لم ينته خطر عناصر تنظيم الدولة، فملف مكافحة نشاطه لا يتعلق فقط بإلحاق الهزيمة العسكرية به وملاحقة فلوله سيما في العراق وسوريا، بل بآليات التعامل مع المقاتلين الأجانب الذين سيعودون إلى بلادهم خصوصاً إلى دول الاتحاد الأوروبي، لذلك يواجه الأخير خطر عودة مئات العناصر المتهمة بالإرهاب، ما يستدعي وضع خطط أمنية وقضائية ملائمة للتعامل مع هذا الملف، وهو ما يثير جدلاً واسعاً في أوروبا ومخاوف من إمكانية ارتفاع خطر التهديدات الإرهابية من العناصر العائدة خلال فترة محاكمتهم والتحقيق معهم والتي قد تستغرق وقتاً طويلاً.
كما أن ملف عودة المقاتلين الأجانب يرتبط بالتوازنات والتفاهمات الدولية فيما يخص آليات مكافحة التنظيم ورؤية كل دولة حول ما تشكله هذه القضية من خطر على أمنها القومي، ما يعرقل فرص التوصل إلى آليات تنسيق قضائية وأمنية بين دول الاتحاد الأوروبي خصوصاً وبقية الدول الفاعلة في مكافحة التنظيم بشكل عام. لذلك يدور النقاش بين الأوساط الأوروبية المعنية حول المصير المتوقع لمئات العائدين إلى بلادهم المتهمين بالتطرف، وأيضاً بما يخص التدابير المتخذة لمواجهة هذه القضية.
أعداد المقاتلين والخطر المتزايد
تشير أحدث الأرقام إلى أن أعداد المقاتلين الأجانب العائدين مع عوائلهم إلى دولهم في الاتحاد الأوروبي بلغ حوالي 1000 مقاتل موزعين على الدول الأوروبية الرئيسية وفق ما يأتي([1]):
الدولة | الأعداد |
فرنسا | 271 |
بريطانيا | 425 |
إيطاليا | 13 |
بلجيكا | 3 |
إسبانيا | 3 |
كندا | 60 |
هولندا | 50 |
ألمانيا | 300 |
النرويج | 50 |
الدنمارك | 67 |
النمسا | 90 |
سويسرا | 14 |
فنلندا | 43 |
أستراليا | 40 |
وكانت الدول الأوروبية معرضة لعودة أضعاف هذه الأعداد من المقاتلين الذين غادروا بلادهم للالتحاق بصفوف التنظيم وأوضحت أرقام رسمية إلى أن أكثر من 5000 مقاتل من تنظيم الدولة انضموا إليه قادمين من أوروبا([2])، لكن آليات المواجهة الأمنية والعسكرية للتنظيم التي تبناها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ساهمت في تقليص حجم العائدين إما بسبب مقتلهم أو ذهابهم إلى مناطق جهادية أخرى حول العالم.
ويرجح استمرار عودة المزيد من العناصر في المدى القريب بالإضافة إلى عوائلهم، لوجود عدد كبير من الأسرى لم يتم البت أو البحث في أمرهم بعد، بالإضافة إلى الراغبين في العودة ولا يزالون خائفين من مصيرهم في حال محاكمتهم. وقد طالبت الولايات المتحدة على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الدول الأوروبية استعادة مسلحي التنظيم الأوروبيين المقبوض عليهم في سوريا ومحاكمتهم. لكن الاتحاد الأوروبي أبدى مخاوفه من الاستجابة الفعالة لهذا المطلب.
من الإجراءات المتخذة لمواجهة خطر رجوع عناصر التنظيم
تحاول الدول الأوروبية العمل على سن قوانين وإجراءات متناسبة مع سياساتها من أجل التعامل مع مقاتلي تنظيم الدولة داعش وفيما يلي نماذج عن هذه الآليات:
- بالنسبة للمملكة المتحدة، اعتبرت عام 2017 أن الطريقة الأمثل للتعامل مع البريطانيين الذين انضموا إلى القتال في صفوف التنظيم هي تصفيتهم وعدم السماح لهم بالعودة إلى البلاد. وكشفت الحكومة البريطانية في ذات العام أنه تم قتل أكثر من 130 عنصر بريطاني لدى التنظيم. كما قامت بإسقاط الجنسية البريطانية عن متهمين مدانين بالانتماء لداعش.
- أعلنت الحكومة الفرنسية – التي تمتلك العدد الأكبر بدول أوروبا من المقاتلين الذين يحملون جنسيتها- مطلع العام الحالي أنها “تفكر في إعادة 130 رجلاً وامرأة إلى وطنهم، لكن لم يتم إحراز أي تقدم على الإطلاق”.
وقبل سنة عرض رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب “خطة جديدة لمكافحة الإرهاب، ترتكز بصورة خاصة على التصدي لمخاطر جهادية متحركة باتت داخلية بمعظمها، كما تنص على تدابير عدة من بينها مراقبة المعتقلين الخارجين من السجن وإنشاء نيابة عامة لقضايا الإرهاب”. للتعامل مع ملف التهديد الإرهابي الداخلي الذي يشكله العائدون من مقاتلي التنظيم.
- وحول السياسية الألمانية في هذا الصدد، تم الإعلان في أواخر 2018 عن أن: “الحكومة الفيدرالية تدرس جميع الخيارات المتاحة لعودة المواطنين الألمان المنتمين لتنظيم الدولة من سوريا والعراق”. لكن لم يتم اتخاذ تدابير جدية حتى الآن، على الرغم من إيضاحات وزارة الخارجية الألمانية مؤخراً بأن: “ثلث مواطنيها البالغ عددهم ألف، الذين يعتقد أنهم انضموا إلى التنظيم منذ عام 2013 قد عادوا، وقد تمت مقاضاة العديد من هؤلاء أو إخضاعهم لبرامج إعادة تأهيل، لكن بالنسبة للأسرى فإنه لا يمكن تنظيم عودة المقاتلين المحتجزين في سوريا مالم يتم التأكد من أنهم سيمثلون فوراً أمام محكمة، وأن برلين تريد التشاور مع فرنسا وبريطانيا بشأن تحقيق ذلك”.
في حين كانت المخاوف الأوروبية تكمن في أنه قد تكون أدلة الإدانة ضد مقاتلين عائدين غير كافية لإثبات التهم عليهم بالمحاكم، بالتالي يتم إطلاق سراحهم ما يرفع من نسبة التهديد الأمني الداخلي بوقوع هجمات إرهابية.
بينما تمثل قضية نساء وأطفال التنظيم العائدين معضلة أخرى بالنسبة للأوروبيين، حيث يوجد المئات من الأطفال الذي وُلدوا من آباء إرهابيين يحملون جنسيات أوروبية وهؤلاء الأطفال لا يمكن محاكمتهم وكذلك لا يمكن عدم استعادتهم إلى جانب أمهاتهم، بالتالي – على سبيل المثال – قامت بلجيكا بإصدار قرار يقضي بالسماح للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات العودة فوراً إلى بلجيكا، بينما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 – 18 عاماً سوف يتم التدقيق بحالاتهم كل حالة على حدة. وقد تحذوا بقية الدول الأوروبية حذوها بما يتعلق بأطفال تنظيم الدولة.
كما أن عملية إعادة تأهيل العائدين فكرياً وإدماجهم في المجتمع الأوروبي تمثل عقبة أخرى، حيث إن معالجتها قد تستغرق سنوات طويلة وتحتاج إلى جهود حكومية مضاعفة لإنجاح هذا الأمر، بالإضافة إلى إعادة صياغة قوانين قضائية جديدة أو التعديل على قوانين قديمة، وهو ما قد يحدث اختلافات وتباينات سياسية عميقة.
الإجراءات الروسية والشيشانية في التعامل مع ملف العائدين
على الرغم من اعتبار المخابرات الروسية في أواخر 2018 أن عودة المقاتلين وعوائلهم إلى البلاد – المُقدر عددهم بـ 4000 مقاتل- تمثل تهديداً حقيقياً بعد هزيمة التنظيم. إلا أن آليات موسكو كانت أكثر فاعلية بالتعامل مع هذا الملف مقارنة مع الاتحاد الأوروبي.
ودعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعادة الأطفال ولكنه أبدى تحفظاً في مسألة استعادة النساء. وتمت آخر عملية في مطلع 2019 عندما استعادت روسيا 27 طفلاً من أبناء النساء الروسيات المسجونات في العراق.
وكانت روسيا قد أعلنت عن تطبيقها خطة لإعادة أبناء وزوجات مقاتلي التنظيم الروس من العراق، والتعاون مع الشيشان في هذا الصدد. وبمبادرة من الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف تمت إعادة أول طفل من العراق، وصل إلى روسيا في 10 آب/أغسطس 2017. من جانبها سنت الشيشان قراراً في عام 2017 ينص على: “إعفاء المواطنات اللاتي عدن من سوريا والعراق من المساءلة الجنائية، على أن يتم جمع المعلومات حول العائدات، واستجوابهن قبل اتخاذ أي إجراء قانوني بحقهن”.
وعليه فإن التباين والاختلاف في سياسات كل دولة وعدم التنسيق فيما بينها تظهر ثغرات في آليات التعامل مع ملف العائدين من صفوف تنظيم الدولة، وهذه الثغرات قد تؤدي إلى زيادة خطر التهديدات الإرهابية الداخلية في المستقبل، ما يعني أن هزيمة التنظيم لن تكون ناجعة بالشكل الذي يحد من خطر عناصره.
وبالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي فإن ملف عودة المقاتلين يمثل قضية عالقة في أروقته، وإذا لم تتم معالجتها بأسرع وقت ممكن فإن أزمة هذا الملف ستتفاقم خصوصًا وأن الأوروبيين يواجهون مطالبات مستمرة باستعادة المقاتلين والنساء والأطفال؛ لأنها أصبحت عبئاً على الجهات التي تحتجزها، خصوصاً لدى الحكومة العراقية وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا، بالتالي فما هو مصير المئات من هؤلاء العائدين المنتمين لتنظيم الدولة والذين سيعودون أيضاً؟ وهل ستتمكن الدول الأوروبية من رفع مستوى التنسيق الأمني والقضائي فيما بينها لاتخاذ إجراءات وتدابير نهائية وحاسمة للتعامل مع هذا الملف؟ وهل تفضل ترحيل هذا المشكلة وتصفية المتهمين بالتطرف والأنشطة الإرهابية عبر طرق أمنية معينة؟
([1]) “Now that the Islamic State has fallen in Iraq and Syria, where are all its fighters going?”. The Washington Post, 22-2-2018. https://wapo.st/2IbqPi4
“BEYOND THE CALIPHATE: Foreign Fighters and the Threat of Returnees”. The Soufan Center, October 2017. https://bit.ly/2Q3J7Ef
([2]) “كيف ستتعامل أوروبا مع معضلة عودة المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى داعش؟”. يورونيوز، 17-2-2019. https://bit.ly/2X7TexU