قام أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة رسمية إلى الأردن مؤخرًا تلبية لدعوة العاهل الأردني عبد الله بن الحسين الثاني ضمن إطار تعزيز العلاقات بين البلدين([1])، بعد فترة ركود شهدتها بسبب الأزمة الخليجية، ورغبة كلا الطرفين بتطوير مستوى العلاقات إلى شراكة قد تصل إلى المستوى الاستراتيجي.
ويأتي هذا التوجه من الدولتين، في ظل عدة قضايا محورية مرتبطة بهما وأبرزها تسويات كوشنر أو ما بات يعرف بصفقة القرن، والأزمة الخليجية، بالإضافة إلى مسار التصعيد الدولي ضد إيران بعد مقتل سليماني. ما يزيد من فرص الوصول إلى مواقف مشتركة بناءة تتيح للدولتين مزيدًا من الخيارات السياسية والمرونة في التعاطي مع الأزمات الدولية المتعلقة بهما.
لكن يثار التساؤل في ذات الوقت، عن الأهداف الرئيسية والاستراتيجية لدولة قطر بالتوجه نحو رفع مستوى العلاقات مع الأردن في ظل النقاش المتجدد حول إمكانية الوصول إلى مصالحة خليجية، ما قد يشير إلى احتمال وجود دور أردني قادم في هذه القضية تحديدًا، قد يتمحور ضمن دعم دور الوساطة الذي تقوم به الكويت، وعليه فإن قطر ستكون أمام أولوية استراتيجية في تحريك ملف المصالحة عبر تحركات دبلوماسية جديدة، وهو ما ظهر أيضًا في توجه أمير دولة قطر لزيارة تونس والجزائر، ما يعني أن الدوحة قد تكون أمام بناء دبلوماسية خارجية بعيدة عن المحور الخليجي دون المساس بمحورية العلاقات مع دول الخليج العربي.
سمات العلاقات بين دولة قطر والمملكة الأردنية الهاشمية
يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين إلى عام 1972 عندما تم الاتفاق على تبادل التمثيل الدبلوماسي في كلا البلدين، لكن هذه العلاقات لم ترقَ إلى مستوى استراتيجي واقتصرت على زيارات رسمية وعلاقات اقتصادية تجارية من خلال اتفاقيات موقعة بين البلدين([2]).
الأزمة الخليجية:
استمر مستوى العلاقات على ما هو عليه ولم يشهد تحولات محورية أو توترات بينهما، حتى عام 2017 عندما قامت الأردن بسحب سفيرها من دولة قطر، استجابة لضغوط دبلوماسية مورست عليها من قبل الدول المحور (السعودية، الإمارات، ومصر)، لكن عمّان حاولت عدم إثارة أي توتر آخر مع دولة قطر، أي إظهار استجابة ناعمة لمطالب دول المقاطعة مقابل حفاظ على حد أدنى من العلاقات مع الأخيرة. “ومنذ حرب الخليج الثانية، يعاني الأردن من حقيقة أن علاقاته ومواقفه تجاه دول الخليج قد أسيء فهمها، وهو يبذل جهودًا لسنوات عديدة للتغلب على ذلك وإقامة علاقات متوازنة ووثيقة معهم جميعًا بغض النظر عن مواقفهم بشأن القضايا الإقليمية وبغض النظر عن العلاقات بينهم، هذا المبدأ بالنسبة للسياسة الخارجية الأردنية، لم يجعل عمان تقع في أزمة مع أي دولة عربية، ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي منها”([3]).
ومن جهة دولة قطر فقد حافظت أيضًا على وتيرة علاقاتها في الجانب الاقتصادي مع المملكة الأردنية الهاشمية على الرغم من سحب السفراء فأعلنت في حزيران / يونيو 2018 عن نيّتها توفير 10 آلاف وظيفة عمل للأردنيين، مع استثمار 500 مليون دولار في مشاريع البنية التحتية والسياحة في المملكة([4]). كما بلغ حجم التبادل التجاري نموًا عام 2018 بنسبة 18% حيث بلغ نحو 1.3 مليار ريال مقابل 1.1 مليار عام 2017، وقد شهد السوق القطري دخول نحو 175 شركة أردنية جديدة خلال الأشهر التسعة الأولى من 2018 عبر شراكات وتحالفات مع شركات قطرية، وبلغ عدد الشركات القطرية الأردنية المشتركة العاملة بالسوق القطري 1550 شركة بنهاية 2018([5]).
تنشيط العلاقات تدريجيًا:
في عام 2019، قرّر البلدان رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي من خلال تبادل السفراء([6])، وعيَّن الأردن زيد اللوزي، الدبلوماسي المخضرم والأمين العام لوزارة الخارجية الأردنية سفيرًا لدى الدوحة، وقامت الأخيرة بتعيين الشيخ سعود بن ناصر بن جاسم آل ثاني، العضو في الأسرة الحاكمة، كسفير في عمّان، جاءت هذه الخطوة بناء على مسار جديد دخلت فيه القضية الخليجية، فمع استمرار الأزمة وعدم الوصول إلى فرص تؤدي إلى حل الخلاف بين دول الخليج رأت الأردن أن تحريك المياه الراكدة في العلاقات مع دولة قطر قد يعطي دفعًا للأمام لبقية دول الخليج لتحريك ملف المصالحة.
كما أن الاختلافات الدبلوماسية بين الدول لا تعدُّ سببًا لقطع العلاقات بينهما، ويمكن لنظام المصالح الثنائية أن يستمر في العمل رغم هذه الاختلافات. وعليه فإنَّ العلاقات الثنائية بين البلدين تم تعزيزها خلال فترة انخفاض التمثيل الدبلوماسي، خاصة عندما سارعت الدوحة لمساعدة الأردن على التعامل مع أزمته الاقتصادية، وفتح القيادة القطرية لفرص عمل لعشرات الآلاف من الأردنيين، واستثمار الأموال في القطاعات الاقتصادية الأردنية. وذلك أشار إلى أن الأردن لم يكن طرفًا في الصراع داخل الخليج، وكان يأمل في حل سريع لأزمتهم مع دولة قطر.
ولكن فيما بعد أشارت التطورات إلى أن الأزمة كانت مستمرة، لذلك قررت القيادة الأردنية رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، لكن بدون أن يكون ذلك على حساب علاقاتها الوثيقة والمستقرة مع دول الخليج الأخرى، وبدون أن يمثل أي تحول في الاتجاه بعيدًا عن علاقاتها الوثيقة مع دول مهمة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر بناءً على مصالح الأردن المباشرة([7]).
من جهة أخرى، بلغ حجمَّ التبادل التجاري بين الأَردن ودولة قطر في النِّصف الأول من العام الماضي حوالي 44.9 مليون دينار، وبلغت صادرات الأردن إلى قطر 39.9 مليون، ومستورداته منها 5 ملايين دينار. في حين وصلت الاستثمارات القطرية نحو 226 مليون دولار في مجال قطاع الطاقة. كما استثمرت الدوحة في بورصة عمّان بنحو 1.2 مليار دولار، في القطاعات العقارية والمالية والسياحية([8]). وقامت بمنح الأردن منحة مالية بقيمة 4.2 مليون دولار لتمويل صندوق الأردن الصحي للاجئين([9]).
كما تم عقد اجتماع لمجلس الأعمال الأردني القطري([10])، وتم خلاله الاتفاق على إيجاد إجراءات تحفيز الاستثمار عبر تخفيض كلف الطاقة لمختلف القطاعات بأسعار تفضيلية لجميع القطاعات الإنتاجية، ومنح المستثمرين في القطاعات الصناعية دعمًا ماليًا مباشرًا للصادرات، وحوافز مباشرة للمستثمرين لتشغيل الأردنيين، بالإضافة لسنِّ قرارات تحفيز سوق الإسكان والعقار، تهدف إلى توفير مساكن للأسر الناشئة ذات الدخل المحدود بأسعار معقولة، من خلال توفير أراضٍ بأسعار مخفضة للمستثمرين، وتخفيض أسعار أراضي، وتخفيض رسوم التسجيل ونقل الملكية للشقق السكنية بواقع 50 %([11]).
وعلى الصعيد العسكري والأمني، تم التوقيع في أواسط 2019 على عدة اتفاقيات عسكرية، وتم تنفيذ مناورة عسكرية مشتركة مع قوة الأمن الداخلي القطرية (لخويا)، والقوات الخاصة الأردنية، ضمن تمرين (الحارس المنيع 2019)، بالاشتراك مع القوات الأمريكية، وذلك ضمن الاستعدادات لاستضافة قطر لكأس العالم 2022([12]).
زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم الأخيرة:
شدَّدَ السفير القطري في الأردن، سعود بن ناصر بن جاسم آل ثاني، على أهمية زيارة أمير دولة قطر إلى الأردن، “لأنها تأتي ضمن إطار فتح آفاق جديدة للتعاون المشترك، وتسعى لتحقيق نقلات كبيرة على أمل أن تبلغ العلاقة مراحل استراتيجية”([13]). وبالفعل فقد أثمرت زيارة الشيخ تميم عدة ملفات إيجابية منها: التأكيد على أهمية تفعيل اللجنة العليا الأردنية القطرية المشتركة، وتأمين
10 آلاف وظيفة للأردنيين من قبل قطر، بالإضافة إلى دعم صندوق التقاعد العسكري الأردني بـ30 مليون دولار، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والتدريب فيما يتعلق بتنظيم كأس العالم 2022([14]).
دوافع البلدين في تحويل العلاقات إلى شراكة استراتيجية
في واقع الأمر لم تتأثر العلاقة بين الدولتين كثيرًا لكنها شهدت ركودًا نسبيًا بين عامي 2017-2018، بيد أنها عادت للتفعيل وبشكل حذر عام 2019، وفي زيارة أمير دولة قطر الرسمية الأخيرة من المتوقع أن يتم تنشيط هذه العلاقات لتصل إلى مستوى إستراتيجي لا يتوقف فقط على اتفاقيات اقتصادية أو أمنية إنما يصل إلى تنسيق المواقف السياسية سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتسويات كوشنر والتي كانت أحد ملفات النقاش الرئيسية بين الشيخ تميم والملك عبد الله الثاني.
وتسعى الدوحة إلى فتح قنوات دبلوماسية جديدة خارج إطار دول الخليج عبر تفعيل العلاقات مع المحيط العربي بشكل أكبر، للوصول إلى سياسة خارجية متوازنة تتيح لها مزيدًا من القوة في موقفها من أي مفاوضات حل للأزمة الخليجية. وفي ذات الوقت قد تكون المحادثات بين رئيسي دولتي قطر والأردن قد دفعت باتجاه تفعيل الأخيرة لدور وساطة قادم أو داعم للوساطة الكويتية، وهي خطوة استراتيجية قطرية هدفها توسيع دائرة ملف الأزمة الخليجية إلى خارج دول الخليج وإدخال فاعلين آخرين قادرين على تحريك المياه الراكدة للمصالحة خصوصًا قبل انطلاق مونديال قطر عام 2022. وهذا ما يفسر الدوافع القطرية نحو تعزيز العلاقات مع حكومة عمّان. وبالنسبة للأردن فهي تحاول أيضًا الانتقال إلى دبلوماسية خارجية أكثر تأثيرًا وحضورًا في المنطقة، لأنها حاليًا أمام محيط مليء بالأزمات والأحداث وبات مرتبطًا بأمن الأردن القومي بشكل مباشر خصوصًا بعد الإعلان عمَّا يسمى صفقة القرن([15])، لذلك فإن المملكة الأردنية بحاجة إلى فتح مسارات خارجية جديدة تتيح لها مواقف مساندة دولية – مثل دولة قطر – لسياساتها ومواقفها إزاء القضايا المحيطة بها.
([1]) “أمير قطر في زيارة رسمية لعمَّان بدعوة من العاهل الأردني إثر تحسن العلاقات بين البلدين”. فرانس 24، 23-2-2020. https://bit.ly/32AU6LK
([2]) “العلاقات القطرية – الأردنية”. موقع سفارة دولة قطر في عمّان. https://bit.ly/2vjTr5g
“الأردن وقطر..طالع تاريخ التجارة والاتفاقيات”. عمان نت، 23-2-2020. https://bit.ly/32BuGNY
([3]) “Following Jordan-Qatar Rapprochement, Senior Jordanian Journalist Reassures Saudi Arabia And Its Allies”. MEMRI, 24-7-2019. https://bit.ly/2T9Oa9c
([4]) “هل يعيد الأردن تموقعه إقليميًا بالاصطفاف مع قطر”. صحيفة العرب اللندنية، 25-6-2019. https://bit.ly/38d6Hpz
([5]) “خليفة بن جاسم: 18% نمو التبادل التجاري مع الأردن إلى 1.3 مليار ريال”. صحيفة العرب القطرية، 27-10-2019. https://bit.ly/32Cstlr
([6]) “الأردن وقطر.. عودة السفراء تكسر جدران الحصار”. الجزيرة نت، 4-9-2019. https://bit.ly/2PBQJib
([7]) “Jordan and Qatar restore diplomatic ties, but why now”. The International Institute for Strategic Studies, 31-7-2019. https://bit.ly/2I9P5Au
([8]) “بحث التحديات المعيقة للتبادل التجاري بين الأردن وقطر”. المملكة، 23-10-2019. https://bit.ly/2I6po3x
([9]) “قطر توقع مع الأردن اتفاقية منحة بقيمة 2.4 ملايين دولار”. وكالة الأنباء الكويتية كونا، 28-11-2019. https://bit.ly/399zXPq
([10]) “وفد أردني رفيع بالدوحة.. زخم اقتصادي بعد عودة العلاقات السياسية”. الجزيرة نت، 27-10-2019. https://bit.ly/3aeWNoQ
([11]) “الطباع: 2 مليار دولار استثمارات قطر في الأردن”. المقر، 30-10-2019. https://bit.ly/385YGCM
([12]) “قطر توقع مع الأردن اتفاقيات لتبادل الخبرات العسكرية”. الخليج أونلاين، 19-4-2019. https://bit.ly/396XmRr
([13]) “اندفاعة أردنية محسوبة صوب قطر “المعزولة”. صحيفة العرب اللندنية، 20-2-2020. https://bit.ly/2I79O7V
([14]) “قمة قطرية أردنية.. الدوحة تدعم صندوق التقاعد العسكري الأردني وتوفر 10 آلاف فرصة عمل للأردنيين”. الجزيرة نت، 24-2-2020. https://bit.ly/2I93SLu
([15]) “دور الأردن في صفقة القرن”. صحيفة الدستور الأردنية، 2-2-2020. https://bit.ly/2UyTUux