الاصداراتمتفرقات 1

روسيا وسوريا من القوتلي إلى الأسد الصغير

%d8%b1%d9%88%d8%b3%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7s

عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وابتعاد الرايخ الألماني وما ألم بالدول من أضرار، لم يبقَ آنذاك في الملعب الدولي سوى الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وما ثار بينهما من صراع انقلب إلى صراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، الأول بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، والثاني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وما انبثق عن ذلك من حروب بالإنابة وصراع غير مباشر بين هاتين الدولتين في الأسلحة الدولية.

آنذاك كان عالمنا العربي دائراً في فلك الصراع مع الكيان الصهيوني المحتل وما تخللته هذه الفترة الممتدة من عام 1945 إلى عام 1991، من نكسات ونكبات أبت أن تنتهي إلى الآن رغم انتهاء مرحلة الصراع المباشر. كانت سوريا آنذاك منتقلة من حكم إلى آخر، ومن انقلاب إلى آخر، تخللته عملية دخولها في الجمهورية العربية المتحدة وانفصالها عنه بعد ثلاث سنوات عام 1961.

كانت سوريا إلى ذلك الوقت مربوطة كامل الربط مع روسيا، بعد سماع روسيا نصيحة بطرس الأكبر الشهيرة تقدموا ما استطعتم نحو الأستانة والهند، إن من يحكمها سيكون سيد العالم بلا منازع والذي قد سمع النصيحة إيفان الرهيب في البداية. فضلاً عن الدوافع الاقتصادية التي دفعت الاتحاد السوفيتي إلى ذلك وأهمها: الحصول على المواد الأولية التي لا يتمتع الاتحاد السوفييتي باكتفاء ذاتي فيها، واستثمار العلاقات التجارية بغاية الحصول على العملات الصعبة آنذاك في ظل الصراع الدائر مع المعسكر الرأسمالي، بالإضافة إلى الهدف البارز في وضع حد للنفوذ الأمريكي في المنطقة.

وتخللت مرحلة الحرب الباردة علاقات اقتصادية وثيقة بين البلدين، فمن الستينات وحتى فترة التسعينات بلغ عدد المشاريع الاقتصادية بين البلدين أكثر من 60 مشروعاً، ومن هذه المشاريع سد الفرات الذي حصلت بموجبه سوريا على قرض 120 مليون روبل عام 1966، بالإضافة إلى مشاريع أخرى لبناء مصانع لإنتاج أنابيب الحديد والصلب ومصنع لإنتاج قضبان وصفائح الألومنيوم، ومصانع النسيج والسكر والإطارات وغيرها. بالإضافة إلى سلسلة المحطات الكهرومائية على نهر الفرات، والعقدة المائية مع المحطة الكهرومائية «البعث»، والمنشأة المائية مع المحطة الكهرومائية «تشرين». ولا نغفل اتفاقية التعاون الاقتصادي الفني الموقعة عام 1972، واكتشاف الاتحاد السوفييتي حقول النفط في شمال شرقي سوريا، وإنشاء خط أنابيب لنقل المشتقات النفطية بين حمص وحلب بطول 180 كم. كذلك فقد وصلت قيمة الصادرات السورية إلى روسيا بين عام 1990 و1998 إلى أكثر من مليار دولار وأربعمائة جنيه إسترليني، وفي المقابل ارتفعت صادرات روسيا الاتحادية إلى سوريا من 95 مليون دولار عام 2000 إلى 138 مليون دولار عام 2002.

وإضافة إلى العلاقات الاقتصادية، وضع افتتاح القنصلية الروسية في دمشق بداية العلاقات الرسمية بين سوريا وروسيا، وقامت روسيا بفتح قنصلية لها  في ميناء اللاذقية أيضاً.

هذا ولابد من الحديث عن الدعم العسكري لسوريا من الاتحاد السوفيتي في حرب العرب ضد إسرائيل. ففي عام 1963 أقيم مركز الدعم المادي التقني للأسطول البحري السوفيتي في ميناء طرطوس السوري، هذا إضافة إلى الأسلحة المقدمة منه أيضاً وبكميات كبيرة؛ مما أدى بعد ذلك إلى ارتفاع المديونية السوفيتية على سوريا، فوصلت بذلك إلى 13 مليار دولار عام 1992.

جاء بعد هذه الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وما رافقها من أزمات وعمليات انكماش إلى الداخل الروسي الجديد، وما صاحبه من إصلاحات أيضا شغلها «بوريس يلتسن» قبل وصول «فلاديمير بوتن» إلى السلطة، ليشهد العالم مع وصوله ولتشهد روسيا معه بشكل خاص إصلاحات ترمي إلى النهوض بروسيا لتكون الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي.

ومع اندلاع الربيع العربي ووصول الشرار وتطايره في سوريا، كان لابد للدب الروسي من التدخل والوقوف مع النظام السوري. يغفل كثيرون عن الأهمية التي تتمتع بها سوريا والتي تشكل لروسيا -طبقاً للمنظور الجيوسياسي-المنفذ الحيوي والوحيد للشرق الأوسط. كما تعد قاعدة طرطوس البحرية العسكرية آخر موقع بحري لأسطول روسيا بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة بعد قيام الرئيس السوري بشار الأسد عام 2008 بتحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة ثابتة للسفن النووية الروسية في الشرق الأوسط.

لتحميل المقال إضغط هنا

 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى