الاصداراتمتفرقات 1

الراهن والرهانات في المشهد السياسي الجزائري

الراهن و الرهانات في المشهد السياسي الجزائري 2

على بعد سنتين أو أقل من الانتخابات الرئاسية في الجزائر وفي ظل الوضع الأمني الراهن المحلي المغاربي والإقليمي، عدد من القضايا تٌثار وكثير من الأسئلة تطرح عن المشهد السياسي العام في الجزائر الواقع والمآلات، وفي محاولة منا لاستشراف رهانات الممارسة السياسية في الجزائر مٌستقبلا، كان لمركز برق حوار مع الأستاذ محمد سي البشير – دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الجزائرية وأستاذ محاضر بجامعة تيزي وزو بالجزائر.
أجرى الحوار المتدربة في برق – نادية شيخي
بالعودة الى آخر أكبر حدث سياسي في الجزائر وهو الانتخابات التشريعية ما تعليقكم على نتائج انتخابات 04 مايو 2017.
بالعودة إلى تلك الانتخابات فإن ما يمكن قوله أنها جرت في ظروف استثنائية على كافة المستويات كونها جاءت في فترة ركود اقتصادي كبير بسبب تراجع أسعار النفط المورد الرئيس للميزانية الجزائرية. إضافة إلى توترات أمنيه مازالت مستمرة في الجوار المغاربي (ليبيا وتونس) والإقليمي (جنوبا، في مالي).
أما على صعيد تلك الانتخابات، بالذات، فإن مجمل الاستنتاجات بخصوصها، يمكن تلخيصها في الآتي:

  • اتسمت تلك الانتخابات بنسبة عزوف كبيرة وصلت إلى حدود “مخيفة” بالنسبة للنظام إذ لم تتجاوز المشاركة في أحسن التقديرات الرسمية وغير الرسمية، الـــ20 بالمائة من مجمل الوعاء الانتخابي وهو ما ينذر بوقوع قطيعة حقيقية بين النظام والشعب، من ناحية، ويقلل من مصداقية المؤسسات بصفة عامة والبرلمان بصفة خاصة “التمثيلية” بما يولد إشكالية تمثيلية التشريعات والقوانين الصادرة عن مؤسسة تشريعية غير تمثيلية.
  • انتهت الانتخابات إلى تأكيد التكهنات بأن النظام يسير نحو إغلاق تام للمشهد السياسي في أفق رئاسيات 2019 أو رئاسيات مبكرة وفق تطورات صحة الرئيس الحالي وهو المشهد الذي يؤكد النظام من خلاله عدم ثقته في غير “ماكيناته” السياسية والتي هي حزبي السلطة: جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي بشخصيتين مثيرتين للجدل على المستوى السياسي: ولد عباس أمين عام “الأفلان” وأويحي أمين عام “الأرندي”.
  • اتسمت الانتخابات بشكوك حول نزاهتها بل ورُفعت تقارير حول وقوع شبه تزوير عام يؤكد مخاوف النظام من تحولات المشهد السياسي إلى الوجهة التي لا تؤمن له السيطرة على المشهد برمته في أفق المواعيد السياسية القادمة إضافة إلى طبيعة القرارات الصعبة التي يجب اتخاذها احتواءً للصدمة الاقتصادية القادمة إثر ورود توقعات باستمرار أسعار النفط في الانخفاض إلى غاية 2019 بل أبعد من ذلك.
  • بروز مشهد حزبي جديد يقوده حزبا السلطة ومن ورائهما تجمع لأحزاب “إسلامية” وأخرى “مناطقية” بحجم مقاعد جعلها غير مؤثرة على المشهد السياسي وهو ما يؤكد عدم حاجة النظام لا إلى حلفاء ولا إلى “تابعين” في أفق حيوية ما ينتظره في السنوات القليلة القادمة.

 
ما هو سبب عزوف الجزائري عن المشاركة في الحدث السياسي؟ وما السبيل للحيلولة دون ذلك؟
يعود ذلك إلى الأسباب الآتية:

  • عدم صدقية المؤسسات السياسية في إدراك واقع الجزائريين السياسي حيث أنها ترجمت بقاء نفس نظام “دوران النخب” دون انفتاح ودون أمل في “تجديد لتلك النخب” وفق التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري منذ الاستقلال.
  • اتسمت الظروف التي جرت فيها الانتخابات بالكثير من التململ سواء على مستوى الترشيحات أو على مستوى تكهنات المشهد السياسي بمآل الانتخابات والحاجة إليها في الوقت الحالي المتسم- بالذات- بركود الحياة السياسية إلى درجة كبيرة.
  • جاء العزوف مترجما لحالة الترقب الشعبي في البلاد بعد قيام البرلمان السابق بإقرار ميزانية “نخبوية” يدفع فيها الشعب ثمن فشل السياسات الحكومية السابقة وثمن عدم محاربة الفساد المستشري في دواليب المؤسسات السياسية والاقتصادية في الجزائر.
  • جاء العزوف مترجما – أيضا- لقراءة شعبية لطريقة “تجديد النخب” و”دورانها” وفق عمليات مالية مشبوهة (شراء الترشيحات) وإبعاد المتمكّنين والتكنوقراطيين القادرين على منح دماء جديدة لعمل تلك المؤسسات.

ما تعليقكم على رفض أحد أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة في الجزائر “حمس” المشاركة في الحكومة؟
يؤكد ذلك الرفض القراءة التي تضمنت بأن النظام سعى، من خلال فرض تلك النتائج – بكل الطرق – ومنها التلاعبات وعمليات التزوير – رفع بشأنها رئيس لجنة مراقبة الانتخابات تقريرا إلى الحكومة لإجراء تحقيقات بشأنها- إلى إغلاق المشهد السياسي ورفض أية تحالفات مستقبلية تأسيسا على حاجته إلى الثقة الكاملة في من يتحالف معهم بسبب حيوية ما ينوي اتخاذه من إجراءات وقرارات سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى رئاسيات 2019 (أو رئاسيات مبكرة قبل ذلك).
من ناحية أخرى، يمكن تفسير رفض “حمس” المشاركة في الحكومة بسبب بروز تيار متشدد – الآن- في ذلك الحزب يحبذ التفكير في الابتعاد عن “القربى” من النظام في أفق ترشيح ذي مصداقية في رئاسيات 2019 إضافة إلى بروز نية من الإسلاميين، عموما، بالتبرؤ من الإجراءات الاقتصادية المزمع اتخاذها إثر تأكيد استمرار الصدمة الاقتصادية النفطية إلى ما بعد 2019-2020.
من جهة ثالثة، يمكن الحديث حول حرب داخلية داخل “حمس” لحسم مسألة “تجديد” النخبة القائدة للحركة بعد بروز تخلي النظام عن “أبو جرة سلطاني” الزعيم “المنتهية ألمعته” بالنسبة للنظام وللحركة على حد سواء.
أبرز مخلفات الانتخابات وجود حكومة جديدة برئاسة تبون والتي تنتظرها عديد الملفات الساخنة خاصة ما تعلق بالتحديات الاقتصادية “مسألة التقشف” ما قراءتكم لذلك؟
تنتظر الحكومة – حقيقة- ملفات ساخنة، لكنها ليست حيوية بحجم حيوية مستويين اثنين هما المستوى الاقتصادي، حفاظا على سياسة “السلم الاجتماعي” التي حفظت الاستقرار للنظام في فترة “الانتفاضات العربية” والمستوى الثاني وهو مستوى الانتخابات الرئاسيات القادمة في 2019 أو قبلها (مبكرة).
فيما عدا هذا، فإن الملفات كلها تدار بصفة روتينية بالنظر إلى بناء ميزانية للدولة على أساس برميل نفط بسعر 50 دولار لمدة ثلاثة سنوات تنتهي في أفق 2019 وهي تقديرات لا تملك الحكومة الجديدة إلا الاستمرار في اتباعها بالنظر إلى حيوية الأجندة السياسية القادمة وحجم الانتظار على المستوى الاجتماعي بالنسبة لملفين مهمين جدا وهما ملف السكن، من ناحية، وملف تدعيم السلع الأساسية، من ناحية ثانية.
إلى جانب التحديات الاقتصادية هناك الجانب الأمني الذي يعتبر هاجس الحكومة الجزائرية خاصة مع عودة العمليات الإرهابية في الداخل الجزائري التي استهدفت عناصر الجيش الجزائري ما تعليقكم على ذلك؟
لا يمكن الحديث عن عودة للتهديدات الأمنية بل استمرار “جيوب” محددة في التحرك وبخاصة في الجنوب الجزائري إضافة إلى وجود تحول للتهديدات الإرهابية بعد ثبوت تورط جهات أخرى في ذلك وهي الجريمة المنظمة والتهريب واتخاذها، كلها، لمناطق واسعة من الصحراء الجزائرية مسرحا لتحركاتها وبخاصة ارتباطا مع ما يجري في ليبيا (شرقا) أو في مالي، النيجر وصولا الشمال الكاميرون، جنوبا.
لا يجب نسيان أن الجيش الجزائري في حالة تأهب قصوى وعلى فضاء جغرافي قلق يفوق 5000 كلم وذلك منذ موجة الانتفاضات العربية، عام 2011، وهي الحالة التي دفعت إلى تسلح كبير، من ناحية، وإلى اكتساب خبرة كبيرة في التحرك لاحتواء التهديدات وبخاصة بعد وصولها لمرات عديدة إلى عمق البلاد (حادثة المجمع الغازي لـــ”تيقنتورين” وحوادث أخرى في مدن عديدة).
كما لا يجب أن ننسى –هنا- أن عدم الاستقرار في الجوارين المغاربي الإقليمي مضافا إليه تدخل فرنسا في مالي والناتو قبلها في ليبيا، كل هذا لم يثن الجزائر عن الاستمرار في التشبث بمبدئها “عدم التدخل” خارج الحدود وهو قرار نابع، أساسا، من طبيعة مجمل التهديدات ومن طبيعة أخرى هي شساعة مساحة البلاد والتي لا يمكن معها تضييع جهود في تأمين الحدود على وقع تلك التهديدات وجو عدم الاستقرار المذكور.
ما تأثير عدم استقرار الوضع الأمني في بلدان المغرب العربي خاصة ليبيا على الوضع الأمني الداخلي في الجزائر؟
ما زالت الجزائر قلقة من عدم الاستقرار في ليبيا وهي تعمل جاهدة مع تونس ومصر لاحتواء تداعيات الفرقة في ليبيا –حكومتان وبرلمانان- وهي قلقة أيضا من ورود أخبار حول نية ترك الأمور تذهب بعيدا في التشرذم الليبي وصولا إلى إقرار تقسيمه وهو أمر خطير ينذر بتداعيات خطيرة على كافة المستويات وعلى المستويين المغاربي والإقليمي.
أما هشاشة الوضع في تونس فهي تعمل جاهدة للتدخل، في كل مرة، سياسيا واقتصاديا لمساعدة تونس على تجاوز الصعاب وانجاح تحولها الديمقراطي، أما على المستوى الأمني، فالجزائر، عملت وما تزال تعمل لاحتواء هجمات الإرهابيين على الحدود مع تونس وتمد سلطات “قرطاج” بمعلومات استخباراتية حول تلك التحركات وهو ما أكدته السلطات التونسية مرارا.
كما تتابع الجزائر بقلق ما يجري في المغرب من احتجاجات في “الريف” لأن أية انزلاقات سيكون لها تداعيات إضافية على حالة عدم الاستقرار في الجوار المغاربي، بصفة خاصة.
على ذكر الوضع الأمني في بلدان المغرب العربي العديد من المحللين يرون إمكانية انتشار الظاهرة ووصولها إلى الجزائر، هل تتفقون مع هذه الرؤية؟ ولماذا؟
لا يمكن، في أجواء عدم الاستقرار في الجوار المغاربي، الحديث عن عدم وجود تداعيات ولكنها لم تصل إلى حدود زعزعة استقرار النظام، بالنسبة لحركة “الريف” المغربية – مثلا- هناك حالة في الجزائر تديرها السلطات بمنتهى الحذر ومنذ ربيع المنطقة القبائلية ويتعلق الأمر بحركة استقلالية محدودة تحاول البروز ولكنها حتى في المنطقة القبائلية ذاتها، لم تلق القبول شعبيا.
على خلفية هذه التداعيات للاحتجاجات في البلاد، عرفت البلاد- أيضا- كيف تسير وتدير مشكلة أخرى في منطقة غرداية (جنوب الجزائر) أريد لها أن تكون مشكلة “طائفية” بين “المالكية” و “الميزابيين” لكن تحرك المجتمع المدني وبمساعدة الجيش والدرك تمكّن من احتواء الوضع وتوقيع “صلح” بين المتنازعين بالنظر إلى الطبيعة الاقتصادية البحتة لتلك المشاكل.
 
إن كنتم ترون عكس ذلك، ما هي العوامل التي من الممكن أن تحول دون ذلك؟
ما يمكن انتقاد النظام عليه –هنا- هو اتخاذه لمسألة “شراء السلك الاجتماعي” مسلكا لحل تلك المشاكل عوض الاعتماد على سياسة اقتصادية ناجعة وحل إشكالية الفساد وإقرار دوران للنخب وتجديدها بشكل يسمح بمشاركة سياسية واسعة لكافة فئات المجتمع وفق تنظيم يحمله مبدأ “التداول على السلطة” في إطارات إجرائية ديمقراطية محكمة.
 
بالعودة إلى الشأن الداخلي في الجزائر لاحظنا خروج بعض الشخصيات السياسية على غرار السيد سعيد بوتفليقة الذي توجه إلى مكان الوقفة الاحتجاجية التي نظمها مساندو الروائي “رشيد بوجدرة” وهي سابقة في تاريخ الجزائر، بعضهم علق على أن الأمر لا يعدو مشاركة عادية ومساندة فقط فيما رأى البعض أنها بداية لمشروع التوريث ما قولكم؟
بالنسبة لهذا الظهور، ما يمكن قوله بشأنه هو نوعا ما قياس نبض الشارع مع تلك الشخصية بالمقارنة مع ما يشاع حولها من تسلط وتحكم في الشأن السياسي للبلاد. من ناحية ثانية، يمكن القول بأن ظهور شقيق الرئيس في تجمع مثل هذا هو لعبة سياسية لإبراز وقوع نزاع ما مع الذراع الإعلامي لمحيط الرئيس والمتمثلة في قناة النهار وما يثار حولها وحول صاحبها من شكوك.
 
الجزائر على بعد سنة من الانتخابات المحلية وعلى بعد سنتين من الانتخابات الرئاسية وتنتظرها عديد الرهانات على الصعيدين الداخلي والخارجي خاصة في الجانب الأمني. برأيكم ما هي أبرز الرهانات التي تواجهها الجزائر؟
لعل أبرز رهان يواجه البلاد-حاليا- هو إدارة الشأن الاقتصادي مع استمرار مؤشرات عدم استقرار أسعار النفط في السوق العالمي. بالموازاة مع ذلك، هناك مسائل الاستقرار الأمني في الجوارين المغاربي والإقليمي وعلى المستوى الداخلي، الاستمرار في توفير الدعم للفئات الهشة في المجتمع على مستوى ملفي السكن ودعم السلع الأساسية.
هناك مسألة حيوية وهي حيازة أو استعادة “مصداقية” المؤسسات من خلال إبراز سعي حكومي حقيقي للعمل لصالح الشأن العام بعيداً عن سياسة البهرجة التي قادها الوزير الأول السابق “سلال” ولعل ذلك كما قاد إلى تعيين شخصية سياسية مثل “تبون” على رأس الحكومة بل وسعيه، منذ اليوم الأول، إلى وضع إيقاع محدد لسير العمل الحكومي من خلال إقالة سريعة لوزير مغمور (وزير السياحة) بعد ثبوت وجود ملفات قضائية للوزير.
لتحميل المقابلة من هنا

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى