تُعاني شريحة واسعة من المسلمين في الهند انتهاكات إثنية طائفية متكررة، وارتفعت وتيرتها بعد إقرار الحكومة الهندية ما بات يعرف بقانون الجنسية المثير للجدل، والذي نص على قبول منح المهاجرين من ثلاث دول هي باكستان وبنجلادش وأفغانستان الجنسية الهندية بشرط ألا يكونوا مسلمين. هذا على الرغم من أن النظام الدستوري للهند ينص على علمانية الدولة منذ نشأتها في 1947، في دولة تُوصف بحسب مراقبين بكونها أكبر ديمقراطية توافقية في العالم([1]).
قانون الجنسية لم يكن وحده المحرك الرئيسي لعمليات العنف التي يتعرض لها المسلمون، بل إن نهج الحكومة بقيادة رئيس الوزراء الهندي الزعيم الهندوسي ناريندرا مودي بات مثيرًا للجدل بسبب اتباعه سياسات استفزازية بحق المسلمين، ومن أهمها عمليات التهميش المستمرة التي تشهدها ولاية آسام التي تقطن فيه أقلية مسلمة أغلبها من المهاجرين([2])، بالإضافة إلى إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير، بموجب مرسوم، أدى إلى فرض إجراءات أمنية مشددة تضمنت وضع زعماء بالولاية قيد الإقامة الجبرية وتعليق خدمات الهاتف والإنترنت، وقمع متظاهرين([3]).
دفع سلوك الحكومة بالمجمل إلى اندلاع أعمال عنف وصلت إلى حد الذروة في أوائل العام الحالي خصوصًا في العاصمة الهندية نيودلهي، وقد تسببت في إصابة المئات وسقوط عشرات القتلى، بالإضافة إلى عمليات الحرق والتخريب لممتلكات مسلمين هناك([4]).
ما سبق يثير التساؤل حول أهداف الحكومة الهندية من سن هذا القانون الذي يراه مراقبون أنه يأتي في سياق سياسات إثنية متشددة يقودها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. في ظل عدم وجود استجابة دولية حقيقية لمنع انتهاكات وعمليات قمع ممارسة ضد شريحة مسلمة في الهند.
عن وجود المسلمين في الهند
وصل الإسلام إلى الهند على يد محمد بن القاسم أثناء الفتوحات المعروفة في التاريخ الإسلامي بفتوحات السند أيام الدولة الأموية، وعلى مدى قرون طويلة ظل المسلمون في شبه القارة الهندية أمة واحدة، ومع نهاية الاحتلال البريطاني الذي استمر حوالي مائتي عام انقسمت الهند عام 1947 إلى دولتين هما الهند وباكستان([5]). وعليه تعود جذور وجود المسلمين في شبه القارة الهندية إلى القرن الأول للإسلام.
وفي العصر الحديث، منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى؛ تسارعت حركة استقلال الهند عن بريطانيا، ورافق هذه الحركة استغلال ناجح من قبل الرابطة الإسلامية، بقيادة الزعيم الإسلامي محمد علي جناح (1876-1948)، لخوفِ النخب الإسلامية في المناطق الحضرية من أن تجد نفسها معرّضة للهيمنة الهندوسية في الهند بعد خروج بريطانيا؛ وتبنت النخب السياسية الإسلامية شعار (الإسلام في خطر) لنيل التأييد الشعبي، وجعلوا من الدين الإسلامي المحرك الرئيسي للهوية الإثنية، ونجحوا في ذلك؛ عندما تأسست دولة باكستان في 1947، لكن مع ذلك بقي ثلثُ المسلمين في الهند([6]).
وينقسم مسلمو الهند إلى جزئين، الأول: مسلمو الشمال ويتبعون المذهب الحنفي ويتكلمون اللغة الأردية والبنغالية، ومسلمو الجنوب ويتبعون المذهب الشافعي ويتحدثون اللغة التامولية، إضافة إلى وجود مسلمين شيعة في بعض الولايات وبالأخص في حيدر آباد([7]).
مشاركة المسلمين في الحياة السياسية
الهند رسميًا، دولة علمانية، تقوم على مبدأ أنّ جميع الأديان في البلاد ينبغي التعامل معها على قدم المساواة، لكن مع فصلها عن شؤون الدولة. بالتالي فإن أي تمييز ضد الأقليات الدينية محظور بشكل رسمي، ومع ذلك؛ فإنّ التعريف الهندي للعلمانية يجعل الهند تعترف بأن القادة الدينيين في المجتمعات المختلفة لهم مكانة متميزة في أيّة مفاوضات مع الدولة، في حالة نشوب نزاع بين الأديان. وعليه؛ يتمتع الزعماء الدينيون بشرعية سياسية، وبالتالي فإن المواقف التي يتبناها هؤلاء الزعماء غالبًا ما تظهر في نظر الدولة كممثلة لمواقف المجتمع بأكمله.
كما أن القيادة الهندية تنظر للمسلمين في الهند على أن لديهم ولاء لباكستان؛ كون أنهم ساهموا في تقسيم الأراضي الهندية؛ فهم يشكّلون أقلية (مكشوفة)، وتشهد على ذلك أعمال الشغب التي يتعرّضون لها بصفة دورية، لكنّ هذا العنف لا يستمدّ جذوره من التقسيم، لكنّه يندرج أيضًا في سياق المنافسة بين الطبقات المتوسطة الهندوسية والمسلمة، خاصّة في المناطق الحضرية، وقد تمّ استغلال هذه الوضعية بشكل كبير من الناحية السياسية، من قِبل القوميّين الهندوس؛ حيث يدعو الجناح الأكثر تشدّدًا منهم إلى إبادة عرقية ثقافية للمسلمين، والأقليات الأخرى، بما في ذلك المسيحية، وبشكل أعمّ؛ يدعو إلى هندوسيّة المجتمع، لقد توصّل القوميون الهندوس إلى السلطة في أواخر التسعينيات، فهم من المؤكد أنهم لا يتمتعون بالأغلبية، لأنّهم يحكمون مع ائتلاف مع الأحزاب العلمانية، ولا يبدو، على الأقل في المدى القصير، أنّهم يفكّرون في تغيير أحكام العلمانية للدستور، لكنّهم تمكّنوا من ابتذال بعض أشكال الخطاب الدينيّ في المجال السياسي([8]). وهو ما أدى بالنتيجة إلى تراجع مشاركة النخب الإسلامية في الحياة السياسية الهندية محاولين الحفاظ على هويتهم الإسلامية عبر ممارساتهم المجتمعية ونشاطهم فيه.
تداعيات ودوافع سياسات الحكومة الهندية
مع وصول الحزب القومي الهندوسي بهارتيا جاناتا في انتخابات عام 2014 اتسعت مخاوف مسلمي الهند بسبب المواقف المتطرفة التي تبناها رئيس الحكومة وزعيم الحزب ناريندرا مودي. وقوي نفوذ الحزب بشكل أكبر في انتخابات عام 2019، حيث حصل على 303 مقعد من أصل 542، وحصل التحالف الذي يقوده هذا الحزب على 65% من المقاعد، مما ضمن له سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية.
في حين تعود قصة قانون الجنسية في بدايتها إلى ظهور حركة شعبية متطرفة في ولاية آسام بشمال شرق الهند منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي لإخراج المهاجرين ومعظمهم من بنجلاديش وبورما. ثم وقّعت الحكومة الهندية حينها اتفاق مع زعماء هذه الحركة في 1985، قضت بإجراء إحصاء لسكان الولاية، وعبر هذا الإحصاء يعتبر هنديًا كل من يُثبت وجوده في الولاية قبل سنة 1971، أي قبل انفصال دولة بنجلاديش. وفي أعقاب ذلك لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إجراء التعداد السكاني، إلى أن وصلت حكومة مودي وقررت إجراء الإحصاء خلال عام 2019. وبعد الانتهاء منه، أعلنت عن وجود ما يقرب من مليوني أجنبي في الولاية، إلا أن أغلبهم كان من الهندوس وليس المسلمين.
لذلك سعت الحكومة إلى تعديل قانون الجنسية الهندي لسنة 1955، بإدخال مادة تنص على قبول المهاجرين من ثلاث دول مجاورة، باكستان وبنجلاديش وأفغانستان، بشرط أن يكونوا من أصحاب الديانات الهندوسية أو السيخية أو البوذية أو الجاينية أو الزردشتية والمسيحية، مع استثناء المسلمين. ومع غياب ثقافة التوثيق لدى فئات واسعة من الشعب الهندي إما بسبب الأمية أو بسبب الإقامة في أماكن نائية، يتعذر على فئات واسعة من الشعب امتلاك وثائق رسمية. وعليه، سيصبح المسلمون – أكبر أقلية في الهند – غير الحاملين للوثائق الرسمية بدون جنسية، أما أصحاب الديانات الأخرى فسيُسمح لهم بالحصول على الجنسية عبر هذا القانون لمجرد كونهم غير مسلمين. وعليه فقد قدمت الحكومة الهندية مبررات ترتكز على صبغة إنسانية، تقوم على أن هذا القانون جاء من أجل تأمين الحماية والمساعدة للأقليات الدينية من (السيخ والهندوس والمسيحيين وغيرهم) المضطهدة في البلاد الإسلامية المجاورة([9]). أي أنه بني على أساس تغذية مذهبية إثنية قادت إلى ما وصلت إليه البلاد اليوم.
ولم يكن قانون الجنسية هو المؤشر الوحيد على تبني إدارة مودي لنبرة عنصرية إثنية، حيث شهدت الساحة الداخلية في الهند ارتفاع عمليات العنف الديني منذ تولي مودي. ومن بين أبرز الأحداث التي تشير إلى ذلك، سماح المحكمة العليا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 ببناء معبد هندوسي كبير في مدينة أيوديا في موقع مسجد يرجع للقرن السادس عشر تم هدمه في 1992 من قبل متطرفين هندوس، حيث تسببت عملية الهدم آنذاك بأسوأ موجة عنف شهدتها الهند([10]).
وبالنتيجة لا يبدو أن الحكومة الهندية تسعى إلى التهدئة أو التوصل إلى حل وسط، بل لا تزال مستمرة في سياساتها فقد قامت مؤخرًا الشرطة الهندية باحتجاز ظفر الإسلام خان رئيس لجنة الأقليات وهي هيئة دستورية في الهند بسبب دفاعه عن المسلمين في تغريدة وجه خلالها الشكر للكويت لاهتمامها بمسلمي بلاده([11]).
لذلك يبرز السؤال الآن، هل سيؤدي سلوك رئيس الوزراء الهندي إلى توسع دائرة العنف على مستوى إقليمي، يكون منطلقه من كشمير عبر تكثيف العمليات المسلحة ضد السلطات الهندية بدعم من باكستان عن طريق طالبان الباكستانية؟ وكيف ستتمكن الهند من اللعب على المتناقضات وعدم توسيع رقعة العنف الطائفي بعزل قضية المسلمين الهنديين عن نظرائهم الأويغور في الصين والذين يعانون من عمليات قمعية أيضًا؟ وهو ما ينذر بإمكانية ظهور جماعات إسلامية مسلحة عابرة للحدود تتولى قضية رفع الظلم والاضطهاد([12]).
السيناريوهات المحتملة
المتوقع حسب الظروف الحالية ثلاثة سيناريوهات:
1. استمرار المسلمين الهنود باحتجاجاتهم السلمية وباستخدام الوسائل الديمقراطية من أجل الضغط لعدم تمرير هذه القوانين. بيد أن هذا السيناريو صعب التحقق بسبب صعوبة التجمع نظراً لارتفاع مصابي كوفيد-19 حالياً، وخوف الطائفة المسلمة من لجوء مناصري الحزب الحاكم إلى شن عمليات عنف واسعة النطاق ضدهم، خصوصاً وأن حملة العنف مؤخراً لم تلق استجابة دولية لحماية المسلمين الذين تعرضوا للاضطهاد في العاصمة نيودلهي.
2. تطور الأحداث إلى حالة فوضى مسلحة وتدخل جماعات جهادية في المشهد بذريعة رفع الظلم عن المسلمين، خصوصاً من إقليم كشمير الذي يشهد إلى حد الآن احتجاجات وعمليات هجوم ضيقة النطاق من قبل مسلحين على مواقع الحكومة الهندية([13]) -بسبب قرار الأخيرة ضمه وإلغاء حكمه الذاتي([14])– ما يفتح الباب أمام صراعات دموية تعيد إلى الأذهان الصراعات الدينية التي قضت على آلاف الناس.
3. استمرار حالة الاحتقان بوتيرة متصاعدة حتى يتم تغيير ديمقراطي يزيل حكم الرئيس الحالي العنصري، بحيث تقوم شرائح سياسية وشخصيات مؤثرة في المشهد بالضغط على رئيس الحكومة لتخفيف إجراءاته ضد المسلمين، وقد يصل الأمر إلى ممارسة ضغوط دولية عليه والتهديد بفرض عقوبات كما حصل للصين، حيث قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على مسؤولين فيها بسبب ممارساتهم ضد الأويغور([15]).
(1) “حقائق ومعلومات اساسية عن الهند”. بي بي سي، 30-5-2017. https://bbc.in/2VIGVXH
([2]) “ولاية آسام”. الجزيرة نت، 2-1-2018. https://bit.ly/3bWxvwl
(2) “الهند تعلن إلغاء الحكم الذاتي الدستوري لإقليم كشمير”. فرانس 24، 5-8-2019. https://bit.ly/38o83xY
([4]) “علماء المسلمين”: مسلمو الهند يتعرضون لـ”جرائم ضد الإنسانية”. الجزيرة مباشر، 8-3-2020. https://bit.ly/3e42VCb
“شهادات خاصة للجزيرة نت.. مسلمون نجوا من محرقة الهندوس يروون التفاصيل”. الجزيرة نت، 5-3-2020. https://bit.ly/2LMT73C
([5]) “المسلمون في الهند”. موقع إسلام ويب، 24-4-2014. https://bit.ly/3bJozdu
(6) المرجع السابق.
([7]) “المسلمون في الهند.. عقبة مانعة أم قوة دافعة”. مركز الجزيرة للدراسات، 26-10-2009. https://bit.ly/2zgMAve
(8) ميرا كامدار، كتاب “كوكب الهند”، مكتبة عبيكان، الطبعة الأولى 2010.
انظر المرجع رقم 5.
(9) “قانون الجنسية يؤشر على تصاعد العنصرية في الهند…لكنها ليست استثناء”. المرصد المصري، 2-3-2020. https://bit.ly/2TpHrbu
“إندبندنت: المسلمون يُذبحون في الهند والعالم لا يبالي”. الجزيرة نت، 1-3-2020. https://bit.ly/2InVBnf
(10) “قانون الجنسية بالهند.. القصة في نقاط”. الجزيرة نت، 26-12-2019. https://bit.ly/2xcwEZD
([11]) “الشرطة الهندية تحتجز مسؤولا بهيئة دستورية دافع عن المسلمين”. الجزيرة مباشر، 6-5-2020. https://bit.ly/3g5ctil
(13) “المشهد الصيني: أهداف سياسات الصين الاستراتيجية في إقليم شنجيانغ”. برق للسياسات، 6-8-2019. https://bit.ly/2vIao9r
([13]) “الكشميريون الخاضعون لسيطرة الهند يحيون الذكرى 73 لانضمامهم إلى باكستان”. 20-7-2020. https://bit.ly/2CMXJFw
([14]) “الهند تعلن إلغاء الحكم الذاتي الدستوري لإقليم كشمير”. فرانس24، 5-8-2019. https://bit.ly/2Wxx5Yj
([15]) “مسلمو الإيغور: الصين تفرض عقوبات على سياسيين أمريكيين بارزين”. بي بي سي، 13-7-2020. https://bbc.in/3jtuw3t