الاصداراتتقارير جديدمتفرقات 1

استقطابات التشريعيات في الجزائر

استقطابات التشريعيات في الجزائر
                                           
الملخص :
تكتسي الانتخابات التشريعية القادمة في الجزائر أهمية متعددة الأبعاد من حيث المكانة التي يحتلها البرلمان في العملية السياسية ومساهمته في وضع التشريعات وسن القوانين وبدرجة أقل دوره في تشكيل الحكومة استناداً للتعديل الدستوري الأخير على الرغم من الكلمة الحاسمة والفاصلة التي تعود لرئيس الجمهورية في تحديد شكل تلك الحكومة ومكوناتها. وعلى بعد سنتين من الانتخابات الرئاسية تشكل الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في الرابع من مايو القادم مرحلة مفصلية في تحديد شخصية الرئيس المستقبلي في ظل الظروف الصحية التي يمر بها عبد العزيز بوتفليقة والتي ترهن حظوظه في التجديد لعهدة رئاسية خامسة من حيث مكوثه في حكم الدولة الجزائرية منذ سنة 1999 و عهدة أولى يجيزها له التعديل الدستوري الأخير بأثر غير رجعي والذي يتيح لرئيس الجمهورية التجديد لفترة واحدة فقط.
و على بعد أقل من شهر عن الانتخابات التشريعية التي يستقبلها الشارع الجزائري ببرود شديد تسارع مختلف الأحزاب السياسية الخطى وتسابق الزمن من أجل وضع اللمسات الأخيرة ووضع هياكلها على أهبة الاستعداد لخوض غمار انتخابات تترصدها العديد من العقبات ليس آخرها التزوير وعدم وجود ضمانات حقيقية لانتخابات حرة ونزيهة ولكن أيضا مدى جدية النظام السياسي الجزائري وسعيه لإيجاد حلول سياسية حقيقية تسمح بانتقال آمن وسلس للسلطة التي لا تزال بيد نخبة تحتكم إلى شرعية الثورة التحريرية وتأبى لحد الساعة تمريرها لجيل الاستقلال من خلال الاحتكام للشرعية الشعبية والمبادئ الديمقراطية بعيدا عن مجازفات سلطوية قد تؤدي إلى انزلاقات متعددة الانعكاسات سياسيا واجتماعيا.  
قراءة مختصرة في التعديل الدستوري الجديد:
الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات: نصت المادة 194 من الدستور الجديد على استحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات ترأسها شخصية وطنية يعينها رئيس الجمهورية بعد استشارته للأحزاب السياسية و تتكون بشكل متساوي من قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء و يعينهم رئيس الجمهورية، إلى جانب كفاءات مستقلة يتم اختيارها من المجتمع المدني  يعينها رئيس الجمهورية، وتتمثل مهمة هذه الهيئة في الإشراف على عمليات مراجعة الإدارة للقوائم الانتخابية وصياغة توصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العملية الانتخابية . (1)
وبهذا فإن الإدارة هي من تشرف على سير العملية الانتخابية، ولا يتعدى دور الهيئة العليا ” السهر على شفافية الانتخابات  ونزاهتها ” كما جاء في نفس المادة، وهو ما أثار امتعاض المعارضة التي ترى بأن السلطة أدارت لها ظهرها فيما يتعلق بمطلبها في ضرورة إعطاء صلاحية الإشراف على الانتخابات لهيئة مستقلة وإبعاد الإدارة التي تتهمها المعارضة بعدم الحياد و بتزوير الانتخابات في كل موعد لصالح أحزاب السلطة، غير أن السلطة ترفض وجهة نظر المعارضة بدعوى أن أي هيئة مستقلة ستقف عاجزة على الإشراف عن العملية الانتخابية لما يتطلبه ذلك من كفاءة إدارية ومقدرة على التعامل مع الجوانب التقنية و اللوجستية مما سيؤثر على السير الحسن للعملية ويتهددها بالفشل، وترى المعارضة بأن النظام يسوق تبريرات واهية بغية الاستئثار بإدارة العملية الانتخابية حتى يضمن “تفصيلها على المقاس” وتوزيع نتائجها بما يسمح له الاستمرار والتحكم في السلطة.
ورغم أن السلطة لم تلبِّ مطلب المعارضة في هذا الجانب غير أن أغلب أحزابها قررت خوض التشريعيات القادمة لأسباب مختلفة قد يكون السبب الرئيس وغير المعلن فيها هو تخوف هذه الأحزاب من تلاشيها بفقدانها لقواعدها الانتخابية التي قد تتوجه نحو أحزاب أخرى في فترة غياب أحزابها عن الساحة السياسية، كما تخشى أحزاب المعارضة من أن تجد نفسها مرغمة على جمع التوقيعات في حال ما إذا هي قررت المشاركة في مواعيد انتخابية قادمة، والعديد من هذه الأحزاب بوسعه المشاركة في انتخابات الرابع من مايو دون لجوئها لجمع التوقيعات حيث أنها تحوز على نسبة الأربعة بالمائة من أصوات انتخابات 2012 التي يفرضها قانون الانتخابات على الأحزاب للمشاركة في تشريعيات2017.
عهدة رئاسية تجدد لمرة واحدة فقط: مثل تعديل المادة التي تتيح لرئيس الجمهورية الترشح لأكثر من عهدتين عودة إلى دستور 1996 حيث ينص التعديل الجديد على أن المهمة الرئاسية مدتها خمس سنوات مع إمكانية تجديد انتخاب الرئيس لمرة واحدة فقط، غير أنه وفي هذه المرة تم إضافة مادة دستورية تجعل من فتح العهدات أمرا غير ممكن حتى ولو تم ذلك عبر تعديل الدستور أو تغييره بالكلية، وقد رحبت المعارضة بهذه الخطوة رغم أنها لن تطبق بأثر رجعي ما يضمن لبوتفليقة إمكانية تقدمه للترشح لعهدتين أخريين وبصرف النظر عن الحالة الصحية لبوتفليقة فإن ذلك سيضمن لمحيطه المناورة عبر كسب الوقت لتحضير خليفة له موالٍ لهم.
تشكيل الحكومة في الدستور الجديد: جاء التعديل الدستوري ل 2016 مخيبا لتطلعات أحزاب المعارضة وحتى حزب جبهة التحرير الوطني وعلى عكس رغبة أمينه العام السابق عمار سعيداني الذي لطالما رافع من أجل أن تشكل الحكومة من الأغلبية البرلمانية على غرار ما هو متعارف عليه في دساتير الدول العريقة ديمقراطيا، حيث نص الدستور على أن الرئيس هو من يعين الوزير الأول بعد استشارته للحزب أو الأحزاب التي تحصلت على الأغلبية البرلمانية ومع كون هذه الاستشارة شكلية إذ يحق للرئيس التخلي عنها فإن الأحزاب المعارضة حتى وإن كتب لها الحصول على الأغلبية البرلمانية فإن ذلك لا يخولها تشكيل الحكومة التي يبقى الرئيس هو المسؤول الأول والأخير عن تعيين أعضائها وهو ما يوضح قوة الطابع الرئاسي للنظام السياسي في التعديل الأخير في مقابل سلطة تشريعية ضعيفة.
نظام رئاسي قوي:
يكرس التعديل الدستوري الأخير ويقوي دعائم النظام الرئاسي الذي عمل بوتفليقة منذ مجيئه على توطيده في بداية تفاوضه مع جنرالات الجيش الذين عرضوا عليه تولي مقاليد السلطة في الجزائر حينها صرح بأنه لا يقبل أن يكون ثلاثة أرباع رئيس في إشارة منه إلى أنه لن يقبل بلعب دور الوكيل لقادة الجيش وممثلهم في الواجهة أمام الدول الغربية وأنه جاء ليتبوأ مكانته التي أبعده الجيش عنها قسراً بعد وفاة الرئيس هواري بومدين. أين كان يعد الرجل الثاني في الدولة الجزائرية وكل الإرهاصات كانت تنبئ بخلافته له لولا أن الأمور داخل النظام الجزائري سارت بضرورة الاستعانة برجل عسكري ليحل محل الرئيس الراحل فجاء الشاذلي من جديد وأقصي بوتفليقة الذي اختار الرحيل إلى الخارج لمدة قاربت العشرين سنة.
و منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية سعى بوتفليقة إلى تقوية أركان حكمه وفرض نفسه كأول وآخر شخص يصدر عنه القرار السياسي المتعلق بالشأن الجزائري فعمل على إخضاع العديد من معارضيه مستخدما حنكته الدبلوماسية حين أقنع العلمانيين والإسلاميين بالمشاركة في حكوماته، ومن جانب آخر سعى لتقليم أظافر قيادات عسكرية نافذة كان من بينها قائد الأركان محمد العماري حين أقاله وأحل محله الفريق أحمد قايد صالح، كما نجح في كسب صراعه مع جهاز المخابرات وكسر شوكة مديره العنيد محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق فقام بتحديد صلاحيات جهاز المخابرات وسحب العديد من الملفات منه وتحويلها إلى رئاسة الجمهورية، وشهد الصراع بين الرئاسة والمخابرات العديد من السجالات، حيث كانت فضائح شركة سونطراك النفطية والتي كانت المخابرات هي الجهة التي فجرتها بمثابة المنعطف الأخير في مسيرة الصراع بين الرجلين. (2)
و بعد أن انتهى بوتفليقة ودائرته الضيقة من عملية الاستحواذ بشكل شبه نهائي على جميع الصلاحيات عبر إشاعة فكرة إعطاء الصبغة المدنية للنظام السياسي الجزائري وهي الأفكار التي عمل على إخراجها للعلن الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني الذي أظهر عداءً مستحكما لمدير جهاز المخابرات حين بدأ في كيل جملة من الاتهامات له، وبانسحابه من قيادة الحزب ظهر سعيداني كورقة استخدمها بوتفليقة لإزاحة توفيق.
و بإبعاد توفيق هوت أهم ركيزة من ركائز النظام السياسي الجزائري والتي لعبت دوراً هاما في صناعة القرار السياسي في الجزائر على مدار ما يقارب ربع قرن فهو من فاوض بوتفليقة لحكم الجزائر في مرحلة حساسة، وتزامن هذا الإبعاد مع تعديل الدستور بما يخدم توجه بوتفليقة نحو توطيد دعائم النظام الرئاسي رغم زعم دوائر رسمية بأن النظام الجزائري هو نظام شبه رئاسي على شاكلة النظام السياسي الفرنسي الذي تستلهم منه الجزائر أغلب قوانينها وتنظيماتها السياسية والإدارية والقضائية، فمن الناحية العملية فإن التعديل الأخير يتيح لرئيس الجمهورية بشكل حصري تعيين الوزير الأول ورغم أن الدستور يوضح أن ذلك يكون بعد التشاور مع حزب أو أحزاب الأغلبية النيابية فإن ذلك غير ملزم من الناحية الدستورية  لبوتفليقة المعروف عنه باستخدامه لمواد دستورية وقانونية فضفاضة تتيح له مجال المناورة وتكييفها بما يخدم توجهاته.
لكن مرض الرئيس وعدم قدرته الواضحة على إدارة الحكم رغم تفنيد الدوائر السلطوية في الجزائر لذلك يلقي بظلاله على إشكالية من يصنع القرار في الجزائر في ظل دستور يكرس النظام الرئاسي من الناحية العملية وبوجود رئيس لا يقوى على إدارة الحكم، وهنا تتوجه الأنظار إلى الدائرة المقربة من بوتفليقة والمحيطة به بشكل لصيق، حيث تشير بعض الجهات إلى الدور الحاسم الذي يقوم به كل من سعيد بوتفليقة – أخ الرئيس ومستشاره الخاص- وأحمد أويحيى وقايد صالح في تسيير شؤون الدولة من الناحية العملية .
قانون الانتخابات الجديد:
لن يتمكن عدد من المسؤولين في الدولة والإدارة من الترشح للانتخابات بمقتضى القانون الجديد، ويدخل في هذا السياق كل من السفراء والقناصلة العامون والولاة المنتدبون ورؤساء الدوائر ومختلف موظفي البلديات، بعدما كان المنع مقصورا بمقتضى قوانين الانتخابات السابقة على الولاة والمدراء التنفيذيون والأمناء العامون للولايات ومحاسبي أموال الولايات، إضافة إلى القضاة وأفراد الجيش الوطني الشعبي وموظفي أسلاك الأمن، فقد اعتبرتهم المادة غير قابلين للانتخاب خلال ممارسة وظائفهم ولمدة سنة بعد التوقف عن العمل في دائرة الاختصاص حيث يمارسون أو سبق لهم أن مارسوا فيها وظائفهم. (3)
ويأتي توسيع دائرة الممنوعين من الترشح من قبل السلطة كخطوة ضمن مساعيها لتبدو إدارتها أكثر حيادا، وذلك في سياق مغازلتها للمعارضة وحملها على تقبل قرارها في رفضها لمقترح هذه الأخيرة بضرورة تكليف هيئة مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية وإبعاد الإدارة.
كما تضمن قانون الانتخابات الجديد مادة أثارت سخط المعارضة ورفضا لها واعتبرتها عقبة جديدة في وجهها وإكراها من إكراهات السلطة وسيلة لإقصاء الأحزاب المعارضة والتخلص منها، وتلزم المادة الجديدة جميع الأحزاب السياسية التي تحصلت على أقل من أربعة بالمائة من مجموع الأصوات المعبر عنها في الولايات التي شاركت فيها في الانتخابات السابقة بجمع عدد من توقيعات الناخبين داخل تلك الولايات بواقع 250 توقيعا عن كل مقعد من المقاعد النيابية المخصصة للولاية محل جمع التوقيعات.
وترى السلطة أن هذا الإجراء الجديد من شأنه التقليل من دائرة الفساد السياسي، حيث أن العديد من الأحزاب السياسية خصوصا الصغيرة منها والتي تغيب طوال السنة عن المشهد السياسي ولا تنشط إلا أثناء الانتخابات، أين يلجأ قياديوها إلى بيع رؤوس القوائم الانتخابية لصالح مترشحين لا هم لهم سوى الاستفادة من المزايا التي يحظى بها نواب البرلمان كالحصانة النيابية وإمكانية إقامة علاقات مع مسؤولين حكوميين مركزيين ومحليين مما يتيح لهم فرصة الإثراء بطرق سهلة ومختصرة، وهو ما من شأنه إفساد العملية السياسية وتلويثها بالمال السياسي وأخذ فرصة المناضلين السياسيين الحقيقيين للوصول إلى البرلمان  لإسماع  صوت المواطن البسيط وإيصال همومه ومشاكله اليومية لتصبح ضمن جدول أعمال المؤسسة التشريعية.   
دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية:
لطالما لعبت المؤسسة العسكرية عبر قياداتها النافذة دوراً حاسماً في وضع رؤساء الجزائر ومن ثم تحديد معالم النظام السياسي وصنع القرار داخله ورسم سياساته الداخلية والخارجية بما يتوافق مع أطروحات تلك القيادات التي يتهمها متتبعون للشأن الجزائري بولائها لجهات أجنبية فرنسية وأمريكية على وجه التحديد، وهو ما يشكل عاملاً أساسيا في صراع الأجنحة داخل مؤسسة الجيش والمخابرات وما يبرر بشكل واضح الخلاف الحاد الذي نشب بين بوتفليقة والجنرال محمد مدين المدعو توفيق مدير المخابرات والذي انتهى بعزل هذا الأخير وإبعاده عن المشهد السياسي كلية.
و يأخذ هذا الدور مبرراته من كون المؤسسة العسكرية الجزائرية هي من أنشأت الدولة الجزائرية بعد الاستقلال حيث استولى جيش الحدود أو ما يسمى جماعة وجدة على الحكم مبعدا بذلك المدنيين ممن ساهموا في استقلال البلاد من خلال نضالهم داخل الأحزاب السياسية التي كانت متواجدة قبل اندلاع الثورة كما أن بعضهم كانوا أعضاء في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من أمثال كريم بلقاسم، محمد بوضياف، حسين آيت أحمد، بن يوسف بن خدة وغيرهم. إضافة إلى أن تبلور هذا الدور في مرحلة الاستقلال تعود جذوره إلى فترة تأسيس جيش التحرير وما رافق ذلك من خلافات تنظيمية حاول مؤتمر الصومام سنة 1956 وضع حد لها من خلال محاولة عبان رمضان مهندس المؤتمر فصل العسكري عن السياسي وإعطاء الأولوية لهذا الأخير غير أن ولادة الدولة الجزائرية واستحواذ جيش الحدود على السلطة فيما يعرف بأزمة صائفة 1962 نسف كل تلك الجهود وجعل أزمة الدولة الجزائرية في يد العسكر وهو ما أصبح واقعا من خلال دستور عام 1963 الذي نص على أن الجيش يسهم في جميع مناحي النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد في نطاق الحزب أي حزب جبهة التحرير الحزب الحاكم والوحيد في تلك الفترة (4)، ومع مرور الزمن أصبح الجيش من خلال قادته أقوى مؤسسة في النظام السياسي والجهة التي تتحكم في  جميع مفاصل الدولة الجزائرية وقد ظهر ذلك بشكل جلي من خلال دورها في عملية صنع القرار ورسم السياسة العامة ودورها الحاسم في تعيين الرؤساء والمسؤولين الكبار في أجهزة الدولة ومؤسساتها السيادية.
ويبدو أن هذا الدور على الرغم من إجراءات بوتفليقة في تقليم أظافر المخابرات باعتبارها حجر الزاوية في المؤسسة العسكرية، يبدو أن هذا لن يؤدي إلى تراجع سطوة العسكر ونفوذهم داخل دواليب الحكم لصالح المدنيين، وفي هذا السياق تتجه الأنظار صوب قيادة الأركان متمثلة في شخص قائدها اللواء أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع كونه يعد واحدا من الأفراد القلائل المحيطين ببوتفليقة والمشكلين للدائرة الضيقة التي من المتوقع أنها ستقرر مصير الجزائر ما بعد بوتفليقة وبالتالي سيكون لها دورها المحوري في تحديد معالم انتقال السلطة والذي من المرجح أنه سيكون أفقيا هذه المرة أيضا ولن يخرج عن نطاق جيل الثورة المؤسس للدولة الجزائرية.   
الحالة الصحية للرئيس وإشكالية انتقال السلطة:
رغم تطمينات المسؤولين الجزائريين ومحاولة إظهار الرئيس في العديد من المناسبات السياسية إلا أن ذلك لم يمنع رواد شبكات التواصل الاجتماعي والأحزاب المعارضة و بعض الدوائر الخارجية من التشكيك في تصريحات الجهات الرسمية للدولة والمطالبة بإظهار حقيقة الحالة الصحية للرئيس(5)، فقد ازدادت هذه الشكوك خاصة مع  ذهاب بوتفليقة لفرنسا وسويسرا من أجل العلاج والفحوصات لعدة مرات في الفترة الأخيرة، كما أن تدوينة رئيس الحكومة الفرنسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووضعه صورة لبوتفليقة يبدو من خلالها في حالة متقدمة من الإعياء والإنهاك الأمر الذي أدى إلى صدور ردود أفعال ساخطة من قبل مسؤولين جزائريين شكلت في حد ذاتها حالة من الارتباك وعدم الثقة مما ضاعف من حجم الشكوك لدى تللك الأوساط.
وقد شكل عدم ظهور بوتفليقة لفترات طويلة نسبيا خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة الأخيرة حالة من المطالبة بتطبيق المادة 88 من دستور 1996 و المادة 102 في التعديل الأخير، من قبل دوائر معارضة تتشكل من أحزاب وشخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية، وفيما ترى هذه الأوساط أن الدائرة المحيطة ببوتفليقة تحاول إخفاء حقيقة حالته الصحية والادعاء بأن الرئيس ليس مريضا حتى تتجنب تطبيق المادة الدستورية التي تقضي بإعفاء الرئيس من مهامه في حال إصابته بمرض مزمن وخطير والذهاب إلى انتخابات رئاسية، وهو السيناريو الذي يعني رحيل تلك الدائرة المحيطة بالرئيس ومن ثم زوال مصالحها ومنافعها الأمر الذي تكافح تلك الدائرة بشراسة لتلافيه من خلال العمل على تعزيز مواقعها داخل منظومة الحكم عبر وضع شخصيات مقربة في المؤسسات التي يرجع لها اختصاص الفصل في مدى مطابقة الحالة الصحية للرئيس مع ما يصرح به الدستور فيما يتعلق بذلك، في حين ترى أطراف معارضة بأن الرئيس مريض ويجب تطبيق أحكام الدستور والمضي نحو انتخابات رئاسية وانتقال آمن للسلطة.
كما يكتنف الغموض المادة التي تتحدث عن حالة مرض الرئيس حيث عملت الجهات الرسمية والدائرة الضيقة للرئيس على إعطائها تفسيرا وتأويلا يسير في صالحها وعلى الرغم من النداءات المتكررة لتطبيقها فإن الجهات الرسمية تفند كون الحالة الصحية لبوتفليقة تنطبق عليها هذه المادة فمن وجهة النظر الرسمية فإن بوتفليقة لايزال في حالة جيدة حيث أنه يظهر في العديد من المناسبات للقاء مسؤولين وشخصيات أجنبية بشكل خاص، كما أن بوتفليقة وبتصريح من العديد من تلك الشخصيات لا يزال يحتفظ بتفكيره العميق ونظرته الفاحصة والثاقبة المعهودة عنه لما يدور من حوله وإلمامه بالملفات الداخلية والخارجية، فيما ترى الأوساط المطالبة بتطبيق تلك المادة أن بوتفليقة مصاب بمرض معقد وأن حالته الصحية تتطابق مع أحكام المادة الدستورية، وتتهم هذه الأوساط بأن الأطراف المحيطة ببوتفليقة تستغل هذا الوضع لتسيير مصالحها وربح المزيد من الوقت من أجل التوصل إلى بدائل تضمن من خلالها مكانة لها داخل النظام بعد وفاة الرئيس وأنها تتنصل من مسؤولياتها في تسليم السلطة بشكل آمن وتعرض البلاد لمخاطر الفراغ السياسي والصراع على السلطة.
برلمان ضعيف وشكوك حول شرعيته:
عرف برلمان 2012 العديد من المستجدات لعل أبرزها كان دخول النساء بقوة بسبب قانون الانتخابات الذي يفرض على الأحزاب والقوائم الحرة ضم نسبة معينة من النساء بمعدل الثلث تقريبا الأمر الذي سمح بمرور هذه النسبة من النساء إلى البرلمان فقد سجل هذا الأخير تواجد 145 امرأة من مجموع 462 مقعدا (6)،  وهو ما أثر على أدائه بشكل مباشر حيث أن عدم مراعاة الكفاءة نتيجة لاستحواذ الرجال داخل الأحزاب على هندسة القوائم الانتخابية أدى إلى عشوائية في الاستعانة بالعناصر النسوية من باب أن ذلك أصبح بالنسبة لهم عبارة عن إكراه قانوني وجب تجاوزه دون اعتبار لشروط الكفاءة والمستوى التعليمي والنضال داخل الحزب.
من جانب آخر فإن الصلاحيات المحدودة للمؤسسة التشريعية وتغول السلطة التنفيذية وقيام الرئيس بالتشريع في مناسبات يحددها الدستور لعل أبرزها إمكانية التشريع بين دورتين برلمانيتين، وإذا ما أضفنا إلى ذلك ضعف المبادرة لدى النواب في طرح مشاريع القوانين التي شهدها البرلمان الحالي  ما أدى إلى إنتاج برلمان يشبه غرفة التسجيل يكتفي فيه النواب في الغالب برفع الأيدي أو الامتناع دون مناقشة أو إثراء لما يتم تداوله تحت قبة البرلمان، مما يطرح إشكالا حول مدى الجدوى من صرف الجهد والأموال الطائلة على تنظيم الانتخابات ورواتب نواب لا يمارسون صلاحية  سن القوانين والتشريعات إلا في حدود ضيقة، وإذا ما انطلقنا من أزمة الشرعية التي يعاني منها برلمان 2012 نتيجة التشكيك بشكل مباشر في نزاهة الانتخابات التي أفضت إلى تشكيله  فقد طالبت جهات عدة بضرورة حله قبل المضي في عملية الإصلاحات العميقة التي أشرف عليها ومن بينها التعديل الدستوري لسنة 2016 فإننا سنكون أمام شرخ كبير في شرعية المؤسسة التشريعية يعيق استمرار مخرجات عملية الإصلاح السياسي ويؤثر على استقرارها في وجه التحديات المستقبلية.  
الخريطة السياسية وتوقعات فواعلها:
يمكن إجمال التيارات السياسية في الجزائر أو ما يطلق عليه بعض السياسيين تسمية العائلات أو الأقطاب السياسية في ثلاثة اتجاهات كبرى يضم كل تيار منها عددا من الأحزاب السياسية التي ترسم المشهد السياسي العام وتشكل فواعله التي تلعب أدوارا مختلفة الأهمية والتأثير من حيث الحضور في المواعيد السياسية والأنشطة المتعددة على مدار السنة وكذا العمق الشعبي والخطاب السياسي والأيديولوجيا المنتهجة، وقد بدأت هذه العائلات السياسية في التقارب على عدة مستويات منها ما يتعلق بالشراكة داخل الحكومة بالنسبة لأحزاب الموالاة ومنها ما يتم وفقا لتطابق الرؤى والبرامج والأهداف انطلاقا من نفس الإيديولوجيا السياسية بالنسبة لبقية الأحزاب، وفي هذا السياق يمكن تصنيف هذه التيارات الثلاث بالشكل التالي:
التيار الوطني:
يمثل هذا التيار نتاجا لمرحلتين هامتين من تاريخ الجزائر المعاصر، تمتد المرحلة الأولى منهما من تاريخ تأسيس جبهة التحرير الوطني إبان الاحتلال الفرنسي حيث كانت تمثل جميع التيارات السياسية الجزائرية التي أجمعت على ضرورة التحرر وتوحدت من أجل طرد المحتل، وامتدت هذه المرحلة من الاستقلال وما تلاه من بناء الدولة الجزائرية حيث لعب هذا الحزب دور الجهاز السياسي الذي أنيطت به مهمة التشييد والبناء في إطار الأحادية الحزبية إلى غاية مجيء عهد التعددية السياسية  وبروز أحزاب سياسية جديدة وتمتد المرحلة الثانية لتشكل هذا التيار من تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي سنة 1997 الذي ضم في صفوفه العديد من الوجوه السياسية المحسوبة على الجبهة وقد تم طرحه كبديل عن جبهة التحرير الوطني التي كانت تمر بأزمة سياسية عصفت بالعديد من إطاراتها نتيجة عدم قدرتها على التكيف مع مرحلة التعددية الحزبية التي أظهرت بوضوح انكفاء جيل الاستقلال عن جبهة التحرير واستمرت هذه المرحلة إلى غاية اندلاع ثورات الربيع العربي حيث عملت السلطة على إصدار قانون أحزاب جديد يسمح بتأسيس أحزاب جديدة بعدما كان ذلك ممنوعا وما استتبع ذلك من تشكل لأحزاب من طرف مناضلين فضلوا خوض تجارب سياسية بواسطة كيانات سياسية جديدة كان من أبرزها جبهة المستقبل لمؤسسها عبد العزيز بلعيد.
التيار الديمقراطي:
يرتبط هذا التيار تاريخياً بما يعرف بالحساسية البربرية وهي عبارة عن تيار ينتمي إلى الهوية الأمازيغية، تعود بداياته إلى الحقبة الاستعمارية حيث بدأ بالتشكل ثم أخذ أبعاداً أخرى مع الاستقلال حين انتفضت منطقة القبائل الأمازيغية بقيادة زعيمها التاريخي حسين آيت أحمد في وجه الحكام الجدد للدولة الجزائرية رفضا منهم للطريقة غير الديمقراطية في إدارة الحكم و تدوير السلطة، ومنذ ذلك التاريخ بدأ هذا التيار في النضال السياسي بداية بالمرحلة العسكرية التي قادتها جبهة القوات الاشتراكية ثم المرحلة السرية ثم تأسيس الأحزاب مع الانفتاح السياسي نهاية ثمانينيات القرن المنصرم و يتكون هذا التيار من جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب ثالث انشق عن هذا الأخير هو الحركة الشعبية الجزائرية التي أسسها عمارة بن يونس المعروف عنه موالاته للنظام السياسي الجزائري بعدما تخلى عن عدائه الشديد له.
التيار الإسلامي:
يبدو أن التيار الإسلامي يتجه بخطى ثابتة نحو التحالف والاتحاد وربما الاندماج الكلي في كيان واحد بعدما أبرمت كل من حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية اتفاقا يقضي بعودة هذه الأخيرة إلى صفوف حركة النهضة التاريخية بعد الانشقاقين المتتابعين الذين حدثا داخلها بداية بحركة الإصلاح الوطني التي تشكلت بعد خروج عبدالله جاب الله الزعيم التاريخي لحركة النهضة رفقة عدد من الموالين له، ثم انتهاء بنفس السيناريو في حركة الإصلاح الوطني ليؤسسوا في نهاية المطاف جبهة العدالة والتنمية، وفي الجهة المقابلة اتفقت حركة مجتمع السلم مع جبهة التغيير على عودة هذه الأخيرة وفق مراحل زمنية تحدد آليات عودة أعضاء جبهة التغيير إلى الحركة الأم، كما قامت حركة البناء الوطني المنشقة عن جبهة التغيير بعقد تحالف استراتيجي وحدوي اندماجي مع حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وفي هذا السياق سيدخل كل من حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني الانتخابات التشريعية عبر قوائم الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، كما تخوض  كل من حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير غمار الانتخابات تحت مسمى تحالف حركة مجتمع السلم، فيما رفضت حركة الإصلاح الوطني الانضمام لأي تحالف وفضلت خوض الانتخابات بشكل منفرد.
و يضاف إلى هذه التيارات عدد من الأحزاب اليسارية لعل أهمها حزب العمال , إلى جانب بعض الأحزاب التي تجمع بين الإيديولوجيتين الوطنية و الإسلامية كحزب تجمع أمل الجزائر ” تاج ” الموالي للحكومة و الذي يطرح نفسه كبديل لحركة مجتمع السلم الإسلامية التوجه بعدما أعلنت قطيعتها مع الحكومة و اصطفافها مع المعارضة .   
تحفظات المعارضة و احترازاتها :
تنطلق مخاوف المعارضة من إمكانية تزوير السلطة للانتخابات القادمة بسعي من الدائرة الضيقة في النظام السياسي الجزائري لإبقاء الأوضاع بما يخدم بقاءها في موقعها وتفادي خسارته والاستمرار فيه لأطول وقت ممكن، وهنا تلمح أوساط معارضة إلى استعمال السلطة عبر جهازها البيروقراطي المتمرس لأساليب ذكية في إخراج نتائج الانتخابات التشريعية بما يتيح أغلبية مريحة لصالح أحزاب الموالاة “جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي” وبدرجة أقل ” الحركة الشعبية الجزائرية و تجمع أمل الجزائر” تمكنها من تشكيل الحكومة ومن تمرير مشاريع القوانين المستوحاة من برنامج الرئيس وحكومته وإخماد أصوات المعارضة، وذلك في ظل عزوف شعبي مطبق حيث لم تتجاوز نسب الاقتراع حسبما صرحت به وزارة الداخلية 43,14 بالمائة وسط تشكيك للمعارضة بصحة هذه النسبة وعدم توافر ضمانات حقيقية لنزاهة العملية الانتخابية، الأمر الذي دفع المعارضة في مناسبات سياسية عديدة للتشكيك في العدد الحقيقي للهيئة الناخبة الذي حددته وزارة الداخلية بحوالي 23 مليون ناخب في الانتخابات التشريعية القادمة  (7) , في حين ترى المعارضة أنه لا يتعدى 18 مليون ناخب في أحسن الأحوال استنادا لعدد الهيئة الناخبة لدى الجارة المغرب والتي يتقارب عدد سكانها مع عدد سكان الجزائر مما يعني اتهاما مباشرا للسلطة بإقحام نحو ستة ملايين ناخب وهمي من المتوفين ومزدوجي الإقامة  حيث تزعم المعارضة أن موظفي الإدارة يقومون بصب هذه الأصوات في خانة أحزاب الموالاة، في حين يرى محللون أن العزوف الانتخابي يخدم أحزاب الموالاة وخصوصا حزب جبهة التحرير الوطني ذلك لأن هذا الحزب يملك وعاء انتخابيا مستقرا و ثابتا لا يتخلف عن جميع  الاستحقاقات الانتخابية منذ الاستقلال تقريبا ويتشكل أساسا من المجاهدين ” قدامى محاربي ثورة التحرير ” وذويهم ومن منظمات جماهرية كمنظمة أبناء الشهداء والمجاهدين والاتحاد العام للعمال الجزائريين واتحاد النساء الجزائريات ومنظمة الطلبة الجزائريين الذراع الطلابي للحزب، ومنظمات رجال المال والأعمال، في حين تتخلف الغالبية الساحقة والمقدرة بحوالي12 مليون ناخب، وإذا ما احتسبنا عدد الأصوات الملغاة التي فاقت المليون وسبعمائة ألف صوت في التشريعيات السابقة حيث يعمد أصحابها إلى التصويت بورقة بيضاء أو بظرف فارغ تعبيرا منهم عن عدم رضاهم عن المترشحين أو عن العملية السياسية في الجزائر بطريقة يتخللها الكثير من الحس والوعي السياسي، فإن المعارضة لن تجد من يصوت عليها سوى مناضليها أو بعض المتعاطفين معها على قلتهم مما يجعل نتائج الانتخابات في صالح أحزاب السلطة دائما حسب هؤلاء المحللين.   
تجاذبات السياسة قبيل انطلاق الحملة الانتخابية:
أبدت العديد من الشخصيات السياسية الحزبية والمستقلة تخوفاتها من استخدام المالي السياسي أو ما يعرف محليا ب” الشكارة” ” ( كيس المال ) بما في ذلك مسؤولو الحزب العتيد وعلى رأسهم الأمين العام للحزب جمال ولد عباس الذي أعلن شن حرب على مثل هذه التصرفات منذ مجيئه على رأس الحزب بعد استقالة سلفه عمار سعيداني، ويأخذ استعمال المال السياسي عدة مظاهر يتمثل أبرزها في قيام بعض من يسعون للترشح وتصدر القوائم الحزبية بتقديم رشى لمسؤولين في الأحزاب يكون لهم صلاحية البت في محتوى القوائم النهائية للمترشحين وترتيبهم داخلها، ويكون هدف هؤلاء الوصول إلى البرلمان لضمان الحصانة النيابية واستخدام نفوذ النائب وعلاقاته للفوز بالصفقات العمومية والقروض والامتيازات المختلفة، وهو ما يؤثر سلبا على عمل البرلمان وأدائه فيما يتعلق بالرقابة وسن التشريعات التي تخدم مصالح المواطنين.  
وقد شهدت عملية جمع التوقيعات بالنسبة للأحزاب التي لم تبلغ عتبة الأربعة بالمائة في التشريعيات السابقة العديد من الأفعال السلبية تراوحت بين شراء التوقيعات وسرقتها بطرق ملتوية ويقع بعض مسؤولي هذه الأحزاب تحت طائلة المتابعات القضائية التي كشفت ضلوع موظفين في الإدارة قاموا بالتوقيع والمصادقة على استمارات لا تحوي أسماء الأحزاب. (8)
وعلى الرغم من تصريحات جمال ولد عباس بخصوص القطيعة مع المال السياسي إلا أن وسائل إعلامية تحدثت عن تلقي بعض قيادات الحزب ممن لهم صلاحية وضع الأسماء داخل القوائم لرشى وطالت هذه المزاعم ابن الأمين العام لجبهة التحرير نفسه الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول جدية ولد عباس في القطيعة مع الفساد السياسي داخل حزبه على الأقل.
انعكاسات التشريعيات على رئاسيات 2019 :
لعل أهم معضلتين تواجهان التشريعيات القادمة ما تنادي به المعارضة وتطالب به في كل استحقاق انتخابي من ضرورة توفير ضمانات حقيقية حول نزاهة الانتخابات إلى جانب إقناع المواطنين بالتوجه بقوة إلى صناديق الاقتراع.
وترتبط التشريعيات القادمة ارتباطا وثيقا بالرئاسيات المزمع إجراؤها بعد حوالي سنتين وهو ما من شأنه إعادة تشكيل الخارطة السياسية بناء على نتائج التشريعيات القادمة، ففي حالة حصل قطبا الإسلاميين على نتائج متقاربة فإن ذلك سيكون مشجعا على انصهارهما في كيان واحد ومزيلا لكل أنواع الحساسية المفرطة التي يملكها كل طرف تجاه غريمه ومن ثم فإن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى التفكير في الإجماع حول ترشيح شخصية يدعمها إسلاميو الجزائر ويجمعون عليها ويمكن أن يلتف حولها المتعاطفون التقليديون مع هذا التيار والذين لا زال أغلبهم عازفا عن الانتخاب في الوقت الحالي بسبب ما يعتقدونه من عدم جدوى العملية الانتخابية طالما أن نتائجها محسومة سلفا من خلال تدخل الإدارة لتوجيه نتائجها ومن جهة أخرى فإن خطوة كهذه من شأنها إثارة روح العداء تجاه النظام الذي قد يرى فيها محاولة لإزاحته من طرف الإسلاميين مما قد يؤدي إلى صدام عنيف مع النظام الحاكم يأخذ أبعادا خطيرة يصعب التكهن بانعكاساتها على المشهد السياسي الجزائري من جهة ومع المؤسسة العسكرية ومع العائلات السياسية المعارضة من جهة أخرى، و في حالة وجود فارق شاسع بين قطبي الإسلاميين وهو أمر مستبعد نظرا للواقع الميداني وتقارب أحجام الوعاء الانتخابي لكل منهما استنادا للتشريعيات السابقة ووجود الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء في موقع قوة نظرا لتمثيله للمشروع الوحدوي الذي يطمح إليه المتعاطفون مع الإسلاميين في الجزائر فإن ذلك قد يجعل من القطب الإسلامي الفائز في موقع قوة لفرض رؤيته على القطب الآخر الذي قد يشهد نزوحا لمناضليه باتجاه القطب الإسلامي المتصدر.
وفي حال فوز جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي الوطني بالأغلبية النسبية مع صعوبة حصول أي من الحزبين منفردا على تلك النسبة، وهو الأمر المتوقع رغم إمكانية خسارتهما لمجموعة من المقاعد لكن كل من تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية سيقومان بسد النقص الذي قد يحول دون تشكيل الحكومة من طرف الحزبين الكبيرين  وهو ما قد يؤدي إلى تشكيل تحالف مع المؤسسة العسكرية ورجال الأعمال والمنظمات الجماهيرية والنقابية والتفافهم حول مرشح إجماع بالطريقة نفسها التي أتت ببوتفليقة إلى سدة الحكم، وبالتالي فإن الانتخابات الرئاسية القادمة قد تشهد مرشحا للإسلاميين ومرشحا للنظام السياسي القائم، إلى جانب مرشحين لتحالفات معارضة أخرى وشخصيات سياسية.
لتحميل التقرير من هنا
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى