ملخص تنفيذي (1) – عن اتجاه المشهد السوري
توصيف الحدث
رغم الإعداد المسبق والتصريح المتكرر عن التجهيز لمعركة حلب إلا أن بدء الهجوم من قبل فصائل المعارضة السورية بدا مباغتًا لقوات نظام أسد والمليشيات المساندة له، مما عزز عنصر المفاجأة ونتج عنه سيطرة تامة على محافظتي حلب وإدلب بالإضافة إلى أجزاء من ريف حماة، وكذلك مطار حلب الدولي ومطارات كويرس ومنغ وأبو ظهور.
تقييم العملية
تم التخطيط للمعركة قبل وقت طويل، لكن الجديد هو حجم التقدم الكبير الذي وصل إلى مدينة حلب ذات الثقل الاستراتيجي والأهمية الاقتصادية الكبرى لأسباب أبرزها:
- التخطيط الشامل والعميق من قبل الفصائل للعملية (الخلايا النائمة، المجموعات الانغماسية).
- استخدام تقنية حديثة مطورة بأيدي خبراء محليين (طائرة مسيرة هجومية).
- الإعداد العملي المرافق لكسب البيئة الاجتماعية بكافة أطيافها في المناطق التي تمت استعادتها.
- الخطاب السياسي الواعي للدول ذات الشأن بالملف السوري وخاصة التي تقف في صف النظام.
من ناحية أخرى جاءت العملية بالتزامن مع مجموعة تطورات إقليمية ودولية أدت إلى إضعاف الحالة الذهنية والمعنوية للنظام الأمر الذي استغلته فصائل المعارضة والدول الداعمة لها، ونتج عنه معطيات أهمها:
- فوز ترامب برئاسة أمريكا.
- تطورات الحرب الأوكرانية.
- حرب غزة وما نتج عنها من تحولات كبرى.
- تصاعد النشاط الإقليمي ضد إيران وميلشياتها في المنطقة.
وبخلاف ما يتم الترويج له يمكن الجزم بأن إسرائيل ليس لها علاقة مباشرة ولا غير مباشرة بالترتيب للمعركة أو توقيت إطلاقها، ما يتم الترويج له بهذا السياق لا يعدو عن كونه محاولة لتبرير ما جرى من قبل التيارات الموالية للنظام وميلشياته.
سبب الانهيار السريع لقوات النظام
لم تنسحب قوات النظام وفق أمر من القيادة العليا التابعة لها، بل ما جرى هو انهيار فعلي أصاب تلك القوات بسبب انسحاب القيادات الميدانية للقطعات العسكرية وترك العناصر لمصيرهم، الأمر الذي أدى إلى جعل تقدم قوات المعارضة سريعًا جدًّا وحوّل تأثير تقدم القوات من تكتيكي إلى استراتيجي، ميدانيًّا كذلك كان توزع دبابات وآليات النظام العشوائي على الأطراف الغربية للمدينة بالإضافة إلى انسحاب القيادة العسكرية المركزية من مدينة حلب، وترك المهام القتالية على عاتق العناصر وصف الضباط بدون إسناد قيادي له الدور الأهم بهذا الانهيار.
العودة إلى الوراء
بعد مضي ٧٢ ساعة على بدء المعركة وبالنظر إلى حجم ونوع التقديم الحاصل (استراتيجيًّا وليس تكتيكيًّا) ومع سيطرة قوات المعارضة على السفيرة ومعامل الدفاع التي تعتبر نقطة تمركز وتجمع القوات المنسحبة من حلب، بات من غير الممكن العودة إلى الوراء حتى وإن تحركت روسيا، لكن التفاهمات غير المعلنة التي تتم بين الدول والتي فرضها تقدم القوات على الأرض سيكون لها الدور الأهم بتحديد الشكل النهائي للمرحلة الحالية.
إدارة حلب
منذ اليوم الأول للعملية اعتمدت الفصائل خطابًا إعلاميًّا موجهًا وواعيًا ركز على إرسال رسالة مفادها أن الهدف الأول إرساء الاستقرار، متعهدة بمعاملة الجميع وفق مبدأ المواطنة كسوريين مهما كانت توجهاتهم وطوائفهم، وهو ما صدقته الكثير من الشواهد الموثقة التي ظهرت تباعًا بعد السيطرة على مدينة حلب.
خطة إدارة حلب تم وضعها مسبقًا من قبل إدارة عملية ردع العدوان، وستكون مشابهة لنموذج إدارة إدلب (تكنو قراط) الذي أثبت نجاحًا لا بأس به من الناحية الخدمية والأمنية والمؤسسية، وهذا ما جعل الدول المعنية متوافقة عليها بشكل مبدأي في إدارة حلب؛ كونها أثبتت أنها منضبطة إلى حد ما ومركزيتها واضحة، كما أنها قادرة على إدارة المنطقة بشكل صحيح.
مصير بشار الأسد
رغم وجوده حتى اللحظة في حميميم إلا أن مصيره لم يُحسم بعد، لكن خروج المنطقة الشمالية من يده والتي كانت تحت سلطته شكليًّا يقلل أهميته الزهيدة، ويعزز شكل مصيره النهائي إما مقتولًا أو منفيًّا، كما تجدر الإشارة إلى أن جميع الأخبار التي تتحدث عن انقلاب في دمشق غير دقيقة وأن ما جرى هو محاولة تمرد لفصيل من الجيش تم إخمادها من قبل مرتبات الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، لكن رغم ذلك فإن مصير بشار الأسد ما زال مرتبطًا بروسيا أكثر من إيران.
وضع حكومة النظام
الحكومة السورية بشكلها الحالي تحت سلطة نظام الأسد فقدت معظم قدراتها على الإدارة المركزية بكافة المجالات، وبات وجودها في دمشق شكليًّا دون شرعية فعلية تمكن مؤسساتها من ممارسة دورها المعهود ولو بالحد الأدنى، هذا إضافة إلى التدهور الكبير الذي تعرضت له خلال السنوات الماضية، وسيبقى مصير العاصمة مرتبطًا بمصير رأس النظام بشار الأسد وفق منهجية التسوية الدستورية القادم بها ترامب (إدارات لا مركزية مرتبطة بالعاصمة).
الساحل السوري
يعتبر الساحل من المناطق الاستراتيجية والمهمة أمنيًّا وعسكريًّا لروسيا، ويأتي التحرك المحدود الذي تم في محيط جبل الأكراد ضمن هدف -في حال نجح- تكوين جيب عسكري وقائي من هجمات الفصيل الإرهابي الطائفي التابع لمعراج أورال.
السويداء ودرعا
مناطق المصالحات تعتبر فعليًّا خارج سيطرة سلطة النظام رغم وجوده الشكلي فيها، وهي مهيأة للانتفاض وتغير وضعها بصورة مستمرة خاصة مع وجود حراك السويداء المنظم والمستمر منذ أكثر من سنة ونصف، وبالتالي فإن تحركهما ضروري ومهم جدًّا في دعم “ردع العدوان”، وهذا ما تم بشكل فعلي مع أول أيام العملية ثم تطور بصورة أكبر ليلة ٣٠ نوفمبر.
دير الزور
دير الزور عسكريًّا أصبحت خارج سيطرة النظام رغم وجود قواته فيها وباتت أمام مسارين:
- تقدم قوات المعارضة أكثرو والسيطرة عليها.
- تآكل النظام في ديرالزور بصورة بطيئة بحكم أن محور عملياته في المنطقة يتم تغذيته من طريق حلب – ديرالزور وليس من طريق دمشق – ديرالزور؛ الذي يعتبر ليس آمنًا بسبب وجود خلايا من داعش فيه، وخاصة في السخنة والبادية السورية، وبالتالي فإن طريق الإمداد الأهم للمليشيات من دمشق ثم حلب ثم ديرالزور، توقف فعليًّا.
وضع إيران في سورية
إيران ستضطر بسبب حسابات فرضها واقع المنطقة وواقعها الداخلي، لإعادة تمركز قواتها تمهيدًا للانسحاب الكلي من ديرالزور باتجاه البوكمال، ثم إلى الحدود العراقية وبادية الأنبار والموصل وبادية السماوة، وسيكون وجودها مرتبطًا ببقاء القوات الموالية لها وعلى رأسها الفرقة الرابعة التابعة لماهر أسد.
قسد
تم رصد اجتماع بين قوات التحالف ومجلس ديرالزور العسكري التابع لقسد لتقييم الوضع على الساحة السورية، الاجتماع عُقد قبل يومين من عملية ردع العدوان، عرض خلاله التحالف على مجلس دير الزور العسكري تقييم فكرة شن هجوم ضد النظام للسيطرة على القرى السبعة بريف دير الزور.
مجلس ديرالزور العسكري رفض فتح أي جبهة مع النظام في الوقت الحالي، ما دفع التحالف إلى فتح اتصالات مع شخصيات عشائرية في المنطقة.
فيما يخص جيوب قسد في حلب لا يمكن لها في الظرف الراهن الصمود أكثر في الشيخ مقصود ومنبج، وكانت قد بدت ظواهر ذلك منذ ١ سبتمبر قبل بدء العملية.
وعليه وبحسب تطورات الأحداث لا يزال وضع قوات قسد في شرق الفرات غير محسوم، بل مرشح لجميع الاحتمالات.
مكاسب ومخاطر
المكاسب: السيطرة على حلب والنجاح بإنشاء نموذج استقرار فيها، كمركز اقتصادي وعلى طريق دولي، ضمنه الحواجز التابعة للنظام وحلفاءه، سيحرم النظام السوري والمليشيات من الإتاوات التي كانت تفرضها على الحواجز وعلى العوائد السنوية لتجار ورجال أعمال حلب، كما سيهيئ الأرضية لعودة ما يزيد على مليون نازح ولاجئ على الأقل وبشكل طوعي فعلي عدا عن قطع شريان أساسي لتدفق المليشيات التابعة لإيران التي تمارس القتل والاحتلال والترهيب على الشعب، بالإضافة إلى الحصول على جزء من الشرعية الدولية للمعارضة مما سيكون له الأثر في تحديد مستقبل سوريا.
ما قامت به فصائل المعارضة في سوريا من استعادة مدن وبسط سيطرة واسعة على رقعة جغرافية كبيرة من الأرض يعتبر هو الفعل ومن الطبيعي أن تسعى الجهة الأخرى بكل مفاصلها لصنع ردة فعل بهدف خلق حالة من التوازن لكفتها، أو لخلق مستوى معين من الردع يحقق لها بعضًا من الاستمرار وتحقيق المكاسب وهنا يمكن تحديد المخاطر في أمرين:
الأول: كبر حجم الإنجاز الذي تم قد يفتح الباب بشكل كبير للخلافات والفتن والصراعات البينية، ما لم يسعَ العقلاء وأصحاب القرار لتحييد هذه المناطق عن هذه تلك الصراعات التي من شأنها تقويض ما تم إنجازه.
الثاني: رد الفعل المتوحش والدموي من قبل النظام وحلفائه الذين لا يجيدون الإدارة بقدر خبرتهم بالقتل وانتهاك حقوق المدنيين وهو ما بدأ فعلاً لكن بشكل غير مكثف، مما يؤكد ضرورة التوسع العسكري والعمل الحثيث في ميادين السياسة من المؤسسات المهتمة بالشأن السوري لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وتخفيف حجم رد الفعل إلى أقل قدر ممكن.
خلاصة
يتجه الوضع خلال الفترة القريبة القادمة إلى تثبيت خطوط الخريطة في سوريا وفق التطورات الميدانية الأخيرة، والتي ربما ستبقى كذلك لسنوات قادمة.
لكن ما تم كان استراتيجيًّا ولو لم يصل إلى ذروة ما يتمناه السوريون (إسقاط النظام)
أولًا من حيث اتساع المساحات التي سيطرت عليها قوات المعارضة ومن بينها المدينة الاستراتيجية حلب، بالإضافة إلى تحريك عدة جبهات ضد الأسد خارج مناطق الشمال، وخاصة في درعا والسويداء ومناطق من حمص ودير الزور، والأهم هو بدء تزعزع ثقة الحاضنة العلوية بقدرة النظام على حمايتهم.
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2024