الاصدارات

التنافس بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في افريقيا

9595

مقدمة:

عاشت القارة الإفريقية سنوات من الاقتتال والحروب الأهلية استنزفت الاقتصاد وخلفت الكثير من الضحايا الأبرياء، حيث كانت إفريقيا -جنوب الصحراء- مسرح تلك النزاعات المسلحة بين قبائل قسّمها الاستعمار على حدود الدول كانت سببا في إشعال حروب بين الأقليات العرقية في المنطقة، ويكفي الاطلاع على سجل محاكمات المحكمة الجنائية الدولية للجرائم ضد الإنسانية ومعاينة عدد الرؤساء وزعماء الميليشيات الذين حوكموا بسبب تلك الحروب، والتي بسببها لا تزال بعثات السلام وجنود الأمم المتحدة منتشرة في المناطق التي كانت محط النزاعات كالكونغو وساحل العاج وغيرها من الدول الإفريقية جنوب الصحراء.

بعد استتباب الأمن بشكل كبير مقارنة مع ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في إفريقيا وبداية مرحلة بناء الدولة الوطنية، أصبح يتهدد إفريقية في بداية العشرية الثانية من الألفية الثالثة شبح الجماعات المسلحة المتطرفة والتي تسعى إلى تطبيق أجندة أيديولوجية خاصة بها خصوصا في منطقة شمال إفريقيا والصحراء الكبرى، لتنتقل إفريقيا من الصراعات العرقية والإثنية في جنوبها إلى صراعات إيديولوجية وثارة إجرامية في شمالها. وقد ساعد على انهيار الأمن بمنطقة الساحل والصحراء ما خلفته ثورات الربيع العربي وانهيار دول في المنطقة، كذلك انتشار السلاح والمليشيات التي كان بعضها معدةً لمثل هذه الظروف. الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية هناك.

في هذه الدراسة سنحاول مناقشة إشكالية تغلغل التنظيمات المسلحة المتطرفة خصوصا تنظيمي “داعش” و”القاعدة” في إفريقيا، والتنافس الحاصل بينهما حول مناطق النفوذ وكسب الولاءات وأثر ذلك على العملية السياسة واستتباب الأمن في مناطق تواجدهما بإفريقيا. كما ستحاول الدراسة بعد تشريح ما تعيشه المنطقة من انفلات أمني وصراعات إيديولوجية الخروج ببعض الاستنتاجات والتوصيات من أجل المساعدة على تنوير الرأي العام والمتتبعين، حيث سنعتمد من أجل تبيان ما سبق على المنهج التحليلي بشكل رئيسي دون إغفال المرور على بعض المناهج حسب ضرورة البحث، وذلك وفق التقسيم التالي:

  • المبحث الأول: “تنظيم القاعدة” والتأسيس لقاعدة المجاهدين في إفريقيا.
  • المبحث الثاني: “داعش” وبداية العمل إفريقيا.
  • المبحث الثالث: مظاهر التنافس بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في إفريقيا.

المبحث الأول: تنظيم القاعدة والتأسيس لقاعدة المجاهدين في إفريقيا.

لم يكن انتشار الجماعات المسلحة شيئاً غريباً على الساحة الإفريقية، حيث عرفت إفريقيا خصوصا بعد خروج الاستعمار الأوروبي ظهور العديد من النزاعات المسلحة التي كان بطلها جماعات مسلحة متمردة، والتي ارتكبت العديد من المجازر بحق المدنيين العزّل من أجل تحقيق أهداف سياسية وقبلية. غير أن هذه المليشيات ستبدأ بالانخفاض والاندثار بعد تدخل المجتمع الدولي وإرسال بعثات السلام الأممية، كذلك تطور الاقتصاد والسياسة في تلك الدول ساعد على انحصار هذه الجماعات بشكل كبير.

اختفاء الجماعات المسلحة المتمردة لم يكن نهاية الصراع الدموي في إفريقيا، بل كان بداية مرحلة جديدة دشنتها الجماعات المسلحة المتطرفة التي توضع في خانة الجماعات “الإرهابية”، خصوصاً الجماعات المسلحة المرتبطة بالتيار الإسلامي والتي سطع نجمها إبان التجنيد للجهاد في أفغانستان خلال الاحتلال السوفيتي لها. تلك الحقبة التي عرفت انتشار فكر الحركات الإسلامية المسلحة في مختلف الدول العربية في القارتين الآسيوية والإفريقية كمصر والسودان وليبيا وتونس الجزائر والمغرب وموريتانيا والصومال…

أفغانستان كانت نقطة تقاطع تنظيمات وجماعات، توحدت في نظرتها ومرجعيتها وأهدافها. حيث برزت ظاهرة “الأفغان العرب” الذين ذهبوا إلى لجهاد هناك، وعادوا إلى بلدانهم متشبعين بنظريات الحرب والتغيير بالعنف والسلاح، وقد ساهم المغاربة الذين دشنوا تجربة “الجهاد” داخل المنطقة الباكستانية الأفغانية، بدور حاسم في تصاعد المد الإسلامي الراديكالي في المغرب وبالتالي تناسل الخلايا التي سعت إلى نقل النموذج الأفغاني، وسيندمج  – لاحقاً – أولائك المقاتلون في شبكة علاقات نشأت غالبيتها في الحرب الأفغانية السوفيتية.[1]

تشكل إفريقيا منطقة خصبة لعمل الجماعات المتطرفة المسلحة بسبب الاختلاف الإثني والعرقي فيها، وتشكل كذلك بيئة حاضنة للجماعات المتشددة وتتميز بتوفر العديد من العوامل التي تجعل من نمو هذه الجماعات أمراً سهلاً، حيث تشكل عودة الطلبة الذين هاجروا للدراسة خارج بلدانهم الأصلية سباً في انتشار الأفكار والإيديولوجيات المتطرفة التي يعودون بها، كذلك عدم إتقان اللغة العربية يشكل عاملا في فهمهم غير المتوازن وسهولة تجنيدهم والسيطرة عليهم من طرف شبكات التجنيد. وقد احتل إقليم شرق إفريقيا مرتبة متقدمة من الدعوات الأمريكية المطالبة بمحاربة “الإرهاب” في إفريقيا، اعتمدت هذه الدعوات على مجموعة من الوقائع أهمها تواجد عناصر من “تنظيم القاعدة” في الإقليم، حيث كان يقيم زعيم القاعدة آن ذاك “أسامة بن لادن” في السودان وإعلانه تكوين التنظيم سنة 1996 الذي كانت أولى عملياته تفجير السفارتين الأمريكيتين سنة 1998.[2]

لقد كان للقاعدة السبق في عولمة الحركة الجهادية في إفريقيا من خلال عملياتها هناك وعدد المجاهدين الذين استقطبتهم، فاستطاعت جلب تعاطف العديد من الجماعات التي كانت تشتغل على الصعيد المحلي مستفيدة من صراعها مع الأنظمة، حيث انضمت الحركة الإسلامية في الجزائر والتي كانت في صراع مع السلطة، إلى تنظيم “القاعدة” بمبايعة زعيمها أسامة بن لادن. كذلك ساعدت التضاريس الإفريقية في اتساع رقعة اشتغال التنظيم كشساعة الصحراء الكبرى ووعورة المناطق الجبلية، بالإضافة إلى الضعف العسكري لمعظم الدول الإفريقية التي تنشط فيها.

استغلت القاعدة الأوضاع المتردية في الدول الإفريقية جنوب الصحراء لتتغلغل وتنتشر بين المجتمعات المحلية، حتى غدت جزءاً أصيلا في دول مثل: مالي والصومال ونيجيريا، وحضور عسكري في كل من ليبيا والنيجر وإقليم دارفور وسيناء ناهيك عن تشكيلها لخلايا نائمة في دول شمال وغرب إفريقيا وموريتانيا والجزائر وتونس ومصر والسنغال وشمال تشاد وإفريقيا الوسطى وكينيا وأوغندا. كذلك أسهم التمويل الذاتي في انتشار الجماعات المسلحة التي تعلن ولائها “لتنظيم القاعدة”، وتشير تقديرات الأمم المتحدة لشؤون المخدرات والجريمة إلى أن عمليات الجريمة لتلك الجماعات تدرُّ عليها ما يقارب ثلاث ألاف وأربع مائة مليون دولار في العام من مبالغ الفدية لتحرير الرهائن وتقديم الحماية لعمليات تهريب المخدرات والأسلحة، حيث تستخدم هذه الموارد في تمويل التدريب وإقامة ملاذات آمنة والقيام بعمليات مسلحة. مما سيجعل من إفريقيا نقطة انطلاق لتنمية قواعد “الإرهاب” والقيام بعمليات مسلحة في أنحاء العالم.[3]

لقد استطاع “تنظيم القاعدة” بسط سيطرته على الساحة الإفريقية معتمدة في ذلك على ما تقوم به من عمليات كانت أغلبها ضد المصالح الأمريكية، معتبرة نفسها أنها المدافع عن الإسلام ضد الغطرسة الأمريكية، كتفجير السفارتين الأمريكيتين بكينيا وتنزانيا و”المدمرة كول” باليمن حيث كانت هذه العمليات بمثابة حافز لتجنيد الشباب ومصدر جلب لولاء المجموعات المقاتلة الصغيرة، وصولا إلى عمليات 11 سبتمبر التي كانت بمثابة التحول التاريخي لعمل “تنظيم القاعدة” دوليا. كما أججت ردت فعل الولايات المتحدة عقب تلك الأحداث باحتلالها لأفغانستان والعراق، موجة من السخط الشعبي في الدول الإسلامية وهو الأمر الذي استغله “تنظيم القاعدة” بشكل جيد، واستثمره في تجنيد أكبر عدد من المقاتلين الذين وجدوا في أماكن النزاع فرصة للتدريب على السلاح والتشبع بالفكر الجهادي.

بعد احتلال العراق عام 2003 من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وانتقال مركز ثقل “القاعدة” إلى هناك. خصوصاً بعد تكثيف الضربات العسكرية على أفغانستان، كما أن انهيار العراق فتح المجال أمام استشراء الفوضى والاضطرابات، حيث صارت القوات الأمريكية مستهدفة من التنظيمات المعارضة للوجود الأمريكي والتي ستتجه للبحث عن روافد جديدة داخل العالمين العربي والإسلامي. من المغرب – مثلا – لم تتوقف قوافل المقاتلين إلى “الجهاد” في العراق ومحاربة الغزو الأمريكي، لفائدة فروع منظمة ترتبط بامتدادات تتوسع إلى دول أخرى حيث ارتفع نشاط أعضاء “الجماعة الإسلامية المقاتلة” –جماعة متكونة من عائدين من القتال في أفغانستان حيث كانت تعمل لصالح منظمة أنصار الإسلام التي تعمل لصالح “تنظيم القاعدة” في الصحراء الإفريقية- من أجل استقطاب وتسهيل عبور والالتحاق بالمجاهدين في العراق.[4]

تعاظم دور “تنظيم القاعدة” العالمي في إفريقيا حيث نجح في تصدير فكره ونموذجه وفق مجموعة من العوامل التي ساعدته على ذلك كما سبق. فأصبحنا نجد جماعات تابعة وأخرى متعاطفة معه مثل “جماعة أنصار الدين” و “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” إضافة إلى “حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” “وحركة بوكو حرام” في نيجيريا والتي أعلنت تحالفها مع “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”، هذا الأخير الذي تأسس من بقايا العناصر المقاتلة في الجزائر أثناء العشرية السوداء حيث فرت نحو الحدود الجزائرية المالية والنيجيرية، وعملت هناك على تأسيس علاقات اجتماعية مع “الطوارق” –سكان منطقة شمال مالي- عن طريق المصاهرة، وكذلك ربط علاقات مع أطراف الجريمة المنظمة وتجار المخدرات والمهربين وإعلان نفسها تنظيم تحت لواء “تنظيم القاعدة العالمي”. لقد مكن موقع تواجد التنظيمات المسلحة شمال مالي ومنطقة الصحراء الكبرى وتوسعه نحو الحدود الليبية بتحقيق تواصل جغرافي عبر منطقة الصحراء والساحل، فوصل لمدن ليبية ك”الجبل الأخضر” و”مصراتة” و”طرابلس” وطول الحدود الموريتانية المالية وغرب المغرب، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للمصالح الغربية لقرب التنظيم من أوروبا.[5]

لقد برزت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهي المعروفة اختصارا ب “AQMI” من إرث الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، حيث ظهر التيار الإسلامي كمنافس للتيار العلماني والجيش فتأسست الحركة الإسلامية المسلحة كأول جماعة مسلحة متشددة في المنطقة عام 1982 على يد مؤسسها “مصطفى بويعلي”؛ وبعد مقتل زعيمها سنة 1987 ستدخل الحركة غمار التجربة السياسية التي كانت نقطة تحول أخرى لرجوعها إلى العمل المسلح بعد أن تم إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية التي كانت قد فازت فيها. وقد تزامن تطور الأحداث في الجزائر مع رجوع أفواج المقاتلين من أفغانستان، ومن ثم انتشرت ثقافة الجماعات المسلحة ومحاولة إنشاء الدولة الإسلامية ومع توالي أعمال العنف وتضارب الأهداف بدأت الانشقاقات حيث أعلنت “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” عن انشقاقها عن الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والانضمام إلى “تنظيم القاعدة” عام 2003 بعد ذلك توالت الانشقاقات واستمر الولاء لتنظيم “القاعدة” إلى أن استقرت الجماعة المقاتلة على تسمية “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في إشارة إلى أنها فرع من فروع تنظيم القاعدة العالمي.[6]

كان لانهيار النظام الحاكم بدولة الصومال أثر كبير على قوة وتمدد “تنظيم القاعدة” في شرق إفريقيا في منطقة القرن الإفريقي، وذلك بالنظر لاستراتيجية التنظيم في اختراق المجتمع الصومالي المحافظ وسهولة إقناع الشباب ب”الجهاد”، كما أن انهيار الدولة في الصومال واعتبارها من مصاف الدول الفاشلة أسس لحرب مفتوحة بين جماعات مسلحة بمختلف توجهاتها، حيث كانت الصومال تعيش حربا أهلية انعكست على الأمن الإقليمي والدولي على إثر انتشار ظاهرة القرصنة البحرية واختطاف الرهائن، حيث أسس تنظيم القاعدة على أنقاض الجماعات الإسلامية المتناحرة تنظيما موالياً له في دولة الصومال.

لقد استطاع “تنظيم القاعدة” منذ بداية الألفية الثالثة كسب ود مجموعة من الجماعات الإسلامية المسلحة في إفريقيا، معتمدا في ذلك على آلته الإعلامية وأهدافه المعلنة في مواجهة العدو الأول للمسلمين كما يصوره وهو الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن الضربات التي تلقاها التنظيم على الصعيد العالمي في أفغانستان والعراق ومقتل زعيمه “أسامة بن لادن” أثر بشكل كبير على إمكانياته في التجنيد وكسب المزيد من الموالين، كما أن صعود نجم تنظيم الدولة “داعش” بعد ثورات الربيع العربي والوحشية التي ظهر بها وما حققه التنظيم من مناطق نفوذ، مكنته من بسط سيطرته على بقعة واسعة من أراضي العراق وسوريا ليدخل في منافسة مع “تنظيم القاعدة” على الشرعية في الجهاد والخلافة وبذلك استعرت حرب الولاءات بين التنظيمين. الأمر الذي سيمتد إلى القارة الإفريقية كذلك.

المبحث الثاني: “داعش” وبداية العمل في إفريقيا.

لقد تدهورت الأوضاع الأمنية في إفريقيا بعد ما عرف بثورات الربيع العربي، وازدادت نسبة الهشاشة الأمنية بسقوط دول كبيرة كليبيا، ثم تدهور الأوضاع في كل من تونس ومصر ومالي، وهي دول تحدها من الجنوب الصحراء الإفريقية الكبرى التي تنشط فيها جماعات مسلحة وعصابات التهريب وتجار الأسلحة والمخدرات، كما أن نسبة السلاح الموروثة عن النظام السابق في ليبيا لعبت دورا كبيرا في تفاقم الأوضاع الأمنية وخروجها عن السيطرة، حيث أعلنت مجموعة من الجماعات المسلحة ولاءها لتنظيم الدولة “داعش” كإعلان لبداية مزاحمة “تنظيم القاعدة” على الساحة الإفريقية.

ولقد كان لسقوط نظام معمر القذافي الأثر الكبير في تكاثر الجماعات المسلحة وانتشارها في منطقة الساحل والصحراء، الشيء الذي أمكن الجماعات “الإرهابية” المتواجدة بالمنطقة من الاستفادة من تدفق السلاح النوعي حيث وجدت دول المنطقة نفسها غير قادرة على حماية حدودها من أي انفلات أو حركة للمقاتلين، كما لا يجب أن يخفى الدور الذي كان يلعبه “القذافي” نفسه في تسليح وحماية وتوجيه المجموعات المتمردة والانفصالية في المنطقة والتي كان يستخدمها النظام الليبي متى شاء. نتيجة لذلك تقاسم شمال مالي ثلاث جماعات متطرفة “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وجماعة التوحيد والجهاد” و”جماعة أنصار الدين”، حيث ستعمل الجماعات المسلحة في تنسيق عسكري بينها ممتد من الساحل والصحراء إلى غرب إفريقيا.[7]

مع بروز تنظيم “داعش” كجماعة مسلحة قوية في الشرق الأوسط وإعلانه خلافة مستقلة عن “القاعدة”، بدأت تتوالى الولاءات من جماعة لأخرى في منطقة الساحل والصحراء وغرب إفريقيا وإعلان تنفيذ العمليات المسلحة باسمه، فالتنظيم بعد أن ضمن تبعية مجموعات مسلحة أصبح وجوده يشكل أكبر خطر على الأمن في إفريقيا وتمتد خطورته حتى أوروبا، وذلك بالنظر لسهولة تواصل المجموعات والتنسيق بينها انطلاقا من المركز مرورا بنقاط تواجده في سيناء وجنوب تونس وليبيا ومالي وصولا إلى الحدود الجزائرية المغربية، هذه الطريق التي كانت سابقا ممر القوافل التجارية من وإلى أسيا وإفريقيا أصبحت طريقا ومركزا لعبور الأسلحة والمخدرات وملاذ الجماعات المسلحة المتطرفة.

لقد أعلنت جماعة “بوكو حرام” التي تنشط في الأقاليم الشمالية لنيجيريا في خطوة مفاجئة ولائها لتنظيم الدولة، حيث أعلن التنظيم الأكثر تطرفا وعنفا في غرب إفريقيا بزعامة “أبو بكر شيكاو”: “نعلن مبايعتنا للخليفة، وسنسمع له ونطيعه في أوقات العسر واليسر”. فبالرغم من التقارب الذي كانت تتغنى به الجماعة مع “تنظيم القاعدة” في السابق والتبعية الفكرية له، غير أن ظهور “داعش” الأكثر دموية وعنفا وتراجع إشعاع “تنظيم القاعدة” وعملياتها النوعية أدى بجماعة “بوكو حرام” إلى إتباع الجماعة التي تتماشى وأهدافه المحلية وهي إنشاء دولة الخلافة في شمال نيجيريا المسلم، وهو الأساس الذي تأسست عليه الجماعة “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” في رفض كل ما هو غربي وحكومي ومحاربة مؤسسات الدولة وذلك ما تعنيه تسمية “بوكو حرام” بلغة “الهوسا” أي “التعليم الغربي حرام”.[8]

بدخول جماعة “بوكو حرام” في فلك الجماعات المبايعة ل”داعش” تصبح رابع جماعة في إفريقيا تنضوي تحت غطاء هذا التنظيم، بعد جماعة “أنصار بيت المقدس” في مصر والتي غيرت اسمها إلى “ولاية سيناء” بعد إعلان ولائها ل”داعش”، والجيش الإسلامي في ليبيا، والمنطقة الوسطى في تنظيم “القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” التي انشقت عن تنظيم “القاعدة” وبايعت “داعش” متخذة اسم “جند الخلافة في الجزائر”،[9] هذا الانتشار السريع الذي أبان عليه تنظيم “داعش” يعزى إلى ما يحققه من نجاح في الشرق الأوسط وكذلك اختلافه مع تنظيم “القاعدة” من حيث الأهداف المقصودة التي تتسع عند “داعش” لتشمل حتى المدنيين والمسلمين وليس فقط الأهداف الأجنبية، توفر الأرضية المناسبة وسهولة جلب المقاتلين بعد أن كانوا يهاجرون من أجل القتال، وكذلك اختلاف الرؤى بين زعامات الجماعات المحلية وظهور الانشقاقات عوامل أشعلت التنافس حول الانتماءات الجهادية.

على المستوى الدولي فبالنسبة للوزير الأول الفرنسي “مانويل فالس” فملف “داعش يبقى صاحب الأولوية حيث أعلن في اجتماع لرؤساء الدبلوماسيات لعشرات الدول الإفريقية في الجزائر أن الوضعية الداخلية في ليبيا توحي بانفجار وشيك، ففي الوقت الذي تتقاتل فيه المليشيات المسلحة فيما بينها، تمركزت مجموعات “إرهابية” مرتبطة ب”داعش” في ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد 350 كلم من أقرب نقطة إلى الاتحاد الأوروبي “جزيرة مالطا”، وذلك في مدينة سرت الليبية مسقط رأس القذافي هناك يتولى قدماء ضباط الجيش الليبي اللذين كانوا يدينون بالولاء للعقيد مهمة تدريب المقاتلين الجدد ل”داعش” في إفريقيا. حالياً ليبيا أصبحت في الوقت نفسه قطب بديل ل”تنظيم الدولة” بعد توالي الضربات عليها في العراق وسوريا وقطب جديد لجلب المرشحين للقتال من دول المغرب العربي وإفريقيا الساحل وأوروبا. [10]

إنَّ تغلغل “تنظيم الدولة الإسلامية” في دول شمال إفريقيا يعتبر تهديدا مباشرا لدول أوروبا التي تضم أعدادا كبيرة من الجاليات المسلمة، فدول شمال إفريقيا عمق استراتيجي والجدار الواقي الأول للاتحاد الأوروبي جنوبا من الناحية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فاستقرار دول شمال إفريقيا من استقرار أوروبا والعكس صحيح باعتبار عدد السياح الذين يتوافدون على المنطقة وضمان سلامتهم والاستثمارات الاقتصادية بالمنطقة وحجم المبادلات التجارية والروابط الاستعمارية، كذلك كون الاتحاد الأوروبي قبلة المهاجرين السريين الأفارقة يجعل من انهيار الدولة في ليبيا البيئة المناسبة للجماعات التي تشتغل في التهريب والتجارة بالبشر فأصبحت السواحل الليبية نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين من مختلف ربوع القارة.

إن التركيز على ليبيا كونها أصبحت المركز الرئيسي ل”تنظيم الدولة” في إفريقيا أمر تفرضه الوقائع التي تعيشها البلاد، طبقا للمعطيات والإحصائيات التي تأتي من ذلك البلد الذي يعد الخطر رقم واحد في إفريقيا حاليا. يضم التنظيم حوالي: عشرة آلاف مقاتل، في منطقتي “سرت” و”درنة” وأسس مع جماعات “أنصار الشريعة” و”مجلس شورى شباب الإسلام” وبعض جماعة “فجر ليبيا” وبقايا “الجماعة الإسلامية المقاتلة” شكلوا معا تهديدا خطيرا على الحدود الغربية مع مصر.[11] كما أن التقاء الحدود الليبية مع حدود الكثير من الدول التي تعيش حالة هشاشة أمنية وامتداد تلك الحدود الصحراوية أمر يجعل منها خطرا على السلم والأمن الإفريقي والأوروبي كذلك، فالاتحاد الأوروبي يجني ما زرع في ليبيا من سياسات التجاهل بعد المشاركة في إسقاط نظام القذافي، حيث تركوا الليبيين لمواجهة مصيرهم وكأن همهم الوحيد كان فقط التخلص من القذافي حتى تموت معه أسرارهم وليس استتباب الأمن في ليبيا والحفاظ على وحدة شعبها وأراضيها.

التحليلات العسكرية والاستراتيجية تعزو اهتمام “داعش” المتزايد بليبيا إلى الهزائم التي تكبدها في سوريا والعراق من التحالف الدولي، واشتداد الحصار عليه في مساحات تحركه بالمنطقة الحدودية بين سوريا والعراق. وقد صرح مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق “مايكل موريل” خلال جلسة استماع في مجلس النواب الأمريكي بتاريخ 12 يناير 2016، أن “داعش” يسيطر كل يوم على المزيد من الأراضي في ليبيا، وإن المزيد من المقاتلين الأجانب يذهبون إلى هناك، حيث رجح أن تشهد ليبيا أوضاعا مشابهة لما حدث في سوريا والعراق. كما رجحت تقارير صحفية أن قيادة تنظيم “داعش” تستعد للتحضير للانتقال إلى مدينة سرت الليبية وأنه بصدد إقامة قاعدة عسكرية لاستيعاب العدد الهائل من المقاتلين الذين يصلون إلى المدينة.[12]

ضمن حوالي 75000 نسمة من سكان المدينة الساحلية وسط ليبيا “سرت”، فقط 10000 إلى 15000 لم تستطع الهروب. قصص الناجين واللاجئين وكذلك المليشيات التي اصطادتها عناصر “تنظيم الدولة” تشبه في تفاصيلها وترويعها ما يقع في سوريا والعراق، حيث بايع “داعش” خليفتها في يونيو 2014. “أبو المغيرة القحطاني” القائد المكلف بولاية ليبيا في “تنظيم الدولة”، أعلن أن: “ليبيا تكتسي حيزا كبيرا من الأهمية لموقعها في إفريقيا جنوب أوروبا، وتحتوي على احتياطي مهم من الموارد، ومفتوحة على الصحراء الإفريقية، التي تمتد إلى مجموعة من الدول.” حيث أصبحت مدينة سرت بوابة الدخول والقاعدة الخلفية التي تجلب أكثر فأكثر المقاتلين الأجانب، فمن 2000 إلى 3000 مقاتل حسب التقديرات من “تنظيم الدولة” في ليبيا هم من جنسيات تونسية وجزائرية ومصرية وعراقية ويمنية ومالية وسودانية. فتنظيم الدولة –كما يظهر- نقل أسلوب قيادة العراقيين وبدأ يتبع خططه ومناهجه التي اتبعها في العراق من أجل السيطرة على سرت الليبية وتقوية قبضته هناك، كما بدأ العمل على توسيع مناطق سيطرته ونفوذه في ليبيا والتخطيط لشن عملياته منها.[13]

 إن التعجيل بالحل السياسي في ليبيا وتشكيل حكومة وحدة وطنية خالية من الحسابات والتعصب القبلي، هو مفتاح السلم والأمن في منطقة الساحل والصحراء التي تعاني هشاشة وفراغا أمنيا كبيرين، فمقاومة الجماعات المسلحة المتطرفة في المنطقة كانت صعبة قبل انهيار الدولة في ليبيا وقبل الثورة في تونس فكيف يمكن محاربتها مع تواجد جماعة جديدة أكثر عنفا ودموية –تنظيم الدولة- وفي ظل فشل الدولة في مالي غير القادرة على حماية حدودها الشاسعة، وضعف الدول المحيطة بالصحراء الكبرى كالنيجر وتشاد وموريتانيا والاضطرابات التي تشهدها تلك الدول من حين لآخر يتطلب قوة عسكرية مهمة وتنسيقا أمنيا واستخباراتيا بين دول المنطقة من أجل الحد من حرية تنقل السلاح والمقاتلين.

ورغم إشارة بعض الخبراء إلى كون توسع “تنظيم الدولة” في ليبيا هو أمر مرحلي فقط لوجود ظروف معينة منها تطاحن الجماعات المسلحة الليبية على السلطة، وأن “داعش” إلى زوال لعدم وجود بيئة حاضنة ورفضه من طرف الليبيين حيث أن تواجد التنظيم في سرت هو لارتباط عناصره ببقايا تنظيم القذافي كما أشار إلى ذلك الخبير الإيطالي “ياكوفيني”، فالتنظيم محاصر في ليبيا من طرف قوات “فجر ليبيا” غربا وتنظيم “أنصار الشريعة” في الشرق والجيش الليبي، فتنظيم الدولة هو عدو الليبيين الأول حيث الباقون يعتبرون فرقاء سياسيين يمكن التفاوض والبحث عن الحل السياسي معهم وبينهم في أي وقت.[14] لكن هذه التطمينات لا يمكن أخذها بارتياح بالنظر إلى التجربة في العراق حيث أخذ التنظيم يتوسع بطريقة خطيرة مستغلا الصراعات السياسية بين الأطراف هناك، وإن كانت ليبيا تعيش حالة حرب أهلية غير أنها ليست بطابع طائفي وهي نقطة الضوء التي يمكن إنارة الطريق بها نحو أي حل سياسي في المستقبل، على أن لا يتحول التنظيم ومحاربته والتخويف به ورقة تستعملها الأطراف المتنازعة وتتخذها ذريعة من أجل مكاسب سياسية.

إن خطر انتشار واستقواء “تنظيم داعش” داخل الساحة الإفريقية أصبح أمرا واقعا يتهدد جميع دول المنطقة ويتجاوز تهديده إلى أن يصل دول أوروبا، وذلك بتوفره على جميع الظروف المساعدة على التوسع كتوفر المناطق التي يسيطر عليها وعلى موارد طبيعية وقابلية استقطاب المقاتلين من دول الجوار كتونس والجزائر ومصر والمغرب ومن داخل ليبيا، كما أن إمكانية الشراكة مع عصابات التهريب والتجارة في الممنوعات في منطقة الساحل والصحراء والتي سبق أن ثبت تعاونها مع “تنظيم القاعدة” في المنطقة قد يشكل أكبر تهديد على الاستقرار في إفريقيا.

المبحث الثالث: مظاهر التنافس  بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في إفريقيا.

لقد أصبح التنافس بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش” ظاهرا للعيان بعد أن كان خفيا في جلب المقاتلين واستمالة الجماعات المسلحة المحلية، وقد انتقل التنافس إلى مستوى آخر هو إنجاز العمليات المسلحة وتبنيها واستثمارها إعلاميا من أجل كسب المزيد من الملتحقين والمتعاطفين.

إن اختلاف المنطلقات والتوجهات وآلية العمل بين تنظيم “القاعدة و ” داعش”، جعل من تمدد “داعش” في إفريقيا – التي شكلت الحاضنة البديلة ل”القاعدة” بعد دحر حكم طالبان في أفغانستان- يشكل تهديدا حقيقيا للأخيرة في مناطق نفوذها، حيث كانت الخشية في أن يتحالف الطرفان في شمال إفريقيا كما صرح بذلك المبعوث الأممي إلى ليبيا “مارتن كوبلر”، لكن خبراء تحدثوا عن المنافسة بين الجماعتين حيث قال الخبير في الصراعات “ويليام أسانفو”: “في الوقت الحالي داعش هي الرائد الأول في الجهاد العالمي، لذا علينا قراءة هجمات واغادوغو في يناير 2016 وقبلها هجمات باماكو في نوفمبر 2015، على أنها محاولة من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي من أجل استعادة المزيد من الاهتمام الذي فقده.” كما تسبب هيمنة “تنظيم الدولة” على الساحة الدولية من حيث ما يعرف بالجهاد العالمي في تشقق البيت الداخلي ل”القاعدة في المغرب الإسلامي” ومبايعة “داعش”.[15]

إن “تنظيم داعش” يستفيد من ما يحققه من توسع في الشرق الأوسط ليطلق يديه في إفريقيا، كما لم يغفل تحريك الآلة الإعلامية للتسويق له كتنظيم شرعي له الأحقية في الخلافة عن “تنظيم القاعدة”، الذي وجد بعض الباحثين عن المجد الشخصي والزعامة فرصة الانشقاق عنه والانضمام إلى تنظيم أكثر عنفا ودموية. فالقاعدة وتنظيم الدولة لهما نفس الأهداف والمخططات في إفريقيا والفرق يكمن فقط في طريقة التنفيذ والتي يسعى من خلالها كل طرف تثبيت موقعه فيها، لقد كانت إفريقيا الملجأ الأول لزعيم القاعدة الراحل “أسامة بن لادن” وقد يعمل التنظيمان  لجعلها الملجأ الثاني إن تم دحرهم في الشرق الأوسط.

لقد أصبحت إفريقيا تتحول إلى مسرح تنافس محموم بين “تنظيم الدولة” و”تنظيم القاعدة”، فبالرغم من الاختراقات التي حققها تنظيم “داعش” إلا أنه لم يصل بعد إلى ما تحظى به “القاعدة” من ولاءات من طرف الجماعات المسلحة هناك. وترتفع حدّة التنافس بشكل متصاعد بسبب عدم اعتراف أي طرف بشرعية الطرف الآخر، حيث اعتبر تنظيم “داعش” على لسان الناطق الرسمي باسمه “أبو محمد العدناني” أن: “شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات في المناطق التي يمتد إليها سلطان الخلافة، تعتبر باطلة.” في إشارة إلى بطلان الجماعات التابعة ل”القاعدة” في إفريقيا بعد ظهور جماعات تعلن الولاء ل”تنظيم الدولة”، بينما يعتبر تنظيم “القاعدة” أن “داعش” مجرد فصيل منشق عنه وأن “خلافة البغدادي” لا شرعية لها.[16]

لقد نسج “تنظيم القاعدة” علاقات وثيقة مع القبائل في إفريقيا وتعايش معها باعتبارها قبائل محافظة ولم تكن تعاليم التنظيم الإسلامية غريبة عليهم، حيث تمكن من الانصهار في شمال مالي وتحالف مع “الأزواد”[17] وتوسع في الصومال ومناطق عديدة من الصحراء الإفريقية، كما أن سياسته البعيدة عن الاصطدام مع دول المنطقة باستثناء بعض العمليات التي كانت موجهة ضد المصالح الغربية مكنته من حشد المزيد من التأييد رغم الانشقاقات التي عرفها، عكس تنظيم الدولة “داعش” الذي يريد التوسع على حساب دول المنطقة ومهاجمة أنظمتها مما يجعل منه هدفا مزدوجا من الجماعات المسلحة التابعة ل”القاعدة” وكذلك جيوش دول المنطقة.

وتتوزع ولاءات الجماعات المسلحة بحسب تبعيتها لأحد التنظيمين حسب ما يلي[18]:

  • الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة:
  • المرابطون: يتزعمها “مختار بلمختار”، تضم حوالي 200 مقاتل غالبيتهم من دول الساحل والصحراء وبعض العرب من الدول المغاربية. وهي تحالف بين جناح القاعدة بقيادة “بلمختار” و”الكتيبة” المنشقة بزعامة “عدنان أبو وليد الصحراوي”.
  • القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: يتزعمها “عبد المالك درودكال” المدعو “أبو مصعب عبد الودود” أميرها في الصحراء الكبرى هو “يحيى أبو الهمام” تضم ما يزيد عن 200 مقاتل غالبيتهم من الجزائر وموريتانيا.
  • أنصار الدين: يتزعمها “إياد أغ غالي” تتكون خاصة من الطوارق في شمال مالي ولا تتوفر معلومات دقيقة حول عدد عناصرها، كانت قد أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
  • جبهة تحرير ماسينا: يقودها “أمادو كوفا” تضم حوالي 170 عنصرا تتموقع في مدينة “موبتي” بمالي وهي جماعة مرتبطة بجماعة “أنصار الدين”.
  • كتيبة خالد بن الوليد “أنصار الدين الجنوب”: يتزعمها “سليمان كيتا” تضم العشرات من المقاتلين الماليين في الجنوب وبعض البوركينابيين واللإيفواريين، مجموعة مرتبطة ب”أنصار الدين” و”جبهة تحرير ماسينا”.
  • الجماعات المرتبطة ب”تنظيم الدولة”:
  • تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا: قائده “أبو المغيرة القحطاني” يضم من 2000 إلى 3000 مقاتل من جنسيات تونسية وجزائرية ومصرية وعراقية ويمنية ومالية وسودانية.
  • بوكو حرام: زعيم الجماعة “أبو بكر شيكاو” وتعتبر الأكبر عددا حيث يصل تعداد مقاتليها إلى 7000 عنصرا غالبيتهم نيجيريون وبعض الجنسيات كالكامرون والتشاد والنيجر أعلنت مؤخرا ولاءها لتنظيم الدولة بزعامة “أبو بكر البغدادي”.
  • أنصار بيت المقدس: زعيمها “أبو أسامة المصري” ويصل مجموع عناصرها ألف عنصر وتتموقع في سيناء مصر.

إن اختيار إفريقيا محطة للتنافس على النفوذ بين التنظيمين المتطرفين لم يكن عبثيا، بالنظر إلى عدد المتطوعين الذين يمكن جلبهم من أبناء المنطقة والذين يشكلون أغلبية المقاتلين الأجانب المنتسبين للتنظيمين في الشرق الأوسط، كذلك صعوبة المنطقة جغرافيا وشساعتها حيث يصعب ضبط الحركة وتنقل الأشخاص والأسلحة في منطقة الصحراء الكبرى، وقرب المنطقة من أوروبا وسهولة الانتقال إليها خصوصا مع انتشار ظاهرة الهجرة السرية عبر البحر، لشن عمليات وسط أوروبا والضغط عليها من أجل تشتيت تركيز وجهود قوات التحالف الغربية التي تحاربهم في العراق وسوريا.

انتقل “تنظيم الدولة” إلى العمل الميداني بعد ضمان مجموعات موالية له قادرة على تنفيذ عمليات مسلحة، حيث تبنى التنظيم عمليتي “متحف باردو” التي أوقعت 22 قتيلا و45 جريحا، وهجوم سوسة الذي أوقع 38 قتيلا سنة 2015 والتي ثبتت العلاقة بينهما حسب “ريشارد والتون” “Richard Walton” رئيس خلية محاربة “الإرهاب” في شرطة “سكوتلانديار” والتي كانت تساعد السلطات التونسية في التحقيقات، هذه العمليات تبنتها جماعة “عقبة بن نافع” التي بايعت “تنظيم الدولة”

بعد أن كانت مرتبطة من قبل بتنظيم “القاعدة”[19]. جاء رد تنظيم “القاعدة” على عمليات “تنظيم الدولة” بشن مجموعة من الهجمات كان أحدها الهجوم على فندق “راديسون باماكو” بمالي، الذي أسفر عن مقتل أكثر من عشرين شخصا وأعلنت جماعة “المرابطون” عن تبنيها للهجوم كما أذاعت مجموعة من القنوات والمواقع الإعلامية[20].

و نحن هنا لا نقوم بسرد عمليات التنظيمين من أجل الدعاية أو الإحصاء، بل من أجل التنبيه على خطورة التنافس الذي اشتعل بينهما وأثره على الأمن والسلم في المنطقة برمتها، فمحاولة “داعش” الاستيطان في ليبيا وتأسيس قاعدة له في سرت واقتحام تونس من الجنوب واستهداف عصب الاقتصاد فيها – السياحة – من أجل إفشال الدولة، مثل تلك الأفعال تجر تنظيم “القاعدة” إلى الدفاع عن مكتسباته في المنطقة والعزم على القيام بعمليات تحفز الشباب على الانضمام إليه.

 

 

خاتمة:  

لقد كانت الشعوب العربية في دول شمال إفريقيا تأمل مستقبلا زاهرا ورخاء اقتصاديا عقب أحداث الربيع العربي وإسقاط رموز الدكتاتورية في مصر وليبيا وتونس، غير أن الطبيعة تكره الفراغ والفراغ الذي تركه انهيار الجيش في ليبيا وانتشار السلاح الذي أغرق المنطقة جعل من توسع الجماعات المسلحة المتطرفة أمرا سهلا، حيث وجدت التنظيمات المتطرفة العالمية البيئة المناسبة للاستقرار وممارسة أعمالها التخريبية وتحقيق حلمها في إنشاء دولة الخلافة.

إن تمدد تنظيم “داعش” في إفريقيا وجد أمامه تجدر تنظيم “القاعدة” وتمرسه في المنطقة، ولو أن خطورة تنظيم “داعش” تكمن في تجنيد الشباب وإغوائهم من أجل تنفيذ عمليات تخريبية ضد دولهم وضد مواطني بلدانهم عكس ما تقوم به “القاعدة” في استهداف المصالح الغربية في دول المنطقة، وكأن الأخيرة تعمل بفلسفة محاربة الإمبريالية الغربية وأنها سبب ما يقع في الدول العربية والإسلامية من حروب واقتتال، بينما تنظيم “داعش” يضع نصب عينه استهداف الأنظمة وتكفيرها وتكفير كل من لا ينصر التنظيم أو يبايعه. كل ذلك يقع والتطاحن السياسي والعسكري في بلدان الربيع العربي من إفريقيا أنهك بنيتها ومؤسساتها، ودول الساحل الإفريقي لا حول لها ولا قوة حيث لا تقوى على حماية حدودها مما جعل الجماعات المسلحة والمهربين تعيث فيها فسادا أمام صمت دول الاتحاد الأوروبي التي لم تقدّر خطورة الموقف حتى اكتوت بناره.

لائحة المراجع:

الكتب:

– “الكتاب الأبيض عن الإرهاب في المغرب”. منشورات الفريق الدولي للدراسات الإقليمية والأقاليم الصاعدة طوكيو. الطبعة الأولى.   2015.

الدوريات:

– عماد حمدي. “ليبيا.. وإعادة تمركز “داعش”: المخاطر ومسارات المواجهة.”  مجلة السياسة الدولية.  العدد 204. أبريل 2016 المجلد51.

– أميرة محمد عبد الحليم. “تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي وربيع الثورات العربية.” مجلة أفاق أفريقية.    المجلد الحادي عشر العدد الثامن والثلاثون 2013.

الدراسات:

  • د.عادل مساوي. “المواقف الدولية من الأزمة في مالي”. قدمت هذه الورقة في ندوة ” المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة” الدوحة 17و18 فبراير 2013.  مركز الجزيرة للدراسات.
  • كمال محمد علي. “أفريقيا وتحديات “الحركات الجهادية”. دراسة منشورة على موقع مركز مقديشو للبحوث والدراسات. غشت 2015 http://mogadishucenter.com.

التقارير:

–   د.الحسين الشيخ العلوي. “صراع النفوذ بين القاعدة وتنظيم الدولة في إفريقيا.” تقرير منشور على موقع مركز الجزيرة للدراسات.  بتاريخ الاثنين 1 فبراير 2016. http://studies.aljazeera.net/ar/reports

– رشيد خشانة.  “تمدد داعش في شمال إفريقيا: الاحتمالات والمآلات.” تقرير منشور على موقع مركز الجزيرة للدراسات. الخميس 10 سبتمبر 2015. http://studies.aljazeera.net/ar/reports

المقالات:

– د.رفعت سيد أحمد. “خريطة داعش في إفريقيا”. مقال منشور على موقع إفريقيا المستقبل.   05/10/2015 مصدر المقال “مجلة الوعي العربي”. www.afriqueavenir.net.

  • الإرهاب ما وراء الصحراء. “مبايعة بوكو حرام لداعش..مرحلة جديدة أم فرقعة إعلامية؟”. تقرير صحفي من إنجاز موقع swissinfo.ch.  24 مارس 2015.
  • مالي: جماعة جهادية ثانية تتبنى الهجوم على فندق راديسون باماكو. ” مقال صحفي نشر على موقع فرانس 24. بتاريخ 23/11/2015. france24.com/ar.

المراجع الأجنبية:

Périodiques :

– François soudan.  « Daesh la cible africaine. »     article publie sur Jeune Afrique.     N° 2865.  Du 6au 12 décembre 2015.

– Michael Pauron.    « Au cœur du califat de syrte »        Jeune Afrique.      N° 2865 du 6 au 12 décembre 2015.

Articles :

  • «Tunisie : les attentats de Sousse et du Bardo sont liés selon Scotland Yard ».    Article de presse publié  le 05/08/2015.  à 19 :35. lefigaro.fr.

[1]“الكتاب الأبيض عن الإرهاب في المغرب”. منشورات الفريق الدولي للدراسات الإقليمية والأقاليم الصاعدة. طوكيو. الطبعة الأولى. 2015   ص 43.

[2] – كمال محمد علي. “أفريقيا وتحديات الحركات الجهادية” دراسة منشورة على موقع مركز مقديشو للبحوث والدراسات. غشت 2015 ص 4. http://mogadishucenter.com.

[3] – د.الحسين الشيخ العلوي. “صراع النفوذ بين القاعدة وتنظيم الدولة في إفريقيا.” تقرير منشور على موقع مركز الجزيرة للدراسات.  بتاريخ الإثنين 1 فبراير 2016. http://studies.aljazeera.net/ar/reports.

[4] – “الكتاب الأبيض عن الإرهاب في المغرب”. مرجع سبق ذكره ص56.

[5] – د. عادل مساوي. “المواقف الدولية من الأزمة في مالي”. قدمت هذه الورقة في ندوة ” المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة” الدوحة 17و18 فبراير 2013. مركز الجزيرة للدراسات.

[6] – أميرة محمد عبد الحليم. “تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي وربيع الثورات العربية.” مجلة أفاق أفريقية. المجلد الحادي عشر العدد الثامن والثلاثون 2013. ص 120.

[7]أميره محمد عبد الحليم. “تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي وربيع الثورات العربية.” مرجع سبق ذكره. ص128.

[8] – الإرهاب ما وراء الصحراء. “مبايعة بوكو حرام لداعش..مرحلة جديدة أم فرقعة إعلامية؟”. تقرير صحفي من إنجاز موقع www.swissinfo.ch.  24 مارس 2015.

[9] – الإرهاب ما وراء الصحراء. “مبايعة بوكو حرام لداعش..مرحلة جديدة أم فرقعة إعلامية؟”. مرجع سبق ذكره.

[10]– François soudan.  « Daesh la cible africaine. » article publie sur Jeune Afrique. N° 2865.  Du 6au 12 décembre 2015. P25

[11] – د.رفعت سيد أحمد.“خريطة داعش في إفريقيا”. مقال منشور على موقع إفريقيا المستقبل. 05/10/2015 مصدر المقال “مجلة الوعي العربي”. www.afriqueavenir.net.

[12] – عماد حمدي. “ليبيا.. وإعادة تمركز “داعش”: المخاطر ومسارات المواجهة.” مجلة السياسة الدولية  العدد 204 أبريل 2016. المجلد51. ص 184.

[13] – Michael Pauron. « Au cœur du califat de syrte »  Jeune Afrique. N° 2865 du 6 au 12 décembre 2015. Page 32 et 33.

[14] – رشيد خشانة. “تمدد داعش في شمال إفريقيا: الاحتمالات والمآلات.” تقرير منشور على موقع مركز الجزيرة للدراسات. الخميس 10 سبتمبر 2015. http://studies.aljazeera.net/ar/reports.

[15] – د.حسين الشيخ العلوي. “صراع النفوذ بين القاعدة وتنظيم الدولة في إفريقيا.” مرجع سبق ذكره.

[16]“مبايعة بوكو حرام لداعش .. مرحلة جديدة أم فرقعة إعلامية؟”.  مرجع سبق ذكره.

[17]أزواد: منطقة تقع شمال مالي غالبية سكانها من الطوارق كانت قد أعلنت استقلالها دون أن تحقق أي اعتراف دولي أو إقليمي.

[18]La listes des groupes armées en Afrique par Allégeance.       Jeune Afrique n°2865 du 6 au 12 Décembre 2015. Page 30 et 31.

[19]« Tunisie : les attentats de Sousse et du Bardo sont liés selon Scotland Yard ».    Article de presse publié  le 05/08/2015.  à 19 :35. Par www.lefigaro.fr

[20] – “مالي: جماعة جهادية ثانية تتبنى الهجوم على فندق راديسون باماكو. ” مقال صحفي نشر على موقع فرانس 24. بتاريخ 23/11/2015. www.france24.com/ar.

للتحميل من هنا

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى