الاصداراتمتفرقات 1

تنظيم الدولة (السير نحو العهد الثاني)


بين أحكام الزوال أو البقاء المحفوف بالنار، يسير تنظيم الدولة نحو عهده الثاني بعد سقوط قيادته المؤسِّسَة من صفّه الأول وغيابها عن ساحة الصراع المشرقي المطوّق بمطامع الدول الكبرى التي حددتها أيديولوجيّة البقاء للأقوى.

نناقش في هذا التقرير تنظيم الدولة وخططه الاستراتيجيّة من أجل البقاء والاستمرار في مخرجات تأتي بعد تقدير موقفه العملياتي على نقاط ارتكازه في الساحل الأيمن من الموصل، والرقّة، وكذلك دير الزور المرشّحة أن تكون المنصّة الأخيرة في خطوط حماية مستقبله القادم.

مقدّمة:
تنظيم الدولة -النشوء والارتقاء-:
على وقع الاشتباك المفتوح والحاصل إّبان سقوط حكومة الرئيس العراقي صدام حسين واحتلال العراق على يد قوى إقليميّة ودوليّة 9 نيسان/أبريل/[1]2003مـ، دخلت العراق بموجة من العنف والعنف المضاد أفرزت مواجهات طائفيّة بين مذاهب ومكونات العراق التي استندت في عمليتها على قوى إقليميّة مثل إيران، أو تنظيمات جهاديّة راديكاليّة ذات خبرة طويلة في القتال ضمن بيئات سكانيّة وكثافة مدنيّة كَـتنظيم قاعدة الجهاد.
وبرز نجم الأردني أبو مصعب الزرقاوي “أحمد فاضل نزّال الخلايلة وكنيته أبو مصعب الزرقاوي المقتول في غارة أمريكيّة 7حزيران/ يونيو[2]2006مـ”، كَـأحد أبرز الوجوه -السنيّة- التي تقاتل الأمريكان، والقوى المنضويّة تحت النفوذ الإيراني ومنهم جماعات جيش المهدي، وقوات أبو درع ” إسماعيل حافظ اللامي[3]” المتهم بتنفيذ جرائم ضد الإنسانيّة والمقيم الآن في حي الصدر ببغداد.
وما لبث تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين أنّ تلاشى من واجهة الحدث في العراق بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي، الذي أراد من خلال “التوحيد والجهاد” إيجاد فكرة منافسة للقاعدة، “اختلف الزرقاوي بشكل كبير مع ابن لادن حول أهداف تنظيم القاعدة واستراتيجيته، إذ لم يهتم الزرقاوي بمناشدة جميع المسلمين، فعندما خطط لاستراتيجيته في العراق، رأى فرصة لحشد الدعم السُنِّي عن طريق استغلال التوترات الطائفية وإشعال النار. وقد تعززت جهوده في التجنيد عندما استشهد به وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “كولن باول”، عن طريق الخطأ، كحلقة وصل بين تنظيم القاعدة والرئيس العراقي السابق صدام حسين، الأمر الذي أكسبه شهرة وأتباع[4]“.
ليدخل التنظيم في حالة من السكون أو السبات العملياتيّ لصالح إعادة هيكلة وإيجاد بدائل تفصل التنظيم عن القاعدة الأمّ -تنظيم قاعدة الجهاد-وتعطي التنظيم عراقي المولِد، قدرة على إدارة مشاريع بقائه الخاصة، مما جعل الساحة متهيئة لسيطرة قيادات الصف الثاني في تنظيم قاعدة الجهاد لبلاد الرافدين، والذين كانوا قيادات عسكريّة واستخباراتية عَمِلَت في حكومة العراق قبل الاحتلال الأمريكي.
وهنا نذكر مجموعة من القيادات الاستخباراتية الهامّة التي أسست مشروع /دولة العراق والشام الإسلاميّة:

  1. حجي داوود، أو أبو عبد السلام الدليمي، أبو مهند السويداوي المقدم في المخابرات العامة العراقية “إسماعيل لطيف عبد الله، قائد عمليات السيطرة على عمق الأنبار العراقيّة، وشغل منصب المستشار العسكري للزرقاوي، وكان مركز ثقل التحرك الميداني، قتل في 20/ كانون الثاني/ يناير 2014مـ، حسب الشرطة الاتحادية التابعة لحكومة المنطقة الخضراء، في منطقة الكرطان على الضفة اليسرى لِـ الفرات، قرب الرمادي[5]“.
  2. أبو علي الأنباري، العميد عبد الرحمن القادولي، الشخص الذي أجاد التخفي وأضاع ملامح شخصيته الحقيقية التي لم يكشفها سوى بعض المتابعين عن طريق شبكة من ضباط القيادة والأركان العراقيّة السابقة، وكذلك التنظيم الذي نعاه في إصدار “صَوْلَةُ الأبرار على البيشمركة الكفار[6]” كاشفاً عن صورته وهو مع التنظيم، وصورة أخرى وهو يرتدي الزي الرسمي لِاستخبارات العراق أثناء خدمته فيها، وقتل بِـغارة لطيران التحالف على مسجد في الموصل أذار /2016/، حسب إعلان البنتاغون[7].

أمّا فكرة الهيكلية الأمنيّة والتي بنى فيها التنظيم ذاته فكانت معتمدة على ضباط سابقين في الأمن والاستخبارات العراقية ومؤسس هذه الفكرة حسب وثائق سريّة حَصَلَتْ عليها مجلة ديرشبيجل الألمانية، كان “سمير عبد محمد الخليفاوي، عقيد في مخابرات القوات الجوية في عهد صدام، وكان للرجل اسم مستعار هو حجي بكر[8]” الذي قتل في سوريا كانون الثاني/يناير2014مـ[9].
وبهذا تكون قيادات الصفّ الأوّل المؤسس في دولة العراق والشام الإسلامية قد انتهت وغابت ليبقى الهيكل الخارجي في دولة البغدادي، المُغَيَّبِ، والمعزول، والذي بات عبئاً ثقيلاً على التنظيم الذي يُـدار بلا مركزية تحمي أطرافه من التشظّي على الأرض الممتدّة من بعشيقا شمال العراق، حتى سِرْت الليبية مروراً بسيناء المصرية، وما بينهما القلمون وظهير البادية السورية، الملعب القادم والساحة الخلفيّة لِـلتنظيم المنهك.
على أنّ العقليّة الأمنيّة الاستخباراتيّة الحاكمة والناظمة لبناء هيكلية تنظيم الدولة، استطاعت الانتقال بسلامة من شكل التنظيم الواحد المؤتمر بإمرة رجال الظل، إلى مجموعات فصائليّة تتمتّع بالولاء الفكري للتنظيم، وتقودها شخصيات نافذة بمناطق السيطرة ذات بعد عشائري أو قَبَلِي، أو حتى مالي سلطوي، تحظى بالحريّة التقنيّة والعمليّة على الأرض، وكذلك في مصادر التمويل التي تعتمد على صفقات بالغالب سوداء من تهريب نفط، وآثار، وصولاً لصفقات الأسرى والسبي[10].
وهذا كان المَخْرَج الذي وصل إليه التنظيم لكسر طوق أزمة فقدانه القيادات الرئيسيّة، ومعها مواقع كثيرة في العراق وسوريّة، وعليه يكون فهم الموقف القتالي والاستراتيجي للتنظيم على الأرض ضرورة لمعرفة المخرجات التي أدّت لِلانتقال من العهد الأول _المنتهي_ إلى العهد الثاني الذي يسير فيه تنظيم الدولة.
تقدير الموقف العملياتي للتنظيم في نقاط اشتباكه الرئيسيّة:
أولًا-الساحل الأيمن من الموصل:
تعتبر الموصل العاصمة السياسيّة الأولى لتنظيم الدولة كون زعيم التنظيم ألقى فيها خطبته الأولى معلناً دولته 5/تموز/يوليو/2014مـ، [11]وهذا بِـ اعتبارها نقطة السيطرة والتحكّم الرئيسيّة في قدرات التنظيم الماليّة _بيت مال المسلمين_ والسياسيّة والأمنيّة العسكريّة التي تصدر منها قرارات تعين الأمراء، وأوامر تحرك القطعات.
الموصل استراتيجيّاً (الموقع الجيو سياسي):
مدينة الموصل هي مركز محافظة نينوى وثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة من حيث عدد السكان البالغ حوالي 2 مليون نسمة، تعتبر حاضرة الشمال العراقي، وتبعد عن بغداد 465/كلم، ولم يكن للدولة العراقية الحديثة أن تتشكل في بداية العشرينيات من القرن المنصرم لو لم تلحق بها الموصل التي ظلت موضوع تجاذب حاد بين بريطانيا وفرنسا منذ الحرب العالمية الأولى، وبين سلطات الانتداب الفرنسي وتركيا التي لم تتنازل عن الموصل إلّا عام 1926، بعد التوقيع على معاهدة أنقرة[12].
الموصل (تقدير موقف قوات التنظيم، والقوات المعاديّة له):
لا يبدو أنّ تنظيم الدولة الذي استطاع تمديد فترة المعارك في الجانب الأيسر _شرقي_ الموصل يملك نفس معطيات المعركة في الجانب الأيمن -الغربي-، كون القوات المهاجمة تجاوزت كثير من أخطائها السابقة والتي أفقدتها الاتزان الهجومي على مواقع التنظيم الذي ظهر أكثر اتزان وثبات قتالي حينها[13].  القوات المهاجمة تتألّف من:
آ-قوات حكوميّة تتبع للجيش العراقي وفرق مكافحة الإرهاب ومنها الفرقة الذهبيّة، مسنودة بِـ مجاميع من الحشد الشعبي التابع لمرجعيات دينيّة تُتَهَم بالطائفيّة والولاء لإيران.
ب-قوات بيشمركة تنسق مع قوات تركيّة عاملة في بعشيقا، ومسنودة بحشد عشائري تحت مسمّى حراس نينوى، ج-قوات دوليّة تقوم بالاستطلاع ومساندة القوات المهاجمة بأمن المعلومات وتنفيذ طلعات ناريّة على مواقع يعتقد أنّها لقيادات التنظيم[14]. ونتيجة لهذا الاختلاف في نوعيّة وطبيعة وأهداف القوات المهاجمة، تأخر استرجاع الجانب الأيسر شهور ظهرت فيها وقفات تعبويه لِـلقوات المهاجمة التي أصيبت بشلل ناجم عن خسائر كبيرة لأسباب منها: المفاجآت الميدانية التي نفذها التنظيم معتمداً على قوات (كوماندوس) انغماسية يقذفهم خلف خطوط خصومه، معتمداً على الفجوات الاستخباراتية والأخطاء التعبويّة في خطة العزل والتطويق التي أعلنت عنها حكومة بغداد إضافة إلى سوء التنفيذ والتنسيق بين القطعات على الأرض التي عانت أثناء القتال بسبب وجود فصل شتاء سيء[15].
أمّا الملمح الأبرز كان ضعف تقديم الإسناد الجوي للقطعات المهاجمة التي أدت إلى بطء تقدم القوات ووقوع خسائر كبيرة فيها، وهذا أيضاً نتيجة لسوء الأحوال الجويّة وجهل القوات المساندة جواً بمواقع كل الفرقاء، ووجود كثافة مدنيّة كبيرة تعيق تحييد السكان، عن عناصر التنظيم الذين باتوا الحجّة الأهم في تدمير أحياء مدنيّة كاملة فوق رؤوس نسائها وأطفالها[16].

أمّا بعد كل ما أبداه التنظيم من مقاومة أثّرت على صلابة النواة المركزيّة لقواته اضطرّ لإخلاء الجانب الأيسر لصالح تعزيز نقاط إسناده في خطوطه المتراجعة نحو الجانب الأيمن الغربي والذي تقع قوات التنظيم فيه تحت خطر عزل وتطويق القوات المعاديّة والتي تعاني هي الأخرى من عُقَدٍ تهدد الحسم التام في المعركة ومنها:
نصب وتثبيت وحماية الجسور العائمة المصممة لنقل القوات الثقيلة والخفيفة عبر جسم النهر، صعوبة الفصل بين المدنيين وعناصر التنظيم، خطورة الموقف الجويّ الناجم عن قرب خطوط الاشتباك بين الفرقاء على الأرض مما يعيق كفاءة الضربات، وكذلك البعد العشائري الذي يعوّل عليه التنظيم في مساندته بريّاً[17].
ثانيًّا-الرقّة:
تعتبر الرقّة هي المعقل الثاني لتنظيم الدولة الذي تبنّى سابقاً نظرية الخروج من عنق زجاجة التطويق في العراق بِـ التمدد اتجاه الشرق السوري، وتمّ هذا بمعيّة وتخطيط حاجي بكر (سمير عبد محمد الخليفاوي، عقيد سابق في مخابرات القوات الجوية في عهد صدام)[18] العقل المدبر لكسر عزلة التنظيم في العراق، بضم أجزاء من سوريّة وإنهاء الحدود القائمة بين البلدين وهذا لإعطاء معركة التنظيم ووجوده قدسيّة وهالة أنّه كيان مختلف عن الكيانات والدول التي أنشأها الغرب بعد اتفاقات سايكس بيكو.
الرقة: استراتيجيّاً (الموقع جيو سياسي):
“مدينة في شمال سوريا، تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، على بعد حوالي 160 كم شرق مدينة حلب، ومنذ أواسط السبعينيات يعتمد اقتصادها على سد الفرات والزراعة وعلى الحقول النفطية المجاورة، في الرقة متحف تاريخي صغير يسمى متحف الرقة، وقد كشفت الحفريات فيها عن آثار تعود إلى العصر العباسي (750 هـ -1258)، تحتوي المدينة القديمة أيضاً على أضرحة عدد من أعلام المسلمين، منهم الصحابي عمار بن ياسر وأويس القرني، عدد سكان المدينة يزيد على 220,000 نسمة[19]“.
أما عن سبب اختيار التنظيم للرقّة كَـ عاصمة ثانيّة فهو عائد لتشابه معطياتها من معطيات الموصل من حيث الموقع الحدودي الهام مع تركيا، ووجود سدّ مائي كبير فيها يؤمن مياه شرب وسقاية مزروعات، وكذلك عنفات توليد كهربائي، إضافة لحجم العمران فيها كونها لم تشهد معارك بداخلها بين قوات النظام وقوات الجيش الحرّ إبّان تحريرها على يد الأخير، ولم تتعرض لحجم معارك وقصف كما دير الزور مثلاًـ إضافة لكونها باتت بعد دخوله بفترة محررة بالكامل من أيّ وجود لقوات النظام.
فكانت وجهة مدنيّة جميلة تجذب المهاجرين من أنصاره إليها، واعتمد على موقعها المتوسط لإدارة الجناح السوري (الشامي) لتوزع إداراته (في ولايات الشام)، وأنشئ فيها هيئة الخدمات العامة الإسلاميّة.
الرقّة: (تقدير موقف قوات التنظيم، والقوات المعاديّة له):
استطاع تنظيم الدولة السيطرة على مدينة الرقّة في كانون ثاني_يناير.2014مـ. بعد صراع مع جبهة النصرة وأحرار الشام الإسلاميّة التي أخلت المدينة دون قتال ضمنها تحت مسمّ حماية دماء المسلمين، ليستقر الوضع بعدها لتنظيم الدولة في سائر الشمال، والشمال الشرقي السوري عدا مدينة الحسكة التي بقيت تحت سيطرة قوات النظام، ومدينة القامشلي التي حظيت بحماية مشتركة من وحدات حماية الشعب الكرديّة، وقوات النظام السوريّ.
تُهَاجَم الرقّة حاليّاً من ثلاث محاور رئيسيّة، ومحور ضاغط (فرعي) رابع وهي:

  • محور شمالي شرقي: تقوده قوات تتبع لمجلس سوريّة الديمقراطيّة (قَسَد) معتمدة على تجميع عناصر غربي خط الخابور ثمّ التحرك بها لتضيق الخناق على التنظيم شرق الرقّة وإجباره على التقهقر غرباَ والتموضع في المربعات السكنيّة داخل المدينة.
  • محور شمالي: تقوده قوات (قسد) من عين عيسى، أغلب عناصر هذا المحور هم من مكونات عشائريّة.
  • محور جنوبي غربي: فيه قوات كرديّة تتبع لِـ (قسد) بمساندة قوات أمريكيّة، استطاعت فصل الرقّة عن مدينة الطبقة.
  • محور جنوبي: تناور فيه قوات نظام سوري (صقور الصحراء “مليشيات شبه نظاميّة: تتبع في هيكليتها للمدعو سهيل حسن أو النمر كما يسميه مؤيدوه، وتتولى مهام الاشتباك مع التنظيم في محاور الباديّة التدمريّة الشماليّة ومنطقة الكامب جنوب الرقّة[20]“).

وبهذا يكون وضع الرقّة لا يقل خطورة عن الموصل، إلّى أنّ الفارق يكمن في إمكانيّة إيجاد التنظيم بدائل في الرقّة تؤمن انسحاب منضبط وتدريجي لقواته قبل تطويقها وعزلها ومن ثمّ تدميرها كما يحصل في الموصل التي تمسّك بها التنظيم معتمداً على طريق واحد يمر عبر جبال سنجار لتأمين مناورة بِـ قواته ووسائطه الناريّة تخفف الضغط على عناصره داخل الموصل، ولكن الطريق قطع ناريّاً عبر الجو على يد التحالف الدولي ضد الإرهاب ومن ثمّ بريّاً على يد عناصر البشمرجة البرزانيّة، مما أدى لحصار التنظيم وقضم أراضيه حتى تطويقه في الجانب الأيمن للموصل.
 
بدائل التنظيم، ونقاط “الإزدلاف” وتجميع القوات التي يعتمد عليها في المستقبل المنظور:
دير الزور: حصن التنظيم، وخزانه الاقتصادي.
تعتبر دير الزور محافظة استراتيجيّة هامة، وهذا من تنوّع مصادر الدعم الذي كانت تؤمنه لخزينة الدولة السوريّة في خزان مهم للغاز، والنفط، وفيها منشآت ضخمة للقطاع النفطي والغازي، إضافة لوقوعها على سرير نهر الفرات، مما يعطيها بيئة مناسبة لزراعة محاصيل استراتيجيّة كَـ القمح، والقطن، والذرة، والشوندر.
هذا بالإضافة لموقعها الجيوسياسي الواصل بين سوريّة والعراق عبر عدّة منافذ حدوديّة بريّة، وفوق هذا تعدّ المحافظة محط أنظار الدول الكبرى لمرور خطوط نقل الغاز الرئيسيّة من الخليج عبر صحراء طريبيل وصولاً لحقول الشدادي والجبسة ومن ثمّ تركيا عبرها[21].
إلّا أنّ الوضع العسكري في دير الزور يختلف، وهذا نتيجة لوجود قوات تتمركز في جزء من مدينة دير الزور تشكّل نواة قاعدة صلبة لِـلنظام السوري في جنوب غربي المدينة، (مطار عسكري، ومجموعة أحياء، الجورة والقصور وهرابش) والتي لا تتجاوز 5% من مساحة المحافظة[22]، وهي مطوّقة بشكل كامل من تنظيم الدولة، ولا يزال يصعب على أي طرف حسم الصراع فيها لصالحه سواء النظام، أو التنظيم الذي استنزف كثير من قدراته في محاولات لِـ انهاء تواجد النظام فيها.
ولهذا يسعى تنظيم الدولة لتطهير المحافظة بشكل كامل التي تهيئ أن ترث عواصم التنظيم السابقة وتكون قاعدة عمليات وتحكم بعد خسارة الموصل والرقّة (المحتملة) من خلال فتح معارك مع النظام المحاصر بالاعتماد على استقدام القوات المنسحبة من الموصل، والرقّة وزجها في معارك المدينة ضد النظام، وتجميع الفائض منها في مناطق أكثر اتساع عبر عمق صحراوي يصلها بالعاصمة السوريّة دمشق، ويؤمن خطوط اشتباك عميقة للتنظيم مع أيّ خصم عبر الباديّة الممتدّة حتى ظهير القلمون الشرقي.

مخرجات: مصير التنظيم وإمكانيّة تأقلمه مع العهد الجديد:
بعد عرض كلّ ما سبق وعوداً على حقيقة أنّ التنظيم بات يعمل بنظام الحلقات غير المتصلة بعد تمكنه من استيعاب صدمة الضربات المركّزة التي أفقدته قيادات صفّه الأول، أو صناع إدارة التوحش فيه، التي ظهرت من خلال وجه البغدادي دون أن يقف أحد وراءه في المشهد الظاهر، وسكاكين التنظيم التي أثبتت عبر إصدارات عدّة أن لا مكان للإنسانيّة في هذا التشكيل الأيديولوجي والمبني على عقيدة الهلاك للمخالف.
التعامل مع التنظيم، اقليميّاً ودولياً:
أولًا-اقليميّا وعربيًا:
نظراً لحالة التمترتس خلف الطائفيـة والاصطفاف الإثني والمذهبي الذي يعانيه الحوض المتوسطي وخصوصًا في محيط الدول الملتهبة سوريّة والعراق كَـ بؤرة حاضنة لتنظيم الدولة، لا يملك الاقليم بدائل للتعامل دون ايجاد حكومات متوازنة وقوّية تعيد فرض هيبة الدول المُهارة والممزقة، وهذا الخيار مفقود نظراً لعدم وجود حلّ في الأفق ممكن أن يفضي لتسوية أزمات الشرق الذي يعاني من صراع داخلي تتورط فيه قوى إقليميّة ودولية لم يشهده العالم منذ مقتل الأرشدوق النمساوي وولي عهد امبراطوريتها على يد متطرف صربي 28.حزيران_يونيو.1914مـ. والذي أدّى لاندلاع الحرب العالمية الأولى[23]، ولهذا يفتقد الإقليم ومن ورائه الدول العربية الغارقة بِـ مشاكلها قدرات التعامل منفرداً مع ظاهرة تنظيمية لها أذرع استخباراتية ومالية اقتصادية وفكرية، مجموعة ضمن بنية عسكرية متطورة.
ثانيًا-دوليًّا:
إنّ وقوع الشرق الأوسط في مرمى النيران الدولية المتمثلة بمحاولات السيطرة ومدّ النفوذ المتكرر ليس بجديد بل يعود لما قبل إعلان قيام (دولة إسرائيل/ حسب الأدبيات الأممية) على أرض شعب مهجّر ومستباح الدمّ والحقوق.
لهذا لا يمكن للعالم أن يصل لحل يزيل البؤر الفكرية لأي تنظيم متطرف دون حل عادل وشامل لأمّ القضايا، والشماعة التي بنت عليها كل التنظيمات المتطرفة أديولوجيتها وهي القضية الفلسطينية، التي لا تظهر سوى بأساطير الفكر المتشدد وتغيب عن منهجية العمل للتظيمات لتحل محلها نظريات الولاء والبراء، وإقامة أو تحكيم ما ينادونه شرع الله، أو الحاكمية.
ولهذا سيفشل أيّ حل أمني أو عسكري على الأرض كون السبب قائم ومتوافر ومعه تشعباته من وجود أنظمة قمعية دكتاتورية تحظى بحماية وتأمين الدول الكبرى.
بدائل التنظيم:
التنظيم والعالم أمام سيناريوهات عدّة منها:
أوّلًاقبول التنظيم المتطرف فكرة ذوبانه، واستسلامه للقتل التدريجي الذي تقوم به دول الحلفاء المتجهة نحو تثبيت مواقع التنظيم في الباديّة السوريّة والصحراء العراقيّة، ثمّ تدميره بالاعتماد على سياسة الاحتواء الناري، والضربات الجويّة المركزة، وعمليات الإنزال المحدودة التي تساهم في تفتيت التنظيم.
ثانيًّاالاعتماد على خطة مضادة لتشتيت الخصم (الحلفاء ضد الإرهاب)، وهذا ما بدأه التنظيم فعليًّا منذ فترة في:

  1. التركيز على نظرية “الذئاب المنفردة” والتي استطاع من خلالها تحقيق حجم من الصدمة والرعب الدوليين يفوق كل القدرات الإعلاميّة والتقنيّة لخصومه، وكذلك الأمنيّة التي فشلت في ضبط هذا النوع من العمليات القائم على الفرديّة والتصرف الكيفي بأبسط المعدات المميتة وقت تتهيئي الظروف[24].
  2. العمل على توسيع خلاياه في أماكن أكثر قرباً من أوربا والغرب[25]، في مناطق المغرب العربي، والصحراء الإفريقيّة، وأفغانستان، وأقاليم الظهير الروسي في القوقاز[26] والبلوشستان.
  3. تأمين مصادره الاقتصاديّة، من خلال تجميع قدراته المالية عبر الحفاظ على حقول النفط، والغاز، في مناطق سيطرته أينما وجد، سواء في المشرق أو المغرب العربي والشمال الأفريقي.
  4. محاولة تثبيت موقعه القتالي في أخر المواقع المدنيّة المأهولة له، في دير الزور، التي ستكون منصّة إدارة عمليات متقدمة لقطعاته التي ستنفذ مناورات استنزاف للخصوم معتمدة على قوات سريعة مدولبة أو حتى راجلة (كما حدث في حقول شاعر ومهر، محيط تدمر) تتحرك بأريحيّة بريّة من باديّة البوكمال شرق سوريّة حتى مناطق بير قصب وعموم ظهير القلمون والعاصمة السوريّة دمشق.

وهكذا يغلق التنظيم عهدته الأولى التي امتدت على مرحلتي التأسيس، والتمدد نحو الشرق السوري، وانتهت بزوال وتصفية قيادات الصفّ الأوّل المؤسِسَة، ويبدأ عهده الثاني بتجاوز مرحلة الصدمة وإيجاد بدائل للبقاء، وتطوير شكله الهرمي من البنيّة الصلبة المركزيّة، إلى الحلقات غير المرتبطة والتي تعطي التنظيم بعداً هلاميًّا لا يمكن ضبطه أو إنهاؤه كليًّا.
لتحميل التقرير من هنا

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

[1]https://goo.gl/QJkSls // RT وكالة أنباء روسيّة: 11 عاما على “سقوط بغداد”. نشر في 9.4.2014مـ.
[2]https://goo.gl/rLpExZ // YouTube موقع ويب: إعلان المالكي والسفير الأمريكي اغتيال الزرقاوي. شوهد 13.4.2017مـ.
[3]https://goo.gl/EmqyiY // Erem News موقع ويب إخباري: “أبو درع” رمزا للصراع الطائفي بالعراق. نشر 18.2.2015مـ.
[4]https://goo.gl/xodvJR معهد واشنطن، تنظيم الدولة الإسلامية: البقاء والتوسّع، جوبي واريك، ويل ماكانتس، وهارون ي. زيلين. نشر 12.11.2015مـ.
[5]https://goo.gl/8V92s5  الجزيرة نت موقع إخباري.  5.9.2015مـ.
[6] https://goo.gl/K5Cjj5  عربي21 صحيفة إلكترونية، تنظيم الدولة ينعي أبو علي الأنباري، ويكشف هويته الحقيقية، أيار.2016مـ.
[7] https://goo.gl/8V92s5 – // الجزيرة نت، موقع إخباري، الموقع الرسمي، نشر. 5.9.2015مـ.
[8] https://goo.gl/XkgT8V – // رويترز، وكالة أخبار، الموقع الرسمي، تقرير صادر عن مجلة ديرشبيجل. نشر .2015.
[9]https://goo.gl/VYA4sr // RT وكالة أنباء روسيّة: من الذي أنشأ “الدولة الإسلامية” وكيف؟، نيزافيسيمايا غازيتا. 21.4.2015مـ.
[10]https://goo.gl/2vF2Vm // القدس العربي، جريدة إلكترونيّة: وثائق لرويترز: هكذا يدير تنظيم الدولة دوائر غنائم الحرب والعبيد والآثار. 28.12.2015مـ.
[11]https://goo.gl/WqUmFu // مؤسسة الفرقان، موقع ويب: خطبة أبو بكر البغدادي، في الجامع الكبير. شوهد 15.4.2017مـ.
[12]https://goo.gl/CmNsPU // الجزيرة نت، ويب: اتفاقية أنقرة مستند تركيا للمشاركة في معركة الموصل، نشر 12.10.2016مـ.
[13]https://goo.gl/BEjzUR // الجزيرة نت، موقع ويب: معركة الجانب الغربي من حرب الموصل. نشر 24.1.2014مـ.
[14]https://goo.gl/sxnDxN // الجزيرة نت، موقع ويب: حرب الموصل من منظور عسكري. نشر 1.1.2017مـ.
[15]https://goo.gl/BEjzUR // الجزيرة نت، موقع ويب: معركة الجانب الغربي من حرب الموصل. نشر 24.1.2014مـ.
[16]https://goo.gl/9qjN4v // مركز الشرق العربي للدراسات الحضاريّة والاستراتيجيّة: مجزرة الموصل. نشر 27.03.2017مـ.
[17]https://goo.gl/YNCfDN // العربي الجديد، صحيفة إلكترونيّة: الساحل الشرقي للموصل محرّر رسمياً: الجانب الأيمن هو الأصعب، أحمد الجميلي. نشر 24.1.2017مـ.
[18] https://goo.gl/XkgT8V  رويترز، وكالة أخبار، الموقع الرسمي، تقرير صادر عن مجلة ديرشبيجل”2015″ نيسانرويترز، وكالة أخبار، الموقع الرسمي، تقرير صادرعن مجلة ديرشبيجل”2015″ نيسان.
[19]https://goo.gl/jZFSJh // الرقّة تذبح بصمت، موقع منظمة: أهم 5 حقائق عن مدينة الرقة السورية. نشر 9.9.2016مـ.
[20]https://goo.gl/t32CmM // السوريّة نت، موقع ويب: “صقور الصحراء” قوة ضاربة لنظام الأسد من أجل النفط. نشر 27.11.2014مـ.
[21]https://goo.gl/c9W0Qv // مركز كارنيغي للشرق الأوسط: الحرب على حقول الغاز في سورية/ يزيد الصايغ. نشر 8.6.2015مـ.
[22]https://goo.gl/4dpd4P // العربيّة، موقع إخباري: “داعش” يسيطر على 95% من محافظة دير الزور. 15.7.2014مـ.
[23]https://goo.gl/UVPhLU // RT وكالة أنباء روسيّة: ذكرى اغتيال ولي عهد النمسا. نشر 28.6.2016مـ.
[24]https://goo.gl/99Jjms // BBCعربي، موقع أخبار: ظاهرة “الذئاب المنفردة” هي التحدي الأكبر للأمن في الغرب. نشر 24.10.2014مـ.
[25]https://goo.gl/0dwo5q // العمق المغربي، صحيفة إلكترونيّة: كيف يدير تنظيم الدولة خلاياه النائمة في الغرب؟/ نقلاً عن لوفيغارو. نشر 7.1.2016مـ.
[26]https://goo.gl/J7B50i // BBCعربي، موقع أخبار: قوات الأمن الروسية “تقتل 5 مسلحين بينهم أمير تنظيم الدولة الإسلامية في شمال القوقاز”. نشر 4.12.2016مـ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى