الاصداراتالدراسات الاستراتيجية

اقتصاد إيران ومعاناة العقوبات على النفط وانخفاض أسعاره

بدأ تفعيل العقوبات الاقتصادية المفروضة من أمريكا على إيران في مطلع نوفمبر 2018، وقد رصدت أمريكا نحو 700 من المؤسسات والسلع والأفراد تشملهم العقوبات، ويعد النفط الإيراني أبرز السلع التي شملتها العقوبات الأمريكية، وإن كانت أمريكا قد استثنت نحو 8 دول، بحيث يمكنهم استيراد النفط الإيراني لفترات محددة، وهو الأمر الذي خفف من حدة قرار العقوبات على أسعار النفط في السوق الدولية[i].

ويحظى الاقتصاد الإيراني بتنوع ملحوظ من خلال مساهمة العديد من القطاعات في تحقيق ناتجه المحلي الإجمالي، وإن كان النفط لايزال يمثل عصب هذا الاقتصاد، بسبب الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها الاقتصاد الإيراني، ما بين حرب مع العراق قديمًا خلال الفترة 1980 – 1990، أو في المحيط الإقليمي حديثًا(سورية واليمن)، وعقوبات اقتصادية تمارسها عليها أمريكا لفترات زمنية طويلة.

فاستمرار العقوبات الأمريكية منذ عام 1979 وحتى الآن، باستثناء عام 2017 وعدة شهور من عام 2018، حال دون قيام إيران بتطوير بنيتها الأساسية، والاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة في أمريكا والغرب، وقصر وارداتها على بعض الأساسيات، ولذلك تأثر قطاع النفط الإيراني سلبيًا بشكل كبير، من حيث تقادم تكنولوجيا استخراج النفط، ومعامل تكريره خلال الفترة الماضية، إلا أن الفترة الأكثر تضررًا للاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الاقتصادية، هي ما بين عام 2012 – 2016، حيث انضم الاتحاد الأوروبي لأمريكا في تلك العقوبات.

وتزيد معاناة الاقتصاد الإيراني بسبب وجود متغير سلبي آخر إلى العقوبات، وهو انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، منذ نوفمبر 2018، أي أن التأثير السلبي للمتغيرين، يتزامن دون وجود فترات بينية، يمكن من خلالها أن يتنفس الاقتصاد الإيراني بعض الشئ لتدبير احتياجاته، أو مواصلة أجندته ومشروعه الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

 وهذا التزامن على عكس الفترات الماضية، فإيران استفادت بشكل كبير من طفرة عوائد النفط الثالثة، التي امتدت من 2003 – 2014، وحتى حينما انضم الاتحاد الأوروبي لأمريكا في عام 2012 بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران، أعطى ارتفاع الأسعار خلال الأعوام 2012 و2013 والنصف الأول من 2014 إيران فرصة -في ظل وصول سعر النفط لأكثر من 100 دولار- لكي توظف ورقة النفط الرخيص لتخفيف أثر العقوبات على اقتصادها، حيث حرصت دول مثل تركيا والصين والهند على أن تُستثنى من العقوبات الاقتصادية على إيران، لتستفيد من الميزة السعرية التي تقدمها إيران لهم في ظل ارتفاع الأسعار.

  • دور النفط في اقتصاد إيران

 بلغ الناتج المحلي الإجمالي الإيراني على سبيل المثال في عام 2017 نحو 439.5 مليار دولار، ساهم فيه قطاع الزراعة بنسبة 10%، وساهم قطاع الصناعة بنسبة 34.2%، أما قطاع الخدمات فكان له النصيب الأكبر من المساهمة في الناتج المحلي بنحو 55.8%[ii].

ويمثل النفط بالنسبة للاقتصاد الإيراني رقمًا مهمًا، وأية تغيرات في أداء هذا القطاع لأسباب داخلية أو خارجية، تترك آثارها الإيجابية أو السلبية على الاقتصاد الإيراني، ويتضح ذلك بصورة جلية من خلال بيانات الميزان الجاري، فقد حقق أداء الميزان الجاري للأعوام 2014/2015 و2015/2016 و2016/2017 على التوالي فائضًا بلغ 13.5 مليار دولار، و1.2 مليار دولار، و16.3 مليار دولار على التوالي[iii]. والملاحظة الأولى أن تراجع الفائض بالميزان الجاري في عام 2015/2016 بسبب التداعيات السلبية لانهيار أسعار النفط في السوق الدولية، والتي بدأت شرارتها في منتصف عام 2014.

لكن عندما يتم استبعاد النفط من أداء الحساب الجاري لإيران، نجد أن النتيجة هي وجود عجز خلال نفس الفترة المذكورة، بنحو 36.2 مليار دولار، و28.9 مليار دولار، و37.9 مليار دولار. ونفس الشئ بالنسبة لميزان التجارة السلعية لإيران، فبيانات البنك المركزي الإيراني توضح أنه في حالة استبعاد النفط من حسابات أداء الميزان التجاري السلعي، يسفر عن عجز خلال نفس الفترة المذكورة عاليه بنحو 34.7 مليار دولار، و24.8 مليار دولار، و33.5 مليار دولار.

وفي الوقت الذي بلغت فيه الصادرات السلعية لإيران خلال الفترة 2014/2015 – 2016/2017 نحو 88.9 مليار دولار، و62.9 مليار دولار، و83.9 مليار دولار على التوالي، نجد أن صادرات النفط مثلت نسبة قدرها 62.3%، و50.5%، 66.3% على التوالي.

وقد ظهر الأثر الواضح للنفط في الاقتصاد الإيراني من خلال الموازنة العامة للدولة (يبدأ العام المالي في إيران حسب التقويم الفارسي، وهو ما يوافق بداية مارس من كل عام ميلادي)، والتي أُعلنت مؤخرًا من قبل الرئيس روحاني أمام البرلمان، حيث صرح الرجل بأن العقوبات الاقتصادية سوف تؤثر على مستوى المعيشة، ومعدلات النمو الاقتصادي. وإن كان روحاني قد أعلن أن موازنة بلاده للعام القادم لا تعاني عجزًا، فإن ذلك لا يعني وجود مشكلات، أو أنها قادرة على تلبية احتياجات المجتمع، فهي ليست أكثر من موازنة أزمة. فصانع السياسة المالية يعلم التحديات المفروضة، وبإمكانه أن يسيطر على العجز من خلال قصر الإنفاق على الضرورات، والاحتياجات الأساسية.

 وبلا شك أن موازنة العام المالي القادم في إيران، وما بعدها لا تتضمن مشروعات تطوير البنية الأساسية أو مشروعات النفط والغاز، أو تطوير قطاع الصناعة، وهو ما يعني أن إيران ستحاول قدر المستطاع اعتماد سياسة الاعتماد على الذات، وقصر الاستيراد ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.

وحسب بيانات الموازنة التي أعلنها روحاني، فإن صادرات إيران من النفط في ظل العقوبات سوف تتراوح  ما بين مليون برميل يوميًا إلى 1.5 مليون برميل، وهو ما يعني أن الصادرات النفطية لإيران ستكون بحدود نسبة 33% – 50% مما كانت عليه قبل فرض العقوبات، والتي كانت تصل إلى 3 ملايين برميل يوميًا.

ووفقًا لاحصاءات البنك المركزي الإيراني، فإن الصادرات النفطية لإيران بنهاية 2017/2018 بلغت 65.8 مليار دولار وبما يمثل نسبة 67% من إجمالي الصادرات[iv]. ومعنى أن تنخفض الصادرات النفطية الإيرانية لنحو 50%، فإن ذلك يعني تأثر الاقتصاد الإيراني وميزان المدفوعات بخسارة نحو 33 مليار دولار تقريبًا خلال الفترة القادمة. ويأتي هذا التقدير في إطار سيناريو التفاؤل الخاص بكون أسعار النفط في السوق الدولية خلال العام القادم ستكون عند حدود ما كانت عليه في عام 2017/2018، أما إذا أتت أسعار النفط متراجعة ليتحقق سيناريو التشاؤم بأن تكون الصادرات النفطية بحدود 33% فقط مما كانت عليه قبل العقوبات، فإن ما ستحصل عليه إيران من عوائد سنوية لصادرات النفط ستكون بحدود 20 مليار دولار في أحسن التقديرات.[v]

ويكفي أن نتصور حجم الضرر الواقع على الاقتصاد الإيراني في ظل العقوبات على النفط وانخفاض أسعار، إذا ما علمنا أن حجم الإنفاق في الموازنة العامة للدولة الإيرانية في العام المالي الجديد، بحدود 47 مليار دولار فقط لا غير. إن غضبة الشارع الإيراني خلال عام 2017 كان الدافع لها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، المتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وكذلك انخفاض سعر العملة، وهي مشكلات لازالت قائمة ومن شأن العقوبات أن تفاقم تلك المشكلات، وبالتالي زيادة التوتر الاجتماعي والسياسي داخل إيران.

  • تداعيات العقوبات السلبية على النفط

تأتي العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، وبخاصة على النفط، في وقت غير مناسب، بسبب تراجع مؤشرات الاقتصاد الإيراني خلال عام 2017، والذي تمثل في انهيار العملة الإيرانية بشكل كبير، وكذلك ارتفاع معدلات البطالة، مما أدى إلى سخط شعبي خلال عام 2017، وكانت السلطة الإيرانية تأمل أن تنهي هذه المشكلات الاقتصادية، عبر الانفتاح على الخارج، وإنفاذ برنامج روحاني الاقتصادي، الذي يركز على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وانتعاش قطاع السياحة داخل إيران، وهي آليات تعطلت مع العقوبات الاقتصادية.

كما ستتأثر التجارة الخارجية لإيران بشكل كبير، بسبب التهديدات الأمريكية للشركات التي تقبل التعامل مع إيران، فمؤخرًا امتنعت شركات تعمل في مجال الغذاء عن إبرام صفقات جديدة مع إيران، ومنها شركات أمريكية وسنغافورية، على الرغم من أن الغذاء والدواء خارج قائمة العقوبات الأمريكية على إيران، إلا أن الشركات التي أوقفت تعاملتها مع إيران، أرجعت ذلك إلى الصعوبات التي تعتري عمليات تحويل الأموال، وبخاصة من قبل البنوك الأوروبية[vi].

 وخطورة هذا الأمر أن هذه الشركات كانت تورد سلع استراتيجية لإيران من القمح والذرة والسكر الخام. وليس أمام إيران إلا أن تزيد من قدرتها على توفير هذه السلع من خلال الإنتاج المحلي وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي منها، أو تتجه صوب دول أخرى، وعلى رأسها روسيا التي تعتبر من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للقمح بعد أمريكا. فضلًا عن أن قطاعات اقتصادية مهمة في إيران ستحرم من استيراد أو استخدام التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية.

ويتصور أن أمريكا تستهدف من عقوباتها على إيران إرغامها على إعادة التفاوض حول البرنامج النووي، بعد أن خرجت أمريكا من اتفاق (5+1)، وليس المقصود من هذه العقوبات هدم الدولة الإيرانية، أو إسقاط النظام الحاكم هناك. حيث سمحت أمريكا كما ذكرنا في بداية هذه السطور لـ 8 دول باستيراد النفط الإيراني لفترة محددة قابلة للتجديد، وبلا شك أن دول بحجم الصين والهند وتركيا، لها مصالحها الاقتصادية التي تجعلها تضغط على أمريكا لاستمرار هذا الاستثناء إلى أن تنتهي المشكلات القائمة مع إيران، وهو ما يعطي إيران الفرصة لتسيير أمورها بالحد الأدنى الذي تحققه صادرات النفط.

ومن ناحية أخرى سمح للعراق باستثناء أخر يتمثل في الحصول على احتياجاتها من النفط والغاز والكهرباء من إيران[vii]، وهو باب يوسع نافذة إيران في الحصول على موارد للنقد الأجنبي في ظل العقوبات، أو على الأقل الحصول على متطلبات إيران من سلع أخرى من العراق مقابل النفط. وينبغي أن ننظر لما سيحققه هذا الاستثناء من فرص اقتصادية لإيران لتخفيف خناق العقوبات عليها، في ظل سيطرة إيران على نظام الحكم في العراق، وكذلك الفساد الذي يضرب بأطنابه في السلطة العراقية.

ويمكننا استشراف المستقبل بشأن مشروع إيران التوسعي في المنطقة، وبخاصة في الدول التي تعاملت فيها عبر القوة الخشنة، أن هذا التواجد سوف يتأثر سلبيًا، نظرًا لتراجع إيرادات إيران النفطية في ظل العقوبات الاقتصادية المصحوبة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، وقد يكون هذا أحد الأهداف الأمريكية غير المعلنة، وليس فقط قضية البرنامج النووي الإيراني.

[i] CNN، حصول 8 دول على استثناء أمريكي لمواصلة شراء النفط الإيراني مؤقتًا، 5/11/2018،

https://arabic.cnn.com/business/article/2018/11/05/iran-usa-economic-sanctions-oil-exports-china-turkey-italy

[ii] قاعدة بيانات البنك الدولي، احصاءات الناتج المحلي الإجمالي، https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD?view=chart

[iii] البنك المركزي الإيراني، التقرير السنوي لعام 2016/2017، ص 24. https://www.cbi.ir/page/17602.aspx

[iv] البنك المركزي الإيراني، احصاءات ميزان المدفوعات، خلال الفترة 2014/2015 – 2017/2018، https://www.cbi.ir/page/18177.aspx

[v]العراق يحصل على استثناء من العقوبات الأمريكية على إيران، روسيا اليوم، 8/11/2018. https://arabic.rt.com/business/981378

[vi] رويترز، حصري-مصادر: تجار عالميون يوقفون صفقات الغذاء الجديدة مع إيران بسبب العقوبات الأمريكية، 22/12/2018، https://ara.reuters.com/article/businessNews/idARAKCN1OL093

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية © 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى