war-brings-united-states-and-ussr-to-brink-of-conflict

[15]  JTA, “Report of Soviet nukes sent US on highest alert during ’73 war,” Times of Israel, August 29, 2016, URL:
https://www.timesofisrael.com/report-of-soviet-nukes-sent-us-on-highest-alert-during-73-war/

[16]  Pesach Malovany, “Soviet involvement in the Yom Kippur War on the Syrian front,” Maarachot (in Hebrew), 469-468, November 2016.

[17] Ibid.

[18] Ibid.

[19] 19 Zeev Almog, “Israeli Naval Power: An Essential Factor in the Operational Battlefield,” Military and Strategic Affairs, vol.3, No.1, May 2011.

[20] Abraham Rabinovich, “The little-known US-Soviet confrontation during Yom Kippur War,” Global Post, October 26, 2012.

[21]Dov S. Zakheim, The United States Navy and Israeli Navy, CNA Strategic Studies, February 2012.

[22] Abraham Rabinovich, “The War That Nearly Was,” Jerusalem Post, October 2, 2012.

[23] Micky Aharonson, Relations between Israel and the USSR/Russia.

[24] Tom Demerly, “36 Years Ago today, “Operation Opera”: The Israeli Air Strike on an Iraqi Nuclear Reactor,” The Aviationist,
June 7, 2017.

[25] https://en.wikipedia.org/wiki/Operation_Mole_Cricket_19

[26] Uri Milstein, “Operation Mole Cricket 19: 34 Years Later, The IAF’s Most Decisive Victory Remains The Standard,” Jerusalem Post, July 18, 2016.

[27] Ibid.

[28] Aryeh Dayan, “The Communists Who Saved the Jewish State,” Haaretz, May 9, 2006.

[29] Pesach Malovany, Soviet involvement in the Yom Kippur War on the Syrian front.

[30]  Cited in Pavel K. Baev, “US Again Calls Russia’s Bluff on Syria,” Eurasia Daily Monitor, April 16, 2018, Vol.: 15 Iss.57, URL: http://jamestown.org/program/us-again-calls-russias-bluff-on-syria/

[31] Isabel Kershner, “Iran Fires Rockets Into Golan Heights From Syria, Israelis Say,” New York Times, May 9, 2018.

[32] Loveday Morris, Ruth Eglash and Louisa Loveluck, “Israel launches massive military strike against Iranian targets in Syria,”Washington Post, May 10, 2018.

[33] Ibid.

[34]  Noa Landau and Reuters, “After Netanyahu Visit, Russia ‘Not in Talks’ With Syria to Supply S-300 System,” Haaretz, May 11, 2018.

[35] Bassem Mroue / AP, “Syrian Military Declares Victory Over Islamic State in Capital,” Time, May 21, 2018.

[36] Agence France Presse, Assad meets Russia envoy, hails ‘partners in victories’, The Daily Star, May. 23, 2018.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى