*ترجمة من الفرنسية للباحث: ابراهيم قنبر
يحذر الباحث لويس مارتينيز من أن الانقلاب في النيجر يهدد بإضعاف دولة تعاني أصلا من فقر مدقع وتعتمد بشكل كبير على الدول الغربية والاتحاد الأوروبي التي استثمرت في اليورانيوم وقدمت مساعدات إنمائية كبيرة للبلاد، إلا أن الجماعات الجهادية هي التي يمكن أن تستفيد من كل تلك المشاريع نهاية المطاف.
وفي سياق التعاون الأمني في منطقة الساحل، اعتبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا النيجر دولة رئيسية في محاربة الجماعات الجهادية والسيطرة على الهجرة، إلى أن جاء الانقلاب ليعطل استراتيجية الدول الغربية ويثير مخاوف جمة من حدوث تحول في النيجر إلى تعاون أوثق مع روسيا وميليشيا فاغنر التابعة لها، على غرار ما حصل في مالي وبوركينا فاسو.
ولمنع مثل هذا التحول، فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية ومالية ضد الانقلابيين على أمل تراجعهم عن تحركهم هذا، كما لوحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بالتدخل العسكري من أجل استعادة “النظام الدستوري”، أما سكان النيجر، الذين عانوا خلال عقد من الزمن من العنف الجهادي والعديد من الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي، يحمل ما هو قادم أيامًا أكثر صعوبة عليهم.
الفقر والتبعية
في الواقع، تعتبر النيجر واحدة من أفقر دول العالم، ذلك على الرغم من ثرواتها الباطنية، فهي دولة غير ساحلية، تعتمد على جيرانها في تجارتها، وتعتمد كذلك بشكل كبير على مساعدات التنمية الدولية التي تمثل 40٪ من ميزانيتها. حيث أثار اعتمادها هذا انتقادات عديدة من المجتمع المدني ضد الدول المانحة (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وسويسرا والدنمارك)، بسبب سوء استخدام هذه المساعدات، وكذلك بسبب الضعف الهيكلي للنيجر.
وحسب منظمة أوكسفام فإن النيجر رابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، مع ذلك لا يساهم منتج التصدير الرئيس هذا سوى بنسبة 4 إلى 5٪ من ميزانيتها. وفي الواقع، وبدلاً من تشجيع هذه الدولة ومساعدتها على تطوير نظامها الضريبي القادر على إنتاج موارد وطنية، فإن العكس يحصل بالعمل مع أنظمة ضريبية يمكنها جذب مجموعات دولية كبيرة في قطاعي التعدين والبترول، هذه المزايا لا يمكن تبريرها بقوانين السوق، إنما بفساد القادة السياسيين وكبار المسؤولين، حيث تم بين عامي 2014 و 2019 اختلاس 32 مليار فرنك أفريقي.
فرنسا واليورانيوم
بالإضافة إلى الفساد، أثار استغلال رواسب اليورانيوم في النيجر لفترة طويلة انتقادات لمخاطره الصحية وفوائده المتدنية لهذا القطاع على السكان، وهو أحد أفقر سكان العالم. لذلك تكافح منظمة Aghir In’man غير الحكومية منذ سنوات لرفع مستوى الوعي بتأثير أنشطة تعدين اليورانيوم في النيجر. أما بالنسبة لفرنسا، ومع أن النيجر هي زبونها السابع عشر فقط، إلا أنها تعدها بلدًا استراتيجيًّا في توريدها لليورانيوم الذي يُستخرج في مناجم الشمال، بالقرب من مدينة أرليت، حيث قُدر عام 2021 أن 20٪ من اليورانيوم المستخرج من النيجر تستخدمه محطات الطاقة النووية في فرنسا.
ستظهر النتائج الاجتماعية لتعليق المساعدة قريباً في قطاعات مثل التعليم والصحة والزراعة. وبعد تهديدات التدخل العسكري الإقليمي، لن يكتفي الانقلابيون بزيادة الإنفاق العسكري الذي تضاعف ثلاث مرات لاحتواء تقدم الجهاديين، بل سيتوقفون أيضًا عن السيطرة على تدفقات الهجرة من جهة لتقليل التوترات الاجتماعية الداخلية في البلاد، ومن جهة ثانية لإجبار الاتحاد الأوروبي على مراجعة موقفه.
التزام الاتحاد الأوروبي
في منطقة الساحل، يعمل الاتحاد الأوروبي مع هذا البلد على تطوير “شراكة عملية لمكافحة تهريب المهاجرين”، لذلك فإن النيجر يعدّ أحد المستفيدين الرئيسيين من أموال التنمية الأوروبية. ووفقًا للاتحاد الأوروبي، تهدف هذه الشراكة إلى “تفكيك الشبكات الإجرامية المسؤولة عن الإتجار بالبشر وتقديم بدائل اقتصادية حقيقية للأشخاص الذين يسعون إلى حياة أفضل في النيجر”.
وأصبحت النيجر في منطقة الساحل، حسب وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، كالمغرب في البحر الأبيض المتوسط: شريكًا استراتيجيًا في حربه ضد الهجرة. ويتعلق الأمر، حسب الاتحاد الأوروبي كذلك، بتحويل آلاف النيجيريين الذين يعملون في قطاع الهجرة إلى أنشطة اقتصادية أخرى مثل القطاع الزراعي.
المشاريع الزراعية والبيئية
للحد من النزاعات العديدة على الأراضي بين البدو والرعاة، اتخذت النيجر من تنمية الزراعة وسيلة وقائية ضد الجهاديين. لذلك قد تؤدي عزلة النيجر إلى تعريض العديد من المشاريع الحيوية لمئات الآلاف من السكان، والتي تنفذها مئات المنظمات غير الحكومية للخطر، مثل مشروع دعم الرعي الإقليمي أو مبادرة الري التي تنفذها اللجنة الدائمة المشتركة للدول المكافحة للجفاف في منطقة الساحل (CILSS).
تعد الأزمة الإقليمية اختبارًا حقيقيا للتعاون الدولي لإنقاذ النيجر التي يعيش على أرضها ملايين السكان في مواجهة النمو السكانية المتسارع؛ إذ من المفترض أن يتجاوز عدد سكانها 60 مليون نسمة بحلول عام 2050. هذا البلد لا تنقصه الموارد لتكوين ثروة تساهم في نموه، ولكن الأنظمة السياسية السابقة أسست نظام فساد كان سيقضي على “الديمقراطية الفتية” في البلاد. لذلك فإن الآثار السياسية لعزلة النيجر لن ينتج عنها سوى فائز واحد: الجماعات الجهادية التي لن تتوانى عن استغلال الأزمات المتعددة الآتية في هذا البلد الذي كان حتى حين مستقراً وآمناً.
بقلم لويس مارتينز باحث بشؤون الجماعات الجهادية في أفريقيا صحيفة لا كروا ١٤ أغسطس ٢٠٢٣
رابط المقال الأصلي من هنا
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2023