الاصدارات

اقتصاديات النفط والغاز الطبيعي في مصر

على مدار نحو عام مضى، أشارت وسائل الإعلام إلى تطور جديد في أوضاع النفط والغاز بمصر، سواء من حيث الإنتاج، أو من حيث تكلفة الوقود، الآخذة في الارتفاع منذ يوليو 2014، فعلى صعيد الإنتاج أُعلن عن دخول حقل ظهر لإنتاج الغاز الطبيعي، لمرحلة الإنتاج. وذهبت بعض التقديرات إلى أن مصر سوف تكتفي ذاتيًا من الغاز بعد اكتمال مراحل الإنتاج لحقل ظهر[i]. وعلى صعيد ارتفاع التكلفة شهد السوق المصري ارتفاعًا في تكلفة الوقود بمعدلات تراوحت ما بين 16% و30%، في مطلع يوليو 2019، سواء على مستوى الاستهلاك المنزلي أو التجاري[ii].

وفي نفس الوقت الذي ذهب فيه البعض لاكتفاء مصر ذاتيًا من الغاز الطبيعي، أُعلن عن اتفاق بين مصر وإسرائيل تقوم بموجبه مصر باستيراد الغاز من إسرائيل على مدار 10 سنوات، بقيمة إجمالية تقدر بـ 15 مليار دولار، لتقوم مصر عبر شركات القطاع الخاص بها بإسالة الغاز الطبيعي المستورد، واستخدامه في السوق المحلي أو تصديره لأوروبا، أملًا في أن تصبح مصر مركزًا إقليميًا لتجارة الغاز، وتعول مصر على هذا الاتفاق من حيث طموحها للحصول منه على قيمة مضافة عالية.

ولكن ما هي حقيقة الأوضاع لاقتصاديات النفط والغاز في مصر؟ من حيث معدلات الإنتاج والاستهلاك، وكذلك سياسة مصر نحو تحرير أسعار الطاقة بموجب اتفاقها مع صندوق النقد الدولي المبرم في نوفمبر 2016، وأيضًا ما يتعلق بواردات وصادرات مصر من النفط والغاز. تتناول هذه السطور توضيح حقيقة هذه المحاور عبر الأرقام والبيانات الصادرة عن الحكومة المصرية.

  • الإنتاج والاستهلاك

حسب بيانات وزارة البترول المصرية فإن مصادر الطاقة من المواد الأولية تشير إلى أن الغاز يمثل 55%، والنفط 41%، والفحم 1%، والطاقة المائية 2%[iii]. ويستخلص من هذه الأرقام أن الغاز الطبيعي أصبح يمثل الجانب الأكبر في استراتيجية الطاقة بمصر.

ووفق أحدث الإحصاءات المنشورة في يونيو 2019، بلغ إجمالي إنتاج النفط والغاز الطبيعي بمصر 88.29 مليون طن خلال الفترة أبريل 2018 – أبريل 2019، بينما بلغ حجم الاستهلاك نحو 84.17 مليون طن، وهو ما يعني وجود فائض خلال الفترة يصل إلى 4.12 مليون طن[iv].

ولكن يلاحظ أن إنتاج مصر من النفط والغاز ليس ملكًا صافيًا لها، حيث يتضمن هذا الإنتاج حصة الشركاء الأجانب، والتي تقترب من نحو 40%، بل في بعض العقود امتلكت فيها الشركة الأجنبية “برتش بترليوم” حقل الغاز الطبيعي بنسبة 100% مقابل أن تبيع إنتاج البئر في شمال الدلتا في السوق المحلي المصري. ومن هنا لابد أن يأخذ في الحسبان إن مصر ستظل مستوردا للنفط والغاز رغم تحقيقها فائضًا في إنتاجها، بسبب احتساب حصة الشريك الأجنبي في الإنتاج.

ومن خلال الاطلاع على بيانات الإنتاج والاستهلاك الشهري الخاصة بالفترة المذكورة، نجد أن ثمة تحول ملحوظ بدأ من سبتمبر 2018 حيث بدأ الاستهلاك في تراجع ملحوظ، فقد بلغ 6.1 مليون طن في إبريل 2019 مقارنة بـ 6.7 مليون طن في سبتمبر 2018، أي أن الاستهلاك تراجع بنحو 600 ألف طن.

ومرجع ذلك لسببين، الأول حالة الركود التي يمر بها القطاع الإنتاجي بمصر، والتي يدلل عليها مؤشر “مديري المشتريات” عن شهر يونيو 2019، والذي يصدره بنك الإمارات دبي الوطني عن آداء القطاع الخاص غير النفطي، حيث حصلت مصر على درجة 49.2 درجة في يونيو 2019[v]، وهو ما يعني استمرار حالة الركود، التي يصنفها المؤشر، بأن الحصول على درجة أقل من 50 يعني تحقيق حالة ركود، وهو وضع مستمر بمصر منذ عام 2017. والسبب الثاني أن تكلفة استهلاك الوقود مرتفعة بمصر، بعد إقدام الحكومة على تنفيذ شروط اتفاقها مع صندوق النقد الدولي بتحرير أسعار الوقود.

والملاحظة المهمة أيضًا على أداء الإنتاج والاستهلاك للنفط والغاز الطبيعي بمصر خلال الفترة، أنه على الرغم من أن معدلات الإنتاج بدت في ازدياد عن معدلات الاستهلاك منذ سبتمبر 2018 وحتى إبريل 2019، إلا أن معدلات الإنتاج والاستهلاك لم تكن الأعلى خلال الفترة. فمثلًا في أبريل 2019 كان الإنتاج 6.8 مليون طن، بينما الاستهلاك 6.1 مليون طن، إلا أنه وفي أغسطس 2018 كان أعلى من حيث معدلات الإنتاج والاستهلاك، فالإنتاج في أغسطس 2018 بلغ 6.87 مليون طن، والاستهلاك كان عند 6.95 مليون طن[vi].

  • دعم المواد البترولية

فيما يمكن اعتباره إعداد ملف مصر للدخول في اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بدأت مصر في يوليو 2014 باتباع سياسة تخفيض دعم الوقود، فبعد أن كان دعم المواد البترولية المدرج في موازنة 2013/2014 يقدر بنحو 126 مليار جنيه مصري، تم تخفيضه إلى 51 مليار جنيه في موازنة 2015/2016[vii].

ولكن بعد أن دخلت مصر في التطبيق الفعلي لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016، تم تخفيض قيمة العملة بنحو 100%، ولذلك عاد دعم المواد البترولية للارتفاع مرة أخرى ليصل إلى 115 مليار جنيه في موازنة 2016/2017، ولا يحتاج الأمر إلى بيان بأن هذا الارتفاع صوري وغير حقيقي نظرًا لفارق سعر صرف الجنيه، الذي ترتب على انخفاض قيمة العملة المصرية، وفي موازنة عام 2019/2020 انخفض دعم الوقود مرة أخرى ليصل إلى 52 مليار جنيه[viii].

وحسب بنود اتفاق صندوق النقد الدولي مع الحكومة المصرية، يجب أن تقوم مصر بالتخلص كلية من دعم المواد البترولية بانتهاء عام 2019، وهو ما سيمثل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد المصري، لما يرتبه هذا الأمر من أعباء اقتصادية واجتماعية، من خلال رفع معدلات التضخم.

ودعم المواد البترولية في الموازنة المصرية، يمثل أحد الإشكاليات التي يعترض عليها بعض الاقتصاديين، حيث يعتبر جزء كبير منه دعم دفتري، وليس حقيقي، فالحكومة تقوم بتقويم إنتاجها المحلي بالأسعار العالمية، وتعتبر الفارق بين السعر المحلي والعالمي دعمًا مقدمًا للمواطن، بينما الحسابات الصحيحة تقتضي إدراج هذا الفارق فيما يتعلق بالنفط أو الغاز المستورد، وليس المنتج محليًا.

وبناء على سياسة تحرير سعر المواد البترولية في مصر، ترتبت أضرار اقتصادية انعكست على قطاع إنتاج السلع والخدمات في مصر، حيث زادت تكاليف الإنتاج، مما أدى إلى ضعف منافسة المنتجات المصرية في السوقين المحلي والخارجي. وآخر الشواهد على هذه الأضرار، أن الواردات السلعية غير النفطية لمصر تتجه إلى التزايد خلال الفترة الماضية، ففي عام 2017/2018 زادت هذه الواردات بنحو 3.6 مليارات دولار[ix]، وكذلك خلال الشهور التسع الأولى من عام 2018/2019 زادت هذه الواردات بنحو 4.4 مليارات دولار أيضًا[x]، ويتوقع مع بيانات نهاية عام 2019/2020، أن تشهد هذه الواردات زيادة أخرى، تتجاوز الـ 4.4 مليارات دولار.

  • الميزان التجاري للنفط والغاز

صادرات وواردات مصر من النفط والغاز الطبيعي

خلال الفترة 2013/2014 – 2017/2018

القيمة بالمليار دولار

العام الصادرات الواردات العجز
2013/2014 112.3 13.2 0.9
2014/2015 8.8 12.3 3.5
2015/2016 5.6 9.2 3.6
2016/2017 6.5 12 5.5
2017/2018 8.7 12.4 3.7
يوليو 2018 – مارس 2019 8.5 8.8 0.3

المصدر، التقرير المالي لوزارة المالية عن شهر يونيو 2019، ص 65، والبيان الصحفي للبنك المركز المصري عن أداء ميزان المدفوعات، عن الفترة من يوليو 2018 – مارس 2019.

على مدار الفترة التي يتناولها المقال من 2013/2014 وحتى مارس 2019، كانت نتيجة الميزان التجاري للنفط والغاز في مصر عجز، تراوح ما بين 5.5 مليار دولار في حده الأقصى عام 2016/2017، و0.3 مليار دولار في حده الأدنى خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2018/2019.

ووجود عجز في الميزان التجاري للنفط والغاز بمصر أمر طبيعي منذ أن تحولت مصر إلى مستورد صاف في عام 2008، ولكن الملفت للنظر أن عام 2018 الذي أُعلن فيه عن اكتشاف حقل ظهر في مياه البحر المتوسط، وكذلك الوصول لاتفاق مع إسرائيل لاستيراد الغاز الطبيعي، لم تتغير صورة الميزان التجاري للنفط والغاز الطبيعي، ظلت سالبة، وبلغ العجز في عام 2017/2018 نحو 3.7 مليار دولار. وحتى في الشهور التسعة الأولى من عام 2018/2019، والتي من المفترض أنها شهدت تطورًا ملحوظًا في إنتاج حقل ظهر من الغاز الطبيعي ليصل الإنتاج اليوم إلى 2 مليار مكعب، ظل العجز بالميزان التجاري للنفط والغاز الطبيعي موجودًا وإن تقلصت قيمته، ولكن تبقى العبرة في عام 2018/2019 بنهايتها واستكمال بيانات الربع الأخيرة منه.

ومن المهم الإشارة إلى حقيقة تغير طبيعة الأرقام الخاصة بالصادرات المصرية من النفط والغاز الطبيعي، ثم يمكن أن تنعكس على العجز الحقيقي للميزان التجاري، وهي أن الصادرات المصرية من النفط والغاز تتضمن حصة الشريك الأجنبي[1]، والتي لا تقل بطبيعة الحال عن 40%، وهو ما يعني أن العجز التجاري في هذه الحالة سوف يزيد بقيمة حصة الشريك الأجنبي التي احتسبت في قيمة الصادرات.

  • تحدي المستقبل

تبقى قضية النفط والغاز محورية في مصير الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة، وبخاصة في ظل استهداف الحكومة لمعدلات نمو تصل إلى 6% في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا من شأنه أن يزيد الطلب على النفط والغاز. وقد يكون ذلك سببًا في استهلاك القدر الأكبر من الزيادة المنتظرة في الإنتاج المحلي من النفط والغاز، بل قد يستمر العجز بالميزان التجاري بسبب استمرار عملية الاستيراد لتغطية متطلبات السوق المحلي. ويفرض ذلك تحديات أخرى على الحكومة المصرية منها تدبير الاحتياجات من النقد الأجنبي لتغطية عمليات الاستيراد، وهو ما يمثل عبئًا آخر على سعر الصرف للعملة المحلية.

وحتى وإن لم تنجح الحكومة المصرية في تحقيق معدلات النمو المستهدفة بالناتج المحلي، فإنها أمام تحدي الزيادة السكانية التي تتطلب مراعاتها عند وضع استراتيجية البلاد تجاه النفط والغاز، وتحديد حصص الاستيراد والتصدير، أو حتى إعادة النظر في بعض العقود وحصص الشركاء الأجانب.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات

جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات © 2019

 

[1] وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، يونيو 2019، ص 11.

[2] arabic.cnn، مصر تكتفي ذاتيًا من الغاز الطبيعي وتتوسع في التصدير من بوابة الأردن، 29/9/2018.

[3] رويترز، مصر تستكمل برنامجًا لإصلاح الدعم برفع أسعار الوقود، 5/7/2019.

[4] وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، مؤشر نسبة مصادر الطاقة الأولية في مصر موزعة بالنوع،

http://www.petroleum.gov.eg/ar/AboutMinistry/KeyIndicators/OthersKeyindicators/Pages/energysources.aspx

[5] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، المعلوماتية، نشرة إحصائية شهرية يونيو 2019، ص 5.

[6] بنك الإمارات دبي الوطني فرع مصر، مؤشر مدراء المشتريات، الصادر في 3/7/2019، https://www.emiratesnbd.com/ar/media-centre/media-centre-info/?mcid_ar=785

[7] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، المصدر السابق.

[8] وزارة المالية المصرية، البيان التحليلي لموازنة عام 2017/2018، ص 40.

[9] وزارة المالية المصرية، البيان التحليلي لموازنة 2019/2020، ص 42.

[10] البنك المركزي المصري، بيانات ميزان المدفوعات لعام 2017/2018.

[11] البنك المركزي المصري، بيانات ميزان المدفوعات عن الفترة ( يوليو 2018 – مارس 2019).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى