الاصداراتدراساتمتفرقات 1

إعادة جزيرتي تيران وصنافير للسعودية

 
إعادة جزيرتي تيران وصنافير للسعودية s
 
مدخل:
أوضحت المحادثات المصرية السعودية الأخيرة بشأن ترسيم المياه الإقليمية والحدود الخاصة بالدولتين في البحر الأحمر، حجم التحديات الآنية الشرسة التي تواجه نظرية الدولة القطرية في عالمنا المعاصر.
وكذلك فإن ردود الأفعال الشعبية المتصاعدة حول مسألة اعادة أو إهداء الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية، قد شهدت إحدى تجليات المعركة الدائرة في مصر منذ أربعة أعوام ما بين جماعة الإخوان المسلمين وأنصار شرعية الرئيس محمد مرسي من جهة وأتباع السيسي وثورة 30 يونيو من جهة أخرى.
الفريق الأول: وجد أن في مسألة تسليم الجزيرتين للسعودية، فرصة ممتازة للهجوم على نظام الانقلاب الحاكم والتنديد به، كما وجد فيها فرصة مناسبة مواتية لتبرئة ساحة الرئيس محمد مرسي، الذي أُتهم أثناء فترة حكمه أكثر من مرة بالتنازل عن قطع من الأراضي المصرية في حلايب وشلاتين جنوب البلاد وفي سيناء شرقها.
وكما هي العادة، فإن أتباع الفريق الأخر لم يكونوا ليقتنعوا أبداً بالصمت وتدبر الحالة الراهنة الواقعة أمامهم، بل إنهم سرعان ما قاموا برد الهجوم على الإخوان فاتهموهم بقصر النظر وضيق الأفق والتغابي في فهم الأحداث وتحليلها.
بين الفريقين والمعركة الدائرة بينهما، تم إهمال العديد من الملاحظات والنقاط المهمة التي من الممكن أن تقدم تفسيرات وتحليلات عميقة للمواقف السياسية والمجتمعية المطروحة على ساحة النقاش في بلاد الربيع العربي عموماً وفي مصر خصوصاً.
وسوف أحاول في النقاط الآتية أن أشير إلى تلك النقاط بإيجاز.
 
أولاً: -مدخل تاريخي
سوف يلاحظ الباحث المتخصص في التاريخ الإسلامي عموماً والتاريخ الحديث والمعاصر لمنطقة الشرق الأدنى خصوصاً، أنه على مدار أكثر من أربعة عشر قرناً كاملة منذ دخول الدين الإسلامي وانتشاره في بلدان ومناطق الشرق الأدنى القديم وحتى الآن، أنه لم يتم إثارة سؤال الترسيمات الحدودية بين الدول العربية وبعضها البعض، أكثر مما تتم إثارته حالياً.
فالمتابع للأوضاع السياسية المتأزمة بين بلدان المنطقة سوف يلاحظ أن معظم الدول تعاني من وجود مشكلات حدودية بينها وبين الدول المتاخمة لها، في بعض الأحيان تكون تلك المشكلات واقعة بين بلدين عربيتين، بينما في أحيان أخرى نجد أن الطرف الأخر في المشكلة يكون صاحب هوية غير عربية[1]
وهناك نموذجان لشكل الصراع الحدودي الدائر في المنطقة، النموذج الأول: وفيه تتخذ المشاكل الحدودية طابعاً سلمياً يميل إلى التهدئة واستخدام الوسائل الدبلوماسية داخل أروقة السفارات ومقرات وزارات الخارجية، بعيداً عن أي تصعيد سياسي أو عسكري، ومن أهم الأمثلة على تلك الحالة (حلايب وشلاتين) الذي يوجد نزاع مصري/سوداني عليها منذ فترة بعيدة دون أن تؤثر تلك المشكلة الحدودية بشكل فعال وجذري على العلاقات ما بين الدولتين
النموذج الثاني: استخدام الحلول العسكرية العنيفة بدلاً من اللجوء إلى لطرق السلمية الدبلوماسية التقليدية، ومن أهم الأمثلة على ذلك النموذج ما جرى في حرب الخليج الأولى، التي اندلعت ما بين الجارتين الإيرانية والعراقية واستمرت لمدة ثمانية أعوام كاملة، وخلفت ورائها أكثر من مليون قتيل ما بين عسكريين ومدنيين.
وكذلك حرب الخليج الثانية التي اندلعت في عام 1990م، واستطاع فيها الجيش العراقي أن يجتاح الكويت ويضمها إلى العراق، مستعيداً بذلك حق تاريخي لها بحسب مزاعم القيادة العراقية حينذاك.
الواقع أن تلك المشكلات الحدودية الحالية التي تحدثنا عنها باقتضاب في السطور السابقة، لم تظهر على الساحة إلا بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وسقوط دولة الخلافة في عام 1924 م ،ذلك أنه في أثناء الحرب العالمية الأولي 1914_1918م قد حدث تغير كبير في السياسة التقليدية التي كانت تتبعها بريطانيا – و التي كانت تمثل وقتها مصدر القوة والسطوة الأكثر بروزاً على الساحة العالمية – تجاه الدولة العثمانية الضعيفة المتداعية التي وصفها قياصرة الروس بأنها قد أضحت (رجل أوروبا الضعيف) ، فبعد أن كانت بريطانيا توجه جهودها للحفاظ علي كيان الدولة العثمانية والإبقاء عليها ككيان سياسي منظم يجتمع فيه جميع المسلمين في قارات العالم القديم الثلاث – بل – والدخول في عدد من الحروب ضد الجارة الروسية القوية من أجل ذلك الهدف، نجد أن الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس قد دخلت في الحرب ضد الدولة العثمانية وبدأت في اقتطاع أراضيها وأقاليمها المهمة فأعلنت الحماية الإنجليزية عليها وتم فصل تلك الأراضي والأقاليم عن الإمبراطورية الإسلامية الأم.
 
وإمعاناً في الكيد ضد العثمانيين ، بدأ الإنجليز في العمل على ضرب وحدة المسلمين المعنوية الروحية –  وذلك بعد النجاح المادي الواقعي في فصل بعض الأقاليم عن مركز السلطنة في تركيا – بالقضاء على دولة الخلافة العثمانية ، فعملت السلطات البريطانية وأجهزتها المخابراتية على البحث عن بديل للسلطان العثماني ، ووجدت بُغيتها في شخص أحد أمراء الحجاز وهو الشريف الحسين شريف مكة ، حيث تم إغرائه بتأسيس دولة عربية مستقلة بعد نجاح الثورة على الحكم العثماني، وأن يتولى الشريف الحسين بنفسه منصب الخلافة في تلك الدولة المزمع تأسيسها عقب التخلص من الاحتلال التركي.
وبالفعل اندلعت موجة من الاحتجاجات والتي عرفت باسم الثورة العربية الكبرى، وتم عقد اتفاق بين إنجلترا وفرنسا وهما أكبر قوتان استعماريتان حينذاك، وبموجب هذا الاتفاق تم ترسيم حدود البلاد العربية ووضع خطوط وفواصل بينها وبين بعضها لأول مرة في تاريخها.
عُرف هذا الاتفاق باتفاق سايكس -بيكو وحرصت كل من انجلترا وفرنسا على تنفيذه وتفعيله فتم توزيع حكم البلاد العربية علي الشريف الحسين وبنيه، وإن تراجعت انجلترا عن تنفيذ وعدها بتسليم الخلافة لشريف مكة واكتفت بما منحته هو وبنيه من دول في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق.
وكما تم ترسيم الحدود في بلاد الشام والعراق والحجاز، تم ترسيم الحدود في مصر والبلاد المجاورة لها في فلسطين والسودان وليبيا، ولعبت سلطات الاستعمار والاحتلال الإنجليزي والفرنسي دوراً مهماً في تلك التقسيمات رغم جلاء قواتها العسكرية عن تلك البلاد بدايةً من النصف الثاني من القرن العشرين.
ثانياً: -الجغرافيا والتاريخ والأيديولوجيا
أحد أهم الظواهر التي أثارتها مسألة إعادة جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، كانت هي فكرة الاحتكام إلى لوثائق التاريخية التي تحكم بأحقية مصر أو السعودية في الجزيرتين.
فقد قام كلٌ من طرفي النزاع بالاستناد على عدد من الوثائق التي ترجع لفترات زمنية مختلفة من القرن العشرين، فهناك من استشهد بعدد من الوثائق الحكومية المصرية التي ترجع لعهد الملك فاروق أو إلى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والتي تثبت أن الجزيرتين سعوديتان وأن الدولة المصرية قد وضعت يدها عليهما لتدعيم نفوذها وسيطرتها اللوجستية في منطقة البحر الأحمر وخليج تيران إبان الحروب المتعاقبة ضد إسرائيل.
الفريق المعارض لإعادة الجزيرتين للسعودية، استشهد بعدد من الخرائط التي تُظهر حدود القطر المصري في فترة بدايات القرن العشرين والتي يظهر فيها أن الجزيرتان موضع النزاع كانتا تابعتان لمصر، وما بين الوثائق المختلفة التي حاول كل من الفريقين أن يدلل بها على وجهة نظره ويؤكد بها موقفه، حدثت حالة من اللغط والجدال حول مصداقية تلك الوثائق وحجيتها.
إن استدعاء تلك الوثائق لمحاولة إثبات أو نفي أحقية مصر في الجزيرتين هو أمر يحتوي على خطأ منهجي واضح وقع فيه الفريقان.
الفريقان بنيا موقفهما على  كون التاريخ حجة على الجغرافيا، ولذلك سارع الباحثون بالتنقيب في كتب التاريخ عن أدلة من شأنها أن تؤكد موقفهم، وما فات هؤلاء أن التاريخ متصل عبر آلاف السنين، وأن مسألة حجية التاريخ على الجغرافيا تعتمد في الأساس على اختيار لحظة تاريخية بعينها وتجريدها من الظروف المحيطة بها لاستخدامها.
ولكن كيف نُعيِّن تلك اللحظة التاريخية الفاصلة التي سنحدد على أساسها الحدود الجغرافية للدولة؟
إذا رجعنا إلى حدود مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، لوجدنا أن الدولة المصرية في عهد محمد علي باشا قد ضمت مصر وبلاد الحجاز وسوريا والسودان[2]، بل إنه في ظل التوسع المصري ضد الدولة العثمانية قد وصلت حدود السلطة المصرية إلى الأناضول وبعض أجزاء شبه جزيرة المورة، فهل يمكن أن نعتبر أن تلك الحدود -التي لا خلاف على تحققها تاريخياً -هي حدود مصرية خالصة يجب الدفاع عنها والعمل على استرجاعها؟
لو رددنا بالإيجاب على السؤال السابق، فان ذلك يعني انتفاء أي حق للسعودية في الجزيرتين موضوع النزاع الحالي، لأنه بموجب تلك الرؤية فان المملكة العربية السعودية كلها -والتي تم تأسيسها في عام 1932م -لن تكون سوى جزء من أجزاء الدولة المصرية في عهد محمد علي.
إذن فكيف يتم ترسيم الحدود التي يوجد خلاف عليها بين الدول المجاورة، وكيف يتم تحديد وانتقاء اللحظة التاريخية المناسبة لنبني عليها الأسس الحدودية والجغرافية للدول؟
هنا يبرز دور الأيديولوجيا، فاذا كان التاريخ حاكماً على الجغرافيا، فان الأيديولوجيا هي الحاكمة على التاريخ ومن ثم الجغرافيا.
نظرة واحدة سريعة الي الترسيمات الحدودية القائمة في دول العالم في زمننا المعاصر سوف تكشف لنا عن تلك الحقيقة وتؤكدها.
فعلى سبيل المثال، نجد أن التقارب الأوروبي الواقع والذي نتج عنه اتحادٌ وثيق بين الدول الأعضاء بعضها البعض لم يتحقق نتيجة لاعتماد تلك الدول على تاريخها الذي تحتشد فيه ذكريات الصراعات والحروب المتتالية والمتعاقبة، بل إن الاتحاد الأوروبي كان نتيجة لوجود إطار آيديولوجي جامع توحدت فيه الدول فكرياً قبل أن تتوحد جغرافياً وحدودياً، وهذا الإطار نفسه هو الذي يُعيق ويعرقل انضمام تركيا إلى ذلك الاتحاد رغم كونها أوروبية من الناحية الجغرافية.
وبنفس المعيار توحدت الولايات المتحدة الأمريكية وجارتها الكندية الشمالية ثقافياً وفكرياً لوجود إطار آيديولوجي جامع بينهما، فلا توجد أي مشكلات حدودية مستعصية على الحل بينهما رغم أن الحدود بين الدولتين تعتبر أطول خط حدودي سياسي ساحلي، حيث تمتد لمسافة تقترب من 202.080 كيلو متر طولي على ثلاث جبهات بحرية مختلفة.
أما لو اتجهنا ناحية الشرق، لوجدنا أن نفس المعيار الذي توحدت به أوروبا وأميركا الشمالية، كان هو نفسه المعيار الذي أدي لحدوث الخلافات والصراعات في شبه القارة الهندية بين الهند والباكستان، وهو نفسه المعيار الذي أدي لحدوث مناوشات وصدامات متكررة في شبه جزيرة القرم، وكذلك للعديد من المشكلات الحدودية في شبه الجزيرة الكورية.
ما يهمنا هنا، هو تفنيد مبررات و حجج الأطراف المختلفة في مسألة جزيرتي تيران وصنافير ، فنحن إذا ما نظرنا لحجج وشواهد الفريق المؤيد لإعادة الجزيرتين للسعودية، لوجدنا أنها حجج تتماشي مع الأيديولوجيا الفكرية التي يعتنقها أصحاب ذلك الاتجاه، ذلك أنهم يرون و يعتقدون بفكرة الدولة القطرية التي تم تأطير حدودها وترسيمها عن طريق الترسيمات التي تم إقرارها في الاتفاقيات الدولية الحديثة والتي ظهرت بعد خروج الاحتلال والقوى الاستعمارية من البلاد العربية، ولذلك فان احتجاج هؤلاء بالوثائق والشواهد التي أصدرتها الدولة المصرية هو احتجاج منطقي ويستند إلى نظريتهم الفكرية المسبقة .
أما الفريق الآخر فقد وقع أفراده في خطأ منطقي منهجي لا يغتفر عندما حاولوا أن يستشهدوا بنفس نوع الأدلة والوثائق التي استند إليها الفريق الأول دون أن يحاولوا البحث عن موافقة تلك الشواهد للإطار الفكري الأيديولوجي الذي يعتقدون فيه ويتبعونه.
فالفريق الثاني والذي يمثله الإخوان، يعتمد فكرياً على نظرية الخلافة التي ترى أن الدول الإسلامية جميعاً يجب أن تعود مرة أخرى إلى الحدود التي كانت عليها قبل عام 1924م (وهو وقت سقوط الخلافة العثمانية) ولذلك فإنه كان من الغريب أن يحتكم أفراد ذلك الاتجاه إلى الأدلة التي احتكم إليها مخالفوهم.
ثالثاً: -استدعاء إسرائيل إلى المشهد
واحدة من أهم الملاحظات التي يجب أن تلفت انتباهنا فيما يخص مسألة تسليم الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية، أن كلاً من الرافضين والمؤيدين للمسألة قد قام باستحضار العدو الصهيوني الإسرائيلي إلى المشهد، واتخذ منه ذريعة لتبرير وتفسير موقف الدولة المصرية من إعادة الجزيرتين إلى السعودية.
فلو تطرقنا لموقف المعارضين لإعادة الجزيرتين للسعودية، سوف نجد أنهم قاموا بتحليل الموقف كالاتي:
إن التخلي عن الجزيرتين سوف يؤدي إلى إضعاف النفوذ الاستراتيجي لمصر في البحر الأحمر ومنطقة خليج تيران، وذلك لأن تلك المنطقة وبعد أن تؤول ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، سوف تصبح مياهها مياه دولية وليست خاضعة للنفوذ المصري وحده كما كان الوضع من قبل، وبالتالي فان المستفيد الأكبر من ذلك كله هو العدو الإسرائيلي الذي ستتاح له حرية الملاحة في مضيق تيران بشكل تام دون تقييد أو ضوابط من الدولة المصرية[3].
أما الفريق الأخر المؤيد لتسليم الجزيرتين إلى السعودية، فقد استحضر بدوره العدو الإسرائيلي إلى المشهد، ولكنه على العكس من الفريق الأول، اعتبر أن إسرائيل هي أكثر من سيتضرر في حال إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، لماذا؟
بنى أصحاب هذا الاتجاه رأيهم على أن كلاً من الجزيرتين تقعان داخل حدود المنطقة (ج)، وهي تلك المنطقة التي جعلت منها اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979م منطقة خالية من القوات المسلحة والجيش وتوجد بها بعض القوات الدولية المكلفة بحفظ السلام وتأمين المنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل[4].
أصحاب هذا الاتجاه يرون أن إعادة الجزيرتين إلى السعودية، هو في حقيقة الأمر تخطيط استراتيجي عالي المستوي من الدولة المصرية ورئيسها الحالي، ذلك أنهم يعتقدون أنه برجوع الجزيرتين إلى السعودية فإنه بالتبعية سوف تخرج الجزيرتين من بنود معاهدة كامب ديفيد لأن المملكة العربية السعودية ليست إحدى الدول الموقعة علي تلك المعاهدة، وبالتالي فإن شروط ولوائح تلك المعاهدة لا تُطبق على أراضيها ولا تلزمها بشيء، ومعني ذلك أن قوات حفظ السلام سوف تغادر الجزيرتين وسوف يكون من حق السعودية أن تضع جزء من قواتها المسلحة في الجزيرتين وهو الأمر الذي سيمثل تهديداً قوياً للعدو الإسرائيلي لأنه في حالة نشوب أي معركة بين مصر وإسرائيل، فسوف تقدم القوات السعودية في تيران وصنافير الدعم العسكري واللوجستي للقوات المصرية وذلك باعتبار أن كلًا من السعودية ومصر حليفين استراتيجيين تاريخيين لبعضهما البعض[5].
إذن كل فريق حاول أن يستخدم الاتفاق النخبوي والشعبي على كره إسرائيل واعتبارها عدواً رئيسياً لمصر خصوصاً
والعرب عموماً، في تبرير رأيه المعارض أو الداعم لإعادة الجزيرتين للسعودية.
المثير للدهشة والتساؤل في طرح الفريقين  (الاخوان و الانقلابين)، أنه بالرغم من كونهما قد حرصا في كل مناسبة على الإعلان أن إسرائيل هي  العدو الحقيقي الذي يخشيانه ويحسبون حسابه ويتوقعون أن تجري المعركة المستقبلية ضده، وأنه رغم الاختلاف الأيديولوجي بينهما ( القائم على الأيديولوجية الإسلامية في الحالة الأولى والمؤسس على فكرة الوطنية والقومية العربية في الحالة الثانية )، فان الطرفان لم تظهر منهما أية بوادر حقيقية للصدام مع ذلك العدو على أرض الواقع ، مما يثبت أن الشعارات التي يرفعها المنتمون إلى الفريقين لا تتعدى أن تكون مجرد شعارات دعائية إعلامية زائفة ليس لها وجود حقيقي وإنما يقصد بها إثارة الروح المعنوية وشحنها لدى القواعد الشعبية لدفعها للوقوف والاصطفاف خلف قيادتها السياسية الحاكمة.
ففي فترة حكم الاخوان -القصيرة نسبياً -كان التعامل مع الجارة الإسرائيلية على كونها أمر واقع لا يمكن تغييره أو تجاهله، ولذلك كانت التكتيكات السياسية الإخوانية تسير في اتجاه قبول الوجود الإسرائيلي ومسايرته والتعامل معه في إطار القنوات الدبلوماسية الطبيعية.
أما بالنسبة للفترة التي أعقبت سقوط الإخوان ووصول الانقلابين إلى السلطة في مصر، فقد تعدت العلاقات بين الدولة المصرية وإسرائيل الخطوط التقليدية التي سار الإخوان ومن قبلهم مبارك عليها، حيث زاد التفاهم ما بين  الدولتين وتم التنسيق بينهما في العديد من المسائل ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتقاربة، ولعل أوضح مثال على ذلك هو العمليات العسكرية التي قامت بها القوات المصرية في سيناء ضد قواعد التنظيمات السلفية الجهادية، حيث ظهر خلال تلك العمليات التفاهم الكامل بين الدولتين والتنسيق المشترك بين القيادتين العسكريتين فيهما، إلى الحد الذي جعل إسرائيل تسمح للقوات المصرية المشاركة في تلك العمليات باستخدام الأسلحة الثقيلة والتوغل في عمق سيناء رغم مخالفة ذلك لعدد من بنود معاهدة كامب ديفيد.
 
 رابعاً: -حالة شق الصف التي أصيب بها مؤيدو الانقلاب
المتابع للمشهد المصري سوف يجد أن الصف المؤيد لانقلاب 3/7/2013م قد بقي -تقريباً -على حاله وقناعاته المؤيدة للسلطة العسكرية الحاكمة التي وصلت لكرسي السلطة عقب الانقلاب على الرئيس المنتخب بعد مظاهرات واحتجاجات شعبية قوية في أواخر شهر يونيو من العام نفسه.
فعلي مدار ما يقترب من ثلاثة أعوام استطاعت تلك الجبهة ان تحافظ على تنظيم صفوفها وحشد أنصارها واستدعائهم والانتصار بهم في عدد من المواقف والأزمات السياسية الخانقة التي احتاجت فيها المؤسسة العسكرية إلى إظهار وجود ظهير شعبي قوي مؤيد لها لتحسين صورة الانقلاب خارجياً وأمام عدد من المؤسسات الحقوقية صاحبة الكلمة والسطوة عالمياً.
ظهر ذلك بوضوح في عدد من المواقف؛ منها – على  سبيل المثال – يوم طلب وزير الدفاع حينذاك التفويض للتصدي  لأي إرهاب محتمل، والمظاهرات الحاشدة من جانب مؤيدي السلطة عقب فض مظاهرات رابعة والنهضة، وكذلك استدعاء تلك الجموع إلى الشارع لتجميل المشهد الانتخابي الرئاسي فيما يشبه المظاهرة الدعائية أكثر من شبهه بممارسة الحق الانتخابي الدستوري التنافسي، وأخيراً فقد ظهر أثر الظهير الشعبي المؤيد لسلطة الانقلاب في احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة حيث امتلأت الشوارع بهؤلاء وقد خرجوا فيما يشبه مظاهرة التأييد للسلطة السياسية ورؤيتها ومشاريعها الاقتصادية الاستراتيجية البعيدة المدي.
كان الصف المؤيد للانقلاب موحداً متماسكاً مترابطاً سواء على الصعيدين النخبوي والشعبي، فباستثناء بعض الحالات الشاذة المنفردة التي تراجعت عن تأييد السلطة الحاكمة في بعض اللحظات الحاسمة الدقيقة مثل الدكتور محمد البرادعي عقب فض اعتصام رابعة بالقوة والعنف، فأننا نجد أنه لم يكن هناك أي انسحاب أو تراجع من جانب الشخصيات البارزة المؤيدة للانقلاب.
فما الجديد الذي أحدثه قرار إعطاء جزيرتي تيران وصنافير للسعودية  لنجعل منها إيذاناً بحدوث تغير كيفي وكمي في صفوف الجبهة المؤيدة للانقلاب؟
إن مسألة إعطاء الجزيرتين للسعودية، قد تعارض مع واحدة من أهم وأعظم القواعد الثابتة والمؤكدة والتي بني عليها الإطار الفكري المؤسس لشرعية النظام الانقلابي وأحقيته بالوصول للسلطة والحكم. فالرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي لم يترك فرصة إعلامية واحدة إلا وأعلن فيها أنه ما قام بما قام به من رضوخ لطلب جموع الشعب الثائرة بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وتنحيته عن السلطة، إلا بدافع الوطنية والحفاظ على أراضي الوطن المصري وحفظها من خطر التقسيم الذي كان محمد مرسي وجماعته من الإخوان المسلمين يعتزمون فعله في المستقبل القريب.
كما أن السيسي قد أعلن في العديد من المواقف أن عقيدة الجيش المصري الراسخة هي الحفاظ على كل ذرة رمل مصرية وعدم التفريط فيها بأي ثمن. وضرب العديد من الأمثلة للحالات التي سقط فيها الجيش في بعض الدول العربية مما أدي إلى تقسيم أراضيها وتوزيع حدودها ما بين عدد من الدول المجاورة لها، وضرب عدد من الأمثلة لما يقصده بما يحدث في العراق واليمن وسوريا وليبيا.
كانت فكرة الوطنية إذن هي العباءة التي جمعت تحتها مؤيدي الانقلاب، وكانت فكرة  الحفاظ على الحدود هي الإطار الآيديولوجي الجامع لأنصار السيسي سواء كانوا من النخبويين أو من أفراد الظهير الشعبي، ومن أهم وأكبر الشواهد التي توضح ذلك وتبينه، إن الكثير من مؤيدي السيسي قد حرصوا على استدعاء عدد من رموز الوطنية والقومية إلى المشهد السياسي الراهن، مثل طبع الصور التي يقف فيها السيسي ببزته العسكرية بجوار كل من جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، في محاولة واضحة للسطو على الإرث الأيديولوجي الذي تركه هذين الزعيمين، وضمه إلى الرصيد المعنوي الذي يتمتع به الرئيس الحالي.
ولكن مع الإعلان عن مسألة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وإعطاء الجزيرتين للثانية فإن هناك صدمة كبيرة قد أصابت قطاعاً كبيراً  من مؤيدي السيسي، ذلك أنهم وجدوا أن العقيدة الأساسية التي بُني عليها ارتباطهم بالانقلاب وبرموزه قد تم هدمها والقضاء عليها في لحظة واحدة وبشكل مفاجئ ودون تمهيد.
في لحظة واحدة لمس هؤلاء حجم الهوة الفاصلة ما بين فكرة الوطنية عند رموز الانقلابيين من جهة وفكرتها عند الزعماء السابقين من جهة أخرى، فما بين موقف السيسي المدافع عن تسليم وإرجاع جزيرتي تيران وصنافير وما تم نشره علي مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات ومقاطع للرئيس جمال عبد الناصر يؤكد فيها بكل قوة أن الجزيرتين مصريتان، ما بين الموقفين عرف قطاع كبير من مؤيدي الانقلاب أن وطنية السيسي تختلف بشكل كبير عن وطنية عبد الناصر، وأنه وإن كان الاثنان ينتميان إلى مؤسسة واحدة وهي المؤسسة العسكرية إلا أن هناك فارقاً كبيراً بين توجهات واستراتيجيات الأول والثاني.
التصدع الحادث بين صفوف مؤيدي الانقلاب، ظهر واضحاً في هذا الموقف بحيث ظهرت آثاره واضحة على الصعيدين النخبوي والشعبي. فعلى صعيد النخبة نجد أن الكثير من الوجوه الإعلامية التي كانت محسوبة من قبل على النظام الحاكم، قد أظهرت امتعاضها وغضبها من موقف الدولة المصرية من تسليم الجزيرتين للسعودية، وظهرت آثار هذا الغضب بصور متعددة وبأشكال متدرجة، فالبعض ندد بموقف الحكومة المصرية وبعدم نشر أخبار المفاوضات الدائرة بينها وبين الحكومة السعودية منذ فترة ليست بالقريبة.
أما البعض الآخر من الإعلاميين فقد تصاعدت النبرة الغاضبة في حديثه، حتى وصل به الأمر لانتقاد الرئيس السيسي شخصياً وتحميله مسؤولية تلك الأزمة بشكل كامل. وكذلك نجد أن هناك عدد من أبناء المؤسسة العسكرية نفسها، قد قام بانتقاد تسليم الجزيرتين للسعودية، فالفريق أحمد شفيق أصدر بياناً مستنكراً ظهر فيه بوضوح إنكاره لتصرف الحكومة المصرية وإعلانه عن موقفه المؤيد لمصرية الجزيرتين، وذلك قبل أن يعود في اليوم التالي لإصدار بيان – توضيحي – يظهر فيه تراجعه عما تم فهمه بطريقة خطأ في بيانه الأول، ويبدو أن هناك ضغوط معينة قد تعرض لها لإصدار بيانه الثاني والتراجع عن البيان الأول.
كما أن هناك بعض الفيديو والمقاطع التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ، ويظهر فها عدد من الضباط في الجيش المصري وهم يعلنون رفضهم قرار الدولة بتسليم الجزيرتين، ورغم الشكوك والانتقادات التي تحيط بتلك الفيديوهات لدرجة لا تجعل منها دليلاً واضحاً على رفض المؤسسة العسكرية ككل لهذا القرار، إلا أنه يمكن القول أن ظهور مثل تلك الفيديو في ذلك التوقيت يبين عودة بعض أفراد المؤسسة العسكرية للتدخل في العمل السياسي بشكل مخالف ومعارض لتوجهات الدولة، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ ثورة يناير على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عندما انضم عدد من ضباط الجيش الشباب إلى متظاهري التحرير واشتركوا معهم في الهتاف ضد النظام الحاكم.
ولم تقتصر الاحتجاجات على الإعلاميين والسياسيين وبعض أفراد المؤسسة العسكرية فحسب، بل إننا نجد أن جزءاً كبير من الفئات الشعبية التي كانت من قبل تقف قلباً و قالباً مع السيسي، قد أظهر غضبه وسخطه من مسألة تسليم الجزيرتين، فعلى سبيل المثال نجد  صفحة (إحنا آسفين يا ريس) التي طالما تم اعتبارها لسان حال الكثيرين من مؤيدي المؤسسة العسكرية في صراعهم السياسي ضد قوى الإسلام السياسي، قد أعلنت عن رفضها لقرار تسليم الجزيرتين، وهاجمت الرئاسة ونددت بمواقفها، بل إن عدد من المشاركين في الصفحة والمؤيدين لتوجهاتها قد أشترك في مظاهرات جمعة الأرض يوم 15 ابريل .
 
خامساً: -الإخوان المسلمون ما بين الرؤى الضبابية والخيارات المتعارضة:
على مدار ما يقترب من سنتين كاملتين، نجد أن حدة المظاهرات والاحتجاجات السياسية قد هبطت وانخفضت وتيرتها بشكل ملحوظ، بحيث يمكن القول أن المظاهرات قد صارت ضعيفة وغير مجدية، وأصبح الحراك الثوري الموجه من الإخوان مقتصراً على بعض المناطق النائية والقرى البعيدة في الأرياف والدلتا، دون أن يكون له أي تواجد مؤثر في العاصمة أو المدن الكبرى، تلك التي كانت هي مراكز صنع القرار والتغيير وإحداث الفارق في الفترة ما بين يناير 2011م وحتى يونيو 2013م.
من المؤكد أن التعامل العنيف من قبل سلطات النظام الحاكم ضد المعترضين والمتظاهرين، قد أثر كثيراً في حجم تلك المظاهرات وقدراتها التعبوية، ولكن على الجانب الأخر نجد أن الجزء الأكبر من مشكلة تراجع حدة الحراك الثوري يقع على عاتق الإخوان ومناهضي الانقلاب أنفسهم، ذلك أن الكثير من رموزهم قد انساقت في اتباع خط معارض غير ممنهج وغير واضح المعالم وتسوده الرؤية الضبابية ويعيبه ضيق الأفق وقصر النظر.
فمنذ فض اعتصام رابعة العدوية، ولجوء عدد من قيادات الإخوان إلى خارج البلاد، نجد أنه لم يتم رسم خط واضح لكيفية التصدي للسلطة الحاكمة للانقلاب، ولم يتم تحديد برنامج واضح لاستكمال الثورة، بل إن الإخوان قد قصروا معارضتهم على توضيح عيوب السلطة الحاكمة وإبراز الوجه السيء فيها، مستغلين في ذلك جميع الحوادث والمصائب والمحن التي تمر بها الدولة المصرية، مثل تطورات سد النهضة الأثيوبي وما تمثله من مخاوف عميقة بخصوص حق مصر التاريخي في مياه النيل، وقضية مقتل الطالب الإيطالي ريجيني وارتفاع سعر الدولار الأمريكي  أمام الجنيه المصري وغيرها من المشكلات والقضايا[6].
المشكلة هنا أن استراتيجية الإخوان المبنية في الأساس على رد الفعل، لم تؤد إلى صعود الزخم الثوري في الشارع المصري كما كان يتوقع قادة الجماعة وزعمائها، بل إن ذلك الزخم سرعان ما تراجع يوماً بعد أخر، حتى أصبحت المظاهرات – التي كانت حدثاً يومياً أسبوعياً فيما قبل – ضعيفة جداً في الوقت الحالي.
محاولات الإخوان لاستغلال فرصة ظهور أي مشكلة على الساحة السياسية المجتمعية المصرية، جعلتهم يعلنون النزول في جمعة الأرض ودعتهم إلى حشد أنصارهم ودعوة جموع الشعب المصري الرافضة للتنازل عن الجزيرتين إلى إعلان رفضهم لقرارات الدولة والخروج لميادين الثورة لاستعادة الزخم الثوري المفقود وإعادة إحياء الثورة المسروقة من جديد.
وقد أدت تلك الدعوة إلى جدل كبير واسع النطاق بين صفوف المعارضين لقرار التخلي عن الجزيرتين، فأعلنت عدد من القوى المعارضة رفضها لاشتراك الإخوان معهم في جمعة الأرض، بل إن عدداً من تلك القوى قد أعلن انسحابه من تلك الفعالية حتى لا يستثمر الإخوان الأعداد التي ستشترك في تلك المظاهرات في تدعيم موقفهم أو الحصول على أية مكاسب سياسية.
والحقيقة، أن فكرة نزول الإخوان جنباً إلى جنب -في تلك اللحظة تحديداً -إلى جانب عدد من القوى التي شاركت من قبل في خلعهم من على كرسي الحكم، ودعمت الدولة في خططها الرامية للتخلص منهم واقتلاع جذورهم، لهو أمر يستحق التفكير وإمعان النظر والتدبر.
هناك نظريتان مطروحتان على الساحة الآن بخصوص تلك المسألة:
النظرية الأولى: ويرى أصحابها أنه من مصلحة الإخوان الأن أن يتخلصوا من تلك الهالة الأيديولوجية التي تحيط بهم وتميزهم باعتبارهم أحد أهم قوى الإسلام السياسي – بل – أهم تلك القوى على الإطلاق، وأن ينضموا إلى بقية القوى السياسية ذات التوجهات الأيديولوجية المختلفة، والتي تتزايد حدة معارضتها للنظام الحاكم يوماً بعد يوم.
حيث يرى أصحاب ذلك الرأي أن حالة التماهي الفكري التي ستحدث بين الإخوان وباقي الاتجاهات المعارضة، سوف تؤدي – لا محالة -لاستعادة الزخم الثوري المفقود، وفي عودة الحشود الغاضبة الهادرة إلى الشوارع والميادين مرة أخرى.
أما النظرية الثانية: فيرى أصحابها أنه من المستحيل أن يرجع الإخوان مرة أخرى إلى التحالف مع التيارات الليبرالية والعلمانية التي تسببت في وقت سابق بإقصائهم عن الحكم واستقدام المؤسسة العسكرية لتولي زمام الحكم مرة أخرى، وأنه يجب أن يستفيد الإخوان من دروس التاريخ وحقائقه التي تثبت أن تعاون وتحالف الجماعة مع تيارات ذات أيديولوجية مختلفة، كان دائماً ما يُفضي إلى الفشل وإلى تعريض القواعد الإخوانية إلى الخطر وإحكام قبضة السلطات الأمنية على الأوضاع السياسية في مصر، وهو الأمر الذي تكرر منذ بداية تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928م وتعرضها للحل في وزارة النقراشي وحتى الوقت الراهن مروراً بالمحن و النكبات التي تعرضت لها الجماعة في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك.
-وبرأيي – فإن الإجابة عن ذلك التساؤل والاختلاف الدائر بين أتباع النظرية الأولى واتباع النظرية الثانية، هو أمر من المفترض أن تحسمه رؤية وتوجهات قادة الجماعة أنفسهم من جهة، والضغوط التي تمارسها عليهم قواعدهم الشعبية من جهة أخرى.
فإذا ما كان هدف الجماعة في الوقت الراهن، هو أن تستعيد زخم الثورة بالشكل الذي كانت عليه في الفترة ما بين 28 يناير 2011م الى 11 فبراير 2011م ، فإنه يجب عليها أن ترتمي في أحضان التيارات المعارضة للنظام الحاكم وأن تخضع لشروطهم وقواعدهم بل وفي بعض الأحيان – لابتزازاتهم – دون قيد أو شرط ودون أن تبدي إمارات المعارضة أو الإنكار، بما في ذلك إظهار الندم والتوبة وطلب المغفرة عن الكثير من الأمور التي انتقدتها تلك التيارات من قبل، بداية من دعاوى أخونة الدولة ونهاية بالبعد التام عن محاولة إدخال الدين في السياسة، عندها سيكون من الممكن أن يتم استعادة المشهد الثوري المتنوع الأطياف والذي يقف فيه الإخواني بجوار السلفي بجوار المسيحي والليبرالي مكونين جبهة معارضة واسعة النطاق كثيرة العدد ولكنها مُقامة على قواعد فكرية متهالكة.
أما إذا كانت الجماعة قد فهمت الدروس التي تعرضت لها في سابق الأيام – ولا أحسبهم فعلوا – فإنه أصبح لزاماً عليها أن تعمل على التأكيد على هويتها الفكرية وأن يحدد قادتها توجهاتهم وأهدافهم الثورية من واقع اعتقاداتهم وتفكيرهم الخاص القائم بذاته والذي لا يحتاج لمشاركة من قوى أخرى، وعلى هذا تصبح ثورة يناير 2011م ليست هي النموذج الأصيل  المتفرد الذي يسعي قادة الجماعة لتكراره، بل إن الهدف سيكون إحداث ثورة أيديولوجية غير شعبية، وسوف يكون المستهدف من الانضمام لتلك الثورة هم القواعد العريضة من شباب ورجال التيارات الإسلامية فقط دون غيرهم.
 
خاتمة
أوضحت الدراسة أن مسألة ترسيم الحدود البحرية في منطقة البحر الأحمر بين مصر من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخري وما لحق بها من اعتراضات ورفض من جانب الكثير من القطاعات في الشعب المصري، لهو أمر يثبت أن الحقوق المادية ما تزال تحظى بالنصيب الأكبر من الاهتمام والرعاية أكثر بكثير مما تحظي به الحقوق المعنوية عند الشعوب النامية والفقيرة والتي لم تصل إلي درجة عالية في سلم الديموقراطية والحريات السياسية.
وإن مسألة إعادة الجزيرتين للسعودية، قد أثارت عدداً من التساؤلات المهمة حول علاقة التاريخ بالجغرافيا، ورغم أهمية إثارة مثل تلك التساؤلات على الساحة العربية عموماً وعلى الساحة المصرية خصوصاً، فإننا نجد أن السؤال الأهم والذي يتعلق بعلاقة الأيديولوجيا بالتاريخ والجغرافيا، وهيمنة الأول على الثالثة، لم تتم إثارته بالشكل المطلوب بسبب التوجه غير الصحيح لجماعة الاخوان المسلمين ،ومحاولتهم للرد على خصومهم مستخدمين مرجعيتهم القائمة على فكرة الدولة القطرية ذات الحدود الثابتة، وهي الفكرة التي تختلف مع الإطار الفكري العام لجماعة الاخوان المسلمين.
كما أوضحت الدراسة حجم التصدع الذي أصاب الجبهة المؤيدة للدولة المصرية، وكيف أن ذلك التصدع الذي حدث بسبب مسألة إعادة الجزيرتين للسعودية من شأنه أن يتزايد في المستقبل القريب في حالة إثارة عدد من القضايا المشابهة، مثل حلايب وشلاتين، وسد النهضة الأثيوبي وغيرها من المشكلات الحدودية التي –أغلب الظن -أنه سوف يتم أثارتها في الأيام القليلة القادمة.
 

محمد يسري

 

[1] كما هو الحال في النزاع الحدودي بين الإمارات وإيران، واحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، أو في النزاع الحدودي ما بين إسرائيل والدول العربية المجاورة (سوريا والأردن ولبنان) (الباحث)

 
[2] راجع خريطة مصر في عهد محمد علي باشا
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%A7#/media/File:States_under_Muhammad_ali%27s_rule.jpg
 
[3] راجع http://www.huffpostarabi.com/mohamed-mahsoob/-_5039_b_9658784.html?utm_hp_ref=ar-blogs
 
[4] لمراجعة بنود اتفاقية كامب ديفيد http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/721d4de2-308a-4e80-a73f-0d840c89944d
 
[5] راجع http://www.sasapost.com/game-of-tiran-and-sanafir-how-saudi-arabia-planned-to-join-the-camp-david/
 
  [6]    للمزيد حول تلك النقطة، ولتوضيح كيفية تناول رموز وقيادات جماعة الإخوان المسلمين لتلك المشكلات واستخدامها في انتقاد الدولة، راجع على سبيل المثال http://www.huffpostarabi.com/mohamed-mahsoob/-_4071_b_9207786.html
 

للتحميل من هنا

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى