الوضع الأمني والعسكري في غزة بعد تسلم السنوار قيادة حماس
الجهة المنفّذة: برق للسياسات والاستشارات – مجموعة القارات الثلاث
مقدمة:
في وقتٍ لا تزال فيه الاشتباكات الضارية تدور رحاها في قطاع غزة، مع عدد شهداء فاق 50 ألفًا ودمار شبه كامل للبنيان والمرافق الحيوية، انتهى مسار النقاش الداخلي للحركة بإعلان يحيي السنوار رئيسًا لمكتبها السياسي.
تولي السنوار القادم من خلفية أمنية بحكم عمله القديم ضمن الجهاز الأمني للحركة (المجد) طرح أسئلةً كثيرة حول طريقة إدارته قطاع غزة بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص، وكيفية تعاطيه عسكريًّا وسياسيًّا مع المرحلة الحرجة التي يمرّ بها القطاع بعد عشرة أشهر من اندلاع طوفان الأقصى. وهو ما سيعرضه تقدير الموقف هذا.
التحول الفعلي للحركة بتعيين السنوار:
هذا القرار يعني عمليًّا دمج الجناحين السياسي والعسكري في جسم واحد، أي أن الحركة تأكدت بعد هذه الحرب القاسية، وما أظهرته إسرائيل من تطرف، وانعدام شبه تام للخيارات السياسية، أن الخيار العسكري هو المحرك الأساس للمرحلة القادمة، وربما في الأمد المتوسط ليس هناك يقين ولا حتى احتمالات عملية للشكل الذي سينتهي به الصراع في المنطقة.
كما يعني أن العمل السياسي أصبح تابعًا للجهد العسكري ومتفرعًا عنه ومبنيًّا على إنجازاته، وأي قدر من التراجع أو الظهور بمظهر سياسي معتدل في هذه المرحلة سيكلف الحركة الكثير.
هيكلية الحركة وإدارة غزة في ظل الحرب:
في ظل ظروف الحرب القاسية وحاجة حركة حماس لاتخاذ خطوات حاسمة وسريعة تتماشى مع ظروف ومسار الحرب، فإن المرجح أن يبزر دور قياديين في مسألة العلاقات الخارجية للحركة وهما خليل الحية وزاهر جبارين.
وبحسب محللين فقد يكون الحية بمثابة نائب لرئيس المكتب السياسي لحماس، ومسؤولًا عن إقليم قطاع غزة، إلى جانب ذلك سيكون الحية هو المسؤول عن العلاقات العربية بالحركة.
وهذا مؤشر على مركزية القرار في الحركة بالإضافة لوجود توافق على القضايا المركزية وآلية تسيير أمور المعركة بغض النظر عن أي خلاف في الآراء في قضايا وجهات النظر حول قضايا أخرى، وعليه فإن عبء إدارة قطاع غزة لن يكون على كاهل السنوار في الفترة المقبلة.
بحكم الواقع فإن عددا من أعضاء المكتب السياسي التابع لغزة موجودون بالخارج، وبدأوا فعليًّا بإدارة الملفات المتعلقة بإدارة القطاع، مثل نزار عوض الله وفتحي حماد وكمال أبو عون وغيرهم مما يؤشر إلي عدم تأثر مسار العمل السياسي للمعركة بشكل كبير.
رؤية حماس لمكاتب الخارج بعد الحرب:
الرؤية التي ترجحها حماس في ظل الحرب، بأن الخارج هو عبارة عن تشكيل يساند الداخل، على أن يكون هناك هيكلاً للحركة بالخارج غير موازٍ للضفة الغربية وقطاع غزة.
وبالنظر إلى الواقع يمكن القول بأن إقليم الخارج لم ينجح بشكل فعلي بالتحشيد المناسب في معركة طوفان الأقصى، كما لم يقم بما يكفي من إسناد للقطاع إلا في الإطار المالي، لذلك قد يكون من مفرزات الحرب إعادة الهيكلية بشكل يعزز مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة على حساب الخارج.
أما فيما يتعلق بملف المفاوضات:
هناك قرار مسبق بتولي الحية الملف إلى جانب زاهر جبارين وغازي حمد ملف المفاوضات، وتنسيق الاتصالات مع السنوار بهذا الشأن حتى في ظل وجود هنية برئاسة المكتب السياسي للحركة.
دوافع السنوار في وصوله إلى رئاسة للمكتب السياسي:
المُتداول داخل الحركة بأن السنوار أراد شغل المنصب وفق الدوافع التالية:
- خلاف التوجهات مع مشعل منذ عام 2014، حيث يرى السنوار أن سياسة مشعل تجاه بعض الدول يتم على حساب “مصلحة المقاومة” وبالتالي بات مشعل مُؤخِرًا لمسار تعزيز العلاقة مع “محور المقاومة”.
- ارتباطًا بالنقطة أعلاه، رغب السنوار في رفع الحرج عن مكتبي الضفة والخارج من أي ضغوطات أو إملاءات قد تقع عليهما من قبل دول الإقليم.
- اقتناع السنوار بأن حركة حماس تمثل “مقاومة” مسلحة وشرعيتها مستمدة من جهازها العسكري وليس من مكتبها السياسي، لذلك لا بد أن يتبع مكتبها السياسي للجهاز العسكري وليس العكس، خاصةً وأن شخصه؛ أي السنوار، مقرب جدًّا للجهاز العسكري.
- توجه السنوار للاعتماد على أخيه محمد الذي بات الرقم الأول في كتائب القسام بعد إصابات تعرض لها الضيف ومروان عيسى، حيث أراد بذلك الإمساك بزمام الأمور عسكريًّا وسياسيًّا انطلاقًا صوب جعل دفة المفاوضات بيده، لتسير الأمور وفق تطورات الميدان عبر أساليب خشنة وغير متوقعة.
- تصور السنوار بأن الجناح السياسي لم يتمكن من التعاطي مع عملية طوفان الأقصى على النحو المطلوب.
طبيعة تعاطي “المقاومة” مع إسرائيل بعد تسلّم السنوار:
السنوار فعليًّا هو الذي كان يقود المفاوضات، وكان لهنية دور في وضع نقاط توازن نسبيًّا مع توجه السنوار، لكن بعد اغتيال هنية أراد السنوار أن يضع مقاليد الأمور كلها بيده بحكم أنه الأقرب للميدان ولكتائب القسام التي تمر بمرحلةٍ حساسة، بل ومصيرية.
وفق ما يُثار داخل حماس، فإن السنوار يرى أن ثقل الحركة ككل بات في غزة وبالتالي يمكن التعاطي مع إسرائيل وفق ما تقتضيه “مصلحة غزة والمقاومة”.
وفي سياق ما يعكس ذلك، اتجه السنوار نحو رفع سقف المطالب في المفاوضات من خلال الإصرار على إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل الكامل من غزة، وأبلغ بإمكانية حدوث ضغوطات غير متوقعة على الجانب الإسرائيلي، منها قتل بعض الأسرى والسعي لتحريك جبهة الأردن.
في الإطار ذاته، يمكن توقع ارتفاع حدة التصلب لدى السنوار حتى تحقيق ولو نتيجة إيجابية واحدة عبر إطلاق سراح مروان البرغوثي وأحمد سعدات، تمهيدًا لمحطة جديدة في مسيرة الصراع مع إسرائيل.
لكن في ملف المفاوضات، لا يمكن استبعاد بعض المرونة من قبل السنوار الذي أظهر قدرًا من البراغماتية التي تجعله يتجه نحو تقدير الأمور حسب التطورات والظروف، غير أن ذلك يمكن أن يُلاحظ بعد فترةٍ من الزمن، حيث أن السنوار يرفض القبول بأي صيغة جديدة في الوقت الحالي.
وعليه: حماس تحت قيادة السنوار، وبتأييدٍ من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وخليل الحية وغازي حمد، ستتمسك بـ”محور المقاومة” أكثر من مبدأ تنويع العلاقات الدولية، حيث أنها ستُبقي على العلاقات مع قطر وتركيا ومصر، لكنها ستسير على نهج تأسيس تحالف استراتيجي مع محور إيران “المقاومة” من أجل توسيع نطاق نشاط “المقاومة” جغرافيًّا.
ردّ فعل نتنياهو:
قابل نتنياهو تعيين حماس للسنوار برفع وتيرة ارتكاب المجازر والاغتيالات التي طالت قيادات محسوبة على الحركة في لبنان.
كما أصر على تثبيت حالة الاحتلال الجزئي لغزة، تحديدًا في محوري نتساريم وصلاح الدين “فيلادلفيا” تطبيقًا لسيناريو الضفة، حيث باتت المؤسسات الأمنية الإسرائيلية تتحدث عن السيناريو كأمر واقع يبدو أن السنوار لن يكون بمقدوره تغييره رغم ما لديه من نزعةٍ عنيدة، فقدرات “المقاومة” أمام آلة الدمار الإسرائيلية المدعومة أمريكيًّا باتت مترنحةً في القدرة على رفض أو صد ما آلت إليه الحرب.
خلاصة:
اعتبرت حماس أن اغتيال هنية كان كسرًا للقواعد العسكرية والسياسية التي يمارسها الأعداء فيما بينهم عادة بالحد الأدنى، ولذلك لم يعد هناك من مبرر باعتقادها لمنح الجهد السياسي الأسبقية في التعامل مع عدو لا يحترم القواعد، ويعتبر كل فلسطيني عدوًّا مرشحًا للقتل، لذلك سيتجه السنوار، إلى جانب خليل الحية الذي سيتصدر المشهد السياسي العام في حركة حماس بالمستقبل القريب، نحو التعنت الذي سيقابله فظاظة من نتنياهو.