الاصداراتمتفرقات 1مقال رأي

اقتحامات الخضراء.. بدايه لاقتحام خطوط حمراء ما بين التغيير والتنكير

878
 
(المنطقة الخضراء) (GREEN ZONE)المنطقة الأمنية التي اتخذتها قوات التحالف مقرًا لتدير منها نظام الحكم في العراق فقبل يومين من سقوط تمثال الرئيس صدام حسين، التقى بعض معارضي نظام صدام حسين بالفريق العسكري اللوجستي الأمريكي، وبحسب رواية المعارِضة الشيعية الموجودة في المنفى تمارا داغستاني، لم تكن لدى القوات الأمريكية أي خطة لمكان التمركز في العراق. وأضافت: “وضعوا خريطة بغداد على الطاولة، وسألوني أين سيبيت كل هؤلاء الآلاف من الأمريكيين؟” فأجابتهم بأن المكان الوحيد الذي يمكنهم اللجوء إليه هو منطقة في وسط بغداد حددتها لهم على الخريطة وأطلق عليها “المنطقة الخضراء”. وكان الرئيس صدام حسين يستخدم تلك المنطقة لقصره الرئيسي والقصر الجمهوري وعدد آخر من المباني الرئاسية، وكان على الأمريكيين أن يوقفوا بعض الدبابات على كل واحدة من الطرق الرئيسية المؤدية إليها. وقد ابتدع مصطلح “المنطقة الخضراء” بعض أفراد الأمن الأمريكي لتصنيفها بمثابة المنطقة الآمنة. والعراقيون الوحيدون الذين دخلوا المنطقة الخضراء هم الذين عملوا لمصلحة الأمريكيين أو قوات التحالف معهم. وفي المقابل سمِّيَت بقية بغداد بـ”المنطقة الحمراء”.[1]
إن المنطقة الخضراء بما تمتاز به من موقع استراتيجي حيث  تقع على الضفة الشمالية لنهر دجلة على مساحة تقارب ال 10 كلم مربع وسط بغداد، محصنة داخل أسوار منيعة حيث تتركز سلطة الدولة؛ تمثل أكثر المواقع تحصيناً في العراق، وهي مقر الدولة من حكومة وجيش، إلى جانب احتوائها على مقر السفارة الأمريكية ومقرات منظمات ووكالات حكومية وأجنبية لدول أخرى، وبعد تعيين الحكومة المؤقتة المسمَّاة مجلس الحكم المؤقت المقر من قبل قوات التحالف في العراق بقيادة بول بريمير دخلت مقار إجتماعات و إقامات الرئاسات الثلاث وحماياتهم ليكونوا ضمن بيئة معزولة عن كل الاضطرابات التي سوف تعصف بالبلاد خلف أسوار الخضراء فيما بعد أضفيَت عليها صفة الحصانة الأمنية والدولية منذ أوائل  2003  في بادرة لإضفاء صفة العزل والحماية الكاملة لها لما قد يحدث في المستقبل من اضطرابات وتنازعات.[2]
ظلت المنطقة الخضراء على مدى ثلاثة عشر عاما بعيدة عن متناول العراقيين، فهي المنطقة التي تدار منها الحرب ويحكم منها الساسة العراقيون بلا محاسبة، حتى لو كان عبثا بأموال الدولة، ولكن هذه المنعة ظهرت هشاشتها في الأمس القريب أوائل  شهر حزيران 2016 لتكرر مرة أخرى في  العشرين من الشهر نفسه من  قوة الشارع وبقيادة زعيم ظل محل جدل الأوساط الوطنية والسياسية وحتى الشعبية طيلة السنوات السابقة وكان يبقي في الظلال لشهورعدة ثم يظهر بعدها بتصريحات كلامية متباينة، قام مقتدى الصدر هذه المره بتزعم التظاهرات والاعتصامات التي ناشدت بالتغيير والإصلاح ووقفت على أبواب الخضراء تطالب بحقوق شعب انتزعت منه الهوية والسيادة طيله ثلاثة عشر عامًا بعدها علا صوت التغيير ليطلب ممن هم بالخضراء أما التغيير أو الرحيل لتقوم حكومة إنقاذ وطني تنتشل البلد من الوضع المأساوي الذي وصل إليه لتأتي في هذه الأثناء الأوامر من الصدر إلى أتباعه ومن يتناغمون مع توجهاته المرجعيه ومعهم بقية الشعب الثائر الذي يرجو إصلاحا وتغييرا ولو بسيطا بعدما يئس من كل الوجوه التي تعد ولا تفي ليكون بأمره هذا التفافه على مشروع التغيير والإصلاح كما التف من قبلها على كل المشاريع الوطنيه التي أجهضت قبلها بسبب هذه العصابات وقوادها والداعمين لها تحت أعين القيادة الأمريكية فما كان من الاقتحام إلا أن يكون أهوج غير منضبط  معطياً صفه العشوائيه وقلة الوعي للجماهير الثائرة خلف الأسوار، ولكن بأمر من اقتحم آلاف من أتباعه المنطقة المحصنة، أمام الجنود الذين لم يتصدوا لهم وهجموا على البرلمان وهاجموا أعضاءه من غير الصدريين. ويأتي الاقتحام في أعقاب فشل البرلمان لثالث مرة في التصويت على حكومة غير حزبية من التكنوقراط، ليبين أن النظام السياسي في العراق دمر من قدرة البلاد على مواجهة التحديات الوجودية أمامها باستمرار التقسيم الطائفي للكتل السياسية، فالبلاد معظمها تقع خارج سيطرة الحكومة والخوف الأكبر الآن هو تأثير ذلك على المنطقة بأسرها.[3]
إن ما يحدث في العراق يهدد الترتيبات الأمريكية هناك، ولكن في رأي بعض الكتاب الاستراتيجيين للأحداث في العراق كجريج جاوف “أن خطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لقتال تنظيم الدولة قائمة على وجود حليف عراقي يحظى بالمصداقية ويضطلع بدور فعال على الأرض ويتمثل في رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وخلال الأيام القليلة الماضية كانت الإدارة الأمريكية متفائلة إزاء هذه الشراكة المهمة، وذلك على الرغم من الاضطرابات السياسية الآخذة في التنامي في بغداد” وأضاف قائلا “أن سُحبا من الشكوك الخطيرة تخيم الآن على هذا التفاؤل وكذلك على استراتيجية الإدارة الأمريكية لقتال تنظيم الدولة في العراق بعد اقتحام المتظاهرين لمبنى البرلمان العراقي يوم أمس السبت والإعلان عن فرض حالة الطوارئ في بغداد. وأشارت إلى أن السؤال الرئيس الذي يطرح نفسه الآن على المسؤولين الأمريكيين، هو ماذا سيحدث إذا فشل العبادى في السيطرة على الاضطرابات التي تجتاح بغداد، وهو محور رئيس في القتال ضد تنظيم الدولة. وذكرت أن الفوضى التى تعم العاصمة العراقية تأتي بعد زيارة “جو بايدن” نائب الرئيس الأمريكى التى كانت ترمى لتهدئة الاضطرابات السياسية ومواصلة المعركة ضد تنظيم الدولة. وتابعت إنه فى الوقت الذي كانت تقترب فيه طائرة بايدن من بغداد يوم الخميس الماضي، وصف مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية زيارة نائب الرئيس الأمريكي التي أحاطت بها السرية قبل وصوله بأنها “رمز لمدى الثقة التى نضعها في رئيس الوزراء العبادى”.[4]
بدت النقلة الأخيرة وكأنها انقلاب على النظام السياسي العراقيّ الحالي لأنها، أولاً: نجحت في كسر الطوق الأمني للمنطقة الخضراء، وأعطت بذلك إنذاراً خطيراً للساسة العراقيين في أن أسوارهم التي احتموا خلفها من الجمهور العام فقدت صلاحيتها، وثانياً: لكونها وضعت النظام السياسي على المحكّ لأن القوى السياسية الممثلة للأحزاب في البرلمان صارت تحت الضغط الشعبيّ المباشر، وثالثاً: توجيهها أصابع الاتهام لإدارة اللعبة السياسية العراقية من إيران، وذلك من خلال الشعارات التي رفعت ضد طهران ورجلها القويّ قاسم سليماني.
لكن الحقيقة أن اندفاعة جماهير الصدر إلى المنطقة الخضراء والبرلمان واعتصام النواب وتمردهم والفوضى التي تعيشها بغداد (رغم ما ذكرناه آنفاً) هي أقل بكثير من انقلاب، ولا يمكن أن تشكّل خروجاً حقيقياً على النظام السياسي العراقي، وشعاراتها ضد الفساد وإيران، وطلباتها لتشكيل حكومة تكنوقراط خارجة عن المحاصصة السياسية، وهجومها على الرئاسات الثلاث، تدخل كلّها في باب رفع السقف السياسي لمطالبات الصدر وجعله الرقم الأصعب في المعادلة العراقية.[5]
يتمتّع الصدر بميّزة كبيرة هي تناقضاته السياسية وعثراته. وهذه الوضعيّة المذكورة التي لا ينافس الصدر عليها أحد من السياسيين الشيعة الآخرين فإن حركته العسكرية «جيش المهدي» اتهمت بعدد من الأفعال الإجراميّة الطائفيّة المروّعة راح ضحيتها مئات الآلآف من الأبرياء ومئات الآلآف من المغدورين والمعتقلين بدون أسباب سوى أنهم من أهل السنه والكثير من الأقليات الأخرى التي أحست بالخطر فقامت بالنزوح من ديارها قسرا حتى استتب الأمر لقادة المرجعيات الشيعية ثم جيئ بالآخرين من الطوائف الأخرى لتكملة معادلة التوافق والتصالح الوطني على الدماء والحقوق ومن بينهم من يدعون أنهم يمثلون السنه في إدارة الحكم في العراق ولكنهم لا يمثلون إلا إرادة من جاء بهم لمصالح المرحلة الحالية ولإعادة التوازن الشكلي لكل الأطراف داخل المنطقة الخضراء .[6]
ويضاف إليه أن الصدر كان يقيم في مدينة قمْ الإيرانية التي قضى فيها سنوات مختبئًا قبل الحرب الطائفية عام 2006 وبعدها فكيف يعقل أنه يقوم بمهاجمه رموز إيرانيه متمثلة ب ( قاسم سليماني ) أو قادة الحرس الثوري أو فيلق( قدس )ممن يعملون بتشكيلاتهم بالتعاون مع مقتدى الصدر وسراياه .
جماع القول أن طموح الصدر يتجاوز وضعيّته كزعيم شيعيّ ولكنّ تاريخه هذا، الذي يجعله محل اتهام أنه يسعى للالتفاف على أي مشروع وطني يخرج بالعراق من الأزمات كثيراً عن أقرانه ممن تلوّثوا بخدمة الاحتلال الأمريكي، أو بالتبعيّة المباشرة لإيران، يخفض أيضاً من وزنه حين تضاف الحوادث الأخرى التي ترتبط باسمه أو بحركته العسكرية.
انتزع الصدر مكانة شعبيّة واسعة ضمن الجمهور الشيعيّ، ما يسمح له بمناورات كبرى لا تصل إلى حدّ الانقلاب على النظام، ولكنّها مكّنته عبر الأيام من إتقان اللعب في المناطق الخطرة، فهو الوحيد الذي يستطيع أن يواجه المرجعيّة الشيعية للسيستاني، وجماهيره قادرة على مناكفة إيران والنظام السياسي العراقي، لكنّه، – للأسف- رغم مناشداته للجمهور العراقيّ العامّ، بمن فيهم السنّة والأكراد، لا يستطيع أن يصبح زعيماً فوق ـ طائفيّ- وليس مؤهلاً، بالتالي، لإنجاز «الثورة الكبرى» التي طالب جمهوره القيام بها[7].
إن ما شهده العراق من اضطرابات واعتصامات تعصف بالبلاد ماهي إلا نتاج العملية السياسية الأمريكية التي أرادتها لهذا البلد منذ البداية وكان من جاءت بهم كأدوات متمثلة بأحزاب إثنية أو سياسية أو دينية ما هم إلا مطايا الخطط الأمريكية التي تٌمرر من خلالهم كل مشاريع الاستنزاف الاقتصادي التي أعدت له ضمن خارطة الطريق عام 2003 ولكي تستمر عجلة استنزاف مقدرات البلاد اقتصاديًا كان لابد من انتزاع السيادة الوطنية وتشتيت الصف الوطني من خلال هؤلاء الذين جاؤوا بهم فصاروا من خلال تصريحاتهم الطائفية والحزبية يقودون البلد إلى تكتلات وأقاليم يأكل بعضها بعضها ويستغل ديمومته من انتهاء الآخر وبذلك تدوم للأمريكان وحلفاؤهم في المنطقة استمرار مصالحهم التي جاؤوا من أجلها .
إن المضاربات السياسية الداخلية والإقليمية جعلت ليس من هم خارج المنطقة المحصنة يعاني آثارها ولكن حتى من هم في  داخل أروقتها  حيث تجري الأمور  بينهم حسب ماتقتضيه المصلحة الأمريكية الإقليمية في اشتداد أو تخفيف الأزمة حتى تتحقق المصالح المقصودة ثم من بعدها تبدأ لغة الحوار وتطويع الخاسر من معادلة العنف يكون في طرف الحل السياسي منكسرا مجبرا غير راغب حتى باتت أغلب التحولات السياسية مشهدًا مزيفًا لتطبيق العدالة والمساواة الوطنية واحتواء أطراف النزاع بشخوص لا يمثلونهم وآخر ما يفكرون به خدمة المصلحة العليا لأصحاب القرار الإقليمي والأمريكي و ليس مصلحة  البلد العامة.
 
 
 
[1] اقتحام المنطقة الخضراء كشف هشاشة الدولة أمام الأزمات من قبل المحتجين ودلالاتها، مارتن تشولوف، صحيفة الغارديان ،تاريخ النشر 20 حزيران 2016.
[2] المنطقة الخضراء: ويكيبيديا /الموسوعة الحرة.
[3] اقتحام المنطقة الخضراء في بغداد مسرحية سياسية، فالح حسن وعمر الجويش من بغداد وتيم ارانجو من اسطنبول ،نيويورك تايمز ، تاريخ النشر 1 حزيران 2016 .
[4] المنطقة الخضراء خفايا إختيار المكان وأسباب تسميته ،وثائقي العربيه نت ، تاريخ النشر 22 حزيران 2013.
[5] النائب عن التحالف الوطني حيدر الفوادي: تصويت الكونكرس على معاملة الكرد والسنة كدولتين إيذان ببدء تقسيم العراق، وثائقي السومريه نيوز، 29 نيسان 2015.
[6] عراقيون يرفضون توجه الكونغرس لتقسيم بلدهم دويلات ثلاث، صائب خليل ،موقع القوش نت، تاريخ النشر 1 حزيران 2015.
[7] الصدر يهدد بـ”رفع التجميد” عن الجناح العسكري في التيار إذا أصرت أميركا على تقسيم العراق “طائفياً”،المدى بريس،  تاريخ النشر7 أذار 2015.
 

للتحميل من هنا

د. عمار العبيدي

“الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات “

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات ©2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى