انتهت الانتخابات التشريعية في الجزائر في مشهد باهت بارد لم تستطع فيه السلطة الحاكمة اقناع الجزائريين للذهاب إلى صناديق الاقتراع، ولم تتمكن فيه الأحزاب السياسية من تعبئة الجماهير للمشاركة في الحدث، كما لم يكن للناشطين من المجتمع المدني أي دور في استقطاب الناخبين. لِيَحين الدور على تعديل جزئي في الطاقم الحكومي بذهاب الوزير الأول من على رأس الحكومة الجزائرية وإدراج أسماء جديدة في التشكيلة والاحتفاظ بالبعض الأخر. مما يدفعنا للتساؤل: إلى أي منطق تحتكم الجزائر في التعيينات الوزارية وعلى أية أسس تدرج أسماء ويستغنى عن أسماء أخرى؟
رحيل “سلال” من على رأس الحكومة
لم يكن أكثر المتفائلين بالتعديل الحكومي الجديد، ينتظر الاستغناء عن خدمات “عبد المالك سلال” من على رأس الحكومة الجزائرية، وفي المقابل أيضاً، لم يكن أحداً ينتظر من أكثر المتشائمين تعيين “عبد المجيد تبون” بدلا عنه. ” تبون” الذي شغل منصب وزير السكن لسنوات في حكومة “سلال” وبالرجوع الى ادائه الوزاري في القطاع، نلمس فشله الذريع في استكمال المشاريع السكنية التي علق عليها الجزائريين أمالا كبيرة من أجل تحقيق مطلبهم البسيطة في الحصول على السكن، ولم تتمكن جميع صيغ الإسكان التي سنتها الوزارة برئاسته من القضاء على أزمة السكن في جزائر العزة والكرامة، ولعل تأخر استلام “سكنات عدل 2001″ أبرز مثال على ذلك. فلما تم تعيينهُ وزيراً أولاَ؟ لا يعني أن الفشل في قطاع واحد سيقود للنجاح في الإشراف على حكومة بأكملها. أما أننا نمنح الفرص لِوزرائنا لتصحيح الأخطاء، أم أنها سياسة لملأ الفراغ لا أكثر، وَرُبما للنظام الحاكم رأى آخر في الأداء الكوميدي للوزير الأول، الذي لم يحقق النتائج المرجوة فتم استبداله بآخر أكثر جدية.
وزير بالغلط ‼
على طريقة تحقيق الأحلام في برامج المسابقات التلفزيونية، جاء تعيين الشاب “مسعود بن عقون” على رأس وزارة السياحة والصناعات التقليدية، ولمدة يومين فقط، ليتم بعدها الاستغناء عن خدماته بداعي المتابعات القضائية ضده، إضافة الى كونه يملك شهادة الليسانس مزورة، وعليه تم تعيين أًصغر وزير في الحكومة الجزائرية كان عن طريق الخطأ، بعد أن رحبت الجماهير بنوايا النظام في تشبيب القيادات ومنح الفرص للشباب لصناعة واقعهم. هذا الأمر خلّف تفاعلات كثيرة في منصات التواصل الاجتماعي، وعبر استعمال وسم “وزير بالغلط” مُستذكرين مشاهد من الفيلم المصري الشهير “معالي الوزير” لأحمد زكي الذي يحاكي ما حدث فعلا على أرض الواقع.
لا مساس بنواعم الحكومة الجزائرية
حافظت الوزيرات في الحكومة الجزائرية على مناصبهن، بحيث لا تزال “نورية بن غبريت” على رأس وزارة التربية والتعليم، وهو الأمر المنتظر بالنظر إلى تمكنها من إدارة الأزمات المتتالية التي عرفها القطاع، بدءا من تسريبات مواضيع البكالوريا إلى إشكالية التوظيف بعد احتجاج المستخلفين من عمال القطاع. كما أن النظام لم يكن له أن يغامر بالتغيير وزعزعة استقرار القطاع والتلميذ على بعد أيام من الامتحانات النهائية. كما أن وزيرة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيات “هدى فرعون” حافظت على منصبها وتم توسيع مهامها إلى الرقمنة، فيما تم تعيين “غنية الدالية” خلفا ل “ِمونية مسلم” على رأس وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، كما تم تعيين الإعلامية السابقة “فاطمة زرواطي” على رأس الوزارة الجديدة للبيئة والطاقات المتجددة.
في النهاية لم يكن الاستوزار في الجزائر بمنطق النضال السياسي ولا بالمفهوم التكنوقراطي الذي يقضي بالتكليف على حسب التخصص، ولم يرتكز أيضا على المشاركة الحزبية خاصة، بعد رفض حركة مجتمع السلم “حمس” أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة في الجزائر، دعوة حكومة “سلال” المشاركة في الحكومة عقب الانتخابات بعد عودتها لمجلس الشورى فيه. ولو أن أمر التعيينات حسم وفقا للولاءات السياسية لتَجاوزنا الأمر، لكن أن يصل الحد إلى تعيين وزير بالغلط، فذلك يقودنا إلى القول: أن الاستوزار في الجزائر يحتكم لمنطق العبث، وقد تكون هذه السابقة في تاريخ الجزائر فرصة لمراجعة النظام لآليات التعيين في المستقبل على الأقل كما تفعل الأنظمة التي تحترم نفسها كدولة.