العلاقة بين تركيا وحماس
ترجع العلاقة بين تركيا وإسرائيل إلى عام 1949م، وهي ثاني دولة إسلامية تعترف بإسرائيل بعد إيران، تركزت العلاقة على التعاون العسكري بين الطرفين، حيث اعتمدت تركيا على السلاح الإسرائيلي في تسليح جيشها، بالإضافة إلى وجود تبادل تجاري نشط بين الطرفين يزداد في كل عام حتى أنه وصل في عام 2014 إلى 5700مليار دولار.
أدت حادثة سفينة مرمره في عام 2010م إلى تأزم العلاقة بين الطرفين، حيث اشترطت تركيا ثلاثة أمور لعودة العلاقة الطبيعية بين الطرفين، وهي: اعتذار إسرائيل عن الحادثة، وهذا ما تم فعلًا حيث اعتذر نتنياهو بشكل مباشر في عام 2013م، وتعويض الضحايا، حيث تم الاتفاق في عام 2014م على دفع 20 مليون دولار كتعويض للضحايا وهذا الأمر لم يتم إلى يومنا هذا، والشرط الثالث كان رفع الحصار عن غزة والتي كانت سفينة مرمرة متوجهة إليه.
لم تنقطع الاجتماعات بين الطرفين للوصول إلى اتفاق ينهي هذه الخلافات، وكَثُرَ الكلام في خضم هذه الاجتماعات عن وضع العلاقة بين حماس وتركيا ومدى تأثرها بعودة العلاقة الطبيعية بين تركيا وإسرائيل، فعلاقة حماس مع تركيا علاقة ارتبطت بصعود حزب العدالة والتنمية التركي ذي المرجعية الإسلامية الذي يرتبط مع حماس بعلاقة مميزة حيث لا يغيب قادة حماس عن مؤتمرات الحزب واجتماعاته حيث تشكل القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى بعدًا دينيًا لا يمكن التغاضي عنه، ولا يمكن إهمال سعي أردوغان وحزبه إلى إعادة مكانة تركيا كزعيمة للعالم الإسلامي كما كانت في عهد الدولة العثمانية وهذه العلاقة تخدم هذا التصور.
انتقل جزء كبير من قيادة الحركة إلى تركيا بعد الثورة السورية، وكان هذا الانتقال بعلم ورضا الدولة التركية التي وفرت لهم كل أنواع الدعم والتأييد السياسي، وقامت إسرائيل بالتحريض على هذا الوجود حيث صرحت أكثر من مرة على دور قيادة الحركة الموجودة في تركيا في توجيه ودعم الخلايا العسكرية التابعة لكتائب القسام في الضفة الغربية وركزت على القيادي المبعد صالح العاروري الذي برز اسمه بشكل لافت مع انطلاق انتفاضة القدس.
رَبطُ العلاقة بين إسرائيل وتركيا وعودتها لطبيعتها بقطع العلاقة مع حماس أمر غير ممكن؛ لأن تركيا دولة ديمقراطية تحتكم إلى شعبها في انتخابات دورية تحدد الحزبَ الحاكم، ولا يمكن للقيادة التركية الحالية أن تخاطر بأغلبية الشعب التركي المؤيد بقوة لحماس وما تحمله من أفكار ومبادئ سياسية تنال الرضا والقبول لديهم، كما أن تركيا دولة قوية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ومن المستبعد أن ترضخ لهذا الأمر الذي يتعارض مع السيادة الوطنية التي تسعى بكل قوة إلى ترسيخها.
شكَّلت حادثة إسقاط المقاتلة الحربية الروسية التي اخترقت الحدود التركية قوةً ضاغطةً على تركيا لتقديم بعض التنازلات لعودة العلاقة مع إسرائيل، حيث تعتمد تركيا على استيراد الغاز الروسي بشكل كبير ومع تأزم العلاقة فلن تخاطر تركيا بالاستمرار في هذا الأمر الذي يشكل انقطاعه خطرًا كبيرًا على اقتصادها، فالغاز الإسرائيلي يشكل بديلًا مناسبًا حيث قرب المسافة، وهناك أمر مهم آخر يتمثل في حلف شمال الأطلسي ودوره في الوقوف بجانب تركيا في صراعها ضد روسيا، فعلاقة تركيا مع اسرائيل مهمة لحث دول الحلف على مساعدة تركيا والوقوف بجانبها؛ لأن أمن إسرائيل يشكل القضية الأساسية لهذه الدول، ورضا إسرائيل وعودة العلاقة الطبيعية معها عامل أساسي لدعم حلف الأطلسي لتركيا والوقوف بجانبها.
ليس من الممكن القول بأنه سوف يتم إجبار تركيا على الاختيار بين حماس وإسرائيل؛ لأن كلًا منهما مهم لتركيا من جوانب مختلفة، فحماس صاحبة الشعبية الجارفة لدى أبناء الشعب التركي ولن يكون بالسهولة قطع العلاقة معها لأن في قطعها ضررًا كبيرًا على القيادة التركية ومكانتها التي رسختها في المنطقة والتي تتفاخر بدعمها للقضية الفلسطينية ووقوفها مع القضايا العادلة، وأما إسرائيل فالجانب الاقتصادي له أهمية كبيرة في تحديد العلاقة معها حيث لن تخاطر تركيا بهذه العلاقة التي من الممكن أن تتطور والتي تشكل عاملًا مهمًا في تقوية الاقتصاد التركي.
ستبقى علاقة تركيا مميزة مع حماس برغم كل الضغوط، وفي المقابل سوف تقوم حماس بمساعدة تركيا في تخفيف الضغط عنها وذلك عن طريق انتقال بعض القيادات إلى دول أخرى، ومن غير المستبعد أن توعز حماس لعناصرها بتحييد تركيا عن نشاطها العسكري لكي تحافظ عليها كمتنفس لها بعد إن خسرت النظام السوري والإيراني.
للتحميل من هنا
“الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات”
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016