الاصداراتمتفرقات 1مقال رأي

العلاقات الإماراتية – الإيرانية

العلاقات الإماراتية
تمهيد:
تحظى العلاقات الإماراتية الإيرانية منذ أن استقلت الإمارات في العام 1971 بوتيرة مستقرة في إدارة الخلافات بين البلدين، وهو ما عمل على استبعاد احتمالية أن تنشأ أي حالة صراعية بينهما فضلاً عن انخفاض تدخل طهران الداخلي في الشئون الإماراتية على خلاف طبيعة علاقاتها بدول الجوار على الرغم من سيطرة إيران على الجزر الإماراتية الثلاث قبل أيام قليلة من إعلان استقلال دولة الإمارات عن الحماية البريطانية.
وعلى الرغم من أهمية الجزر الإماراتية وموقعها الاستراتيجي في مضيق هرمز عند مدخل الخليج، وتحكمها في الخليج كممر مائي وملاحي هام فضلاً عن ما بها ثروات نفطية ومعدنية لكن العلاقة بين البلدين لم تصل إلى القطيعة والتصادم الظاهر، بل انطلق مسار العلاقات بينهما وفق ما تقتضيه المصالح الاقتصادية التجارية في المقام الأول مما جعل ملف الجزر ضمن المواضيع الخلافية المؤجلة.
وهو الأمر ذاته في العلاقات والقضايا السياسية محل الاهتمام المشترك، فتعمل سياسة دولة الإمارات على التزام الحياد في معظم صراعات إيران مع دول المنطقة، فخلال الحرب العراقية الإيرانية التزمت الإمارات موقفاً محايدا بدعوتها لوقف الحرب، وفي العام 2015 على أثر الخلاف السعودي الإيراني حول النفط فضلت الإمارات أن تكون بمنأى عن ذلك، بل إنها وقعت مع طهران مذكرات تفاهم حول تسهيل تأشيرات الدخول والإقامة، بالإضافة إلى مواصلة التعاون القضائي في مجال مكافحة المخدرات، وفي الوقت الذى أعلن فيه عن الاتفاق النووي الإيراني بين طهران والدول الكبرى كانت الإمارات من أوائل الدول التي رحبت بالاتفاق التاريخي لرفع العقوبات عن طهران، بل أنها قدمت نفسها شريكا فاعلا لإيران.
ويرجع السبب في ذلك إلى موقع الإمارات الجغرافي الذي حولته إلى منطقة ترانزيت للتجارة الإيرانية خاصة في السنوات التي فرضت فيها العقوبات على طهران حيث كانت دبي وحدها هي المدخل الرئيسي لكل ما  يحتاجه الاقتصاد الإيراني من واردات، إضافة إلى ذلك أن الكثير من الشركات العاملة في تجارة إعادة التصدير في دبي كانت بمثابة الممر الرئيسي لعبور العديد من المكونات ثنائية الاستخدام المدني العسكري والتي أسهمت بشكل أو بآخر في مواصلة طهران لتطوير برنامجها النووي رغماً عن العقوبات الدولية المفروضة عليها، مما اعتبره أطلق عليه محللون أداة لغسيل الأموال الإيرانية.
لذلك فإن العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري هما سبب المرونة في العلاقات بين البلدين، وهو ما أعطى أهمية بالغة للحفاظ على الودية الضمنية في العلاقات مع إيران نظرا لما قدمته من دعم للاقتصاد الإيراني، فقد أكدت العديد من الإحصاءات الصادرة عن مجلس الأعمال الإيراني مؤخراً أن الإمارات تستحوذ على 90% من التبادلات التجارية بين إيران ودول الخليج، في الوقت الذي تعد فيه طهران الشريك التجاري الرابع للإمارات.
 
الإيرانيون في الإمارات:
يعيش في الإمارات أكثر من 600 ألف مواطن إيراني أي ما يعادل أكثر من نصف المواطنين السكان في الإمارات البالغ عددهم 947 ألف مواطن، من بينهم 8 آلاف تاجر إيراني مسجل رسميًا في إمارة دبي، ويعمل بقية السكان الإيرانيون في العديد من الأنشطة الاقتصادية، وبين البلدين حيث توجد أسبوعيا ما يزيد على 200 رحلة طيران بين الامارات وطهران وهو ما يفسر دورها في مجتمع الأعمال والسياحة، إضافة إلى ذلك أظهرت بيانات سابقة من دائرة الأراضي والأملاك في دبي أن الإيرانيين لا يزالون يمثلون خامس أكبر جنسية من مشتري العقارات في دبي.
أما حجم التبادل التجاري بين البلدين فهو في تزايد مستمر خلال فترة ما قبل الاتفاق النووي، وما بعد الاتفاق زاد حجم التبادل التجاري ما بين 15 إلى 20% خلال عام 2016 حيث تزايدت الروابط الاقتصادية نتيجة لأن دولة الإمارات وبخاصة إمارة دبي تعمل على تقديم نفسها بأنها نقطة عبور بالنسبة للمستثمرين الأوروبيين وللإيرانيين ليس فقط بسبب ضعف البنية الأساسية من موانئ ومطارات وغيرها فضلاً عن قلة الخبرات نتيجة للعقوبات الدولية التي امتدت لعقود طويلة ولكن إدراكاً منها باتساع دائرة العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية لإيران جراء رفع العقوبات عنها.
ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن الجمارك الإيرانية، فإن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديرا إلى إيران، وتشكل صادراتها إلى إيران ما يقارب 29% من إجمالي مستوردات إيران، وأن حجم صادرات الإمارات إلى إيران خلال أوّل شهرين من العام 2015 وصل 2 مليون طن، بقيمة مليارين و225 مليون دولار. وفي إحصائية أخرى، كانت الإمارات خلال فصل الربيع من عام 2014، أكبر الدول المصدرة لإيران، إذ شكلت ما نسبته 27% من مجموع الواردات الإيرانية، وبلغ حجم الصادرات الإماراتية لإيران في الشهور الثلاث الأولى من عام 2014 ما يقارب 2 مليون و600 ألف طن بقيمة 3 مليار و367 مليون دولار.
لذلك، فإن الاقتصاد الذي تهتم به الدولة الإماراتية في المقام الأول سيعمل على تحريك المقتضيات والمصالح السياسية في كافة القضايا المشتركة بين البلدين، فالذي جعلها تدير ملف الجزر الثلاث المحتلة من قبل طهران منذ العام 1971 حتي وقتنا الحالي، ومن غير المتوقع أن يحدث خلاف أو تصادم بين البلدين بشأنهما، ستعمل بشكل أو بآخر على إدارة كافة الملفات السياسية وخاصة تلك المتعلقة بدول الخليج وعلاقاتها مع طهران، وفق مصلحتها الخاصة ولو كانت على حساب الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية إضافة للأزمات التي تشهدها المنطقة العربية وعلى رأسها الأزمة السورية واليمنية.
 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى