الاصداراتتقارير جديدمتفرقات 1

حراك المعلمين الفلسطينيين في الضفة الغربية. إلى أين؟

dsds

مع قرب العام الدراسي الجديد (2016-2017) واستمرار النقاش حول ما أنجزه المعلمون من خلال حراكهم النقابي العام الماضي، صار من الضروري إعادة قراءة المشهد كاملاً لتتضح الصورة ونضع يدنا على المطلوب تحقيقه حتى لا تظل الدائرة مغلقة بشكل عبثي ونعود للإضراب كل عام بشكل يدمر العملية التعليمية دون جدوى.

فلقد كان السؤال المتفجر دائماً في وجه المعلمين؛ سؤالاً أخلاقياً  منذ بداية إضرابهم عن التعليم وانطلاق تحركاتهم المطلبية مع مجيء سلطة الحكم الذاتي حتى اليوم. والحقيقة أن إضراب المعلم  يمسُّ كل بيت فلسطينيِّ ويلمس أثره المجتمع كلُّه، وهو بلا شك ينعكس سلباً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي بشكل مباشر. ولذلك فإن السؤال الأخلاقي هنا سؤالٌ مزعج، ويوجه الجدل والنقاش باتجاهات حاده بين المعلم والمواطن والمسؤول، كما يعوِّل عليه السياسيون ويلحون عليه في حديثهم ويتخذونه بوابةً واسعة في مواجهة المعلم وإضرابه عن التعليم.

في الجانب المقابل كان النقاش الدائر هذه المرة حول حق المعلم حاداً جداً من جميع الأطراف ويبدو أن له ما بعده. ففي عام 2013 خاض المعلمون إضرابًا مطلبيًا يتضمن طلب زيادة على الراتب مسايرةً لغلاء المعيشة والوضع الاقتصادي بالإضافة إلى تحقيق بعض المطالب الأخرى المتعلقة بالدرجات، وقد وقعت الحكومة حينها مع اتحاد المعلمين على هذه المطالب ولكنها لم تلتزم بها ليتجدد الإضراب بمطالب أكثر إلحاحاً، فتم توقيع اتفاق جديد بين الاتحاد العام والحكومة والذي حقق للمعلمين زيادة قدرها 20 شيكل! كانت ميداناً للتندر كما جاء في كلمات المعلم جواد يونس:

وَمَنْ ذا الَّذي يَرْضَى بِعِشْرينَ شاقِلًا * عَلاوَةَ أُسْتاذٍ يَعولُ عوائِلا؟!

فَقُلْتُ لَهُ: هذي لَعَمْري إِهانَةٌ *** فما كانَ شَحّاذًا وَلا كانَ سائِلا

وَلَمْ يَطْلُبِ الْأُسْتاذُ غَيْرَ حُقوقِهِ * وَلَمْ يَسْأَلِ الْحُكّامَ وَالشَّعْبَ نائِلا

بذلك ارتفعت الأصوات التي تطالب بتجاوز تمثيل اتحاد المعلمين والذي ثبت – حسب المعلمين- أنه منحازٌ ضد المعلم. ففي أواسط شباط 2016 وبعد توقيع هذا الاتفاق الجديد الذي اعتبره المعلمون مهيناً بحق المعلم بدأت ترتفع أصوات المعلمين عالياً في رفض تمثيل اتحاد المعلمين برئاسة “أحمد سحويل” الذي بدأت تُثار الشائعات حول علاقاته المباشرة مع الحكومة الفلسطينية والامتثال التام لإرادتها. وبدأ الحديث بشكل أوسع عن راتبه الشخصي الذي ظهر أنه يتجاوز ال7000 شيكل إسرائيلي حسب قسيمة راتب – غير مؤكدة- تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.

اتحاد المعلمين الفلسطينيين من المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي تأسس في أواخر الستينات من القرن الماضي، وهو اليوم لا يعبر عن المعلمين بشكل حقيقي والغالبية العظمى من المعلمين غير منتسبين إليه والمنتسبون لا يسددون اشتراكاتهم ولا تربطهم به أي روابط نقابية، كما أن رئاسة الاتحاد تأتي بالتعيين.

أواسط شهر شباط/2016 اعتُبر مرحلة فاصلة في علاقة المعلمين بالاتحاد حيث ولأول مرة يتم الإعلان عن فعاليات مطلبية من جهة تتبنى مطالب المعلمين بعيداً عن الاتحاد من مناطق “الخليل ورام الله ونابلس وجنوب نابلس” ويلتزم المعلمون بما تعلنه وتبدأ بوضع تصور عام للمطالب الأكثر إلحاحاً للمعلمين. بعد ذلك امتدت الفكرة وبدأ الحديث عن “حراك للمعلمين” وتنسيقيات منتخبة من المدارس تشمل مدن الضفة الغربية وتعلن عن الفعاليات بشكل مستمر، حيث بدأت المدارس تفرز ممثلين عنها بشكل ديمقراطي ابتداء من 15-2-2016.

تحت شعار “كرامة المعلم” في 16-2-2016 كانت الوقفة الأولى الأكبر – ربما- لحراك مطلبي أمام مجلس الوزراء في مدينة رام الله من المعلمين الذين زحفوا من أنحاء الضفة الغربية للمطالبة بحقوقهم بعيداً عن الاتحاد العام. لم تلتفت الحكومة إلى هذا الحشد وعليه تم الإعلان في بيان باسم المعلمين: “…بما أن الحكومة ممثلة بمجلس وزرائها لم تلقِ بالاً لغضب عشرات الآلاف من المعلمين الذين أضربوا في كل المحافظات واعتصموا أمام مجلس الوزراء صباح هذا اليوم الثلاثاء الموافق 16-2 -2016م مطالبين بحقوقهم دون أن يلاقوا من يتعامل مع هذا الحراك العظيم بمسؤولية فقد قرر المعلمون في كل المحافظات بالإجماع… ” وهنا بدأت ملامح تظهر لعمل (جماعي منظم) تعلن عن نفسها من خلال استمرار الإضراب في المدارس.

في اليوم التالي بدأت عملية اعتقال لأكثر من 25 معلماً، من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية على خلفية هذا الحراك المطلبي وقد توزعت الاعتقالات في معظم مدن الضفة الغربية. في حين طالت الاعتقالات المعلمين المحسوبين على حركة حماس بشكل خاص كما أشار تقرير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان: ” وقد لاحظت الهيئة أن غالبية المعلمين الذين تم اعتقالهم محسوبين على اتجاه سياسي محدد في حين أنه قد شارك في الاحتجاجات معلمون ينتمون لمختلف التوجهات والفصائل الفلسطينية”.

في حين لم يتم احتجاز المعلمين غير عدة أيام استمرت الاحتجاجات والاعتصامات بالإضافة إلى الإضراب عن التعليم في المدارس. في 19 شباط اجتمع رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد لله وممثلي الاتحاد العام من جديد وخرجوا ببيان يؤكد على إعادة النظر في بعض المطالب التي يطالب بها المعلمون في تجاهل واضح لمطالب المعلمين الحقيقية والتفاف حول رفضهم للاعتراف بتمثيل الاتحاد العام لهم. الرد على هذا الاتفاق جاء في بيان صادر في 19 شباط عن لجان المتابعة لمعلمي مدينة الخليل قالوا فيه :” إن ما خرج من اتفاق ما بين الحكومة وما سمي بقيادة الاتحاد العام لم يحقق الحد الأدنى من مطالبنا الشرعية وإنما هي استحقاق قديم من تاريخ 1/1/2014 م ومن المهزلة أن يُعنون هذا الاتفاق بحل للأزمة بين الحكومة والمعلمين”.

استمر إضراب المعلمين عن العمل في معظم المدارس في الضفة الغربية، في ظل تجاهل الحكومة لمطالب المعلمين وتمسكها بتمثيل الاتحاد العام والاتفاقات الموقعة معه، في الوقت ذاته استمرت الاعتصامات والمظاهرات أمام مقر الحكومة الفلسطينية في رام الله حيث تم تنفيذ مظاهرة كبيرة حضرها عشرات الآلاف مجدداً في 23 شباط/2016. في ذات اليوم صدر البيان رقم 1 عن حراك المعلمين الموحد والذي يضم كافة محافظات الضفة الغربية حسب قوله، والذي بدأ بإدانة منع أجهزة السلطة للمعلمين من الوصول إلى مدينة رام الله مع تأكيده على استمرار الإضراب.

البيان الثاني صدر في 25 شباط/2016 أدان فيه حملة تكميم الأفواه التي تمارسها السلطة ضد كل من يتعاطف مع المعلمين ويحاول الوقوف في وجه الحكومة من داخلها وخص بالذكر المتضامنين: بسام زكارنة والنائبة نجاة أبو بكر وجمال أبو الرب. الذين كانت لهم مواقف مؤيدة لمطالب المعلمين. في اليوم التالي تم الإعلان عن 4 مطالب رئيسية اتفقت عليها لجان التنسيق مرتبطة بقضايا مالية وإدارية يطالب بها المعلمون. مع أدخال الكتل البرلمانية – المعطَّلة أصلاً – على خط التفاوض مع الحكومة. ولكن هذه المفاوضات لم تثمر شيئاً بل تعمقت الأزمة بعد أن رفض اتحاد المعلمين تفاوض المجلس التشريعي مع حراك المعلمين باعتباره جسماً غير شرعي.

في 29 شباط/2016 أعلن الأسرى في سجن النقب عن مبادرة لحل الأزمة تدعو إلى احترام واحتواء المعلمين والعمل على تحقيق مطالبهم العادلة من أجل حماية المسيرة التعليمية، ولكن مصيرها لم يكن بأفضل من محاولات المجلس التشريعي.

في 7/3 /2016 وبعد حوالي 22 يوم من الإضراب وبعد أن خرجت تنسيقيات المعلمين بالقول: ” لقد اجتمعت التنسيقية في كل محافظات الوطن مع ممثلين عن الحكومة و الاتحاد “المعزول” إننا ما زلنا على العهد والقسم، وأن الاضراب المفتوح ما زال قائما طيلة الأسبوع مع التوجه للمدارس وأن غدا هو يوم المصير و سنذهب الى رام الله لنريهم من هم المعلمون و ماذا نكون و من نحن أهيب بكل المعلمين و المعلمات للحشد غدا الى رام الله لو زحفا حتى نبين لهم أنه بعد 22 يوم اضراب ضد أحمد سحويل و المطالبة بالحقوق القانونية من الحكومة و ما زالوا يعاملون المعلمين و المعلمات كأنهم لا وجود لهم!”.

وبالفعل كان ذلك اليوم يوماً حاشداً حيث اجتمع عشرات الآلاف من المعلمين ومن يساندهم من الشارع الفلسطيني في رام الله من أجل تأكيد مطالبهم، وفي اليوم التالي صدر بيان توضيح موقف يؤكد على الحد الأدنى مما يمكن للحراك أن يوافق عليه وتمثل في:

“1. رفع علاوة طبيعة العمل بنسبة مئة بالمائة لجميع العاملين في سلك التربية.

2. تطبيق الاتفاق الذي تم بين الحكومة والاتحاد السابق عام 2013 والتعديل على بعض البنود…3. نؤكد أن الأمين العام والأمانة العامة لاتحاد المعلمين لم تعد تمثل المعلمين منذ بداية الحراك وعليه ندعو لإجراء انتخابات نزيهة يمارس المعلم حقه بالترشح والانتخاب برعاية مؤسسات تكفل النزاهة.4. تطبيق علاوة القدس (علاوة الصمود) والتي أقرها الرمز أبو عمار في 2003 لمديريتي القدس وضواحيها كل حسب منطقته وأن يتم احتساب هذه العلاوة لحملة هوية الضفة في حال التقاعد.5. تعديل قانون التقاعد بحيث يكون منصف.6. عدم المساس بأي معلم مارس حقه بالإضراب لا ماديا ولا معنويا ولا إداريا. نؤكد أن مبادرة مؤسسات المجتمع المدني هي المبادرة الوحيدة التي قبلنا بها كأساس يمكن أن يفضي إلى حل، مع تحفظنا على بعض النقاط التي تحتاج إلى تعديل لكي تتوافق مع الحد الأدنى لمطالبنا.”

9/3/2016 بدأ أسلوب جديد من أساليب الترهيب وأنتقل المشهد إلى مساحة خطرة بإطلاق النار على المعلم: أمين خليل الصوص من دورا- الخليل وهو عضو بارز في اللجنة التنسيقية وهو شخصية محسوبة على حركة فتح تاريخياً. الأمر نفسه تكرر لاحقاً في 6/4/2016 ثم في 9/4/2016 بإطلاق النار على المعلم جمال القدومي. ثم حادثة أخرى تم فيها ضرب المعلم خالد شبيطه فيما اعتبره الحراك الموحد شروعاً بالقتل.

وفي 10/3/2016 حصل مع لجنة الحراك الموقف الذي سجله أحدهم كما يأتي:” ما حصل اليوم في رام الله 10/3/2016 وهو عبارة عن مؤامرة حيكت بعناية فائقة كان بطلها دكتور جامعي بعد أن اتصل على أحد منسقي محافظة طولكرم وهو الأستاذ علاء الوتد وبعد اجتماع اللجنة التنسيقية في طولكرم وإجراء الاتصال بالدكتور الجامعي أكد لنا أنه مكلف من قبل مكتب دولة رئيس الوزراء دكتور رامي الحمد الله وأن هناك مبادرة لحل الأزمة وذكر بنود هذه المبادرة وطلب منا معرفة موقف المحافظات منها والرد عليه لترتيب لقاء مع دولة رئيس الوزراء والتوقيع على هذه الاتفاقية وبعد توجهنا اليوم إلى رام الله وبعد التوجه لمكان الاجتماع حضر أحمد سحويل ورفضنا الدخول حتى غادر المكان وبعد الاجتماع تبين للجميع أن ما حضرنا لأجله بعيداً كل البعد عن الحقيقة وعندها أعترض منسقي المحافظات التي حضرت وهي 5 محافظات وعلى رأسهم أستاذ بشار ذيب وقام الدكتور بالتبرير لما حصل وكان كلامه منافيا- لما اتفق عليه مسبقا- وبعد خروجنا تواصلنا مع مكتب دولة رئيس الوزراء وتبين أن دولة رئيس الوزراء لا علم له بما حصل، واتضح لنا بأن الهدف من هذا التجمع هو ضرب التنسيقيات بالمحافظات…”

في 12/3/2016 وبعد استخدام كل الوسائل من تخويف وإرهاب ومنع وتهديد واعتقال وإطلاق نار وتهديد بالملاحقة خرج الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأول مرة للحديث بالموضوع مقدما بعض الوعود في مساحة أقل بكثير مما رضي به المعلمون كحد أدنى. حيث قرر الرئيس إتمام تطبيق الاتفاق الموقع مع الحكومة واتحاد المعلمين عام 2013 كاملا، ومنح المعلمين زيادة طبيعة العمل بنسبة 10% موزعة بالتساوي مع بداية عام 2017 و2018، والعمل على دراسة وضع الإداريين وِفق الاتفاق الموقع في 18/2/2016، وما تم الاتفاق عليه حول المتأخرات تدفع على أربع دفعات قبل 1/9/2016. كما قرر الرئيس أبو مازن وبالتشاور مع مفوض عام المنظمات الشعبية، تصحيح أوضاع الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين بالوسائل الديمقراطية.

 وعليه خرج بيان الحراك الموحد ليعلن إنهاء الإضراب فيما اعتبره المعلمون انكساراً كاملاً دون تحقيق أي مطلب حقيقي على الأرض حيث كانت كل هذه القضايا مرفوضة من اليوم الأول وكان تجاوز الاتحاد أساساً لأنه وافق على هذه القضايا. وبذلك ذهب حوالي شهر من الفصل الدراسي بدون تحقيق أي فائدة ليؤكد أن المسألة قد تتجدد في كل عام وأن الحكومة الفلسطينية الممثلة للسلطة ليس لديها ما تقدمه للمعلم.

خلاصة إنهاء الإضراب كتبها المعلم أمين الصوص أحد مسيري الفعاليات حين كتب على صفحته على الفيسبوك:” … في رام الله قال أحد أعضاء التنظيم (فتح) إن لم تلتزم بقرار الرئيس سيطلق النار على أرجلك…أقول و يعتصرني الألم ويضيق صدري، ما حصل كان قرار عسكري – إن صح التعبير- بإنهاء إضرابكم والآن الكرة بملعبكم ونحن نقول لكم بإمكانكم التمرد على اللجان المطلبية وهذا من حقكم، أنا الآن أضع استقالتي بين أيديكم”.

بعد بيان الرئيس الفلسطيني واستجابة الحراك يمكننا القول بأن عقد المعلمين قد انفرط ولم يعد هناك استجابة لقراراتهم من الكادر التعليمي كما كان في بداية الأمر،  وبدأ تطبيق قرارات الرئيس؛ في الجانب المالي والذي كان مرفوضاً قبل الاضراب ثم انتخاب أمانة عامة جديدة للاتحاد العام للمعلمين حيث استبدل الأمين العام السابق أحمد سحويل بسائد ارزيقات في 14/3/2016 حيث اجتمعت اللجان الداخلية وأعادت تشكيل الأمانة العامة للاتحاد حسب تعليمات الرئيس الفلسطيني.  وسائد ارزيقات عضو معروف في حركة فتح في مدينة الخليل وقد تم نشر العديد من الصور له وهو يلبس الزي العسكري ويحمل سلاحاً خلال دورة تدريب عسكرية تابعة لأجهزة أمن السلطة –كما يبدو-.

صدر مباشرة بيان من الحراك الموحد للمعلمين يرفض الإجراءات الجديدة وتكليف الأمين العام الجديد ويعلن أن هذه الخطوة استمرار لحالة الاستهتار بالمعلمين وحراكهم، وأمهلت الجهات المسؤولة 3 أيام للعدول عن القرار وإلا العودة إلى الإضراب. ولكن بناءً على نتيجة كسر الإضراب بالطريقة التي ذكرناها لم يعد لبيانات الحراك قيمة كبيرة  فلم يتم تغيير شيء ولم تتم أي فعاليات، وانتقل الحديث إلى ضرورة تشكيل جسم نقابي خاص بالمعلمين.

استمر الحراك الموحد في تفاعلاته الداخلية وأصبح الخيار المطروح – بعد فشل تحقيق أي إنجاز من خلال الإضراب بدون حماية من جسم موحد معترف به- مرتبطاً بتشكيل نقابة للمعلمين حيث أعلن الحراك بعد اجتماع بتاريخ 16 نيسان/ 2016 عن الاتفاق على تشكيل لجنة تأسيسية لنقابة المعلمين و التي ستقوم بتسجيل وترخيص النقابة بشكل رسمي بعد أن تفوض من قبل المعلمين على أن تكون تحت قرار لجنة الحراك الموحد.

في 12/7/2016 أعلن الحراك الموحد عن عقده لاجتماع مع هيئة المنظمات الأهلية وبحضور ممثلين عن 10 مديريات، تم خلال اللقاء متابعة موضوع تجهيز النظام الداخلي للنقابة وصلاحيات النقيب وكيفية التواصل مع المديريات غير الممثلة في الاجتماع وأخيراً التجهيز للمؤتمر التأسيسي. وتم التأكيد كذلك على ضرورة الاتفاق على الفعاليات التي سوف سيقوم بها الحراك ابتداءً من العام القادم. في 25/7 صدر بيان يؤكد فيه اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي لنقابة المعلمين ويطالب المعلمين بترقب ودعم هذا المؤتمر.

الواضح أن استجابة الحكومة الفلسطينية والسلطة عموماً لموضوع الإضراب كارثية على كل الصعد المباشرة منه والإعلامية وغير الرسمية. وهذا يتطلب موقفاً جاداً ومسؤولاً من المعلمين الذين يبدو أن على عاتقهم حل هذه المسألة بمفردهم، فهم الأكثر التصاقاً بالمجتمع والأكثر حرصاً على استمرار نضاله وأبناؤهم المباشرين هم أول المتضررين. هذا كله ضمن أقل الخيارات المتاحة.

هذا السياق الذي خرج عن كونه مطالب نقابية محقَّه لفئة مظلومة، إلى إظهار حالة الانهيار الكبير الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية، التي لا تستطيع أن تستجيب لأبسط الحقوق المدنية لمواطنيها في الوقت الذي يُصرَفُ فيه على الأمن ملايين الدولارات في نفس اللحظة التي يسقط فيها عشرات الشهداء في الضفة الغربية وتحرق غزة بالحصار يومياً.

وفي الوقت الذي ختم فيه الإضراب حوالي الشهر، لم يزل النقاش دائراً في حلقات غير ذات جدوى ولا يزال تكرار صيغ الاتفاقات التي وقعها اتحاد المعلمين  المرفوضة هو المطروح. في حالةٍ توحي بأن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية قد فقد كل غطاء سياسي، وحُيِّدت كل الشرعيات فيه وفقدت مبررات وجودها الرئاسية والحكومية والتشريعية لحساب متكأ واحد تقف عليه السلطة السياسية  -كما يبدو- وهو المتكأ الأمني.

حراك المعلمين رفع الغطاء عن المسكوت عنه منذ سنوات وأتاح لأول مرة منذ بدايات الانقسام الفلسطيني عام 2007، أتاح للناس الحديث في الشأن السياسي والنظام السياسي بعمق ومسؤولية ووضوح وصراحه كان قد خفت صوتها في ظل حالة الخنق التي مارستها السلطة تجاه كل الأصوات المعارضة لها بعد الانقسام بشكل خاص.

موقف الحكومة ووزارة التربية والتعليم والناطقين الإعلاميين لحركة فتح والأجهزة الإعلامية التابعة والممولة من السلطة الفلسطينية كان واضحاً أنه مبني على أساس إهمال حراك المعلمين والتركيز على تمثيل اتحاد المعلمين العام، واتهامه أي طرف يحاول تجاوز الاتحاد بصنوف الاتهامات الحزبية والسياسية وغيرها كتصريح مثير للجدل أدلى به الناطق باسم حركة فتح فهمي الزعارير وعزام الأحمد وغيرهم.

ولكن في ظل هذا الواقع الذي سبق تفصيله  ومع توسُّع دائرة النقاش في المجتمع بعيداً عن مطالب المعلمين الذاتية من زيادة على الراتب أو علاوات وترتيبات إدارية خاصة، إلى مساحات أكثر وضوحاً وإزعاجاً على المستوى السياسي كالحديث عن توزيع الموازنة والترقيات والعلاوات والرواتب وأصحابها بشكل أكثر تحديداً وتخصيصاً. جعل النقاش حول رواتب الوزراء والنواب ونثرياتهم ومكان دراسة أبنائهم داخل الوطن وخارجه – صار هذا كله- حديث الشارع. و أصبح متداولاً بشكل أعمق وأدق وبالوثائق الرسمية التي بدأت تُسرَّب وتُنشر على الملأ وفيها الرواتب والأسماء والعلاوات وطبيعة الوظائف. و للمرة الأولى بهذا الوضوح يتم الحديث عن رواتب العاملين في كل الوظائف التي لا عمل فيها سوى الجلوس في المكاتب أو حتى بدون مكاتب! ولا شك أن الوعي الشعبي يتبع دائما كل نقاش عن الرواتب والحقوق المالية بالسؤال الأهم الذي يثار حوله الكثير من العجب وهو ميزانية الأمن الذي يستنزف ثلث ميزانية السلطة الفلسطينية. ويضج السؤال ما هو الجانب الأهم ليتم الصرف عليه؟.

هذا النقاش الدقيق الذي تجاوز الحديث عن خصوصية مطالب المعلمين إلى دائرة أوسع وأكثر التصاقاً ببنية النظام السياسي الفلسطيني وطبيعة القائمين عليه وأهدافهم ورؤيتهم للمشروع الوطني الفلسطيني والفائدة التي يجنونها من وراء عملهم ضمن هذه البنية وطبيعة تعاملهم مع المطالبات الحقوقية للفئة الأكثر التصاقا بالناس جعل هذا الحراك نوعياً ولن يتوقف أثره عند مطالب المعلمين اليوم في حال تصاعد بشكل صحيح لاحقاً.

الواقع السياسي الذي نعيشه في هذه المرحلة كالحديث الإسرائيلي الصريح عن بوادر انهيار للسلطة الفلسطينية، وبداية حراك فتحاوي داخلي للبحث عن خليفة لمحمود عباس وصراع فتحاوي داخلي بين الأجنحة المختلفة بالإضافة إلى الانقسام الفلسطيني الذي لا يمكن إهماله بين حماس وفتح. وقبل كل هذا هبة فلسطينية مشتعلة منذ أشهر. هذا الواقع يفترض أنه كان كفيلاً بجعل السلطة الفلسطينية تقف أمام مسؤولياتها وتعيد الحساب ألف مرة قبل أن تسمح باستمرار هذا الحراك كل هذه المدة وتوسع النقاش الدائر حوله ولكن هذا لم يتمْ وصار الحديث الذي يتم تداوله مرتبطاً بأن هذا الإضراب هو حاجة إسرائيلية لإلهاء الناس عن المشاركة أو المساندة للعمليات ضد الاحتلال، وهو ما كانت التقارير الإسرائيلية تناقشه من جوانب أخرى حين تتحدث عن تصاعد العمليات بسبب الإضراب الذي يعطي الطلبة فرصه للمشاركة في المواجهة مع الاحتلال بدل الذهاب إلى المدرسة!.

الإضراب يحيلنا إلى عام 2006 حينما حوصرت الحكومة التي شكلتها حركة حماس، كان الإضراب ومنه إضراب المعلمين هو اليد الأكثر إيلاماً ضد الحركة وظهرت حينها بوضوح استخداماته السياسية من الخصم السياسي حينها حركة فتح. وعلى الرغم من أن سبب الأزمة المالية حينها كان واضحاً ومطالب العالم كانت معلنة، وتوجه الإضراب لم يكن بريئاً إلا أن الحكومة حاولت أن تلتحم بشعبها وتظهر وجه العالم القبيح أمام مطالب الشعب العادلة. أما اليوم فنحن أمام حراك مطلبي عادل لا يختلف على ذلك اثنان، ومع ذلك يخرج رئيس الوزراء في مؤتمر صحفي ليلقي النكات والضحكات وكأن المشكلة لا تعنيه وأنه لا ولن يملك لها حلاً قبل استخراج النفط من الأراضي الفلسطينية!

الشعور بالخطر من هذا الحراك لا يخفى على الحكومة ومؤسسات السلطة المختلفة. ولم تستطع الحكومة وذراعها في حركة فتح – كما يبدو –السيطرة عليه مبدئياً. على الرغم من سعيها في هذا الأمر إعلامياً بشكل واضح. وهي حتى الآن تستخدم كل الوسائل التي ترتكز على العقلية الأمنية كاعتقال المعلمين أو إرهابهم والنداء في سماعات المساجد على المعلمين للتوجه إلى دوامهم ثم استغلال خطب الجمعة وصولاً إلى نبرة عالية من إهانة المعلمين واتهامهم والتحريض عليهم بدأنا نسمعها في الإعلام الرسمي والإذاعات المحلية كل صباح. كل ذلك في ظل غياب أي خطاب سياسي واضح يسعى إلى الحل من منطلق تحقيق الحقوق ضمن المتاح وضمن رؤية عادلة.

 كرامة المعلم، ارفع راسك أنت معلم، شعارات رُفعت في حراك المعلمين والذي كان في مجمله حراكاً ذو طبيعة سلبية قائم على التوقف عن العمل – الأكثر تعباً والأشد إرهاقاً في الوظائف الحكومية- بل وفي وقتٍ من العام يعتبر من أشد المراحل تعباً على المعلمين وهو الفصل الدراسي الثاني. وهذا ما يجعل المعلمين في مجملهم متساوقين مع الإضراب استجابة لحاجاتِ داخلية كما هو بحثٌ عن حقوقهم المطلبية. بالإضافة إلى هذا فإن التجربة قد علَّمت المعلمين أنه لا تعويض لما فات من حصص، وأن الفصل الدراسي سينتهي في موعده مهما كان الحال، وأن الراتب الأصلي سينزل كما هو ولن تستطيع الحكومة خصم شيءٍ منه. بالتالي هو حراك آمنْ على جميع المستويات، ما لم تتطور الأمور، وما لم تستطع الماكينة الإعلامية الحكومية وأذرعها من تشكيل ضغط شعبي حقيقي ضد المعلمين. أو استخدام وسائل تنتقل إلى المس المباشر بالمؤثرين في هذا الحراك.

 وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة أو انتخابات أو استطلاعات رأي تحدد ميول المعلمين السياسية. حتى نحكم على توجهات هذا الحراك الحزبية إن كانت متوفرة وإن كان لها أثر في توجيه الإضراب أم لا، فإن المراقب للساحة يستطيع أن يعطي حكماً عاماً أن نسبة المعلمين المؤثرين الذين ينتمون لحركة حماس في قطاع التربية والتعليم كبيرة وربما يكونون الأكثر تأثيراً. وعلى الرغم من سعي السلطة منذ تأسيسها لحجب الوظائف عن أبناء حماس إلا أن وظيفة المعلم لم تكن يوماً مطلباً يستحق العناء لمن يستطيع أن يعمل في وظيفة أخرى أكثر جذباً وإغراءً على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وهي ممكنة أكثر لأبناء حركة فتح في الوزارات الأخرى، ولذلك كان نصيب أبناء حماس في سلك التربية والتعليم كبيراً.

عموما في هذه النقطة لا يمكننا تجريد هذا الحراك من مطالبه النقابية والحقوقية المحقَّة بل الأقل من واجبه والتي يطالب بها أبناء حماس كما أبناء فتح وغيرهم ولكننا كذلك لا يمكننا أن نهمل الجانب السياسي، الذي يظهر أثره من خلال متابعة الجمهور لطبيعة الحراك وتحديد آرائهم وفقاً لطبيعة المعلمين وتوجهاتهم، وتشكيل ظهير شعبي متين يجعل من حراك المعلمين محتضناً من فئة كبيرة موالية للمعلم وساخطة بطبيعة الحال على الحكومة.

وعلى الرغم من سوء النظام التعليمي ومناهجه وواقعه إلا أن المعلم هو المعوّل عليه ولو بأقل القليل لحفظ ما بقي من وعي في هذا الوطن من أجل استمرار النضال لنزع الحقوق. و لذلك يجب دعم هذا الحراك الذي يظهر أنه يخوض معركة كبيرة داخلياً لتشكيل نقابة سيكون لها تأثير كبير مستقبلاً فنحن هنا نتحدث عن حوالي 40 ألف معلم وأكثر من مليون و200 ألف طالب على مساحة الضفة وغزة.

والحقيقة أن الدعم الذي تلقاه المعلم لم يكن بذلك المستوى فالأحزاب الكبرى كحماس – التي اتهمتها الحكومة أنها تقف وراء الحراك – لم يكن لها من الأمر إلا تصريحات هنا وهناك تطالب بإنصاف المعلمين كالتصريح الذي أطلقه سامي أبو زهري في 17/2/2016 والذي جاء فيه:” تؤكد الحركة على عدالة مطالب المعلمين الفلسطينيين وتدعو إلى احترام هذا الحراك المهني النقابي.” بالإضافة إلى المشاركة لأفراد الحركة من المعلمين في الفعاليات التي نظمها الحراك.

ولم تختلف مواقف التنظيمات الفلسطينية الأخرى بل كانت أضعف من المطلوب كموقف جزء من اليسار الذي لم ينسجم حتى مع مطالب الحراك حين طالب سكرتير جبهة العمل النقابي التقدمية محمد جوابرة في 7/3/2016:”  في تصريحات لبوابة ” الهدف نيوز” من كافة الجهات السياسية والاجتماعية الوقوف إلى جانب نضال المعلمين وتوجيه الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم العادلة وذلك بإعلان واضح من الحكومة يتضمن التطبيق الواضح والصريح  بجدول زمني محدد  لاتفاق عام 2013، واستمرار الحوار حول المطالب الأخرى”.

الحديث هنا يدور عن شريحة كبيرة  وذات أثر مباشر في حاضر ومستقبل المجتمع الفلسطيني وصراعه مع الاحتلال، هذا ولا شك بأن هذه الشريحة قد تعرضت لحملات من التشويه والإضعاف التنظيمي خلال سنوات عملها، ولا يخفى أن واقع المعلم إذا ما قُورن بأي موظف في السلطة الفلسطينية فإنه يُعد من الشرائح التي لم تأخذ حقها بما يتناسب مع الجهد والمهمة الملقاة على عاتقها. بالتالي فإن هناك عدة واجبات يجب أن تلتزم بها فصائل العمل السياسي الفلسطيني مجتمعة من أجل تحقيق أهداف هذا الحراك واستثماره مستقبلاً على جميع الصعد:

  1. لا بد من تشكيل الفصائل الفلسطينية وحدات دعم ومناصرة توعوية توجه عمل المعلمين من الناحية القانونية من خلال تفسير القوانين ونشر المعلومات المتعلقة بأهمية إيجاد نقابة تمثل المعلمين وتكون منتخبة من طرفهم.
  2. لا بد من تشكيل وحدات دعم إعلامي كبير من أجل توضيح واقع المعلم وأهمية مطالبه وانعكاسها على واقعه وأدائه، وهو ما يتطلب تركيز وسائل الإعلام بكل أنواعها على قضية المعلمين بجانبها الإنساني والقانوني والحقوقي والسياسي.
  3. يجب إشراك معلمي قطاع غزة بالمحادثات وتحميلهم لمسؤوليتهم الكاملة تجاه المطالب العادلة للمعلمين، بعيداً عن الجانب السياسي الذي تحاول أذرع الحكومة التركيز عليه من أجل تسييس الإضراب ثم خنقه، وهو ما يتطلب تحركات واعية جداً من أجل الانطلاق في عمل نقابي قانوني يليق بالمعلم الفلسطيني وينطلق من قاعدة حقوقه بعيدا عن المناكفات السياسية التي ينتظر البعض تحركها لاستغلالها.
  4. يجب على مؤسسات المجتمع المدني أن تدعم جهد المعلمين وتقدم لهم كافة أشكال الدعم والمناصرة واستخدام علاقاتها وما تملكه من معلومات وقدرات للسعي في توعية المعلم بحقوقه وحثه على المطالبة بها وفق القانون الفلسطيني.
  5. مجالس أولياء أمور الطلبة هي واحدة من الأدوات الأساسية الملتصقة بهمِّ المعلم وواقعه والتي يجب أن تبذل جهوداً كاملة من أجل دعم المعلم والوقوف معه بكل الوسائل من أجل نيل حقوقه.

أخيراً فإنه لا بد من التأكيد أن الحراك النقابي لا بد له من دعم سياسي كبير خاصةً وأنه يتم من فئة لم تخض سابقاً حراكاً حقيقياً في ظل الظروف الأمنية المعقدة التي نعيشها اليوم، ولذلك فإن الدعم السياسي لهذه الفئة ونيلها لمطالبها سينعكس إيجاباً على واقع ومستقبل الفلسطينيين ككل، ليس فقط في الجانب المادي وإنما في جانب أهم مرتبط بوعي الطالب الذي يرى معلمه يخوض صراعاً من أجل نيل أبسط حقوقه وبالتالي فإن نتائج الحراك ستخلق وعياً كبيراً لدى شريحة تمثل مستقبل الوطن.

للتحميل من هنا

 جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى