الاصداراتمتفرقات 1مقال رأي

بين النقد والعاطفة .. أزمة الإسلاميين

71

أشهد أنك كذاب، وأن محمدا صادق، ولكن: كذاب ربيعة أحب إليّ من صادق مضر.
بهذه الكلمات أجاب عمير بن طلحة مدعي النبوة في عصره مسيلمة الكذاب حينما جاء ينظر صدق دعواه، وبالرغم من أنه وصل إلى الحقيقة وعرفها إلا أن نزعة النسب والانتصار للأعراق جعلته صاحب أشهر عبارة على مر تاريخ العرب يستدل بها في مواطن معاندة تصديق الحق وانكاره بعد الوصول إليه.
 
تكاد تتفق الحركات والأحزاب المعاصرة الإسلامية في مضامينها وخطاباتها المختلفة على ثلاثة أمور:
الأول: دور الشباب في البناء والتغيير والتأسيس لعصر جديد.
الثاني: أهمية النقد الذاتي والمرونة في تقبله والانفتاح عليه والتكامل مع الآخر.
الثالث: التركيز على الجوهر والمضمون والابتعاد عن المظاهر وتقديس العناوين.
 
في الحقيقة لست بحاجة للتحري والتدقيق كي ترى جليا ندرة بل ويكاد يكون انعدام تلك الأسس في صفوف تلك الجماعات والأحزاب، وبالرغم من وجود ملامح ثورة شبابية داخل الصف الحركي لتلك الجماعات إلا أن موقفا عاطفيا واحدا من قبل جلاد أو دكتاتور يكون كافيا لهدم كل ما تم إنجازه في طريق النقد معيدا الشباب المتذمر الطامح لتغيير الواقع إلى المربع الأول الذي كبلهم وآباؤهم لعقود طويلة.
مظاهر الصراع
سأسمح لنفسي باقتصاص ثلاثة مشاهد من الذاكرة المتراكمة خلال قرنين من الزمان:

  • نجم الدين أربيكان: في بداية صعود حزب العدالة والتنمية أي قبل حوالي الـ 13 عاما _والذي كان طرياً حينها_ كنا نرى النقاد والكتاب لحزب الرفاه بزعامة البروفيسور أربيكان _الذي انشق عنه أردوغان ورفاقه_ يسلطون الضوء على أخطاء نجم الدين أربيكان الذي بدى عجولا وقليل الخبرة من وجهة نظرهم بالتعامل مع الجو المحيط إبان فوز حزبة برئاسة الوزراء وطرحه السريع لتغيير التراث العلماني الذي أرسى قواعده أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.

الملفت في الأمر أن ذات النقاد بدوا مختلفين كثيرا أو ربما متناسين كل ما كتبوه حينما تعرضت حركة الإخوان المسلمين للمحاصرة والتضيق الممنهج وبدأت الأقلام تكتب عن فشلها في إدارة مصر وانتهاء مشروع الإخوان كحركة سياسية وإلى الأبد خاصة بعد نجاح مخططات العسكر بانقلاب 30 يونيو.
هنا بدأ أصحابنا بـ تسليط الضوء على التجربة التركية كعملية متكاملة متراكمة بدأها نجم الدين أربيكان وانتهت بأردوغان!!
 
نجاح الانقلاب واعدام مرسي
عندما أعلن عن فوز مرشح الإخوان د.محمد مرسي في مصر عبر صناديق الاقتراع لم تفتأ قيادات الصف الأول والثاني في جماعة الإخوان المسملين بل وحتى مناصريها بسرد الشواهد التاريخية على انتصار مشروع الإخوان كجماعة والذي جعلوه امتدادا لدعوة الإمام الشهيد حسن البنا كما كان المزاج العام في الصف الحركي الإسلامي مزاج المنتصر بعد خوض ألف معركة.
هذه اللحظة كانت كافية لنسف كل ما بناه التيار الإصلاحي في الفكر الإسلامي السياسي والذي تمثل بشكل رئيس في فكر الغنوشي وعصام البشير والريسوني وغيرهم
وأصبحت ترى بوضوح اللسان الحاد المنتقد لكل رواد الإصلاح والنقاد للحركة الإسلامية باعتبار أنها قد قطفت الثمار ونجحت بالوصول لقيادة الدفة السياسية،
لكن الأمر لم يدم طويلا وجاء انقلاب 30 ينويو مقوضا أحلام الكادحين.
منذ اللحظة الأولى لنجاح العسكر في مشروع الانقلاب المخطط على حكم د محمد مرسي وفض كل تجمعات المعتصمين الرافضة له والمؤيدة لشرعية الصندوق الانتخابي سرت حركة نقد قوية المعالم داخل الصف الحركي الإسلامي وخاصة بين إسلاميي مصر وسوريا حيث بدأت حالة المقارنة القاسية والصريحة بين تجربة مصر وتركيا وحصر الأخطاء التي ارتكبها الإسلاميون في مصر والتي أدت لنجاح مخططات الآخرين وفشلهم والمشاركة في إضاعة حلم ثوري شعبي جميل.
 
 
في الواقع لم تدم هذه الصحوة طويلا فبعد قيام العسكر في مصر بفض اعتصامي رابعة والنهضة بطريقة دموية بدأت العاطفة بالسيطرة على معظم رواد الصف النقدي داخل الحركة الإسلامية وكان كلما قام العسكر بأفعال تلهب العاطفة عاد النقاد للمربع الأول وبدأوا بقلب الحقائق وتبرير الأخطاء التي أكدوا سابقا وفي أكثر من منبر أنها سبب فشلهم وعلى تحقيق منجزات ملموسة على جميع المستويات
 
 
أردوغان (المهدي المنتظر)
أثار الرئيس التركي وزعيم العدالة والتنمية (المنشق عن تيار الإخوان المسلمين التقليدي) رجب طيب أردغان جدلا واسعا داخل الصف الحركي الإسلامي بل كان نقطة خلاف وحوار دائم بين المتصارعين في وجهات النظر
فهو الرمز الوحيد من أبناء الصف الفكري الإسلامي الذي خطى بحزبه للوصول إلى منبر سياسي قيادي كما استطاع الاستمرار فيه، وبحسب مراقبون فإن مشروعا كالذي بناه هذا الرجل يعتبر ناجحا بكل المقاييس عدى عن كونه واضح الرؤية والأهداف ويملك نظرة استراتيجية بعيدة المدى لكنه في ذات الوقت يتعارض مع ما يزيد عن 60% من التراث الذي تربى عليه أبناء الحركات الإسلامية وما زال يدرس لهم.
قيادات في الصف الحركي الإسلامي ما زالوا متمسكون بتبرير أنه فقه مرحلة وأن الوقت لم يحن بعد ليكشف أردوغان عن مشروعه الحقيقي المتوافق مع رؤيتهم حتى بعد مرور 13 عاما على البدء به.
أردوغان الذي تمت مهاجمته بشدة حينما خطب في مدرج جامعة القاهرة عن أن طريق نجاح مصر هو الحكم العلماني هو ذاته أصبح البطل الحقيقي والمنقذ الوحيد والأمل المنتظر في عيون منتقديه ومتهميه بالجهل من أنصار مقولة (مصر ليست تركيا) حينما وقف معارضا وصرح بخطابات نارية ضد الانقلاب.
كان أردوغان مدركا بأن نظام الحكم في مصر يمر بمرحلة مشابهه لحالة الاستعصاء التي مر بها حزب الرفاه وزعميه الراحل أربيكان.
أردوغان الذي سارعت العواطف لجعله بطلا حينما يرسم الخطوط الحمراء في خطاباته ضد نظام الأسد وفتحت عليه سيل النقد والتخوين حينما توجه إلى إيران لتحقيق مصلحة بلاده وشعبه.
 
وما زال أبناء الصف الحركي الإسلامي يغضبهم موقف ويرضيهم تصريح وهم أكثر الناس حديثا عن الثبات في المواقف والمبادئ.
إن التحدي الحقيقي أمام الحركة الإسلامية هو السير بثبات وجرأة ووضوح في خط النقد ومتابعة تحقيق نتائجه مع التفاعل الواضح والعلني لكل قضايا الحق حول العالم على أسس عامة شاملة تجمع ولا تفرق بعيدا عن الحزبية أو العاطفة الدينية.
فما الضير في أن أتفاعل رفضا مع حكم إعدام مرسي وقيادات الإخوان مع التأكيد على أنهم ارتكبوا الأخطاء التي كانت سببا في وصولنا إلى هذه الحال وسببا رئيسا في نجاح مخططات العسكر بانقلابهم على أحلام الشعب.
ما الضير أن أعلن احترامي لمحاولات نجم الدين أربيكان الفاشلة مع تسليط الضوء على أسباب الفشل وطرق الوقاية منها مع التأكيد أن الأخير لم يكن لينجز يوماً على صعيد العمل أو البناء، وأنه لا لو انشقاق أردوغان وجماعته والعمل بأسس مختلفة تماما وكسرهم لأقفاص حزبهم القديم لما استطاعوا أن يخطوا خطوة نحو الأمام ولكانوا اليوم من أصحاب الخطابات الرنانة التي تلهب حماس الجماهير لحظة انطلاقها ولا يدوم أثرها طويلا.
ما الخطأ في التصريح بأن منهج أردوغان السياسي لا يشبه جل ما تم ويتم التربية عليه داخل الصف الحركي الإسلامي وأن قواعد لعبة السياسية لا يمكن إدارتها عن طريق العاطفة الدينية والخطابات الجوفاء التي بنت الحركة الإسلامية معظم أفعالها عليها.
إننا بحاجه لوعي جماعي أكبر بترافق مع الفعل الواضح والجريء حتى نصنع واقعاً مختلفاً.
 
وفي الختام هناك سؤال يطرح نفسه!!
هل بإمكان التيار السياسي الإسلامي أن يلملم جراحه ويتعافى من جديد مكونا واقعا سياسيا يتشابه في الأسس (بعيدا عن الاستنساخ) مع المنهج الذي خطته تركيا وماليزيا؟؟
أم هل يعيد التاريخ نفسه ليمر بذات المنحنى الضيق الذي سلكه حزب الرفاه والذي أعلن عن وفاته قبل أن يبدأ ؟؟
 

وما أشبه اليوم بالأمس !!

للتحميل من هنا

 

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى