مقدمة:
تتهافت دول العالم للحصول على لقاح فيروس كورونا المسبب لكوفيد-19؛ لتلقيح مواطنيها وإنهاء إجراءات العزل والإغلاق العام التي صنعت مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة، بعد أن ضربت الموجة الثانية من الوباء دول العالم نهاية عام 2020، وظهرت معطيات مقلقة عن نسخ متحورة من الفيروس تعد أكثر خطرًا من سابقتها، بالتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في أعداد الإصابات والوفيات، إذ أصبح أخذ اللقاح أكثر أهمية عما مضى، وسط زيادة الطلب عليه، وشرائه بكمياتٍ كبيرةٍ من قبل دول غنية، ما سينعكس سلبًا على الدول الفقيرة العاجزة أصلًا عن الحصول عليه أو تصنيعه.
أكثر من 10 لقاحات بلغت مرحلة الاختبارات السريرية في أنحاء العالم، أبرزها: لقاح “سبوتنيك v” الروسي، و”أسترازينيكا-أكسفورد” البريطاني السويدي، و”فايزر-بيونتك” الذي طوّرته شركة “فايزر” الأميركية وشريكتها “بيونتك” الألمانية، و”مودرنا” الأمريكي، و”نوفافاكس” الأميركي، و”جونسون آند جونسون” الأمريكي، و”سينوفارم” الصيني. جميع تلك اللقاحات لها فاعلية بنسب متفاوتة، وستقلل نسبة الوفيات والإصابات؛ لكن ما يُميزها بعضها عن بعض هو تفاوت الأسعار وسهولة التخزين؛ إذ تتطلب بعض اللقاحات درجة حرارة تتراوح بين 60 و80 درجة مئوية تحت الصفر[1]، ولذلك تسعى دول كثيرة لاستخدام أكثر من لقاح لتطعيم سكانها ضد فيروس كوفيد-19.
تنافس أوروبي على لقاح كوفيد-19
بعد اكتشاف لقاحات لكوفيد-19 تسابقت دول العالم؛ وخاصة الغنية منها، لشراء كميات كبيرة منه لتحصين سكانها من الفيروس، والخروج سريعًا من الأزمات الاقتصادية، حيث اشترت دول الاتحاد الأوروبي وحدها نحو 600 مليون جرعة من لقاح شركتي “فايزر-بيونتيك”[2]، إضافة إلى شراء 400 مليون جرعة من لقاح شركة “أسترازينيكا”[3]-الذي يعد أرخص أنواع اللقاحات-، وبدأت في تطعيم مواطنيها بالفعل، إلا أن قلة الإمدادات الأولى القادمة من شركتي “فايزر” و”أسترازينيكا” كانت أقل مما توقعه الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى توقف عملية التحصين في بعض أجزاء أوروبا.
الشركتان حذرتا دول الاتحاد الأوروبي أنهما لن تكونا قادرتين عل توصيل اللقاحات إلى دول الاتحاد على النحو المتفق عليه بسبب مشكلات في الإنتاج. وسوّغت شركة “فايزر” التأخير بتعديلات تجري بمصنعها الرئيس في بلجيكا من أجل زيادة طاقته الإنتاجية. كذلك عزَت شركة “أسترازينيكا” بطءَ تسليم حوالي 80 مليون جرعة في نهاية آذار/مارس المقبل إلى تأخير توقيع الاتفاق معها من قبل دول الاتحاد، إضافة إلى “ظهور مشكلات” بمصانعها في هولندا وبلجيكا، وأبلغت الشركة الاتحاد الأوروبي بتخفيض الحصة إلى 31 مليون جرعة[4]، ثم زادت هذا الرقم إلى 40 مليون جرعة[5]، أي نصف الكمية المتفق عليها سابقًا.
إعلان الشركتين أثار استياء دول الاتحاد الأوروبي، حيث شددت رئيسة المفوضية الأوروبية للصحة وسلامة الغذاء، ستيلا كيرياكيدس، على “ضرورة وجود جدول دقيق لتسليم اللقاح”[6]، فيما لوّح رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي بمقاضاة الشركتين، واتهمها بارتكاب “انتهاكات خطيرة” للعقد المبرم[7]، كما تعهدت بولندا باتخاذ إجراءات بشأن التأخير.
وقد تصاعد الخلاف مع شركة “أسترازينيكا” لأسباب عدة؛ منها: تزويد الأخيرة لبريطانيا – التي خرجت من عضوية الاتحاد- بجرعات من مصنع الشركة الموجود على أراضيها[8] على حساب دول الاتحاد التي تعاني من نقص في إمدادات اللقاح، وتعرّض الاتحاد لضغوطات شعبية بعد انتقادات ببطء وتيرة التطعيم في عددٍ من الدول الأعضاء. يُضاف إلى ذلك عدم رغبة الرئيس التنفيذي للشركة باسكال سوريوت إعطاء التزامات محددة لموعد تسليم اللقاح لدول الاتحاد[9]، بالرغم من منح بروكسل الشركة نحو 336 مليون يورو لتطوير لقاحها وزيادة طاقتها الإنتاجية[10].
ومن جهته أوضح سوريوت أن الاتفاق بين “أسترازينيكا” والاتحاد الأوروبي قد وُقِّع بعد ثلاثة أشهر من العقد المُوقع مع بريطانيا، وينص على أن “الإنتاج الصادر من سلسلة التوريد البريطانية سيذهب أولًا إلى المملكة المتحدة، ولا يمكن استخدامه إلا في وقت لاحق لتغطية احتياجات الأوروبيين”[11]، في حين نفت المفوضة الأوروبية للشؤون الصحية ستيلا كيرياكيدس صحة ذلك قائلة: إنه “لا توجد بنود تنص على أسبقية لدولة”[12]، مشيرة إلى أنه يجب على الشركة استخدام أربعة مصانع لضمان إنتاج كافٍ للّقلاح (مصنعان في بلجيكا وهولندا، واثنان في بريطانيا) بموجب شروط العقد بين الجانبين.
هذه الخلافات دفعت بروكسل إلى فرض قيودٍ على تصدير اللقاحات المُصنَّعة في أوروبا إلى بريطانيا، وهددت بتقييد صادرات اللقاحات إلى أيرلندا الشمالية بتعليق بند من اتفاق بريكست مع بريطانيا، لكنها تراجعت عن موقفها بعدما عبَّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن “مخاوفه” من هذا التصعيد، داعيًا الاتحاد الأوروبي إلى “توضيح نواياه بشكل عاجل” بشأن هذه الخطوة[13].
كما وضعت دول الاتحاد قيودًا على تصدير لقاحات كوفيد-19 خارج الاتحاد من دون ترخيص، وأوضح مفوض الاتحاد الأوروبي للتجارة فالديس دومبروفسكيس أن الآلية تهدف إلى “الحصول على معلومات دقيقة بشأن إنتاج اللقاحات ومعرفة من هي الشركات التي سترسلها”[14]، كما تنص على حيازة معلومات حول صادرات اللقاحات ووجهتها والكميات المنقولة، وسوَّغت المفوضية الأوروبية هذه القيود بقولها: “إن حماية مواطنينا وسلامتهم هي أولوية، والتحديات التي نواجهها الآن لم تترك لنا خيارًا سوى اتخاذ هذا الإجراء”[15].
منظمة الصحة العالمية انتقدت هذه الآلية، وحذرت من أن التعامل مع اللقاح على “أسس قومية” سيُطيلُ أمد الوباء[16]؛ لأن الخلاص من كوفيد- 19 لن يتم إلا إذا انتهى في جميع أنحاء العالم، كما حذرت من أن العالم على شفير “فشل أخلاقي كارثي إذا احتكرت الدول الغنية اللقاحات المضادة للفيروس على حساب الدول الفقيرة”[17]، وأوضحت أن 50 دولة غنية حصلت على 40 مليون جرعة من اللقاح، مقابل تقديم 25 جرعة فقط في غينيا التي تعد من أفقر دول أفريقيا[18]. وأشار المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا هانس كلوغه إلى أن 10 دول (لم يسمها) حصلت على 95% من اللقاحات التي أُعطيت حول العالم[19]. في حين نشر موقع “عالمنا في البيانات” المختص في تحليل المعطيات أسماء هذه الدول وهي: الولايات المتحدة، والصين، والمملكة المتحدة، وإسرائيل، والإمارات، وإيطاليا، وروسيا، وألمانيا، وإسبانيا، وكندا[20].
تصاعد التنافس بين دول الاتحاد نفسها على اللقاحات الأوروبية، وبطءُ آلية تسليم الإمدادات؛ جعل دولًا أوروبية تُبدي اهتمامها باستخدام اللقاح الروسي، حيث اشترت المجر لقاحي “سبوتنيك V” الروسي، و”سينوفارم” الصيني، بالرغم من عدم اعتمادهما من قبل الاتحاد الأوروبي حتى الآن، في حين اشترطت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مساعدة روسيا في إنتاج اللقاح، بشرط حصوله على تصريح بالتداول داخل الاتحاد الأوروبي[21]. كما اشترط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديم موسكو طلبًا لتسجيل لقاحها لدى الأجهزة الأوروبية؛ حتى تبدأ فرنسا باستخدامه. وجاء هذا الاهتمام بعد صدور نتائج دراسة أوردتها مجلة “ذي لانسيت” الطبية تُفيد بأن لقاح “سبوتنيك V” فعال بنسبة 91,6% ضد كوفيد-19[22].
خطورة التوزيع غير العادل للقاحات ومواقف دولية من الاحتكار:
تنافس الدول الغنية على شراء كميات كبيرة من اللقاحات، إضافة إلى سعي شركات مصنعة له إلى تحقيق أرباح كبيرة من خلال هذه اللقاحات[23]؛ دفع حكومات عربية وغربية إلى التأكيد على أهمية التوزيع العادل للقاح، حيث دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى توزيع عادل للقاحات كوفيد-19، لاسيما من خلال تقديم مزيد من الدعم إلى برنامج “كوفاكس” الذي تقوده منظمة الصحة العالمية، معربةً عن اعتقادها بأن الوباء سيواصل التأثير على حياة البشر للسنوات القليلة المقبلة.
كما دعا ملك الأردن عبد الله الثاني إلى الحرص على التوزيع الفاعل والعادل للقاحات كوفيد-19، وأن “يتم التعامل معه كسلعة عامة لمنفعة الجميع، وكواجب أخلاقي، للحيلولة دون تهميش الدول ذات الدخل المحدود والفقيرة، بينما تقوم الدول ذات الدخل المرتفع بالاستحواذ على معظم اللقاحات الواعدة”[24]، كذلك أكد ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، على “أهمية توزيع اللقاح بشكل عادل لكافة دول العالم؛ لضمان مواجهة هذه الجائحة، وتسهيل سبل وصولها للمعنيين”[25]، في حين أبدى محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، استعداد بلاده للمساعدة في “التوزيع العادل” لملياري جرعة من اللقاحات، مع التركيز بشكل خاص على البلدان النامية، عبر شركات البلاد الجوية والبحرية[26].
كما سبب انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى برنامج “كوفاكس” الأممي للتوزيع العادل للقاحات كوفيد-19 ارتياحًا في منظمة الصحة العالمية التي اعتبرت الانضمام الأمريكي “نبأ سارًا”، وإن عرقلت “النزعات القومية” للدول الغنية سير عمل هذا البرنامج بالشكل المناسب حتى الآن[27]، إلا أن المشكلة الحقيقية التي تواجه منظمة الصحة العالمية في التوزيع العادل للقاحات، هي الاتفاقات الثنائية الموقّعة من دول غنية تحت ضغط الرأي العام لديها؛ لتسريع وتيرة خطط التطعيم، والخروج من قيودٍ فرضها وباء كوفيد-19.
وبرنامج “كوفاكس” تقوده منظمة الصحة العالمية، ويهدف إلى تأمين لقاحات لكوفيد-19 لنحو 20% على الأقل من سكان الدول المشاركة فيه قبل نهاية عام 2021، لكنه يتضمن أيضًا آلية تمويل تتيح للدول الفقيرة المشاركة في الحصول على عدد كبير من الجرعات الثمينة، وجمع البرنامج الذي انطلق في 2020 ملياري دولار، لكن مبلغ 4.6 مليار دولار إضافي على الأقل سيكون ضروريًا هذا العام لشراء لقاحات، و800 مليون للأبحاث والتطوير، و1.4 مليار دولار لتوزيع اللقاحات[28].
خاتمة:
يمكن القول: إن سرعة تفشي وباء كوفيد-19 وظهور نسخ متحورة منه أكثر خطورة وانتشارًا، هو السبب في تسارع دول غنية للحصول على حصة الأسد من جرعات التطعيم، وهذا الأمر خلق تنافسًا بين دول داخل الاتحاد الأوروبي، وجعل بعضها يلجأ لشركات غير أوروبية للحصول على إمدادات كافية من اللقاح تحت وطأة الضغوط الشعبية والاقتصادية للخروج من إجراءات العزل والإغلاق العام. لكن الاستمرار في هذه السياسة ستكون له انعكاسات خطيرة على الدول الفقيرة؛ خاصة في أفريقيا ومناطق النزاعات بشكل عام؛ إذ إن عدم وصول اللقاح إليها سيُطيل أمد الفيروس، ويهدد بنشره في دول أخرى، وهو السيناريو الذي تُحذر منه منظمة الصحة العالمية وسط تصاعد “النزعة القومية” لدى دول غنية في الحصول على اللقاح أولًا وبكميات تزيد عن حاجتها؛ في مشهدٍ يُذكّر بما حدث في بداية ظهور الجائحة من صراع على الكمامات والمعقمات حينما جعل الوباء الدول سواسية في احتمال انتشار الإصابة فيها، لكن يبدو أنه سيُفرَّقُ بينهم في الحصول على التطعيم أولًا بغض النظر عن البُعدِ الأخلاقي في ذلك.
الجزيرة، شاهد.. الفروق بين لقاحات كورونا في جدول واحد
العين الإخبارية، الاتحاد الأوروبي يشتري 300 مليون جرعة إضافية من لقاح فايزر
فرانس 24، توفير 300 مليون جرعة لقاح ضد فيروس كورونا من خلال اتفاق أوروبي مع شركة أدوية
الحرة، “مشاكل في الإنتاج”.. أسترازينيكا تخفض عدد شحنات لقاحها إلى أوروبا بنسبة 60 بالمئة
بي بي سي عربي، لقاح فيروس كورونا: الاتحاد الأوروبي وأسترازينيكا يتقدمان “خطوة للأمام” لحل خلافهما
تغريدة في تويتر لرئيسة المفوضية الأوروبية للصحة وسلامة الغذاء، ستيلا كيرياكيدس
بي بي سي عربي، لقاح فيروس كورونا: رئيس وزراء إيطاليا يلوح بمقاضاة شركات الأدوية بعد تأخير توزيع اللقاحات
بي بي سي عربي، لقاح فيروس كورونا: الاتحاد الأوروبي وأسترازينيكا يتقدمان “خطوة للأمام” لحل خلافهما
أورو نيوز، لماذا تأخرت دول الاتحاد الأوروبي في حملات التطعيم؟
رويترز، الاتحاد الأوروبي دفع 336 مليون يورو لتأمين لقاح محتمل لكوفيد 19 لشركة أسترازينيكا
دويتشه فيله، ما خلفية حدة الخلاف بين “أسترازينيكا” والاتحاد الأوروبي؟
فرانس24، تصاعد الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والشركة البريطانية أسترازينيكا بسبب التأخر في تسليم اللقاحات
بي بي سي عربي، فيروس كورونا: الاتحاد الأوروبي يتراجع عن قرار الإلغاء المؤقت لخروج بريطانيا وسط الخلاف حول إمدادات اللقاح
الشرق الأوسط، الاتحاد الأوروبي «يُقيّد» تصدير لقاحات «كورونا» رغم تنديد منظمة الصحة
نيويورك تايمز، وسط النقص الحاد، يتحرك الاتحاد الأوروبي للحد من صادرات اللقاحات
أورو نيوز، الاتحاد الأوروبي يتراجع عن تهديده تقييد صادرات اللقاح ومنظمة الصحة تحذر من “نزعة قومية”
عربي بوست، “الصحة العالمية” تحذِّر من احتكار الدول الغنية لقاح كورونا: توزيع المصل بشكل غير عادل يطيل الأزمة
تغريدة لمنظمة الصحة العالمية
ايرو نيوز، منظمة الصحة العالمية: عشر دول تستحوذ على 95 في المائة من اللقاحات الخاصة بكورونا
موقع عالمنا في بيانات، عمليات التطعيم حول العالم
دويتشه فيله، ما هي شروط ميركل لدعم روسيا في تطوير لقاح كورونا؟
تغريدة في تويتر لمجلة “ذي لانسيت” الطبية
ديلغراف، وجدت منظمة أوكسفام أن الدول الغنية اشترت بالفعل أكثر من نصف جرعات اللقاح في العالم
رويا نيوز، الملك: لا بد أن نحرص على التوزيع الفاعل والعادل للقاحات كورونا- فيديو
سكاي نيوز، الأمير محمد بن سلمان: اتخذنا تدابير لدعم الاقتصاد العالمي
روسيا اليوم، شركات إماراتية تعلن عن خطة لتوزيع ملياري جرعة من لقاحات كورونا بشكل “عادل” وعاجل
الجزيرة مباشر، “نزعات قومية” تعرقل برنامجًا أمميًّا لتوزيع عادل للقاحات كورونا حول العالم
دويتشه فيله، من أجل توزيع عادل للقاحات.. مبادرة لتوفير ملياري جرعة للدول الفقيرة