الاصداراتتقارير جديدمتفرقات 1

أزمة الصحراء الغربية .. الأسباب والتوقعات

أزمة الصحراء الغربية
مقدمة
لا تزال مشكلة الصحراء الغربية، منذ جلاء المستعمر الإسباني عنها عام 1975/1976 وإلى الآن، تلقي بظلالها المضطربة ورياحها العاتية في وجه المجتمع الدولي ودول المغرب العربي، دون بروز حل مرضٍ لجميع أطراف النزاع حولها، وعلى رأس هذه الأطراف: المملكة المغربية وجبهة البوليساريو[1] والجزائر، بعد انسحاب موريتانيا، أحد الأطراف المتنازعة،  وخروجها رسمياً من هذا النزاع[2]؛ فمع مرور ما يزيد على أربعة عقود متتالية، خاضت خلالها أطراف الصراع مواجهات شتى على الصعيدين العسكري الميداني، والدبلوماسي الأممي والدولي، لم تنجح جهود الوساطة الإقليمية والدولية في إيجاد حل جذري مقنع لهذه المشكلة، رغم قيام تلك الجهود بطرح حلول عديدة ومتفاوتة، الأمر الذي وضع هذه المشكلة موضع اللاسلم واللاحرب.
 
وفي ظل استئناف طرح القضية الصحراوية على الساحة الدولية مجدداً، فإن هذا التقرير يمثل فرصة مواتية، وعبر منهج تاريخي وتحليلي وصفي، لطرح رؤية مقاربة حول أهم أسباب هذه القضية، وحول مجمل المآلات المتوقعة التي يمكن أن تفضي إليها مستقبلاً. وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي:

  • أسباب تأزيم المشكلة الصحراوية؟
  • الحلول المقترحة للمشكلة الصحراوية ومستجداتها؟
  • مآلات المستقبل القريب والبعيد للمشكلة الصحراوية؟

 

  1. الأسباب المتداولة للمشكلة الصحراوية:

إن ما تعانيه مشكلة الصحراء الغربية من تصلب المواقف الصادرة عن كافة أطرافها المباشرين وغير المباشرين، ومن إصرار المتنازعين جميعهم على تحقيق غاياتهم من النزاع دون منح أية تنازلات قد تعمل على تقريب وجهات النظر مع باقي الأطراف، هو ما يمثل السبب العام والمجمل والدائم حتى الآن لاستمرار هذه الأزمة. غير أنه باستقراء الأسباب المتداولة للمشكلة الصحراوية، يمكن رصد جملة من الأسباب التفصيلية التي تقف وراء تأزيم مشكلة الصحراء حتى وقتنا الراهن، وهي الأسباب التي نفصلها على النحو الآتي:
 
يأتي في مقدمة هذه الأسباب ما تمثله الصحراء الغربية من أهمية شاملة ومصيرية بالنسبة لأطراف النزاع حولها، الأمر الذي زاد من إصرار كل طرف على التمسك بالحقوق الكاملة في الهيمنة على ثرواتها الضخمة من البترول والفوسفات والفولاذ بالإضافة لما تنطوي عليه شواطئها الممتدة على المحيط الأطلسي من مخزون كبير وهائل من الثروة السمكية. في حين يبرز البعدان السياسي والجغرافي مضافاً إليهما البعد الاستراتيجي والآخر الأمني في كون الصحراء الغربية تمثل امتدادات حيوية وحدودية لكافة الأطراف المتصارعة عليها؛ فهي تستحوذ على الجنوب المغربي والغرب الجزائري والشمال الموريتاني، كما تجسد هذه الصحراء قضية التحرير الكبرى وموطن العيش المفضل بالنسبة للشعب الصحراوي وجبهة البوليساريو. وإجمالاً يدرك المتصارعون على منطقة الصحراء أن ” امتدادها على ساحل الأطلسي هذه المسافة الطويلة (1400 كم) يسهل من الاتصال الخارجي للسواحل سواء كان ذلك الاتصال تجارياً أو حضارياً أو اجتماعياً مع دول حوض الأطلسي الأوربية أو الإفريقية أو الأمريكية”[3].
وتمثل اتفاقية مدريد الصادرة عام 1957، وما أفضت إليه من الإطاحة بالجزائر وجبهة البوليساريو عن منصة المكاسب السياسية والشراكة في تكييف وضع الصحراء الغربية بعد الاستعمار، أحد الأسباب المهمة والمعتبرة في استمرار الصراع حول هذه المنطقة؛ فقد كان تحالف الجزائر المستمر إلى الآن مع جبهة البوليساريو واحداً من نتائج تلك الاتفاقية، وهو التحالف الذي ترتبت عليه تحولات جذرية في منطقة المغرب العربي خاصة في منطقة الصحراء الغربية بعد خروج المستعمر الإسباني منها؛ حيث دعمت الجزائر قيام البوليساريو بإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في السابع والعشرين من فبراير  عام 1976 على خلفية صراع عسكري مرير خاضته الجبهة ضد المغرب وموريتانيا، كما استمدت الجبهة من الدعم الجزائري لها بعداً إقليمياً ودولياً بعد تسويقها لدى كافة حركات التحرر العالمي، خاصة لدى دول الكتلة الشرقية مثل فنزويلا وكوبا وغيرها، كحركة تحررية تقود الصراع في منطقة الصحراء الغربية للمطالبة بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والاستقلال بأرضه، الأمر الذي ساعد الجبهة في ” تفعيل مؤسسات دولتها الناشئة التي أعلنت في منطقة تيندوف الجزائرية حيث المخيمات التي تضم الصحراويين”[4].
ويعد الصدام الثنائي الدائم بين المغرب والجزائر، وخلافهما الفكري والأيديولوجي فيما يتعلق بقضايا منطقة المغرب العربي بصفة عامة، وقضية الصحراء الغربية بصفة خاصة، مع تضارب مصالحهما دوماً على مدار ما يقرب من خمسين عاماً، أحد الأسباب الأساسية في استمرار النزاع الصحراوي؛ حيث تفتش الدولتان بشكل أحادي وصدامي عن سبل تحقيق السيادة والهيمنة في المنطقة دون النظر لأية مصالح مشتركة يحكمها الجوار؛ فكلاهما يستخدم قضية الصحراء الغربية كورقة ضغط سياسية يمكنها تحقيق أية مكاسب داخلية أو خارجية عبر التلويح بها في وجه الطرف الآخر لدى المجتمع الإقليمي والدولي، بل إن هذا الصراع الثنائي حول الهيمنة والسيادة بين الدولتين، دفع كليهما إلى تجريف اللُحمة الإقليمية بينهما عبر خطوات مضادة في اتجاه حركة استقطاب دؤوبة للمؤيدين الإقليميين والدوليين؛ فعبر المنح النفطية، كسبت الجزائر تأييد جنوب إفريقيا ونيجيريا موقفها من قضية الصحراء، بينما نجحت المغرب في نوال الدعم العالمي لموقفها لدى إسبانيا والولايات المتحدة وفرنسا، الأمر الذي سمح مجدداً بتمدد النفوذ الدولي والإقليمي في قضية الصحراء الغربية، عبر  إطالة أمد القضية وتعقيد أركانها باعتبار ذلك يمثل ” آلية ناجعة لإطالة عمر المصالح الأجنبية في المغرب العربي خصوصا والقارة الأفريقية عموما”[5].
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصدام الثنائي بين المغرب والجزائر، لا يخلو من منطق الكيد والعداء وتصفية الحسابات القديمة، خاصة بالنسبة للجزائر التي وجدت في جبهة البوليساريو وقضية الصحراء فرصة مواتية ودائمة لتقليص الأطماع المغربية في الصحراء الجزائرية، وللتضييق الحدودي البرّي على المغرب رداً على انتهاكات مغربية سابقة في حق الجزائريين شهدتها حروب أهلية بين البلدين عام 1992 وحتى العام 1998. ووفق المنظور الجزائري، فإن منطقة تندوف التي استحوذت عليها الجزائر بعد حربها مع المغرب عام 1963 والتي لا تزال المقر الحالي للصحراويين وجبهة البوليساريو، تعد كنزاً استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً للجزائر في المنطقة، وذلك بالنظر إلى ثرواتها المتوقعة، وباعتبارها ممراً مثالياً ناجزاً لحركة تصدير الحديد الجزائري إلى المحيط الأطلسي بدلاً من الطريق الساحلي الطويل على البحر المتوسط.
ويأتي ” ارتباك الموقف الدولي ” من قضية الصحراء الغربية من جهة، ومن أطرافها المعنيين من جهة أخرى، ليضيف سبباً آخر من أسباب التأزيم واستمرار النزاع إلى الآن؛ فلا يزال هذا الموقف الدولي يعتمد لغة المصلحة في تقنين النظر إلى وضعيات الأمور بالنسبة للقضية ككل؛ فمن ناحيتها تعمل إسبانياـ – المستعمر السابق للصحراء الغربية – على عرقلة أية حلول ممكنة للقضية الصحراوية، وذلك انطلاقاً من خلفية نزاعها مع المغرب حول مدينتين ترزحان تحت الاحتلال الإسباني  إلى الآن هما ” سبتة ومليلة “؛ إذ يعتقد الإسبان أن بقاء ملف الصحراء شائكاً دون حل، يضمن تحييد المغرب عن المطالبة برد هاتين المدينتين.
في حين أن الموقف الفرنسي يتجسد ارتباكه هو الآخر في حرص فرنسا على إيجاد توازن خاص يضمن مصالحها مع المغرب من جهة والجزائر من جهة أخرى. ورغم ميلها الظاهر إلى جانب المغرب في قضية الصحراء، إلا أن الموقف الفرنسي مجملاً يشي بحرص فرنسا الدفين على إبقاء القضية الصحراوية طي الاشتعال كي تضمن ذريعة التدخل في شئون الدولتين معاً.
ولا يختلف الموقف الأمريكي كثيراً عن الموقفين السابقين لإسبانيا وفرنسا من حيث الارتباك والتعاطي مع القضية الصحراوية وفق مبدأ المصلحة، بل ربما يمثل هذا الموقف في مضمونه المراوغ (الاهتمام ظاهراً والإهمال باطناً) سبباً رئيسياً من أسباب استمرار المشكلة الصحراوية إلى الآن؛ فمنذ نهاية الحرب الباردة، تتخذ الولايات المتحدة موقفاً شبيهاً بالموقف الفرنسي، قوامه التوازن الحذر والمراوغ ضماناً لبقاء تحالفها الجيوستراتيجي مع المغرب، واستمرار تعاونها الاقتصادي مع الجزائر.
وإلى جوار التعاطي المرتبك للقوى الكبرى في العالم فيما يتعلق بمشكلة الصحراء، وجدت دائماً أدوار لحكومات وقوى خفية عملت على عرقلة أية جهود مبذولة لحل المشكلة، كما أن منطلقات الموقف الدولي من القضية الصحراوية يؤكد تواطؤه في تعقيدها، كما يؤكد تعامله معها لا باعتبارها قضية مصير لشعب الصحراء، بل باعتبارها ذريعة ” يقصد بها الإبقاء على حالة الاختلاف والتجزئة وتكريس حالة الخوف على الكيانات القائمة “[6].
وبالإضافة إلى ديمومة ارتباك الأطراف الدولية والاستعمارية القديمة والجديدة في التعاطي مع القضية الصحراوية، فقد اتسمت المنظمات العربية والإفريقية بالجمود والسلبية في تعاطيها مع هذه القضية الشائكة، وهو ما يضاف لأسباب بقائها واستمرارها دون حل إلى الآن؛ حيث إن ما مرت وتمر به المنطقة العربية والإفريقية من شتات وفرقة سياسية، وتناقض وارتباك على مستوى المؤسسات والهيئات والمواقف، ساهم مجتمعاً ــ ولا يزال ــ في إهمال هذه القضية والالتفات عنها إلى ملفات أكثر خصوصية وجدوى من وجهة نظر الكثير من العرب والأفارقة، وهو ما ينطبق على مسار المواقف المعتمدة والمعلنة من كل من ” مؤتمر الوحدة الإفريقية ” في الماضي ( الاتحاد الإفريقي حالياً ) وكذلك جامعة الدول العربية، ومن ثم فقد ظلت مشكلة الصحراء قائمة ” نتيجة العجز التنظيمي لمنظمة الوحدة الإفريقية، وكذلك لجامعة الدول العربية التي لم تتمكن من السعي لإنهاء المشكلة والتعمق فيها؛ نظراً للقيود التي يفرضها ميثاق الجامعة على وسائل وطرق تسوية المنازعات”[7]
وقد ساهم عدم حسم التعداد السكاني لقاطني الصحراء الغربية على مدار السنوات الماضية وحتى الآن، في تعقيد الأزمة وتشابك تفاصيلها؛ ففي الوقت الذي تروّج فيه المملكة المغربية لأعداد قليلة لسكان الصحراء بحيث تتجاوز بهم حد ال 700 ألف نسمة بقليل، فإن جبهة البوليساريو تؤكد أن عدد سكان الصحراء يتجاوز المليون نسمة، بينما تروّج بعض القوى الغربية المعنية بقضية الصحراء وعلى رأسها إسبانيا أعداداً أقل مما ذكره الطرفان المتنازعان. وهذه الضبابية الديموغرافية والإثنوغرافية التي ظلت ممتدة على مدار سنوات الصراع حول منطقة الصحراء الغربية، زاد من حدتها عاملان أساسيان؛ أولهما: تنامي عدد الصحراويين المهمشين والمطرودين خارج تلك الصحراء ممن اضطرتهم ظروف الصراع إلى الهرب إلى مناطق قريبة أو مجاورة أو إلى الجزائر كما هي الحال مع النازحين المستقرين في مخيمات تندوف إلى الآن. الثاني: تباين آراء جميع الأطراف المعنية بالقضية، فيما يتعلق بطريقة تحديد المنتمين للصحراء الغربية؛ فالمغرب لا تعترف إلا بالسكان المتواجدين فعلياً على الأراضي الصحراوية، بينما تطالب البوليساريو بضم النازحين الصحراويين أينما كانوا إلى هؤلاء السكان، وهو الخلاف الذي أدى إلى تكرار تعطيل استفتاء حق تقرير المصير الذي اتفق المغرب والبوليساريو على إجرائه عام 1998.
وينضم إلى الأسباب المؤدية إلى تأزيم قضية الصحراء، سبب آخر مهم يتمثل في الموقف السلبي المتراجع على المستوى الرسمي للمملكة المغربية من الملف الحقوقي والإنساني لشعب الصحراء؛ فعلى مدار سنوات طويلة ممتدة، شهدت علاقة المغرب بسكان الصحراء الكثير من الجفاء والممارسات القمعية، وهو ما كان له أثر كبير في استمرار وتأزيم المشكلة الصحراوية وطول أمدها، هذا بالإضافة لاتساع هوة النفور والتباعد بين المغرب وهؤلاء السكان، بشكل أصبح فيه الصحراويون الخاضعون للإدارة المغربية مقتنعين بأن معاناتهم ومعاناة المستقرين في مخيمات ” تندوف “، هي معاناة واحدة ومتشابهة، بحيث أصبحت الأجيال الشبابية الجديدة في الصحراء تدعو إلى التمرد على طرفي الصراع الرئيسيين: المغرب والبوليساريو، وإلى مطالبتهما معاَ برفع الظلم، ونتيجة لذلك، أصبح الملف الحقوقي المغربي فيما يخص الصحراويين، كثير الطرح لدى الأوساط والمحافل الدولية؛ حيث ذكرت تقارير المنظمات الدولية مثل: ” هيومن رايتس وتش ” و “أمنيستي إنترناشيونال ” الكثير من الأمثلة والحوادث الدالة على حدوث انتهاكات مغربية بحق الصحراويين، لعل أهمها سقوط ضحايا على أيدي القوات الأمنية المغربية خلال تفكيك مخيم ” كديم إزيك ” بمدينة العيون.
ومن الأسباب المساعدة التي أفضت، وتفضي حالياــ إلى طول أمد المشكلة الصحراوية، ارتباط منطقتها بكل أنشطة التهريب الحدودية، واستيطانها السري والخفي بكل أنماط المخربين والمتاجرين بالمواد المخدرة والأسلحة، الأمر الذي مهد إلى اعتماد الصحراء هذه كمنطقة نفوذ مثالية يجب الحفاظ على وضعيتها السياسية ( المتأزمة ) بالنسبة لأصحاب تلك الأنشطة، وهو ما يمثل إشكالية متجددة تضاف إلى الإشكاليات الموروثة لدى المشكلة الصحراوية، بل ربما تبقى هذه الإشكالية حجر عثرة أمام إيجاد حلول قادمة للمشكلة، خاصة مع تنامي التنظيمات الإرهابية في منطقة المغرب العربي، وعلى رأسها ” القاعدة ” و” داعش “، وأيضاً، مع ظهور بوادر أزمات اقتصادية وسياسية لدى جبهة البوليساريو، قد يكون لها دور مؤثر في دفع الجبهة في اتجاه التعاون اللوجستي الشامل مع مثل تلك التنظيمات واتخاذها حليفاً ضاغطاً في ملف القضية الصحراوية.
ويضاف إلى الأسباب السابقة مجتمعة، جملة من التداعيات العالمية التي عاصرتها القضية الصحراوية، وأدت فيما أدت إلى انكماش حذر لدى أطراف الصراع، كان من نتيجته تسويف المطالب الخاصة لدى كل طرف من هذه الأطراف فيما يتعلق بالمشكلة محل النزاع، وذلك كإجراء احترازي تجنباً للمواقف المتضادة مع القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ يأتي على رأس تلك التداعيات تراجع الموقفين الليبي والجزائري بالنسبة لدعم القضية الصحراوية نتيجة أزمات اقتصادية وسياسية عصفت بالبلدين على مستوى الداخل والخارج. وكذلك انفراد الولايات المتحدة بالسيادة العالمية بعد انهيار السوفييت. ثم ما ترتب على حروب الإرهاب من تراجع الحضور الدولي لجبهة البوليساريو وانغماس كافة دول المغرب العربي في تيار المواجهة الدولية الشرسة ضد الإرهاب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

  1. الحلول المقترحة للمشكلة الصحراوية ومستجداتها:

شهدت أزمة الصحراء الغربية على مدار سنواتها الأربعين ونيّف، تقديم العديد من مقترحات الحل، غير أنه لم يكن من السهل في ظل التحديات والعراقيل -التي حاول هذا التقرير إبرازها في أسباب التأزيم-أن يتم حل المشكلة. وولوجاً إلى التفاصيل، فإنه يمكن رصد أهم الحلول المقترحة للمشكلة الصحراوية على النحو الآتي:
أولاً: حلول ومقترحات أممية:
وهي المقترحات التي استغرقتها سنوات القضية المتنازع عليها منذ انتقال تداول القضية لدى الأمم المتحدة خلال العام 1991 وحتى العام 2003، وهي خمسة مقترحات تتلخص في:

  • المقترح الأول عام 1991: ويقضي بتخيير شعب الصحراء الغربية بين الانفصال التام عن المغرب أو قبول الانضواء تحت لوائها عبر استفتاء يتم تنظيمه تحت إشراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وهو الاقتراح الذي لاقى قبولاً من طرفي النزاع (المغرب والبوليساريو) غير أن خلافات الطرفين بشأن تعداد سكان الصحراء أفضى إلى تعطيله بشكل مؤقت.
  • المقترح الثاني أو (اتفاق هيوستن) عام 1997: وفيه نجحت الأمم المتحدة في إقناع المغرب والبوليساريو بإجراء أول مفاوضات مباشرة تم خلالها تشكيل الهيئة المشرفة على استفتاء الشعب الصحراوي، وللمرة الثانية اختلف الطرفان المتنازعان بشأن كيفية تحديد الهوية الصحراوية ومن ينطبق عليه مسمى صحراوي.
  • المقترح الثالث عام 2000: ويقضي بمنح الشعب الصحراوي حكماً ذاتياً مدته خمس سنوات، على أن تنضوي الأقاليم المحكومة ذاتياً تحت لواء السيادة المغربية، لحين إنجاز الاستفتاء بعد انتهاء المدة المحددة. وقد تم رفض هذا المقترح من قبل البوليساريو والجزائر باعتباره يمثل التفافاً على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
  • المقترح الرابع عام 2002: ويقضي بتقسيم الصحراء الغربية بين طرفي النزاع، بالإضافة لمنح الشعب الصحراوي حكماً ذاتياً مدته خمس سنوات. ورغم قبول البوليساريو بهذا المقترح، إلا أنه قوبل بالرفض من جانب المغرب باعتباره مقترحاً ينال من السيادة المغربية ويقدم مميزات تجارية للجزائر على المحيط الأطلسي.
  • المقترح الخامس عام 2003: ويقضي بإجراء الاستفتاء الصحراوي بعد أربع سنوات يمنح خلالها شعب الصحراء حكماً ذاتياً يمكّن إدارته المحلية من الإسهام الفاعل في سياسة المغرب الخارجية، بالإضافة لإنشاء مجلس قضاء أعلى في الإقليم الصحراوي مع تقليص عدد القوات المسلحة المغربية في منطقة الحكم الذاتي، وهو المقترح الذي رفضه المغرب جملة وتفصيلاً باعتباره ينال من السيادة المغربية.
  • مبادرة الحكم الذاتي عامي 2006 / 2008: وفيها ” طرح المغرب مبادرة جديدة لقيام حكم ذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، وذلك عبر تأسيس المجلس الملكي الاستشاري للشئون الصحراوية والمكون من 142 عضواً ممثلين لقبائل الصحراء الغربية، إضافة إلى ممثلين لبعض المنظمات غير الحكومية والناشطين الحقوقيين، مع التأكيد على وحدة التراب المغربي، ورفض أية خطط لا تستبعد خيار إجراء استفتاء على الاستقلال، وهو ما صعبت معه مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأم المتحدة ـ وقتئذ ــ ( فان والسوم )، خاصة بعد رد جبهة البوليساريو الذي أيدته الجزائر برفض المبادرة والإصرار على تنفيذ خطة السلام واحترام حق الصحراويين في تقرير المصير، وبعد أربع جولات تفاوض برعاية الأمم المتحدة وأمينها العام الجديد بان كي مون ما بين 18 يونيو 2007 و18 مارس 2008، لم تأت الأمور بجديد “[8]

ثانياً: مقترحات وازنة وجديدة:
ففي إطار تحريك المياه الراكدة في الساحة الصحراوية المعقدة، ظهرت خلف كواليس التفاوض في الآونة الأخيرة بعض المقترحات والحلول الجديدة التي تحاول الإفلات من عنق الزجاجة الذي تعاني منه الأزمة في الصحراء. ويمكن ذكر هذه الحلول على النحو الآتي:

  • النظام الفيدرالي: وهو نظام يسمح من وجهة نظر مقترحيه للشعب الصحراوي بممارسة سلطات حكم مستقلة أشبه ما تكون بدولة داخل الدولة؛ بحيث يكون لسكان الصحراء مؤسساتهم القضائية والتشريعية والشرطية دون أن يمس ذلك باندراج الصحراء تحت سيادة المملكة المغربية.
  • بين الكومنولث والكونفدرالية: وهو نظام يحتمل في داخله مفهوم التطبيق المشار إليه في النظام الفيدرالي، لكنه يبتعد عن التطبيق الكلاسيكي التقليدي والمباشر لما يعرف بالحكم الذاتي أو استفتاء تقرير المصير؛ وذلك من خلال تدشين شراكات قانونية متفق عليها بين المملكة المغربية والشعب الصحراوي يمكنها السماح لكلا الجانبين بتسيير كافة الإجراءات المتعلقة بالإدارة الكاملة للصحراء الغربية دون المساس بالاعتبارات المختلف بشأنها لدى طرفي النزاع؛ بمعنى أن تتمتع الإدارة الصحراوية باستقلالية مباشرة على الصحراء ولكن تحت إشراف عام للمملكة المغربية، كما هي الحال لدى بعض نماذج الحكم العالمية مثل بورتوريكو أمريكا والجبل الأسود في صربيا وغيرها من نماذج حكم يمكن استلهامها في هذا الإطار.
  • الجهوية الموسعة: وهو مقترح يتبناه الكثير من المغاربة رغبة في حسم المشكلة الصحراوية دون خسائر مغربية، وتشجيعاً على إزاحة جبهة البوليساريو ومعها الجزائر من طريق الوساطة الإجبارية بين الدولة المغربية وسكان الصحراء الغربية؛ حيث يرى أصحاب هذا المقترح أنه جدير بتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية لشعب الصحراء، خاصة وأنه يرتكز إلى تطبيق الديمقراطية بمعناها الإيجابي الضامن لنوال الصحراويين حقوقهم كاملة دون التفرقية بينهم وبين المغاربة جميعاً، ومن خلال تنحية المركزية الحاكمة التي تعتمدها المغرب حالياً، والتي أثبتت فشلها في إنهاء هذه المشكلة. كما يعتقد أصحاب هذا المقترح أن تعويض شعب الصحراء عن سنوات التشريد والضياع والتهميش التي عاصرها تحت الحكم المغربي، تعويضاً جاداً وعادلاً تحت الجهوية الموسعة، من شأنه تشجيع اللاجئين في تيندوف والمناطق المجاورة للصحراء على العودة إلى الصحراء والخروج من تحت عباءة البوليساريو.
  • وساطة عربية: وهو مقترح ينظر في الأساس إلى القضية الصحراوية باعتبارها قضية عداء ثنائي بين الجزائر والمغرب قبل أن تكون قضية تقرير مصير للشعب الصحراوي؛ ومن ثم فإن مضمون هذا المقترح أن تقوم شخصية عربية نافذة وذات قبول شخصي لدى النظامين المغربي والجزائري، وكذلك لدى جبهة البوليساريو، بالتوسط لدى هذه الأطراف للجلوس المباشر على مائدة مفاوضات صريحة وجادة من أجل تفكيك طلاسم المشكلة الصحراوية؛ بحيث يتم ترسيم الحدود النهائية بين الجزائر والمغرب، وتمنح الجزائر منفذاً بحرياً على الأطلسي، في حين يمنح الصحراويون حكماً ذاتياً موسعاً  تحت هوية مغربية إسلامية ذات سيادة معتبرة للجميع.
  • تقسيم بالفصل السابع: وهو مقترح أثاره الدبلوماسي الإسباني ( أنخيل مانويل بايستيروس غارسيا ) أحد المشرفين على مصالح إسبانيا في الصحراء الغربية 1975 ــ عبر كتابه ( مهامي في الصحراء ) حيث يرى إمكانية ” إعادة تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو وفق اتفاقية مدريد سنة 1975، بحيث ينسحب المغرب من جنوب الصحراء ويمنح للبوليساريو المنطقة التي كانت تتواجد فيها موريتانيا، على أن يتم فرض هذا الحل بموجب الفصل السابع رغم رفض المغرب والجبهة له، أو اعتماد الحل الفيدرالي أو الكونفدرالي كتطبيق سياسي عملي لإحدى مقولات الملك الراحل الحسن الثاني، والتي يقول فيها : لا غالب ولا مغلوب في هذا النزاع “[9]
  • الضغط الحقوقي للمينورسو: وهو مقترح تردد كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية. باعتباره ــ لدى مقترحيه ـ حلاً مساعداً مؤثراً وغير مباشر ويؤدي إلى خلخلة الجمود السياسي لقضية الصحراء ــ ومضمونه قيام مجلس الأمن الدولي بفرض آليات صارمة تجبر القوات المغربية على احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وتضمن تحقيق ضغوط حقوقية يمكنها تغيير التعاطي المغربي مع القضية.
  • مخطط ” ب ” وإبعاد الأممية: وعلى عكس المقترحين الأمميين السابقين، فإن هذا المقترح الذي أثاره أحد سفراء المملكة المغربية السابقين في بروكسيل[10] يوصي بضرورة انخراط المملكة المغربية في تدشين مبادرة للحل الشامل في الصحراء الغربية من خلال البحث عن ” مخطط ب ” يستثني التسويات الأممية الفاشلة للمشكلة الصحراوية، ويستلهم ما يعرف بــ ” اتفاقيات إيفيان ” التي ساعدت الجزائريين في حصولهم على الاستقلال، والتي تم خلالها اعتماد منهجية فاعلة في وضع ملفات النزاع على مائدة مفاوضات مشتركة ضمن آليات ضامنة لاستخراج حلول سياسية مرضية لكافة الأطراف.
  • إحياء اتحاد المغرب العربي[11] : وهو أحد الحلول المقترحة بقوة في الآونة الأخيرة، على يد أصوات عديدة، خاصة في الجزائر والمغرب وبعض الأطراف الإقليمية المحبة لمنطقة المغرب العربي، ويقوم في الأساس على محاولة إيجاد صيغة توافقية بين المغرب والجزائر يمكن من خلالها استئناف التعاون المشترك عبر إلغاء تجميد ” اتحاد المغرب العربي “، من منطلق الأخطار والتهديدات المشتركة التي تحيط بالمنطقة والتي تدفع كافة أطرافها إلى اتخاذ خطوات إيجابية فاعلة لإنهاء هذا الصراع، باعتبار أن اتحاد المغرب العربي يمثل أقرب الكيانات والتحالفات في منطقة الصراع لإحداث وتهيئة أجواء مواتية لتنحية الخلافات وتفكيك الإشكاليات المعقدة للمشكلة الصحراوية وغيرها من مشكلات المغرب العربي.

رؤية تقييمية في مقترحات الحل السابقة:
رغم تنوع وتعدد مقترحات الحل التي تم طرحها للمشكلة الصحراوية، إلا أن هذا التقرير يبدي عدة ملاحظات على تلك المقترحات جميعها؛ وذلك على النحو الآتي:

  • أن الفترة البينية ما بين المقترح الأول 1991 (سنة تدويل القضية الصحراوية) والمقترح الثاني 1996 هي خمس سنوات، وهي فترة كبيرة نسبياً في إطار الاهتمام الأممي بقضية شائكة كهذه القضية، بمعنى أن استغراق هذه المدة في بدايات تدويل القضية يوحي بشيء من عدم الجدية الأممية في سرعة المتابعة والحل. ورغم أن المقترحات التالية قلت فيها الفترات البينية، إلا أن العمر المديد للقضية الصحراوية وبقاءها دون حل حتى الآن، يؤكد عدم الجدية تلك، بل يؤكد ضلوع الجهات الأممية في التورط في ممارسة أدوار شكلية وديكورية داخل إطار التسويات المعلنة، ضماناً للنفوذ الدولي في منطقة الصراع.
  • أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة المغربية ــ رغم أهميتها القصوى وقت طرحها عام 2006ــ لم تحظ بالرعاية الكافية من الجهات الأممية وكذلك من باقي أطراف الصراع الصحراوي. وأنه رغم ما أبدته الولايات المتحدة من إيجابية (معلنة) تجاه مقترح الحكم الذاتي هذا، إلا أن الجهات الأممية لم تبذل جهداً يذكر في سبيل إقناع الشعب الصحراوي بجدوى هذا المقترح، بل على العكس من ذلك، لم تعترف الأمم المتحدة بمقترح الحكم الذاتي كطريق ممهد لحل المشكلة الصحراوية نهائياً، ربما لأنها موقنة بموقف الشعب الصحراوي وبموقف الدول ذات الصلة بالقضية وعلى رأسها الجزائر، وهو الموقف الذي ينظر لقضية الصراع باعتبارها قضية تقرير مصير وليس مجرد قضية لمنح امتيازات حكم ذاتي في الصحراء؛ ومن ثم يظل الموقف المتضاد بين الثناء الأمريكي للمبادرة والتجاهل الأممي لها، مثار تعجب؛ لأنه يوحي باعتبارات وإجراءات خفية مراوغة تتم في الأروقة الدولية فيما يتعلق بقضية الصحراء والأطراف المعنية بها.
  • أن المقترحين المرتبطين بتطبيق الفدرالية والكونفدرالية أو الكومنولث في الصحراء الغربية، يأتيان فقط لتحريك المياه الراكدة في خضم القضية محل الصراع، ومن ثم لا ينظر إليهما هذا التقرير باعتبارهما جديرين بإيجاد حلول نهائية في الصحراء، وذلك لاختلاف الأيديولوجية الفكرية والسياسية بين وجهات النظر المتعلقة بكل طرف من أطراف هذه القضية؛ فالمملكة المغربية لا يعنيها سوى السيادة على الصحراء، بينما جبهة البوليساريو ومعها شعب الصحراء لا يعترفون بهذه السيادة، بل يعتبرونها من قبيل الاحتلال الواجب مقاومته والقضاء عليه؛ لذا فإنه من العبث الاعتقاد بجدية هذين المقترحين في الحل، خاصة وأنهما مصدومين باعتبارين مختلفين للمغرب والبوليساريو؛ فالمغرب سيرفض المقترحين حتماً لأنهما يمهدان بمرور الوقت لتحقيق انفصال الصحراويين التام عن المملكة. وأما البوليساريو، فرغم ما يقدمه المقترحان من تمهيد للانفصال التام، إلا أنها ومعها الشعب الصحراوي سيرفضانهما أيضاً، باعتبار الموافقة عليهما ستمثل ردة سياسية وأيديولوجية عن جوهر القضية الصحراوية التي هي حصول الشعب الصحراوي على حق تقرير المصير.
  • ومن جهة أخرى يمكن اعتبار مقترح الجهوية الموسعة مقترحاً مشابهاً للمقترحين السابقين، من حيث عدم الجدوى والفاعلية؛ ذلك أن عراقيل عدة تقف في وجه تفعيل هذا المقترح وتطبيقه على الوجه الأمثل؛ أولها الموقف الصارم لكل من الجزائر والبوليساريو من القضية الصحراوية، فهما لا يقنعان سوى بتحرير الصحراء من قبضة المغرب. وثانيها عدم الجدية المغربية في إنجاح الجهوية الموسعة عبر ديمقراطية حقيقية عادلة في الصحراء، ناهيك عن امتلاك المغرب لآليات ضامنة لتطبيق تلك الجهوية. أما ثالث تلك العراقيل فهو عدم إيمان جيل الصحراويين الجدد بجدوى وفاعلية التمثيل الصحراوي داخل المجلس الاستشاري لشئون الصحراء ” كوركاس ” منذ تأسيسه على يد الملك محمد السادس عام 1992 وحتى الآن، وكذلك عدم قناعتهم بما يقدم حالياً في المغرب من إصلاحات سياسية واجتماعية عامة.
  • وفيما يتعلق بالمقترحين المتعلقين بفرض حل في الصحراء بموجب الفصل السابع، أو بتفعيل الضغط الحقوقي لبعثة المينورسو، فإنهما من وجهة نظر هذا التقرير، محفوفان بمحاذير كثيرة تمنع الجرأة في اتخاذ الأول، والجدية في تفعيل الثاني؛ فعلى مدار سنوات طويلة لم تجرؤ الأمم المتحدة ومعها الدول الكبرى في تطبيق الفصل السابع لحل المشكلة الصحراوية، وذلك ليس عجزاً عن تطبيقه، وإنما خوفاً من عرقلة مصالحها في منطقة الصراع المعنية بالمشكلة الصحراوية. وهو خوف دائم تتوارثه الإدارات السياسية العالمية جيلاً بعد جيل؛ لذا يبقى تطبيق الفصل السابع إجراءً بعيد المنال بالنسبة لهذه القضية إلى حين. أما ضغوط المينورسو الحقوقية فهو مقترح لا يقدم ولا يؤخر في حقيقية الأمر، ببساطة شديدة لأن الملفات الحقوقية لم تعد هي المحرك الفاعل في القضايا السياسية الشائكة، ولعل ما حدث من قيام المغرب بطرد موظفي المينورسو قبل إعادتهم مؤخراً يوضح نوعية ردود الفعل المتوقعة حال محاولة اللجوء لضغوط حقوقية من هذا القبيل، ومن ثم يؤكد عدم جدوى هذا المقترح.
  • أما مقترحات الوساطة وإبعاد الأممية وإحياء اتحاد المغرب العربي، فيرى هذا التقرير أنها مقترحات قابلة دوماً للنظر ومنح الفرصة، رغم ضعفها؛ إذ أن معظم الوساطات العربية والإفريقية والدولية، فشلت حتى الآن في إيجاد حل للمشكلة الصحراوية. في حين أن الإبعاد الحقيقي للأممية يلزمه إيجاد جهة بديلة وغير أممية تتبنى حل القضية، وهو ما لا يمكن إدراكه في ظل ضعف الاتحاد الإفريقي والقيود غير الملزمة في ميثاق الجامعة العربية. أما اتحاد المغرب العربي، فهو ككيان جامع لدول المغرب العربي، يحتاج إحياؤه إلى موضوعية سياسية واستراتيجية، لا تزال بعيدة المنال حتى الآن بين كافة أعضائه المعنيين.

* ثالثاً: مآلات المستقبل القريب والبعيد للمشكلة الصحراوية:
في الوقت الراهن، تجمعت للقضية الصحراوية، مجموعة من العوامل المحفزة، للمضي قدماً في حسم النزاع بنوايا أكثر جدية وإيجابية، وهي المحفزات التي يمكن إجمالها في النقاط الآتية:

  • طول أمد القضية وحرج المجتمع الدولي.
  • العسكرة المتجددة بين أطراف النزاع وآخرها مناوشات منطقة الكركارات.
  • مرور جبهة البوليساريو بمرحلة انتقالية حرجة بعد رحيل زعيمها محمد عبد العزيز.
  • عقبات الاقتصاد المغربي والتضييق الدولي تجاه أحقيته في ثروات الصحراء الغربية.

 
*سيناريوهات مستقبلية محتملة:
بخصوص المآلات المستقبلية المحتملة للقضية الصحراوية، فإنها غالباً ستدور في فلك السيناريوهات المتوقعة الآتية:
السيناريو الأول: بقاء أزمة الصحراء على حالها المتأزم والمتأرجح بين مواقف الأطراف المتنازعة عليها، مع استمرار التدخلات الدولية في أوقات اشتداد الصدام بين تلك الأطراف لنزع فتيل اشتعال حرب جديدة في منطقة المغرب العربي، وهو ما يعني ديمومة إدراج قضية الصحراء ضمن مقتضيات قانون المادة السادسة من الميثاق الأممي والمؤكد على إيجاد حل سلمي ترضى عنه أطراف النزاع.
السيناريو الثاني: قيام مجلس الأمن الدولي بممارسة ضغوط على أطراف الصراع من خلال التلويح الضمني والخفي بإمكانية إدراج القضية ضمن الفصل السابع، حال تجمدت مواقف المتنازعين في القضية. وفي هذا الإطار قد تعود للواجهة بعض المقترحات الماضية في أثواب وأشكال وأنماط جديدة بهدف خلخلة الجمود واستكشاف طبائع التعاطي مجدداً مع تلك المقترحات وغيرها.
السيناريو الثالث: بروز زعامات وكيانات جديدة ومؤثرة في الصحراء الغربية، قد تتجاوز أطراف الصراع وتدشن لواقع جديد لم يكن في الحسبان، وغالباً ما ستكون هذه الكيانات والزعامات مزروعة ومدفوعة عبر تكتلات دولية لها اعتبارات ومصالح خاصة، كما يمكن أن تكون كيانات أصيلة نابعة من عمق المناصرين للقضية الصحراوية، بحيث يتوقع لأيٍ من تلك الكيانات أن تتمكن من بسط نفوذها وفق رؤى استراتيجية زمانية ومكانية تتيح لها تشكيل واقع ميداني مختلف قد ينتج عنه بزوغ الجمهورية السادسة في منطقة الصراع.
السيناريو الرابع: نشوب حرب جديدة، وهو احتمال مستقبلي قائم وموجود، خاصة في حال انسداد الأفق السياسي والتفاوضي بشأن الحل في الصحراء، وهو ما يمكن أن يكون نتيجة طبيعية لحالة الاحتكاك العسكري الدائم عبر الحدود بين أطراف الصراع، وبدعم محتمل من بعض الحركات الانفصالية المتأهبة في الصحراء.
السيناريو الخامس: قيام مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بتجميد (مؤقت) للقضية الصحراوية على المستوى الأممي، مع سحب بعثة المينورسو نتيجة المواقف الصارمة لطرفي الصراع، وهو احتمال ضعيف رغم كونه وارداً؛ وذلك إما لرفع الحرج عن المجتمع الدولي بخصوص قضية الصحراء، أو لحتمية الرغبة الدولية في إيجاد ذريعة رسمية معلنة للتدخل في شئون المنطقة ومنها منطقة المغرب العربي عبر القضية ذاتها، حماية للمصالح الدولية وتحركاً منطقياً في إطار التنافس الدولي على ثروات المنطقة.
السيناريو السادس: حدوث تحولات ضعف جذرية لدى أحد طرفي الصراع (المغرب / البوليساريو) تقصي به خارج المشهد السياسي للقضية، وتعد جبهة البوليساريو هي الأقرب لهذه التحولات بفعل ما تمر به من أزمات، وكذلك بفعل احتمالات حدوث تحول جذري في الموقف الجزائري من القضية، ومن ثم قد ينتج عن ذلك تحولات في الموقف الدولي ربما يترتب عليها تجميد القضية وضم الصحراء كاملة إلى المملكة المغربية، ومن ثم ضياع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
 
 
خاتمة
لابد من التأكيد على أن صعوبة المشكلة الصحراوية تنطوي على قدر كبير من الافتعال الدولي والإقليمي والمحلي؛ فالمجتمع الدولي غير مهتم بالبحث الجدي عن حلول للمشكلة، بقدر اهتمامه الفائق بتأمين مصالحه الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في منطقة الصراع، لذا فإن أغلب المبادرات والتداخلات العالمية والإقليمية في هذا النزاع، هي من قبيل ذر الرماد في العيون، ومن قبيل إيجاد ذرائع منطقية ومقبولة لاقتحام خصوصية المنطقة في كل جوانبها ونطاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ومن جهة أخرى فإن شيوع منطق الأنانية السياسية والاستحواذ الجغرافي لا يزال يغلب على تعاطي معظم أطراف الصراع المباشرين والثانويين في هذه القضية الممتدة والشائكة. وبين أنانية المتنازعين من جهة، ومراوغات المجتمع الدولي من جهة، يظل الشعب الصحراوي محجوباً عن حقه في تقرير مصيره. وتظل القضية الصحراوية شاهدة على فشل الساسة وضياع الإنسانية إلى حين. غير أنه بصفة عامة، تبقى قضية الصحراء أيضاً محفوفة  بتداعياتها المنفتحة مستقبلاً على كل الأصعدة، ومنها صعيد العودة مجدداً إلى سيناريو المواجهات العسكرية الدامية، مضافاً إليه صعيد التجزئة المحتملة والمستهدفة لمنطقة المغرب العربي، وهو ما تسعى إليه أطراف دولية وإقليمية من الطامعين بقوة في استعادة الدور الاستعماري القديم في المنطقة، بالإضافة لأطراف أخرى تنظر لمشكلة الصحراء الغربية وفق اعتبارات خاصة، أقلها اعتبارات البحث عن دور سياسي فاعل إقليمياً ودولياً، وإلى غير ذلك من اعتبارات وحيثيات لا تخفى عن أعين المهتمين برصد ملامح المشكلة الصحراوية المزمنة والعصية على الحل حتى الآن.
لتحميل التقرير من هنا
 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

[1] يطلق اسم البوليساريو على ما يعرف بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. يعود تاريخ تأسيسها للعام 1973 بهدف إنشاء دولة مستقلة عن المملكة المغربية في منطقة الصحراء الغربية
[2] خرجت موريتانيا من النزاع المسلح على هذه المنطقة، إثر انعقاد اتفاقها الثنائي مع جبهة البوليساريو في الجزائر عام 1979، والذي وضع حداً للمواجهات العسكرية الشرسة بين الجانبين بعد أن قامت موريتانيا بالتخلي عن مواقعها في وادي الذهب وتسليمه لأهل الصحراء
[3] انظر: جاسم شعلان ـ مشكلة الصحراء الغربية وانعكاسها على مستقبل الأمن القومي العربي (بحث في الجغرافيا السياسية) ـ مجلة جامعة بابل /العلوم الإنسانية / المجلد 19 / العدد 4: 2011، ص 675 (بتصرف يسير)
[4] انظر: محمد الفلوشي ـ قضية الصحراء الغربية. أطول النزاعات العربية عمراً ــ محرك مغرس الإخباري ـ على الرابط: www.maghress.com/marayapress/5455، نقلاً عن: مرايا برس بتاريخ 3 -11 – 2010
[5] انظر: زينة العزابي ـ قضية الصحراء الغربية: الشوكة التي عفّنت كامل الجسد ـ صحيفة الخبير التونسية (الموقع الإلكتروني) ـ بتاريخ 27 مارس 2014 ـ على الرابط: http://www.lexpertjournal.net/
[6] انظر: جاسم شعلان ـ مصدر سبق ذكره، ص 681 (بتصرف يسير)
[7] انظر: خالد بن سلطان بن عبد العزيز ـ كتاب موسوعة مقاتل من الصحراء ـ موضوعات سياسية ـ مشكلة الصحراء الغربية (البوليساريو) ـ المبحث الرابع: الموقف الإقليمي من المشكلة ــ الموقع الإلكتروني على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/Polesario/sec08.doc_cvt.htm (بتصرف)
[8] انظر: خالد بن سلطان بن عبد العزيز ـ مصدر سبق ذكره ـ المبحث العاشر: مبادرة الحكم الذاتي عام 2006 ــ الموقع الإلكتروني على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/Polesario/sec16.doc_cvt.htm
[9] انظر: حسن مجدوبي ـ أي حل لنزاع الصحراء الغربية: اقتسام أم فيدرالية؟ ــ صحيفة القدس العربي ـ بتاريخ 1 نوفمبر 2014 ـ ترجمة عن: Ángel Manuel Ballesteros García: Mis Misiones en el Sahara. Letras de Autor, Madrid 2014120 pages ــ على الرابط : http://www.alquds.co.uk/?p=243820 ( بتصرف يسير )
[10] هو الدبلوماسي وكاتب الدولة سابقاً لشئون الجالية المغربية في بروكسيل” حليم بن عطاء الله “.
[11] أنشئ اتحاد المغرب العربي بين الدول الخمس (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا) في فبراير 1989، في محاولة لتكوين اتحاد إقليمي على غرار موجة الاتحادات العربية آنذاك، واستجابة لإكراهات العولمة وما تتطلبه من تكتل، وقد تم تجميد هذا الاتحاد بعد خمس سنوات نتيجة خلاف مغربي جزائري ولا يزال مجمداً إلى الآن (راجع: عادل مساوي ـ عبد العلي حامي الدين ــ المغرب العربي. التفاعلات المحلية والإقليمية والإسلامية ـ منشورات مركز البيان للبحوث والدراسات 2010 ـ ملف بي دي إف على الرابط: http://www.albayan.co.uk/fileslib/articleimages/takrir/4-3-8.pdf)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى