الاصداراتمتفرقات 1ملخصات كتب

إشكالية الهوية والتعدد اللغوي في المغرب العربي "المغرب نموذجاً"

إشكالية الهوية والتعدد اللغوي في المغرب العربي
يسعى هذا الكتاب لتقديم صورة شاملة ومركزة عن الوضع اللغوي المُركّب بالمغرب في علاقته بقضية الهوية.
كما سعى لطرح قضية التعليم وهي لا تنفصل عن مسألة الهوية واللغة، لذلك فموضوع الكتاب ذو ثلاثة أطراف، فالسياسة اللغوية هنا تتحدد بناءً على التصور الذي تحمله المجتمعات المغاربية عن كينونتها التاريخية وصيرورتها المعاصرة.
وقد ناقش الكتاب كيف استغل الاستعمار حتى بعد رحيله هذه العلاقة بين الهوية واللغة في بسط نفوذه وتحقيق مصالحه، مما كان له بالغ الأثر السيئ على هوية المغرب العربي. واعتمد الكتاب بشكل ملحوظ على تصورات المفكرين والكتّاب العرب في عرض قضيته، مما ساعد في معرفة أبعاد الموضوع، فنحن بصدد دراسة تتبنى منهجاً علمياً ومُحاولة لاستخلاص ما يُمكن استخلاصه من أفكار حتى نصل إلى نتائج موضوعية بشأنها.
استُهل الفصل الأول من الكتاب بالحديث عن هوية المغرب بين الأمس واليوم، مُبيناً مفهوم الهوية الذي كثُر الكلام عنه في مجمل العلوم الإنسانية، فصار من الصعوبة بمكان تعريفه تعريفاً دقيقاً، لكن المراد كما أشار هذا الكتاب هو الهوية الثقافية لجماعة بشرية معينة، فجوهر الهوية الجماعية هو الثقافة، فـ “هناك إذن هوية جماعية تستمد ملامح مقوماتها من ثقافة المجتمع، على اعتبار أن الثقافة تُشكل المجموع المنسجم والمستمر للمعاني والرموز المشتركة التي تعمل الجماعة على توصيلها وإعادة إنتاجها من خلال مختلف القنوات التي تنسجها من أجل هذه الغاية” ص18، فمن أسباب انتشار المفهوم عالمياً كما علل الكتاب: الفردانية فنحن في عصر الهويات ولم تبق مسألة الهوية محسومة مما أوجب تعينها، كما العولمة والحداثة التي غالباً ما تسير في اتجاه واحد يأتي من الغرب للشرق ص19، بالإضافة إلى الأزمات والتحديات الحضارية وتحديداً ما يخص العالم العربي ومكانته، كما أن الوعي الديموقراطي في العالم وثقافة حقوق الإنسان فرضا الاعتراف بقيمة التعددية الحضارية مما دفع الشعوب للمطالبة بالمحافظة على ثقافتها من خلال إبراز هويتها، وأخيراً عامل يخص الأمم التي سبق استعمارها ص20.
ثم يناقش الكتاب العلاقة الوثيقة بين الهوية واللغة، فاللغة وعاء الفكر وأداة التفاهم والتواصل الاجتماعي، فهي عنوان الهوية للفرد والمجتمع كما أنها أداة ربط بالثقافة والحضارة ص21.
أمّا ما يخص الهوية المغربية فقد عمل الاستعمار على شق صف المغاربة، لهذا نوه الكتاب لأهمية الظهير البربري في تنبيه المغاربة للأخطار المهدِدة لهويتهم، فمنذ ذلك التاريخ أضحت القضية موضوعاً رئيسياً للتفكير والنضال لدى الباحثين. كما أن الإصلاح مدخل هام لصون الهوية واسترجاع العزة، وليس إصلاح الدين فحسب، بل إصلاح التعليم ولغته العربية ص30. كما أشار الكتاب إلى الجذور التاريخية للهوية المغربية، ثم أتى على ذكر مكونات الهوية المغربية وخصوصيتها وهما كما رأى “علال الفاسي” الأرض وروح العصر، أي الرغبة الدائمة في التجدد والتحول، أمّا بالنسبة للأرض فهي تتصل جغرافياً بأوروبا شمالاً والمشرق شرقا، ولكن انفتاحها على العالم كان براً لا بحراً ص33، فالتوجه الشرقي للمغرب قديماً، ويرجع نجاح الفتح العربي وفقاً لنظرية مشهورة في اكتساب شمال أفريقيا إلى الأصل الإثني الواحد للعرب والأمازيغ، أو لاشتراكهما في ثقافة واحدة أو متقاربة.
ومكانة الإسلام في الهوية المغربية عظيمة حتى قال أحدهم “من دون الإسلام يجد المغربي نفسه من دون بوصلة ولا مرساة” ص35، ولقد كانت للمغرب خصوصية من حيث ممارساتها للإسلام، كما أن خصوصية المغرب الوطنية لا تُؤثر على انتمائها العربي، ومما لا شك فيه أن شعور الانتماء للعروبة تراجع إلى حد ما في الآونة الأخيرة، لكن قيمة الانتماء العربي مكسب تاريخي لا لاعتبارات تتعلق بالهوية والتاريخ وفقط، بل لاعتبارات مصلحية بحتة أيضاً، وقد طرحها الكتاب بشيءٍ من التفصيل، كما استحضر الكتاب روافد أخرى لهوية المغرب الوطنية.
ثم سلط الكتاب الضوء في الفصل الثاني على العربية: مقوماتها ووضعيتها اليوم، فمنزلة اللغة العربية اليوم تعيش أزمة حقيقية، فقد عمل الاستعمار الفرنسي على إقصاء اللغة العربية وتهميشها في مقابل ترسيخ الفرنسية في المجالات ذات الفاعلية في المجتمع كما وصفوها بالجمود والرجعية، ولقد دافع العديد من علماء اللغة عن العربية بأقلامهم الفيّاضة تحت أسماء مستعارة في مجالات الكتابة، وما انفكوا يواظبون على ذلك بروح نضالية تؤازرها الخبرة العلمية والتأصيل المعرفي في سبيل إعلاء قدر اللغة العربية والذبّ عن حماها ([1])، وأمّا عقب الاستقلال فقد تعثرت حركة التعريب، بعد ما عمل المغاربة على تأسيس مدارس وطنية تُقر اللغة العربية وتأسيس المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي، نتيجة ظاهرتين هما الجهل باللغة لضعف التكوين اللغوي للقائمين بالتعريب وظاهرة التقصير في ضبط كل لغات القبائل العربية وإضافة الألفاظ المولَّدة التي يحتاج إليها واقع العصر ص53، كما أتى الكتاب على ذكر أبرز المعوقات والتحديات التي واجهت سياسية التعريب.
ولعل من أهم مقومات اللغة العربية في عصرنا كما أورد الكتاب طابعها القدسي ورمزيتها الإسلامية وأنها لغة تتميّز بقوة الناطقين بها عددياً كما أنها لغة رسمية لدى 22 دولة عربية، فرسميتها تمتد إلى مؤسسات دولية وإقليمية ص57،والغريب كما ذكر د. بدوي الشيخ أن هذه الحرب المتواصلة على اللغة العربية والهزيمة النفسية للعرب تجاه لغتهم تتنامى؛ في نفس الوقت التي تتمتع به الفصحى بخصائص كثيرة تفوق كل اللغات ([2])، كما سعى الكتاب لإبراز الوسائل التي اقترحها الباحثون الأكاديميون للنهوض باللغة العربية.
والدعوة إلى العاميّة في المغرب كان موضوع الفصل الثالث من الكتاب، فقضية الدارجة المغربية أضحت سبيل  الفرنكفونية والتيار المناهض للغة العربية لمحاربة الفصحى، في ظل تأمر لغوي فرنسي نهج سياسة لغوية قوامُها انتشار اللهجات العامية، ولم يقف الأمر على المغرب فقط بل تعداه في الوطن العربي، فتلك الدعوة ارتبطت في العصر الحديث بظروف احتكاك المجتمعات العربية عن طريق البعثات الثقافية ص64، وذكر الكتاب كيف نادى مفكرون مصْريون وشاميون باستخدام العامية واتهموا الفصحى بشتى التهم، كما وضح الفارق بين “اللغة” و”اللهجة” فإن كل لغة تعرف ظاهرة الازدواج اللغوي القهري لتلقائية اللغة العامية وشعبيتها، في هذا السياق يقول محمد شفيق أن تداخل المعاجم أمر مألوف معروف عند اللسانيّين لأن اللغات منشآت اجتماعية “حية” تتعامل فيما بينها وتتبادل “الخدمات”، ولذا لا يمكن لمتكلمي لغة ما، أن يدعوا أن لسانهم لم يتأثر بلسان آخر في معجمه ([3]). فمصطلح “لهجة” أدق من “اللغة العامية” لأن اللهجة فرع من الأصل وليست لغة مقابلة، وقد عزى علماء اللغات تفرع اللغة إلى لهجات إلى عوامل أشار إليها الكتاب أيضاً. وأشار إلى اشتراك العامية المغربية في خصائص مع باقي اللهجات العربية، كما يقول محمد شفيق أن الدَّارجة المغربية حرّفت عدداً مهماً من الكلمات العربية عن معانيها الحقيقية، وذلك لأن من أخذها أول الأمر عن العرب كان أمازيغيّ اللسان فهم كل كلمة منها في ظروف معينة أوحت إليه بمدلول لتلك الكلمة غير مدلولها الحقيقي الدقيق ([4]).
ومن المثير للجدل بروز ظاهرة الدعاة الجدد إلى العامية، فقد اعتمدوا على عدة دعاوى واهية لتنافيها مع الواقع وافتقارها الحقيقة والتي كان من أهمها ص72:
*اعتبار العامية المغربية لغة قائمة بذاتها ومستقلة عن الفصحى.
*ادعاء أن العربية الفصحى لغة وافدة إلى المغرب.
*شبهة اختلاط الخط المغربي عن الخط المشرقي.
أمّا الفرنكفونية ومكانة الفرنسية في النظام التعليمي فكانت موضوع الفصل الرابع، فاستعمار فرنسا قرابة النصف قرن أحدث نقلات فارقة في جميع المجلات الحيوية في المغرب، فتأسيس تعليم عصري نخبوي عِماده الفرنسية كان على رأس المخطط الاستعماري، حتى أنه لم يتغير عقب جلاء الاستعمار بل ظهرت “الفرنكفونية” كأيديولوجية فرض الفرنسية كما يسعى الفرنسيون دائماً لفرض لغتهم بخلاف الإنجليز ص79، كما تعتبر نفسها أيضاً حامية للتعدد اللغوي، وكما ساق عبد السلام المسدّي شيئاً أضحى عند المؤرخين والاجتماعيين والسياسيين كالمعلوم بالضرورة، محتواه أن الاستعمار الفرنسي قد خالف الاستعمار البريطاني في أنه كان استعماراً ثقافياً ولغوياً بالقوة نفسها التي كان بها استعماراً سياسياً واقتصادياً ([5])، وقد وصف عبد الإله بلقزيز فرنسا باختيارها الاستعمار الثقافي أنها أَحَدَّ ذكاء من سائر الدول الاستعمارية التي شغلتها شهية النهب الاقتصادي للخيرات عن إحراز أهداف أخرى بعيدة المدى وعظيمة العوائد، بإدراكها أن حقبة الاحتلال الاستعماري حقبة انتقالية في تاريخ البشرية لا تلبس حتى تنكفئ إلى حدودها يوماً ما بعد تحقيق مقاومة الشعوب المستَعْمَرة القدر الضروري من التراكم الذي به تُجبِرُها على ذلك الانكفاء، لذلك انصرفت بعناية إلى توفير شروط ديمومة سيطرتها في المستعمرات حتى بعد اضطراراها للجلاء عنها ([6])، وقد لفت الكتاب الانتباه إلى مسألة مهمة هي عدم إمكانية حصر الفرنكفونية في الناحية اللغوية- الاجتماعية، فهي أيضاً مشروع جيويوليتكي وسياسي، حتى إن بعض الباحثين الفرنسيين أطلق عبارة الدفاع عن اللغة الفرنسية مسألة تتعلق بالدفاع القومي. كما لا يجوز أن ننسى أن الغرب يعد المغرب العربي منطقة نفوذ خاصة بفرنسا ص81. هذا وقد نجح الاستعمار في تكوين نخب فرنكفونية تدافع عن مصالحه وتعتبر الفرنكفونية من مكونات الهوية المغربية.
ومما يدعو للعجب ترسيخ الاستقلال للتبعة اللغوية، فـ “الاستقلال” لا الاستعمار هو المسهم الرئيسي في نشر الفرنسية بالبلد ص86، ومن أسباب ذلك كما قال أحدهم أنه “بعد استعادة اللغة العربية لدورها في المدرسة كأداة أساسية للتلقين، يصبح دور اللغات الأجنبية أكثر وضوحاً وأيسر تقبلاً من طرف الرأي العام” ص87، كما سجل الميثاق الوطني للتربية والتكوين تراجعاً بدعوته إلى تدريس المواد العلمية في التعليم الثانوي بالفرنسية بحُجة أن الحاصل على البكالوريا يُمكنه متابعة دراسته الجامعية ص88.
ومن وظائف الفرنكفونية بالمغرب كما عرض الكتاب إثارتها لبعض المشكلات، فالفرنسية أصبحت أداة للتمييز الطبقي والاجتماعي، كما شكلت إعاقة فعلية للتنمية والتطور الاقتصادي ص91، علاوة على “فشل” التعريب، ومن وظائفها أيضاً تمييز الأمازيغ وتشجيع العامية. وقد استشرف الكتاب مستقبل الفرنسية بالمغرب، كما رأى الحل المطلوب لمعضلة الفرنكفونية في الديموقراطية وتحكيم الشعوب مصيرها ص95.
وقد أختص الفصل الخامس بالحديث عن الأمازيغية، فقد اعترف العديد من أقطاب الخطاب الأمازيغي أن الأمازيغ عرَّبوا أنفسهم، لكن هذا التعريب لم يكن شاملاً فقد “أصبحت بلاد البربر مسلمة في أقل من قرنين (السابع والثامن) على حين أنها لم تستعرب نهائياً إلى اليوم” ص98. ومع ذلك فقد كانت سياسة التعريب هذه من أكبر العوامل التي أدت إلى انحسار الأمازيغية بالإضافة إلى نهاية العزلة الجغرافية، واندثار البنيات الاجتماعية التقليدية، وحركة السكان في كل اتجاه وغيرها ص99.
ثم روى الكتاب لمحة تاريخية عن الحركة الأمازيغية وكيف تعايش البربر قروناً داخل المجتمع المغربي، ولكن الجدال حول الشخصية المستقلة والهوية ظهر في العصر الحديث وأضحى من القضايا الهامة المطروحة في المغرب اليوم، فالأمازيغية بالنسبة إلى دُعاتها منظومة ثقافية ولغوية، وتدريس الأمازيغية هو المفتاح السري للفكر المغربي والعلوم بينما يكون فَهم الدين أكثر بالتعمق بالعربية ص102، لهذا فموقف التيار المحافظ منهم يرى الإسلام جزءاً من الهوية وهو أساسها العقدي لكنهم مسلمون عجم كالفرس والأتراك، أمّا مَنْ يعادون الإسلام يرون أن الأمازيغ بدون الإسلام سيكونون شيئاً أخر فهو العامل الذي غيّر ألسنتهم. وقد رأى محمد الكوخي أنه منذ ظهور الحركة الأمازيغية والكلام يكثر في أوساطها عن “اللغة الأمازيغية” ودورها في تشكيل وعي الإنسان في المنطقة وثقافته وتاريخيه … إلخ،  بل إن البعض يختصر القضية الأمازيغية بمجملها في مسألة “اللغة الأمازيغية” إلى درجة التماهي المطلق بينهما، لكن هناك عدداً من الإشكاليات المرتبطة بتلك اللغة نفسها ووضعيتها المعقّدة والمركّبة، وذلك في إطار أكبر من التعقيد والتشعب الذي تعرفه قضية الهوية اللغوية لسكان المغرب الكبير عموماً ([7]).
ومن هنا انتقل الكتاب إلى إشكالية الأصول التاريخية للأمازيغية ومشروع المَعْيَرة، حيثُ توجد مجموع كبيرة من اللهجات الأمازيغية تحتاج في وصفها إلى دراسات ميدانية مقاربة، لذلك عمِلوا على “المَعْيَرة” أي توحيد المعاير وتأسيس لغة أمازيغية واحدة، فهو تركيب تقوم به الدولة الوطنية “قرار سياسي” والمهم فيه أن تعترف الجماعة بهذه اللغة وتستخدمها في حياتها اليومية ومؤسستها المختلفة، فهي الشرط الأول لتؤدي دورها في التواصل اليومي والمعرفي فيكون لها بذلك مكانتها بين اللغات ص108، وقد لفت محمد الكوخي الأنظار إلى أن عملية التوحيد هذه ضرورية للغاية بالنسبة إلى هذا النزوع القومي، حتى يكون بمقدوره تبرير مقولاته بشأن الأرض واللغة والتاريخ، وهي المقولات التي يقوم عليها خطابه الكامل. أمّا الخطوة المنطقية التالية التي تأتي بعد “توحيد الذات” فهي بالضرورة عزلها عن “الآخر” الذي جرى اختصاره في المكوّن الثقافي العربي وصار يُوصَف بكونه “دخيلاً” في مقابل الذات الأمازيغية “الأصلية”، ضمن ثنائية عربي/ أمازيغي التي ستصبح عنواناً للصراع القومي على هوية الإنسان في بلاد المغرب الكبير ([8]).
 
وعموماً لم يخلُ أمر المَعْيَرة من السلبيات التي تتلخص في القضاء على التنوع اللساني والإضرار باللغة الأم علاوة على ازدواجية لغوية جديدة بين لغة مكتوبة وأخرى شفهية وكيفية التوفيق بين هدف مَعْيَرة واحدة وبين احترام الاختلافات اللهجية في المعجم والصوت والتركيب، لذا انقسم الأمازيغيون في التعامل مع هذه الإشكالية ص109.
 
وقد بذلت الحركة الأمازيغية جهوداً في تدريس الأمازيغية بالمدرسة المغربية، فقد ناقش الكتاب مسوغات الاعتراف بالأمازيغية وتدريسها في الخطاب الأمازيغي والمبادئ الموجهة لتدريسها ومشكلة الحرف في الكتابة. وقد دعا المرصد الأمازيغي إلى أهمية دمج اللغة الأمازيغية بثقافتها من أداب وفنون وعادات وإدراجها في التعليم، كما صاغ المؤرخ الكبير “العروي” مستقبل للأمازيغية وتوقع نجاح الأمازيغية في توحيد اللهجات وأن يتوسع نطاق استعمالها فلا يمكن تجاهل النتائج المترتبة على ذلك من الكلفة الاقتصادية والتمايز على مستوى النخب.
 
وقد رأى الكتاب الحاجة إلى تأمل المسألة الأمازيغية كدسترة الأمازيغية وحدود مطالبها، وحاجتها إلى النقد الذاتي، كما توقع استمرار التعايش بين العربية والأمازيغية، فبَيْن الأمازيغية والعامية علاقة وطيدة جداً من تبادل للمفردات والتراكيب النحوية والصرفية، كذلك التقارب بين الأمازيغية والفصحى، فالرابح الكبير من “تصادم” اللغتين هي الفرنكفونية على حد قول المفكرين الذين دعو إلى التوحّد ضد الغزو الفرنكفوني الاستعماري، فالحقيقة أن اصطناع الصراع بين اللغتين سياسة فرنسية قديمة ص125، وأخيراً قدم الكتاب نقد وتقويم للخطاب الأمازيغي.
وانتهى الكتاب بالكلام عن المدرسة المغربية واللغات في الفصل السادس، فبيّن أن ما حدث بالمغرب هو فوضى لغوية وليس تعدد لغوي، فالميثاق الوطني للتعليم لم يضع أي تصور محدد من أجل ثورة لغوية أصيلة بل أسهم في ترسيخ التعددية اللغوية “المتوحشة” ص131، والنتيجة أن ما يمتصه التعليم اللغوي من كلفة زمنية نفسية تم على حساب الاكتساب المعرفي في أهون الأضرار، أمّا في أقصاها فهو ما يتبلور في مظاهر شتى من الفشل والهدر المدرسيين ص132، فالتعددية اللغوية طموح غير واقعي وثمنه باهظ على حد ذكر الكتاب، فعلى كل مغربي تعلم الأمازيغية (وهو شيئ مشروع) والعربية (وهذا ضروري) والفرنسية (بوصفه واقعاً تاريخياً) والإنجليزية (بحكم الضرورة الدولية) وأخيراً الإيطالية والإسبانية (لأسباب متعلقة بالجوار)، هذا ما سيُنتج مخبر للغات وليس فضاء للتفكير ص133، والمفروض هو التمكن من لغة رسمية واحدة يتم من خلالها إعدادهم للمشاركة في الحياة العامة والعلمية.
 
وقد أتى الكتاب على ذكر المشكلات جراء التعدد اللغوي بالنسبة إلى الطفل والمجتمع، منها أنه يؤثر سلباً على اللغة الأم، ونص علماء اللسانيات أن التعدد اللغوي قد يكون من أقوى عوامل التفكك الاجتماعي والتخلف الشمولي، وقد أضحى وسيلة لتفكيك بنية المجتمع وتهديد تماسكه ووحدته ص135، كما ذكر أن من أهم فوائد التخلي عن تعميم اللغات الأجنبية ص137:
1) الاقتصاد في مالية التعليم وميزانيّته.
2) توجيه أعلى نسبة من الممارسة الثقافية لذهن المتعلمين إلى المسميات بدل الأسماء.
3) الولوج التدريجي إلى العربية في جميع حقول العلم ومجالات العمل.
4) التماسك الاجتماعي والمحافظة على الأصالة وسلامة اللسان من الرطانة.
 
أما من مشكلات التدريس الحالي للغة الفرنسية ص138:

  • إمكانية الاستلاب في حالة عدم توافر المناعة المطلوبة، ولا سيما في طور الطفولة والمراهقة حيث القابلية للتأثُر تكون على أشدها.
  • اختيار نوع المنهجية المُتبعة.
  • التركيز على المضمون أو الكفاءات أو المهارات اللغوية.

وخطورة التعليم الخاص بوضعه الحالي تكمن في حدوث شرخ اجتماعي بين الطبقات العليا والمتوسطة وبين باقي الشعب، كما أنه سبب ظهور الإشكال اللغوي بالمغرب، لذا لزم الحرص على عدم توسع التعليم الخاص، وعلى مراقبته الإدارية ص141.
وقد اتجه الكتاب نحو طرح معالم سياسية لغوية سليمة أولها تعيين وظائف اللغات فقد رأى أن على الدولة المغربية مراعاة مبدأين هما المشروعية ومبدأ الوظيفية والواقعية، فلا مناص من اختيار لغة واحدة تكون الأساسية أو الأولى، فاختار العربية لتكون الأصلح للتدريس وليس العاميّة ولا الأمازيغية لما للعربية من مكانة علمية وتاريخية ولغِناها اللفظي وقدرتها على الاستجابة لكل المستجدات وغيرها من الأسباب ص143، وهذا ما قرره الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وعلى الرغم من ذلك فهناك عدة مشكلات لتعليم العربية ص149 منها:

  1. على المستوى المنهاج والمقاربة البيداغوجية، تم اعتماد رؤية منهجية غير متكاملة.
  2. ما يتعلق بمستوى أطر التدريس، فإن ثمة ضعفاً في المستوى المعرفي واللغوي.
  3. 3. بخصوص المستوى البيداغوجي لظروف التعلم، فهناك عدة ملاحظات سلبية.

 
وقد خصص عبد السلام المسدّي في كتابه فصلاً كاملاً تحدث فيه عن كيفية الاكتساب اللغوي ورهاناته وكيف أن اللغة ملكة، وتحصيلها قرين تعلّمها، ولا تَعلم إلا بتعليم سواء أكان إرادياً أم غير إرادي، وكيف أننا مازلنا على الصعيد العربي_ لم نهتم بعدُ بدراس العلاقة الجدلية الحميمية نفسياً وذهنياً بين مراحل التعليم وخصوصية اكتساب المهارات الأدائية بواسطة اللغة العربية حين تكون مستوفية لكل أشراط الإفصاح الإعرابي وقبل تلقّي القواعد النحوية بشكل نظري ( ([9].
 
وقد وضع الكتاب تصوراً ملائماً لتدريس اللغة الأمازيغية، واقترح تصوراً لتدريس اللغات الأجنبية في التعليم المغربي من أهم بنودها أن لا يكون إتقان هذه اللغات على كل التلاميذ العاديين، بل على كل باحث متخصص في حقل معرفي معين، فهم وحدهم القادرون على صوغ المضامين العلمية ص156.
وخاتمة الكتاب أكدت نتائج لحل قضية اللغة وخاصةً لغات المدرسة من حيث علاقتها بالهوية المغربية.
وأخيراً فإشكالية الهوية وخصوصاً المغربية موضوع ضخم وشديد التعقيد والتركيب، ويحتاج إلى تفصيل أكثر مما عرضه الكتاب هنا، فمسألة الهوية والجانب التاريخي للفرنكفونية والأمازيغية قضايا كبرى حقيقٌ بها أن تأخذ جهداً وتناولاً لم يحققه الكتاب مع إهمال بعض المسائل والأفكار كالعدالة اللغوية التي يتحقق بها العدل بين اللغات والتي تؤسس المشهد العام لدولة ما عبر تبنّي سياسة لغوية تعددية تعترف بحق كل جماعة لغوية في التعاطي بلغتها، فمبدأ المساواة الاجتماعية هو الذي يجعل من اللغة عنصراً ثقافياً اجتماعياً فاعلاً يؤكد وحدة المجتمع ويصوغ هوية ثقافية متعددة العناصر، وكعلاقة الهوية بالمعلوماتية متعددة الأبعاد كالبعد التكنولوجي باعتبارها أداة تُيسّر مهمّة دراسة الظواهر الإنسانية، والبعد الاتصالي كمسلك سيّار للمعلومة، وقد اعترف بذلك كاتبا الكتاب في مقدمته قاصدين تقديم صورة شاملة للقارئ غير المختص كمدخل عام ومتوسط الحجم.
لتحميل القراءة من هنا
 
 

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز برق للأبحاث والدراسات 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2017

([1]) عبد السلام المسدّي، 2014، الهُويّة العربية والأمن اللغوي: دراسة وتوثيق، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ص35.
د.بدوي الشيخ، 2009، سلسلة منار الشباب: الهوية ج3، دار الأندلس الجديدة، مصر، ص17.   (2)
محمد شفيق، 1999، الدارجة المغربية: مجال توارد بين الأمازيغية والعربية، أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، ص31.  ([3])
    المرجع السابق رقم 3، ص33.([4])
(5) المصدر السابق رقم 1، ص365:360.
(6) تحرير: عبد الإله بلقزيز، 2011، الفرنكفونية: أيديولوجيا، ثقافات، تحدِّ ثقافي– لغوي، حلقة نقاشية نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص 20،19.
([7]) محمد الكوخي، الأمازيغية المعيارية بين اختلاق لغة جديدة وصناعة الوهم الأيديولوجي، مجلة تبيَّن للدراسات الفكرية والثقافية، العدد 7- المجلد الثاني- شتاء 2014، ص 29.
([8])  المصدر السابق رقم 7، ص37.
([9]) المصدر السابق رقم 1، ص347، 351.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى