الاصداراتتقدير موقفمتفرقات 1

رسائل عبر الجثث (أحداث شارلي إيبدو)

4170

       جاءت العملية الإرهابية على صحيفة شارلي ايبدو؛ لتؤجج الوضع المتأزم في الأصل، حيث في كل مرة يتم نشر كاركاتير في الغرب يستهزئ من رموز الإسلام، يثار نفس السؤال، أين تقف حرية التعبير؟ وأين يقف احترام الأديان والحفاظ على الوحدة الوطنية؟ لم تكن هذه العملية الإرهابية إلا حبّة في مسبحة طويلة من الخلاف الغربي الإسلامي، والليبرالي الإسلامي، ودوماً يتم البحث عن المستفيد من وراء هذه الأحداث، لنجد أن الغرب ذاته في الحقيقة غير مستفيد من إثارة هذه الخلافات، حيث أن نسبة كبيرة من مواطني الدول الغربية من المسلمين، وهناك مصالح كثيرة للغرب في العالم الإسلامي، عدا عن تضرر صورة الغرب المنفتح والقادر على “استيعاب الآخر”، وإقامة دولة المواطنة بين المواطنين بغض النظر عن الدين والعرق والأصل.
ومن جهة أخرى يقف العالم الإسلامي في كل مرة يتم التعدي فيها على رموز الإسلام، نفس الموقف المحتج والعصبي والغاضب، دون تغيير حقيقي وفعّال على أرض الواقع في ديار الإسلام، حيث الفقر والمرض والفساد والقتل على الهوية الطائفية. كل ذلك أيضاً لا يرضي الرسول صلى الله عليه وسلّم، ويسيء إلى صورة الإسلام أكثر مما تسيء تلك الرسوم الكاريكاتيرية.
إن هذه العملية وما شابهها لا تثير خلافات جديدة في الحقيقة، ولكنها تفجّر خلافات قديمة لم تحسم منذ زمن. ويبدو أن الكثير من الفرنسيين قد تناسوا قولاً شهيراً لمفكر فرنسي كبير هو مونتسكيو، حيث قال:” تنتهي حريتك، عندما تبدأ حرية الآخرين”.
 
تمهيد:
في صباح(7-1-2015)، اقتحم مسلحيَن -قالت عنهم فرنسا فيما بعد أنهم الأخوين سعيد وشريف كواشي وهما فرنسيين من أصل جزائري-مجلة شارلي ايبدو في باريس، وأطلقا الرصاص على الصحفيين والمحررين في المجلة، حيث تم قتل (12) شخصاً غير الجرحى. ويذكر أن الأخوين لهما علاقات بتنظيم القاعدة، وهذا التنظيم الذي أعلن بدوره تبنيه لهذه العملية انتقاماً من المجلة؛ لنشرها سابقاً رسوماً كاريكاتيرية مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم. وبعد البحث عنهما تبيّن أنهما قد فرّا إلى شمال فرنسا، حيث تم رصدهما في مطبعة، وأعلنا أنهما لن يستسلما وسوف يقاتلان حتى الموت، وبالفعل تم قتلهما خلال مداهمة المطبعة.
وبالتوازي مع أحداث مجلة شارلي ايبدو، قام فرنسي من أصل سنغالي باحتجاز عدد من الرهائن في متجر للأطعمة اليهودية، وتم قتله من قبل قوات الأمن الفرنسية، لكنه تمكن من قتل أربعة من الرهائن.
 
تداعيات عملية شارلي ايبدو:
هناك آراء كثيرة في هذه الأحداث، فمنهم من رآها عملية إرهابية صرفة، لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، ومنهم من رأى فيها عملية انتقامية من سخرية الغرب من أهم رمز من رموز الإسلام، وأن هناك استخفاف بالمسلمين وعدم مراعاة لمشاعرهم الدينية، وهناك من رأي في هذه الأحداث عملية استخباراتية معقدة، قد يكون لأطراف أخرى كإسرائيل يداً فيها كانتقام من البرلمان الفرنسي الذي صوت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين.
لقد أثارت هذه الأحداث ردة فعل عميقة في الشارع الفرنسي والغربي عامة، حيث اعتبر الإعلام الغربي أن هذه العملية فيها محاولة تجاوز صارخ على حرية التعبير والعلمانية، وطريقة عيش الغرب، وعلى قيمة الحرية المقدسة لديهم، والتي دفع ثمناً غالياً للحصول عليها، بجوار كونها “مجزرة إرهابية”. كما أنه لايجوز للمسلمين وبالذات المهاجرين للغرب، أن يفرضوا دينهم وآراءهم على مجتمعات هم ليسوا من نسيجها الأصلي.
وتأتي هذه العملية لتعزز “الإسلاموفوبيا” لدى الغرب، حيث بدأت صورة الإسلامي التقليدي بالرسوخ لدى الكثيرين هناك، بأنه ذلك الشخص الخشن والذي يحتقر النساء والقانون والحضارة والحرية، ويلبس زيّاً عربياً تقليدياً، رغم وجود أصوات عقلانية متنورة في الغرب تضع الأمور في نصابها، إلا أنها بدأت تضعف شيئا فشيئاً. وربما جاءت المخاوف من أن هذه العملية جاءت بأيدي مهاجرين مسلمين إلى فرنسا، وإن كانوا مواطنين، مما يعني أن الخطر داخل دول الاتحاد الأوربي وليس قادم فقط من خارج الحدود.
ومن جهة أخرى تأتي هذه العملية لتزيد صعوبة عيش المسلمين في الغرب، وبالذات في فرنسا، حيث ستزيد عزلتهم وسوف ترتفع الأصوات المتطرفة والراغبة بطرد المسلمين، أو الحد من بناء المساجد، ولبس الحجاب، وأي حريات دينية أخرى للمسلمين.
لماذا فرنسا بالذات؟!
تعتبر فرنسا وبريطانيا دولتين مركزيتين بالنسبة لتاريخ الاستعمار في العالم العربي والإسلامي، حيث استعمرتا بلداناً كثيرة ومناطق شاسعة من العالم الإسلامي، وعند خروج الاستعمار بشكله المباشر من العالم الإسلامي، تم هجرة الكثيرين من هذه البلدان إلى فرنسا بالذات، ولاسيما من الجزائر، حيث استعمرت فرنسا الجزائر لمدة(132) سنة. وحيث تقدّر أعداد المسلمين في فرنسا والمقيمين بشكل شرعي أو غير شرعي بأكثر من سبعة ملايين شخص، ولطالما استفادت منهم فرنسا كأيدي عاملة نشيطة ورخيصة، وكذلك في الجيوش الفرنسية، فيما كانت فرنسا تحارب على كثير من الجبهات. ولطالما عمل هؤلاء في الأعمال الدنيا في المجتمع الفرنسي، ولكن فور حدوث الأزمات الاقتصادية بدأ المجتمع الفرنسي يتململ من هؤلاء المسلمين، ومن ناحية أخرى بدأ المجتمع الإسلامي في فرنسا بالنهوض والبحث عن فرص أفضل في العمل، والبحث عن هويته الإسلامية وسط تهميش اقتصادي واجتماعي وثقافي، حيث نسب البطالة عالية، والخدمات سيئة في مناطق المسلمين.  وأن الحكومة لا تشجع المسلمين الفرنسيين على الاندماج في المجتمع الفرنسي، ولكن الجهات الحكومية ترد على ذلك بأن المسلمين لا يفضلون الاندماج، وأن نسبة العنف عالية في مناطقهم، وتعتبر مناطقهم منغلقة بالنسبة لباقي مكونات المجتمع الفرنسي، وهم يعيشون في جيتوهات للحفاظ على هويتهم، بل أن الكثير منهم لا يتقن اللغة الفرنسية. وفي خضم هذه الأزمة المادية والثقافية للمجتمع الإسلامي في فرنسا، يصبح من السهولة تجنيد شباب فرنسيين مسلميين لغايات “الجهاد” سواء في سوريا أو العراق أو بلدانهم في الغرب.
ماهي الأضرار التي خلّفتها عملية شارلي ايبدو؟
يبدو أن رشقات الرصاص التي أطلقها المتطرفون في صحيفة شارلي ايبدو أصابت أكثر من جهة، سواء في فرنسا أو أوروبا عامة، أو المسلمين المهاجرين وحتى العالم الإسلامي.

  • أثر العملية على فرنسا وأوروبا:

لطالما تباهت فرنسا بقدرتها على الدمج الثقافي، ودمج مواطنيها تحت مظلة المواطنة والقانون، ولكن يبدو أن هذه الحقبة أصبحت من التاريخ منذ مدة ليست بالقصيرة، حيث يعاني المهاجرون وبالذات المسلمون من تمييز واضح، سواء على صعيد العمل أو الدراسة أو الخدمات في مناطقهم، أو حتى الحياة العادية. وأصبح انتشار خطاب الكراهية والعنصرية، وصعود الأحزاب والحركات اليمينية وبالذات المتطرف منها، جزءاً من الواقع الفرنسي والأوربي بشكل عام، حيث بدأت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنسا-وهي مثال على الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا-في الحصول على مقاعد أكثر في كل انتخابات برلمانية جديدة. هذه الحركة التي تريد طرد المسلمين وتهميشهم واضطهادهم، والاعتداء على رموزهم الدينية، من حجاب ومساجد وغيرها.
إن صعود هذه الأحزاب والحركات يشكل شرخاً في المجتمع الفرنسي والمجتمعات الأوروبية، حيث لم يعد المسلمين كمواطنين يشعرون بالطمأنينة والمساواة بينهم وبين بقية الفرنسيين على قاعدة المواطنة. بل إن صعود هذه الأحزاب والحركات بدأ يشكّل ضربة للأحزاب اليسارية المعتدلة، التي تنادي بالدمج الثقافي والمساواة، مما يؤدي أن يضطر المسلمون إلى الانكماش والعيش داخل جيوب مغلقة؛ لحماية أنفسهم وثقافتهم، مما يزيد من حدة البعد بين مكونات المجتمع الواحد، وكلما استمر هذا الوضع سوف تتراكم الكراهية بين المسلمين وبقية عناصر المجتمع الفرنسي والأوروبي، مما يسهّل اختراق المتطرفين الإسلاميين للشباب المسلم في هذه البلدان، الذي يشعر أن لا مستقبل له في الغرب، وأنه مواطن من الدرجة الثانية.
كذلك إن هذه العملية قد امتد تأثيرها إلى حد المطالبة بتعديل اتفاقية (شنغن)، حيث طالبت فرنسا وإسبانيا بالسماح للدول داخل الاتحاد الأوروبي بالتفتيش على حدود كل دولة على حدة، بالإضافة للتفتيش على حدود الاتحاد الأوروبي، بل إن أمريكا طالبت بعقد مؤتمر سريع لبحث تسارع العمليات الإرهابية في الغرب. كل ذلك يؤثر على البنى السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأمنية للعالم الغربي.

  • أثر عملية شارلي ايبدو على الأزمة السورية:

من الواضح أن أكبر المستفيدين من هذه العملية هو النظام السوري، حيث تلقّى النظام ومؤيديه خبر هذه العملية كنوع من البرهنة للغرب أن أي تأييد للثورة السورية هو تأييد مباشر للإرهاب، وأن لا فرق بين إسلامي معتدل وآخر متطرف، حيث أن الجميع كما يزعمون”يكره الغرب”، ويتيحون الفرص للقيام بعمليات مشابهة، في وقت كانت بعض الأطراف السورية والعربية والإقليمية تحاول إقناع الغرب بتسليح الثورة السورية، أو على الأقل تدريب بعض المقاتلين من الجيش الحر المعتدل، وسوف يؤكد المستقبل أن عملية شارلي ايبدو أضرت بالثورة السورية، حيث سينظر لنظام الأسد بشكل أكبر كسد أمام المجموعات الإسلامية الإرهابية، والتي في حال انهار النظام السوري سوف تصبح سوريا ملاذاً آمناً لهذه المجموعات، والتي سرعان ما سوف تتوجه كموجات للنيل من الغرب، إن نظام الأسد يقدّم نفسه كنظام علماني قادر على كبح جماح المجموعات الإسلامية المتطرفة، والقادر أيضاً على إيجاد نوع من السلام البارد مع إسرائيل دون أن تضرر الأخيرة، بل أنه يحميها من هذه الجماعات في النهاية. إن هذه العملية سيدفع ثمنها المواطنون السوريون في القرى والمدن، جرّاء إرهاب النظام السوري بشكل أكبر مما دفعته فرنسا.
ج-أثر عملية شارلي ايبدو على النظرة للإسلام والمسلمين:
لقد وسّعت عملية شارلي ايبدو الهوّة ليس فقط بين العالم الإسلامي والغرب، ولكن بين المسلمين أنفسهم، بين معتدل يرى أن علاج هذا التعدّي والتجاوز على نبي الأمة وقائدها لا يكون بالقتل، حتى على من قام بهذه الإساءة، ولكن بالحوار وشرح هذا الدين بشكل أفضل للآخر، وتقديم نماذج طيبة من المسلمين أنفسهم، وبالتقدّم في العالم الإسلامي، وبالتسامح والعدل. ورغم هذا الاستنكار للقتل إلا أنه يجب في الجهة الأخرى على الغرب أن يعي خصوصية الثقافية الإسلامية، والاحترام الكبير الذي يكنه المسلمون لرموزهم الدينية، وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الأمر يتجاوز بكثير حرية التعبير، كذلك يعتبر المعتدلون أن القتل يكرّس الصورة النمطية التي يحملها الغرب عن الإسلام، بأنه دين عنيف يحض على الكراهية. ومن الواضح أن جهات كثيرة في الغرب تتجه لاعتبار كل المسلمين متشددين، وأن لا وسطية في الإسلام. حيث يزعمون أن الإرهاب ينبع من صلب الإسلام وأنه دين لا يمكن أن يتكيّف مع وجود دولة القانون، ويصطدم بشكل مباشر مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتكافؤ بين الرجال والنساء، ويتحمل المسلمون أنفسهم وزراً كبيراً من هذه الصورة، حيث أن الغرب لا يؤمن إلا بما يراه، ولا يرى في ديار المسلمين في الأغلب إلا الفقر والجهل، والقتل والمرض والفساد، ويعتبر أن أي حديث من المسلمين حول أن الإسلام دين الاعتدال والتسامح وقبول الآخر والرحمة، ليس إلا مواعظ لا صدى لها على أرض الواقع. وإن كان الغرب ذاته يتحمل وزر جزء من واقع المسلمين، حيث استعمر هذا الغرب العالم الإسلامي مدة طويلة، ونهب خيراته، وزرع أنظمة فاسدة وحماها عقوداً طويلة، دون أن يلتفت لحقوق الإنسان والشفافية أو أي معيار آخر إلا مصالح ذاته.
يبدو أن العالم الإسلامي في هذه الأوقات، أقرب إلى صورة الحرب الأهلية بين أبنائه وطوائفه وأنظمته، وكذلك بين متشدد ومعتدل. وكذلك المسلمون يرون أنفسهم وبلدانهم ومستقبلهم الآن في مهب الريح.
 
د- أثر عملية شارلي ايبدو على القضية الفلسطينية:
من الواضح أن المستفيدين من هذه العملية بشكل أساسي هم إسرائيل ونظام الأسد، حيث طالما صورت إسرائيل نفسها كنقطة ضوء في وسط عربي إسلامي معتم، وأنها الدولة الوحيدة الديمقراطية الوحيدة في شرق أوسط استبدادي. إن هذه العملية ساعدت إسرائيل لتثبيت نفسها كوكيل للعالم الغربي في المنطقة، وأنها السد الأول في مواجهة التطرف والإرهاب الإسلامي، وأن كل ما تقوم به من قتل للفلسطينين أو احتلال لأرضهم أو أراضِ غيرهم، هي إجراءات ضرورية للحفاظ على نفسها من طوفان المسلمين المتطرفين، الذين يريدون رمي اليهود في البحر كما يزعمون، وأن على العالم الغربي مساعدتها بشكل أكبر، وبلا تحفظ وبكل الأشكال، ليس للحفاظ على وجودها فقط؛ بل كذلك للحفاظ على مصالح الغرب وعلى ديمقراطيته ونمط عيشه وأمنه. وربما ساعد إسرائيل على ذلك؛ التعاطف معها جرّاء مقتل أربعة من اليهود في فرنسا في متجر للأطعمة اليهودية، في عملية متقاربة زمنياً مع عملية شارلي ايبدو. أصبح من السهل ومن المقبول الآن على الغرب بشكل أكبر أن يتقبّل أية إجراءات قمعية تقوم بها إسرائيل تجاه الفلسطينين، ويمكن للغرب أن يتفهم بشكل أكبر طرح إسرائيل لنفسها قانونياً وسياسياً كدولة يهودية، وليست دولة كل مواطنيها سواء كانوا يهوداً أو مسلمين أو مسيحين. ولكن في الجهة المقابلة هناك من يحاول تقديم طرح مغاير تماماً لعملية شارلي ايبدو، حيث يكون الموساد الإسرائيلي حسب رؤيتهم هو من قام بهذه العملية، كرد على اعتراف البرلمان الفرنسي بالدولة الفلسطينية، ليدفن أي تقدّم في هذا الصدد، ويقولون إن اعتراف القاعدة بهذه العملية ماهو الا محاولة إظهار التنظيم، أنه ما زال قادرا على القيام بعمليات قويّة في الغرب، وبالذات مع تناقص التأييد للقاعدة في أوساط المتشددين، وذهاب الكثير من هذا التأييد لتنظيم الدولة الإسلامية(داعش).  إن هذه العملية تساهم في إبعاد أي تصور لحل للقضية الفلسطينية لقيام دولة فلسطينية، لتجد القضية الفلسطينية نفسها من جديد طي النسيان الدولي إلى حين.
 
    الخاتمة:
أحياناً يتم استحضار التاريخ كله في لحظة، وكل طرف له وجهة نظر فيه، وجهة النظر تلك التي غالباً ما تخدم مصلحته ورواياته. ولا تبدو عملية شارلي ايبدو إلّا الحدث الأخير إلى الآن، من علاقة حضارتين كبيرتين متجاورتين هما الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الغربية.
ربّما كان من الأجدر تفهّم خصوصية كل حضارة، حتى يتم تجنّب حلقة جديدة من حلقات الصراع بينهما؛ بسبب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يجب على الغرب أن يتفهّم أن المسلمين ينظرون إلى رموز دينهم بغير النظرة التي يتعامل بها الغرب مع رموزه. وأن  حرية التعبير  يقابلها حق الإنسان باحترام حريته الدينية، التي تعتبر جزءاً من كرامته الإنسانية، ومن صون ثقافته وهويته، وكان على العالم الإسلامي أن يتفهّم أن الموضوع لا يتعلق فقط برسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم- على فداحة هذا العمل- بل أنها أداة من أدوات إكمال صراع استمر لقرون، وأن الرد عليه يكون بأساليب كثيرة، ولكن أجداها النهوض بالأمة، والتقيّد والالتزام برسالة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، بإقامة مجتمع العدل و الرحمة، ومجتمع الكفاية والعلم، وليس التظاهر أمام السفارات الغربية للاحتجاج على تلك الرسوم، ثم رجوع كثير من المتظاهرين أنفسهم ليصطفوا طوابير بشكل مهين لمحاولة الحصول على (فيزا) إلى تلك الدول ذاتها، للهرب من واقع العالم الإسلامي الصعب.
ومن الجدير بالذكر أن مجلة شارلي ايبدو نشرت مرة أخرى رسوماً مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، بعد العملية بأسبوع رغم الاستنكار الواسع في العالم العربي والإسلامي لنشر تلك الرسوم، وأيضا للعملية الإرهابية في ذات المجلة. وكذلك رغم المشاركة الواسعة للمسلمين في فرنسا بالمسيرة المليونية التي أعقبت العملية الإرهابية، والتي شارك فيها بعض القادة العرب. إن إعادة نشر تلك الرسوم، يفتح الصراع والجدل من جديد فيما إذا كان هذا النشر هو حرية تعبير أم إرهاب ثقافي!

التحميل من هنا

 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات ©2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى