الاصداراتمتفرقات 1

ثورة المعلمين

111
 

  تشهد الضفة الغربية هذه الأيام انتفاضة من نوع جديد، وقودها المعلمون الذين وجدوا أنفسهم في وضع مزرٍ؛ نتيجة تجاهل الحكومة لمطالبهم وتخاذل من يمثلهم عن المطالبة بحقوقهم وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، حتى غدا المعلم الفلسطيني في أسوأ حال وغدت مهنته لا تمكنه من تحقيق الحياة الكريمة له ولأسرته.

تنوعت شعارات المعلمين المرفوعة بين ما هو موجه إلى الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين الذي يحتكر تمثيل المعلمين حيث إنه تأسس في عام 1972، وكانت منظمة التحرير تشرف عليه بصورة مباشرة، ويتكون الاتحاد من المؤتمر العام الذي ينعقد كل 3 سنوات وتتمثل مهامه في تقرير السياسة العامة للاتحاد وانتخاب أعضاء الأمانة العامة، ومن الأمانة العامة وهي التي تشرف على تنفيذ الخطط والسياسات الموضوعة من المؤتمر العام.

أبرم اتحاد المعلمين الفلسطيني اتفاقية مع الحكومة في رام الله في عام 2013 تنص على زيادة 10% على الراتب الأساسي للمعلمين، تُصرف على مرحلتين، غير أن الحكومة ماطلت في تنفيذ الاتفاق وقامت بتجزئته وعدم تنفيذ بنوده، حتى إنها خصمت 1% من النسبة من أجل إعطائها للموظفين الإداريين في مديريات التربية والتعليم وهذا ما دفع المعلمين إلى المطالبة باستقالة الأمين العام للمعلمين الفلسطينيين أحمد سحويل والذي يحمله المعلمون مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.

قام المعلمون في عام 2013 بالاعتراض على هذا الاتفاق الذي عدوه خيانة لهم ولمطالبهم، وقد قام كثير من المعلمين بالإضراب في بعض المدارس وقامت وزارة التربية والتعليم بمعاقبتهم إما عن طريق الخصم من الراتب أو عن طريق النقل من المدرسة وتوجيه إنذارات لهم.

أما الطرف الثاني المسئول عما آلت إليه أوضاع حسب رأي المعلمين فهو الحكومة في رام الله ورئيسها الذي ماطل في تنفيذ الاتفاق الذي لا يلبي الحد الأدنى من مطالبهم، وجزَّأ الاتفاق وانتقص منه وأدخل بعض الزيادات الروتينية المستحقة سنويًا ضمن الزيادة السنوية وهو ما سبب في ثورة المعلمين العارمة التي اجتاحت الضفة وتسببت في إغلاق المدارس من الخليل جنوبًا إلى جنين شمالًا وبلغت ذروة هذا الحراك باعتصام أكثر من 10 آلاف معلم أمام مقر الحكومة في رام الله في تاريخ 16/2/2016م.

تنوعت مطالب المعلمين ما بين مطالب مادية تتعلق بزيادة رواتبهم بما يتلاءم مع جهدهم المبذول ويحقق لهم الحياة الحرة والكريمة وحتى يتساووا مع الموظفين الآخرين الذين تلقوا زيادات سنوية تتراوح بين 30%-90%، وما بين مطالب تتعلق بإصلاح البنية التعليمة من حيث المناهج والأساليب والبناء وتوفير الاحتياجات الخاصة في المدارس كالتدفئة والوسائل المتنوعة، بالإضافة إلى مطلب إقامة نقابة خاصة بالمعلمين بعيدة عن الانتماء الحزبي والولاء للحكومة أو الأحزاب الفلسطينية، وتتشكل بشكل ديمقراطي من المعلمين بشكل مباشر هدفها الأساسي كرامة ورفعة المعلم الفلسطيني وتحقيق مطالبه العادلة.

بدأت السلطة بمحاولة ضرب إجماع المعلمين عن طريق ادعاء قيام طرف فلسطيني بهذا الحراك خدمة لأجندة خاصة، غير أن هذا الأمر جُوبه بوحدة حقيقية بين المعلمين جميعًا الذين أكدوا على أن عملهم عمل نقابي لا علاقة للأحزاب أو الحركات به، وتم استخدام سلاح التخويف بالنقل أو الخصم من الراتب، بالإضافة إلى قيام أجهزة السلطة باستدعاء بعض المعلمين إلى مقراتها من أجل الضغط عليهم لفك إضرابهم، كما شن أمين عام اتحاد المعلمين الفلسطينيين هجومًا عنيفًا على المعلمين ووصفهم بالشرذمة، وأنهم مجموعة قليلة لا تمثل غالبية المعلمين.

من المتوقع استمرار المعلمين على فعالياتهم وإضرابهم إلى أن يتم التوصل إلى حل يحقق مطالبهم، بزيادة مادية معتبرة واستقالة أحمد سحويل من أمانة الاتحاد وإجراء انتخابات جديدة للاتحاد تقوم على الاختيار المباشر من قبل المعلمين كما كان يجري في المرات السابقة، حيث كان يتم اختيار أعضاء الاتحاد بطرق غير مباشرة تسودها الضبابية وتتسم بالغموض ويشارك فيها قلة قليلة من المعلمين ممن يلتقون سياسيًا مع السلطة.

يقف المجتمع الفلسطيني مع المعلم بصورة لافتة؛ لأنه يرى ما وقع عليه من ظلم وعايش حاجته وقلة إمكانيته، وهذا الأمر سوف يشكل داعمًا للمعلمين في حراكهم، وهناك أيضًا الطلبة الذين حرموا من دراستهم بسبب هذا الإضراب وخصوصًا أن المدارس مرتبطة ببرنامج زمني لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه بسبب وجود امتحان التوجيهي.

ستشهد الأيام القادمة تصعيدًا في الخطاب بين الطرفين، وزيادة في الضغط على المعلمين عن طريق تهديدهم بالاعتقال والخصم من الراتب أو النقل من مدارسهم، وهذا الأمر إن لم يتداركه العقلاء فسيدمر العملية التعليمية ويساهم في زيادة الشرخ في المجتمع الفلسطيني الذي يسعى بكل الوسائل إلى تحقيق حلمه بالحرية والتحرير لوطنه ومقدساته.

لا يمكن الفصل بين حراك المعلمين وبين ما يحدث في الضفة الغربية من قمع للحريات وتضييق على العمل النقابي، فالمعلمون أكبر فئة وظيفية في فلسطين ويشكلون الكتلة الثقافية والاجتماعية الأهم القادرة على التأثير في مجريات الأحداث، والتي جرى تهميشها بصورة كبيرة من قبل أجهزة السلطة المختلفة، فهل تتطور الأمور لتشكِّل حالة ثورية جديدة تساهم في تغيير الواقع الفلسطيني، وتُخرج المجتمع من حالة القمع ومصادرة الرأي والخوف من إبداء الرأي إلى حرية العمل النقابي وترسيخ قيم الحرية والمساواة.

للتحميل من هنا

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى