تعرف المجتمعات الشرقية والإسلامية على وجه الخصوص، اعتمادها أسلوب الخطبة الشرعية والذي تنطلق به من منظور شرعي، لا أظن هذا المنظور قد تعرض لمواكبة حداثة العصر والواقع، بل أراه اقتصر بضيق أفقه على جعل الإسلام رافضًا كل أشكال الاختلاط والاحتكاك المباشر بين الفتيات والشباب.
رغم أني ما زلت أجهل من أي منهل نهل الناس استدلالهم على طريقة الزواج التقليدي كونها الطريقة الشرعية، وعلى أي أساس وقفت هذه الدعائم تجابه أشكال الزواج المعاصرة. !!
رغم أن طرق الزواج سواء أكانت تقليدية أو معاصرة تتراوح فيها السلبيات والايجابيات، وإننا في هذا المقال نطرح دراسة الحالة الواقعية والاجتماعية التي تلائم فكرة الزواج قبل ربط الفكرة وتحييدها لطريقة معينة
فماذا يعرف عن الخطبة الشرعية أو ما هو الزواج التقليدي. !!
الزواج التقليدي: هو خطبة تقوم بها السيدات ومن ثم ترى العائلة أن الفتاة مناسبة لخاطبهم، فيتفقوا لعقد لقاء بين الفتاة والخاطب ليتخذوا قرارهم بشأن الموافقة لإتمام مراسم الزواج أو حل الأمر.
ولا أريد اللجوء للأمر كونه يحمل إهانة مبطنة للفتاة، لأن العصر الحالي عفى الفتاة من هذه الإهانة، و أصبحت المدارك الإسلامية أوسع في منح الفتاة حقها في رفض الشاب، تمامًا مثل حقه في رفضها، إلا أن الارتكاز في الأمر يتمحور على اللقاء المعقود و الذي يجمع الفتاة بالشاب في نصف ساعة على الأكثر وسط عائلتيهما على الأرجح، و إن كان هناك فهمًا أوعى ارتأى الأهل منح الخاطبين ربع ساعة يحاورون فيها بعضهم لاتخاذ قرارهم.
قد تجوز هذه الحالة في ظرف كان الواقع مختلفًا تمامًا عن الحياة التي نحن عليها الآن، إذ أين موقع الفتاة وطرح فكرها على فكر خاطبها لترى موضع الانسجام بين الفكرين في حياة واحدة مستقرة!، وعلى أي أساس تقوم النظرة الأولى الشرعية في جعل الحب سيد الموقف بعد هذا اللقاء، ألا أن الواقع فرض سيدًا أو سيدة للقلب ولا مجال للتغيير؟!
حسنا نحن لا نرفض الخطبة بشكلها الرسمي، لكننا نرفض كل ما يتمحور عنها من هدم أساسي للأفكار، ومساعي مبطنة لترسيخ الطبقية في المجتمع، وبناءه على أساس الثوب المناسب.
المعضلة التي تواجه الشباب حاليًا، وتقف حائلا بينهم وبين قبولهم الزواج بعرفه المعتاد، هو الخوف من لبنة الاستقرار الأساسية، إذ كيف يتأتى الاستقرار من علاقة مجهولة المعالم بأطرها وحدودها. من يطرح الأفق الذي ترنو له هذه العلاقة !!
السعي الدؤوب في إذابة السلبيات المجتمعية والتكدرات الطبقية ينفي هذه الحالات، بل على الأغلب يحاربها، لأنه يهدم المجتمع لا يبنيه، ويغذيه بمفردات مستقاة من واقع مغلوط، مفردات قائمة على نوعية الثقافة وتضيقها في إطار عائلي معين، دون نشرها وتوسيعها، مفردات أخرى تقوم على إقصاء الآخر بطريقة منمقة فيكون الآخر منبوذًا من فكرنا وعقلنا فلا يقبل ضمن العائلة ولا يمكن جعله فردًا فيها.
لكن إذا قلنا إن التوعية الثقافية، لها دورها في كسر كل هذه المعيقات أمام الزواج التقليدي، وجعله أكثر فسحة في النقاش والتجاوب خارج نطاق البيئة الواحدة، إذ نرى من خلالها حالات الزواج من بلدان وثقافات مختلفة.
ومن هنا يجدر بي أن أنطلق انطلاقتي التي أريد أن أرسو بها، إذ كيف تم التلاقي بين هذه الثقافات المختلفة، وكيف سعت هذه البيئات لنقاط تجاذبها متجاهلة نقاط تنافرها؟،
سنقول إن الأمر أولًا وأخيرًا يعود للفتاة والشاب على وجه الخصوص، إذ كان هناك نطاقًا تعريفيًا يسمح بذوبان كتل الأفكار لدى كليهما، وخلق بؤرة تفكير مشتركة تسعى لاستقرارٍ ما، هذا الاستقرار من الضروري تحصيله بالزواج.
بهذه الطريقة نحن لا نعزل الخطبة الشرعية عن مقوماتها الأساسية بل نعالج النقاط السلبية فيها، كما علينا أن نفسح مجالًا أكبر في إعطاء الفتاة على وجه الخصوص حريتها في طرح ما تحلم وتطمح به في مجتمعها، وعلى الأسرة أن لا تُقصي هذا الطموح لأنه سيهدم الخطبة التقليدية، والأسرة الشرقية حتمًا ما ستجهض كل طريقة حديثة إن كانت مغايرة لعادات وأعراف المجتمع التقليدية.
إن الحل الأنجح يكون من خلال توفير فرص تلاقي بين الشبان والفتيات الباحثين عن الاستقرار، لعرض أفكارهم وتحليلها، وبذلك يمكن توفير رؤية مشتركة يمكن من خلالها الانطلاق لبناء عائلة جديدة، هذه العائلة يتبدد فيها الاقصاء والتسلط، وتنتشر فيه مفاهيم الشراكة الحقيقية وجوهرها.
أي أن مجتمعنا بحاجة لخطبة حقيقة، خطبة تقوم على جمع الشاب والفتاة في نطاقات معينة، وللعائلات الحرية المطلقة في تشكيلها، هذه الخطبة تقوم على فهم كل طرف للآخر ومن ثم قبوله أو رفضه، ووضع نقاط التلاقي الأساسية والمشتركة بينهما.
أما ما هو موجود في واقعنا من خطبة تقوم على كتب الكتاب، فإن الضحية الأساسية في هذا الأمر هي الفتاة، وهذا ليس بسبب أحد إلا المجتمع، فإذا لم يحصل الانسجام المطلوب بين الطرفين، حصلت الفتاة على لقب مطلقة.
إن مجتمع يرى أن الشاب لا يعيبه شيء، في حين أن الفتاة يعيبها كل شيء، وأنه لا يرى في الخطبة إلا شكلها التقليدي ويقاوم كل شكل جديد، سيحرم هذه الفتاة المطلقة من فرص زواج ناجحة، ويطرحها لفرص زواج بديلة لا تناسب قريناتها غير المطلقات.
فاطمة عوني قويدر
للتحميل من هنا
“الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات”
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016