الاصداراتمتفرقات 1مقال رأي

مبدأ العدلين: دراسة قرآنية في مجالي الدعوة والدولة. "للمناقشة والحوار"

مبدأ العدلين (2)
 
القران الكريم يدعو الإنسان، ويوجِّهه، وينوره، ويرسم له المبادئ والقيم الأساسية في مجالي الإيمان والحياة؛ ولا شكَّ أنَّ التعمق الموضوعي في القرآن الكريم يوصل إلى نتيجة مفادها أنه جاء لمهمتين أساسيتين هما: العدل مع الله، والعدالة مع الناس.
فالعدل مع الله –عز وجل- جوهره ومقصده الأساسي؛ معرفته إلهاً خالقاً ورباً معبوداً دون سواه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والعدالة مع الناس والحياة جوهره ومقصده الأساسي؛ هو أن الإنسان مخلوق مكرَّم (ولقد كرَّمنا بني آدم) -سورة الإسراء آية70
وينظَّم هذا التكريم بتشريعاتٍ وقوانينَ تحمي حقوق الإنسان والبيئة معاً، دون تمييز أو إقصاء، أو إجحاف، أو إرهاب، من السلطة أو الدولة، أو من المنظمات، أو الأشخاص. إذاً فالعدالة مع الناس تنبثق من نظام عادل يعم الجميع، ويعم كافة مرافق الحياة فالحرية عمادهُ وذروة سنامهِ؛ ولا معنى للحرية إلا بنبذ الإكراه والكراهية تصوراً وسلوكاً وممارسةً، وبالتسامح وقبول الآخر والمواطنة ثقافةً وقانوناً ونظاماً.
ولو أمعتَ النظر كباحثٍ محايد لا كمسلمٍ ملتزمٍ أو إسلاميّ منظّم، لرأيتَ أنّ القرآن يخاطب الإنسان من أوله في سورة الفاتحة إلى آخر كلمة في سورة الناس، حيث تنتهي بكلمة الناس – أي كل البشر- دون العقائد والانتماءات. فالقرآن إما أنه يكلِّم الإنسان مباشرةً أو غير مباشر في شؤونه الدنيوية أو الأخرويِّة توجيهاً أو تذكيراً أو تبشيراً أو تخويفاً من عواقب الأمور، ويسرد للإنسان ما جرى وما سيجري وينبه، الإنسان ويقيم الحجة البالغة ويأتي بالأمثلة من الذبابة إلى خلق الكون، كما أخبر عن نفسه -عز وجل- “إن الله لا يستحْيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةٍ فما فوقها” – سورة البقرة آية 26.
فحق الإنسان على الإنسان وحقُّه الله على عباده مرسوم مذكور بمبادئ وقيم ثابتة إما بقواعد وأصول أو بتفاصيل في ثنايا القصص أو التوجيهات حسب النزول على الأحداث. فخلاصة حق الله على عباده:
التوحيد أو معرفة الله بالوحدانية دون شريك أو ندٍ وأنَّه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنّ له الخلق والأمر، وأنه خالقٌ دون سواه وهو أحسن الخالقين، وهو الحق والباقي، وأن كل شيءٍ هالك إلا وجهه، وله الملك في الدنيا والآخرة، بيده مقاليد السماوات والأرض، وهو الحي القيوم والمحيي والمميت، وإليه يُرجع الأمر كله، فهو القادر والقدير والمقتدر فلا شيء خارج علمه وإرادته وقدرته، وهو الحافظ والحفيظ والبصير والرقيب والحسيب عالم الغيب والشهادة فلا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، وعد الموحدين بالجنة والمشركين والكافرين والمنافقين بالنار، وعدهُ الحق، ووعيدهُ الحق فيبقى في الجنة الموحدُ خالداً، ويبقى في النار المشرك خالداً، ويبقى للأعمال ميزاناً، فكل حسب عمله ونيته وتوبته.
أما العدالة مع الناس فتأتي من الأصل الذي يقول: أن البشر خلق من نفس واحدة، وأن الوظيفة واحدة، وأن المصير إلى الموت والآخرة واحد، لذلك فإن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على الآخر في الدنيا إلاّ وفق الالتزام أو عدمه بالقيم وقواعد سلوك الحياة، وأما في الآخرة فالمعيار للتفاضل هو التقوى وممارسة الخير في الحياة تجاه الحياة وعباد الله.
لتحميل المقال من هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى