كيف أصبحت قطر وسيطًا في الأزمات؟
ترجمة من الفرنسية
قبل عدة أيام، وقّع الهلال الأحمر القطري اتفاقية بمبلغ يُقارب 4.5 مليار دولار مع الأونروا، وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين، لمساعدة سكان غزة العالقين في الضفة الغربية منذ بداية الحرب. وهذا مثال من بين العديد من التدخلات التي قامت بها الدوحة من أجل التعويض عن الخسائر والأضرار التي ارتُكبت ضد السكان الفلسطينيين منذ إطلاق الردّ الإسرائيلي على هجمات 7 أكتوبر 2023.
منذ بداية الحرب في غزة، لعبت قطر دورًا رئيسيًّا على عدة جبهات مع الولايات المتحدة ومصر لمحاولة وضع حد للصراع الدموي الذي تسبب بسقوط ما يقرب من 40 ألف ضحية وفقًا للأرقام المتوفرة التي قدمتها حماس. تعمل قطر كذلك على التوصل دبلوماسيًّا إلى وقف إطلاق نار بين الطرفين، وكذلك إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين كتتويج لعملية تجعل من الممكن الاستعداد لفترة ما بعد الحرب.
لسوء الحظ، حتى يومنا هذا، فإن تعنت بنيامين نتنياهو، الذي بدلاً من الاعتراف بمسؤوليته عن المذابح التي ارتكبت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، عمل بتهور لجعل المدنيين الفلسطينيين هدفًا مفضلاً له وهاجم سكان غزة للانتقام، ووعد وعدًا مستحيل التنفيذ بالقضاء على حماس والحفاظ على السكان المدنيين.
هناك الكثير من القتلى في غزة، وهناك أيضًا الكثير من الإصابات. وقطر، مثل نشاطها في أفغانستان عند فك الارتباط الغربي بعد استعادة طالبان كابول، تسعى إلى ترسيخ نفسها كوسيط في الصراعات الإقليمية، ولكن أيضًا باعتبارها جهة فاعلة إنسانية. ولهذا الهدف أيضًا ترحب بالمئات من الجرحى من غزة، وخاصة الأطفال. وبما أن قطر استضافت آلاف اللاجئين الأفغان في عام 2021، فإنها تقوم برعاية الأطفال المصابين في غزة فيما يعرف بـ”مدينة الأطفال الجرحى”. فـفي المجمع الذي خُصص بشكل أساسي لكأس العالم 2022، قامت الدوحة بإنشاء مستشفى ميداني. يتم فيه الاعتناء بهؤلاء الأطفال المصابين ومبتوري الأطراف والأيتام ورعايتهم باستخدام أحدث المعدات. يتم تزويدهم فيه بأطراف صناعية ومساعدتهم لاستعادة بعض قدراتهم على الحركة والاستقلالية.
جهة فاعلة إقليمية رئيسية
وفي ضواحي الدوحة، بدت رغبة أمير قطر بالترحيب بجرحى الحرب من نوع معين والذين يحتاجون إلى رعاية متخصصة للغاية. ويتم كل شيء بالتنسيق مع عدد من المنظمات الإنسانية في الدوحة وكذلك في غزة التي تتولى مهمة إخراج الأطفال. كذلك يتم الاعتناء بعائلاتهم وإيوائها وإطعامها وتنظيفها وتقديم الدعم النفسي لها. هؤلاء الأشخاص جميعهم ضحايا لضغوط ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق. الحرب التي يشنها نتنياهو منذ 7 أكتوبر لم تستثن الأطفال. فـهم، إلى جانب النساء، الضحايا الرئيسيون للصراع الذي لا نهاية له في الأفق.
وفي مواجهة الانسحاب الأميركي والشلل التام للمجتمع الدولي، تسعى الدوحة إلى أن تكون جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد للتوسط في الأزمات الدولية، حيث تكشف القوى الغربية الكبرى والأمم المتحدة عن نفسها اليوم عاجزة عن الوقاية، وحتى عن العلاج. هذه المساعي هي أيضًا بالنسبة لقطر ضمانة للمستقبل، ورغبة في إدراج نهجها في إطار القانون الدولي والقانون الإنساني، سواء كانت وساطاتها في حالة حرب أم لا، وعلى نطاق أوسع في إطار العددية الدولية التي كادت تنتهي منذ ولاية دونالد ترامب على البيت الأبيض.
إن مرونة السياسة القطرية والفوائد التي يمكن جنيها من مساهماتها هذه، سوف تظهر في براغميتها مستقبلاً. وفي تركيزها على مراكز القوة عالميًّا، وفي الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة وروابطها مع الصين، ورصيدها في قوى الجنوب العالمي، وقدرتها على استيعاب الحلفاء الاستراتيجيين كتركيا وإيران. علاوة على ذلك، فمن خلال دفاعها عن التعددية والقانون الإنساني، تعمل قطر على تبديد العديد من الأفكار المسبقة المتداولة حول هذا الموضوع. وكذلك في مواجهة تراجع الوسطاء الغربيين التقليديين، الذين عفا عليهم الزمن إلى حد كبير اليوم في أفغانستان كما في غزة، أو في أي مكان آخر في أفريقيا، والتعقيد المتزايد في الأزمات الإقليمية، فإن هذا هو أيضًا دور قطر، الوسيط المحلي الاستراتيجي.
رابط المقال الأصلي من هنا.
بقلم سيباستيان بوسوي، دكتور في العلوم السياسية، باحث في الجغرافيا السياسية للعالم العربي – صحيفة لا تريبون 17 سبتمبر 2024
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2024